السلام عليكم ورحمة الله
من منا لا يحلم بحياة سعيدة هانئة..ومن منا لم يسلك شتى الطرق محاولا الوصول للسعادة..فالسعادة غاية كل الناس ولكن أغلبنا محروم منها!!!
مسكين من حرم من السعادة الحقيقية..من يظن انه سعيد وهو لم يذق طعم السعادة!!
حرم منها أغلبنا لأنهم سلكوا طرقا تحجب عنهم السعادة وتثقلهم بالهموم..هؤلاء هم من ظن أن السعادة في الماديات فوقعوا في الشهوات وأطلقوا غرائزهم.. وما علموا أن في "الشهوة لذة ساعة وألم دهر"..وهؤلاء هم من ظن أن السعادة لذة دقائق "فخرجوا من الدنيا ولم يدخلوا جنتها"
قال صلى الله عليه وسلم:"إن العبد إذا أخطأ خطيئة, نكتة في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع, واستغفر وتاب سقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه وهو الران الذي ذكره الله في كتابه العزيز:"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"(رواه أحمد والترمذي)
فالذنوب حجاب يمنع نور الهداية من الوصول للقلب وتعمي بصيرتك..فأنر قلبك واستشعر عظمة من تعصيه..من لا يخفى عليه شيء..من بيده ملكوت كل شيء..القوي..ذو الانتقام..ذو البطش الشديد.. قال الله تعالى:"إن الله قوي شديد العقاب"(الأنفال:52)
و قال الله تعالى : ( ولكن تعمى القلوب التي في الصدورِ ) (46)الحج
قيل: "قلب المؤمن نقي كالمرآة فلا يأتيه الشيطان بشيء إلا أبصره" ، فإن أذنب ذنبا ألقى في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب مُحيت ، وإن عاد إلى المعصية ولم يتب بقيت النكتة حتى يسود القلب فقل ما تنفع فيه الموعظة..وتذكر أن صحيفتك لن تخلو من كل صغيرة أو كبيرة ترتكبها..
فقلبك مرآتك ترى بها طريق الهدى من طريق الغواية فلا تعتم مرآتك بالذنوب إن أردت النجاة..فكن حارسا لقلبك من حديث نفسك فاستنكر عليها وسوستها وحبها لما يكره الله وحدثها بمحبة الله وخوفها من عذابه..
يا نائم المقلة والقلب :: وغافلا عن صرعة الذنب
هلا تيقظت وجنح الدجى :: مد من الشرق على الغرب
وقمت فيه ساكبا عبرة :: كأنها تسكب من سحب
وبين جنبيك لظى حسرة :: تشتد من جنب على جنب
على ليال بتها مرسلا :: خيلك في لهو وفي لعب
سكران من خمر الهوى :: ثاني عطفك من زهو ومن عجب
تسر باللذات وغن مرت :: كمر الرياح في اللهب
وربما كان سرور الفتى :: معقب أيما كرب
وقال بعض السلف لابنه:"إذا دعتك نفسك إلى معصية فارم ببصرك إلى السماء واستح ممن فيها فإن لم تفعل فارم ببصرك إلى الأرض واستح ممن فيها فان كنت لا ممن في السماء تخاف ولا ممن في الأرض تستحي فاعدد نفسك في عداد البهائم" فانقيادك خلف شهواتك يطمس الفضيلة بداخلك..واعلم انك تستطيع أن تختار بين حياة البهائم و الحياة السامية..فوازن بداخلك بين غرائزك والفضيلة وغلف قلبك بالإيمان لتنجو وتفوز بالسعادة الحقيقية..وتذكر قوله صلى الله عليه و سلم ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات )رواه مسلم..
وقد عدد ابن القيم درجات حياة السعادة ومنها:
حياة الهمة والإرادة وحياة الأخلاق والصفات المحمودة ثم حياة الفرح والسرور وقرة العين بالله..فجاهد نفسك والشيطان لتحقق ما خلقت لأجله فتسعد..ولا ترضى أن تكون عبدا للشهوات فكفاك شرفا أنك عبد للرحمن.. وكن صاحب همة للمعالي واصبر ساعة عن ذنب ..فتب إلى الله فوالله لا سعادة إلا في طاعته..
قال الله تعالى:"من عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة"(النحل:97) وهذا وعد ممن بيده كل شيء إن أنت عملت صالحا منحك السعادة المنشودة..وأعطاك الحياة الهانئة..فاجعل شغلك الشاغل العمل الصالح واسعى لإرضائه جل جلاله لتكسب سعادة الدارين..
قال الله تعالى:" ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"(طه:20) فتفكر في كلام من رضيت به ربا واعقله جيدا..إن أنت أعرضت عنه حرمت السعادة الحقيقية في الدنيا واستحققت النار في الآخرة..فلا تبع الجنة بلذة ساعة..
قال الله تعالى:" والذين جـٰهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"(العنكبوت:69) فربط الله عزوجل الهداية بالاجتهاد فبقدر جهادك لنفسك ووسوستها كانت هدايتك..فغالب نفسك عبد الله وخوفها من سوء العاقبة وحذرها أن يسبقها غيرها على ما عند الله... واعلم أن الجنة لا توصل إلا بالكد والعمل..وتيقن أن الشيطان مترصد لك على كل طريق للخير..
وقد قال أحد الصالحين:
النفس ما حملتها تتحمل ومن ترك طريق القرب من الله يوشك أن يسلك طريق البعد :
صبرت على اللذات حتى تولت :: وألزمت نفسي هجرها فاستمرت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة :: فلما رأت صبري على الذل ذلت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى :: فإن توقت تاقت وإلا تسلت
وقال أحد السلف: إن استطعت ألا تسيء إلى من تحب فافعل..فقيل له: وهل يسيء الإنسان إلى من يحب, فقال: نعم، نفسك أعز الأنفس عليك، فإن عصيت الله فقد أسأت إليها..
فلا تعظم خطرات نفسك ووساوس الشيطان على أوامر الله ونواهيه..واعلم أن ما يعرقلك ويؤخرك عن مركب الخير إنما هو من عمل الشيطان..فاستعن بالله وانصر الخير بداخلك وتأكد أن الفرق بينك وبين عباد الله الصالحين أنهم عرفوا الله فعبدوه وقدروه حق قدره..
"اللهم إننا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا من عندك وارحمنا انك أنت الغفور الرحيم".
منقول