أراكَ عـصـيَّ الـدَّمْـعِ شيمَـتُـكَ الصَّـبْـرُ ... أمــا لِلْـهَـوى نَـهْـيٌ علـيـكَ و لا أمْــرُ؟
بَـلـى، أنــا مُشْـتـاقٌ وعـنـديَ لَـوْعَــةٌ ... ولـكــنَّ مِـثْـلـي لا يُـــذاعُ لـــهُ سِـــرُّ!
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْـتُ يَـدَ الهـوى ... وأذْلَـلْـتُ دمْـعـاً مــن خَـلائـقِـهِ الـكِـبْـرُ
تَـكـادُ تُـضِـيْءُ الـنـارُ بـيــن جَـوانِـحـي ... إذا هـــي أذْكَـتْـهـا الصَّـبـابَـةُ والـفِـكْـرُ
مُعَلِّلَـتـي بـالـوَصْـلِ، والـمَــوتُ دونَـــهُ ... إذا مِــتُّ ظَمْـآنـاً فـــلا نَـــزَلَ الـقَـطْـرُ!
حَـفِـظْـتُ وَضَـيَّـعْــتِ الــمَــوَدَّةَ بـيْـنـنـا ... وأحْسَـنُ مـن بعـضِ الوَفـاءِ لـكِ العُـذْرُ
ومــــا هــــذه الأيـــــامُ إلاّ صَـحــائــفٌ ... ِلأحْرُفِـهـا مـــن كَـــفِّ كاتِـبِـهـا بِـشْــرُ
بِنَفْسي من الغادينَ في الحيِّ غـادَةً ... هَــوايَ لـهـا ذنْـــبٌ، وبَهْجَـتُـهـا عُـــذْرُ
تَـروغُ إلـى الواشيـنَ فــيَّ، وإنَّ لــي ... لأُذْنــاً بـهـا عــن كـــلِّ واشِـيَــةٍ وَقْـــرُ
بَــدَوْتُ، وأهـلـي حـاضِــرونَ، لأنّـنــي ... أرى أنَّ داراً، لسـتِ مـن أهلِهـا، قَفْـرُ
وحارَبْـتُ قَوْمـي فـي هــواكِ، وإنَّـهُـمْ ... وإيّــايَ، لــو لا حُـبُّـكِ الـمـاءُ والـخَـمْـرُ
فـإنْ يـكُ مـا قـال الوُشـاةُ ولــمْ يَـكُـنْ ... فقـدْ يَهْـدِمُ الإيمـانُ مـا شَـيَّـدَ الكـفـرُ
وَفَـيْـتُ، وفــي بـعـض الـوَفـاءِ مَـذَلَّـةٌ، ... لإنسانَـةٍ فـي الحَـيِّ شيمَتُهـا الغَـدْر
وَقـــورٌ، ورَيْـعــانُ الـصِّـبـا يَسْتَـفِـزُّهـا، ... فَـتَــأْرَنُ، أحْـيـانـاً كــمــا، أَرِنَ الـمُـهْــرُ
تُسائلُنـي مـن أنــتَ؟ وهــي عَليـمَـةٌ ... وهل بِفَتـىً مِثْلـي علـى حالِـهِ نُكْـرُ؟
فقلتُ كما شاءَتْ وشـاءَ لهـا الهـوى: ... قَتيـلُـكِ! قـالـت: أيُّـهــمْ؟ فَـهُــمْ كُـثْــرُ
فقلـتُ لهـا: لـو شَئْـتِ لــم تَتَعَنَّـتـي، ... ولم تَسْألي عَنّـي وعنـدكِ بـي خُبْـرُ!
فقالـتْ: لقـد أَزْرى بـكَ الـدَّهْـرُ بَعـدنـا ... فقلـتُ: معـاذَ اللهِ بـل أنــتِ لا الـدّهـر
ومـا كـان لِلأحْـزان، ِ لــولاكِ، مَسْـلَـكٌ ... إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْـر
وتَهْـلِـكُ بـيـن الـهَـزْلِ والـجِـدِّ مُـهْـجَـةٌ ... إذا مــا عَـداهـا البَـيْـنُ عَذَّبـهـا الهَـجْـرُ
فأيْقَـنْـتُ أن لا عِــزَّ بَـعْـدي لِعـاشِـقٍ، ... و أنّ يَــدي مـمّـا عَـلِـقْـتُ بـــهِ صِـفْــرُ
وقلَّـبْـتُ أَمـــري لا أرى لـــيَ راحَـــة،ً ... إذا البَيْـنُ أنْسانـي ألَــحَّ بــيَ الهَـجْـرُ
فَعُـدْتُ إلـى حُـكـم الـزّمـانِ وحُكمِـهـا ... لهـا الذّنْـبُ لا تُجْـزى بـهِ ولـيَ الـعُـذْرُ
كَـأَنِّــي أُنــــادي دونَ مَـيْـثــاءَ ظَـبْـيَــةً ... عـلـى شَــرَفٍ ظَمْـيـاءَ جَلَّلَـهـا الـذُّعْـرُ
تَـجَـفَّـلُ حـيـنــاً، ثُــــمّ تَــرْنــو كـأنّـهــا ... تُـنـادي طَــلاًّ بـالـوادِ أعْـجَـزَهُ الـحَُـضْـرُ
فــلا تُنْكِـريـنـي، يـابْـنَـةَ الـعَــمِّ، إنّـــهُ ... لَيَـعْـرِفُ مــن أنْكَـرْتـهِ الـبَـدْوُ والحَـضْـرُ
ولا تُنْكِـريـنـي، إنّـنــي غــيــرُ مُـنْـكَــرٍ ... إذا زَلَّــتِ الأقْــدامُ، واسْتُـنْـزِلَ الـنّـصْـرُ
