هواه تبعاً لشهوته
يسري صابر فنجر
سفينة الجهل العائمة في البحر اليابس لا يركب فيها أحد إلا مَن ضل الطريق وصار من غير دليل فهو يتخبط في ظلمات لم ير فيها النور ، وحائر بين جهات لا يعرف في أي اتجاه.
هو لم يحدد الجهات ، ولم تظهر له شمس النور ، ولا بوصلة الحق ، فهو في ظلمات بعضها فوق بعض حتى وصل به الحال إلى أنه إذا أخرج يده لم يكد يراها إنه حال الكائن الذي بَعُد عن فطرته وخرج عن إنسانيته بل إنه بغير ارتياب وشك خرج عن الحيوانية فالحيوان كائناً ما كان له ضوابط وأسس حتى في قضاء شهوته.
فالإنسان إذا ترك العنان لشهوته تحركه وتدفعه فهو أحط من الحيوان ليس له كيان ؛ لأنه شاذ الطباع منقلب الفطرة لا يعرف في حياته إلا نيل مراد ثورته وشهوته حتى إذا نالها وأشفى غيظه منها ناداه أجله وصار إلى حتفه ومقتله بيده انتحر بل بشهوته زال " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ " [ الشعراء : 227 ] " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [ القصص: 50 ] " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [ الجاثية : 23 ].
إن زواله وانتحاره نابع من شهوته التي أطلق لها العنان من قبل ، فإن لم يلب داعي شهوته صارت حياته مغلقة ، وصدره ضيق ، وقلبه أسود ، فصار من موت إلى موت ، فليس الموت انقطاع النفس ، ولكن الموت مَن يحيى بلا أثر ، فهو مثل النار تلتهب فتحرق بعضها إن لم تجد ما تحرقه حتى ينطفئ لهبها وتصير رماداً ولكن هو حياته شقاء وموته عناء فلم تنته حياته بموته ولم ينته أجله ولكنه صار إلى حياة أشد عناءً عن حياته الأولى فهو تحمَّل الأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال وشهد على نفسه ؛ لأنه كان ظلوماً جهولاً فقد حَمِل ما لا يطيق وليس له رفيق فلا عناصر مادية تعينه ولا موارد ذاتية تفيد ، فكان من عون الله وفضله أن دله على الطريق وميزه عن سائر خلقه وأضاء له السبيل فهو جل وعلا المعين الرفيق لتسير سفينة العلم ولو طال الطريق ، ولو هاجت أمواج الفتن فهو صلب شديد ، ولو عصفت عواصف الشهوة وهبت رياح النفس فلا تفيد فلا ينقاد ولا يميل عن استقامة السبيل فصار من ضعف إلى قوة من الملك الجليل وعلَّمه الحكيم العليم " عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " [ العلق : 5 ].
فلا بد من هدى يضئ لنا الطريق ، ولا بد من صبر لنعيش في نصر رغم الحصار الشديد ، ولا بد من تقوى لنخرج من مادية زائفة وموارد زائلة جعلناها أساس حياتنا وجل اهتمامنا ولم نُقِم بها ديننا " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ " [ الحج : 41 ] .
فيا رب اشرح صدر كل إنسان يريد وباعد بيننا وبين مَن شذ عن الطريق السعيد وقونا بقوتك يا عزيز يا حميد