العظمة.. صنعة
كان الرسام الشهير بيكاسو يمشي يوماً في الشارع؛ حينما قابلته امرأة من معجباته، وصافحته بحرارة، ثم أخرجت من حقيبتها ورقة بيضاء وهي تقول له: سيدي أنا مغرمة جداً برسوماتك العظيمة، هل يمكنك أن تشرّفني برسم شيء من إبداعاتك على هذه الورقة؟!.
فابتسم بيكاسو، وهو يتناول منها الورقة ثم شرع في الرسم، حتى إذا ما انتهى أعطاها الورقة قائلاً: سيدتي.. احتفظي بهذا الرسم؛ فستبيعينه يوماً ما بمليون دولار!!.
فقالت له المرأة مندهشة: سيد بيكاسو؛ لكنك لم تستغرق سوى ثلاثين ثانية فقط لترسم تلك اللوحة الصغيرة.
فابتسم لها وهو يقول: سيدتي، لقد أنفقت من عمري ثلاثين عاماً لأعرف كيف أرسم مثل هذه التحفة في ثلاثين ثانية!.
رسالة بالغة الأهمية يعطيها لنا الفنان الكبير في حواره السابق، وهو أن الإبداع قد لا يستغرق وقتاً في إنشائه؛ لكن هذا لا يعني أبداً أنه عمل ناقص التميّز، أو سهل يمكن تقليده.
إن الصعوبات التي يلاقيها المبدع حتى يضع قدمه على أرض راسخة صلبة ليست بالقليلة، والضربات التي أثقلت موهبته لا يجب الاستهانة بها أبداً.
يدفعنا هذا إلى تأمل حقيقة هامة نحتاج كثيراً أن نقف عندها، وهي أنه يجب علينا أن نعطي ونعطي قبل أن نتوقف لنأخذ.
لا يوجد حصاد يأتي قبل الغرس، ولا حساب يسبق العمل، ولا منتصر يمكن تتوجيه قبل انتهاء المعركة.
العلّامة المربي الكبير "ابن عطاء الله السكندري" يقول في حِكمه: "ادفن وجودك في أرض الخمول، فما نبت مما لم يُدفن لا يتم نتاجه".
يهيب بك الشيخ الجليل أن تصبر على ما يدعوك للظهور والتطاول ورفع الرأس عالياً؛ فلا يوجد نبت خرج فوق سطح الأرض دون أن يتهيأ تحت التراب لفترة، وإن حدث فما أقرب سقوطه وتهاويه؛
هذه سنّة كونية لا يمكن أبداً معارضتها..
فمن ظن أنه بقراءة كتاب أو أكثر صار مفكراً.. أو أديباً؛ فهو واهم.
ومن أمسك بتلابيب الفتوى في أمور الدين أو الدنيا لمجرد حفظه لعشر أحاديث وبعض قصار السور فهو مفتون..
إن العلماء والعظماء والمفكرين الذين نجلس اليوم لنتعلم منهم، قد وقفوا على أبواب المعرفة يطرقونها بلا كلل، وتحملوا المشاقّ في سبيل طلب العلم.
مما تصفحت