وإنّــــــي لَـــجَـــرّارٌ لِـــكُـــلِّ كَـتـيــبَــةٍ ... مُــعَــوَّدَةٍ أن لا يُــخِــلَّ بــهــا الـنَّـصــر
وإنّـــــي لَــنَـــزَّالٌ بِـــكـــلِّ مَــخــوفَــةٍ ... كَثـيـرٍ إلـــى نُـزَّالِـهـا الـنَّـظَـرُ الـشَّــزْرُ
فَأَظْمَـأُ حتـى تَـرْتَـوي البـيـضُ والقَـنـا ... وأَسْغَبُ حتى يَشبَـعَ الذِّئْـبُ والنَّسْـرُ
ولا أًصْـبَــحُ الـحَــيَّ الـخُـلُـوفَ بـغــارَةٍ ... و لا الجَيْشَ مـا لـم تأْتِـهِ قَبْلِـيَ النُّـذْرُ
ويــا رُبَّ دارٍ، لـــم تَخَـفْـنـي، مَنـيـعَـةً ... طَلَعْـتُ عليـهـا بـالـرَّدى، أنــا والفَـجْـر
وحَــيٍّ رَدَدْتُ الخَـيْـلَ حـتّــى مَلَـكْـتُـهُ ... هَـزيـمـاً ورَدَّتْـنــي الـبَـراقِـعُ والـخُـمْــرُ
وساحِـبَـةِ الأذْيـــالِ نَـحْــوي، لَقيـتُـهـا ... فـلَـم يَلْقَـهـا جـافـي اللِّـقـاءِ ولا وَعْــرُ
وَهَبْـتُ لهـا مــا حــازَهُ الجَـيْـشُ كُـلَّـهُ ... ورُحْـتُ ولــم يُكْـشَـفْ لأبْياتِـهـا سِـتْـر
ولا راحَ يُطْـغـيـنـي بـأثـوابِــهِ الـغِـنــى ... ولا بــاتَ يَثْنيـنـي عــن الـكَـرَمِ الفَـقْـرُ
ومــا حاجَـتـي بالـمـالِ أَبْـغـي وُفــورَهُ ... إذا لـم أَفِـرْ عِـرْضـي فــلا وَفَــرَ الـوَفْـرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى، ... ولا فَـرَســي مُـهْــرٌ، ولا رَبُّـــهُ غُــمْــرُ
ولكـنْ إذا حُــمَّ القَـضـاءُ عـلـى امــرئٍ ... فـلـيْـسَ لَـــهُ بَــــرٌّ يَـقـيــهِ، ولا بَــحْــرُ
وقــال أُصَيْحـابـي: الـفِـرارُ أو الــرَّدى؟ ... فقلتُ:هـمـا أمـــرانِ، أحْـلاهُـمـا مُـــرُّ
ولكنّـنـي أَمْـضــي لِـمــا لا يَعيـبُـنـي، ... وحَسْبُـكَ مـن أَمْرَيـنِ خَيرُهمـا الأَسْـر
يَقولـونَ لـي: بِعْـتَ السَّلامَـةَ بالـرَّدى ... فقُلْـتُ: أمـا و اللهِ، مـا نالـنـي خُـسْـرُ
وهـلْ يَتَجافـى عَنّـيَ المَـوْتُ سـاعَـةً ... إذا مـا تَجافـى عَنّـيَ الأسْــرُ والـضُّـرُّ؟
هو المَـوتُ، فاخْتَـرْ مـا عَـلا لـكَ ذِكْـرُهُ ... فلـم يَمُـتِ الإنسـانُ مـا حَيِـيَ الـذِّكْـرُ
ولا خَـيْـرَ فــي دَفْــعِ الـــرَّدى بِـمَـذَلَّـةٍ ... كـمـا رَدَّهــا، يـومـاً، بِسَـوْءَتِـهِ عَـمْـرُو
يَـمُـنُّـونَ أن خَــلُّــوا ثِـيـابــي، وإنّــمــا ... عـلـيَّ ثِـيــابٌ، مـــن دِمـائِـهِـمُ حُـمْــرُ
وقـائِـمُ سَـيْـفٍ فيـهِـمُ انْــدَقَّ نَصْـلُـهُ، ... وأعْـقـابُ رُمْــحٍ فيـهُـمُ حُـطِّـمَ الـصَّـدْرُ
سَيَذْكُرُنـي قـومـي إذا جَــدَّ جِـدُّهُـمْ، ... وفــي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْتَـقَـدُ الـبَـدْرُ
فـإنْ عِشْـتُ فالطِّعْـنُ الـذي يَعْرِفـونَـهُ ... وتِلْـكَ القَنـا والبيـضُ والضُّـمَّـرُ الشُّـقْـرُ
وإنْ مُـــتُّ فـالإنْـسـانُ لابُــــدَّ مَــيِّــتٌ ... وإنْ طـالَـتِ الأيــامُ، وانْفَـسَـحَ العُـمْـرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَـدَدْتُ اكْتَفـوا بـهِ ... ومـا كـان يَغْلـو التِّبْـرُ لـو نَفَـقَ الصُّـفْـرُ
ونَـحْــنُ أُنـــاسٌ، لا تَـوَسُّــطَ عـنـدنــا، ... لـنـا الـصَّـدْرُ دونَ العالـمـيـنَ أو الـقَـبْـرُ
تَهـونُ علينـا فـي المعـالـي نُفوسُـنـا ... ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِهـا المَهْـرُ
أعَـزُّ بَنـي الدُّنيـا وأعْلـى ذَوي الـعُـلا، ... وأكْــرَمُ مَــنْ فَــوقَ الـتُّـرابِ ولا فَـخْــرُ