هل بدأت عندك مرحلة الفتور؟
هل أصبحت تستثقل القيام الطويل، وربما تمل إذا أطلت في قراءة القرآن الكريم؟ وهل ضعف حرصك عن الجماعة، تثاقلت عن الصف الأول وتكبيرة الإحرام مع الإمام؟
ربما .. ولكن لا بأس!
أتفهم والله أنك حزين لهذا، وانك تخجل من نفسك ومن فعلها، ولذا أقول: لا بأس.
إنما البأس كل البأس في أن تستلم، أن تنهار، أن تترك إرادتك تقاتل بروح المهزوم أمام تمرد النفس التي تحب أن تعود إلى ما تحب مما لا يحبه الله.
دعنا إذن نجرب خطة أخرى، إن تجربة السنوات الماضية تقول بأن مزيدا من الضغط على النفس لتقوم بالقيام وتلاوة القرآن يؤدي إلى نجاح محدود وغير طويل الأمد، ولذا سنحاول أن ندخل من مدخل آخر، مدخل التأثير على النفس ذاتها.
ربما كنت بحاجة إلى زيارة للمقابر، تنظر إليها وتتخيل أنك تحدث أحد الموتى، اسأله ثم توقع بم يمكن أن يجيب؟ علام يمكنه أن يندم؟ ما أكثر ما يمكن أن يتمناه ويطلبه؟ ما أول ما سيفعله لو عاد إلى الحياة؟
أنت بحاجة إلى أن تعيش هذه الأجواء، وتحت هذه الظلال، معايشة حقيقية عميقة فاعلة، ولا تتخيل أنك تعيش في الوهم، إنك تتخيل مستقبلك.. مستقبلك اليقيني الأكيد، بل هو مستقبلك الحقيقي.
فعش مستقبلك، وأجب بنفسك عن نفسك بعد عدة سنوات.
أنت بحاجة كذلك إلى زيارة المرضى، أقسام الأورام، أقسام الحروق، أقسام أمراض الدم، العناية المركزة. فهناك تكمن عظة أي عظة، وينزل بك تأثير أي تأثير.
فهناك لن تتخيل، بل سترى.. سترى وافعا حقيقيا تأخذنا عنه زحمة الحياة، ويتوه منا في دوامات الإعلام الذي يحلو له مناقشة القضايا التافهة لا القضايا الحقيقية والمصيرية، فعلى أسرة المستشفيات يرقد بشر آخر همهم في الدنيا أن يعودوا إليها أصحاء يستطيعون القيام والوقوف والحركة بلا ألم. لا يشغل بالهم أن يعودوا للمتعة على المقهى أو لإدراك الإثارة في مسلسل أو في فيلم.
هناك حقيقة الضعف البشري قائمة ظاهرة، وحقيقة الحياة الدنيا كلها، حقيقة أنها لا تساوي كل تلك الاعصاب التي تحترق في تفاصيلها. حقيقة أن الصحة وحدها لذة لا تقارن بها اللذات، ومتعة لاى تبلغها المتع جميعا.
هناك ترى جسدا يرقد، ربما لا يستطيع إمداد نفسه بالحياة فتتوصل به الأنابيب تحاول أن تبقي له على فرصة الحياة، هذا الجسد على بوابة الموت، إنه على الحد الفاصل بين حياة فيها العمل ولا حساب، وبين حياة أخرى فيها الحساب وقد انقطع العمل.
هذا الذي يتمدد راقدا، لو عاد إليه عقله، ماذا يختار وهو واقف على بوابة الحقيقة الكبرى، على وشك أن يدخلها، إلا أن يتغمده الله برحمة منه وفضل، فيستبقيه فرصة أخرى ؟ ألا تراه يقول وكله أمل (رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون : 99 ، 100] ؟
دعنا .. نجرب هذا؟
دعنا، نحاول أن نؤثر على النفس فنذكرها بالحقائق الكبرى في هذه الحياة، الحقائق التي تتوه في تفاصيل صغيرة، ويغطي عليها طوفان من إعلام تافه، ومن أصدقاء تافهين ولو أنهم طيبون، ومن اهتمامات تافهة ولو لم تكن سيئة.
دعنا نجرب هذا المسار، عسى الله أن يجعل لنا منه واعظا.