يتبادر سؤال وجيه إلى الذهن; وهو: لماذا هاجر إلى الحبشة أشراف القوم الذين لم يتعرضوا للاضطهاد والأذى كعثمان والزبير وجعفر, ولم يهاجر المستضعفون كبلال وعمار وصهيب وخبَّاب وأمثالهم من المعذبين؟.
يبدو أن الغاية من هجرة رجال ذوي عصيبات كانت توطئة نفسية وعملية تدريبية لهؤلاء على مغادرة وطنهم, الأمر الذي كانوا في حاجة إلى الاستعداد له,
بينما لم يكن لأولئك الموالي المستضعفين حاجة إلى ذلك; إذ ليسوا أهل مكة وليس لهم ارتباط بالأرض,
" أما الذين بعث إليهم -أي قريش- وفيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, كان يؤثر في سلوكهم ونفسياتهم أمران:
-الارتباط بالقوم ممثلاً في العشيرة والقبيلة,
-والارتباط بالأرض,
وهما أمران يزاحمان في النفس معاني التوحيد, وكان ولا بد من التخلص عمليّا -وليس قولاً- من ذلك. وكان إعلان الإيمان تخلصاً من العصبية القبلية.
أما الارتباط بالأرض: فقد كانت مكة أم القرى, كانت العاصمة الدينية للعرب قاطبة, وكان موسم الحج كل عام يؤكد هذه المكانة; فسُكّانها هم حماة الحرم..
وإذن فقد تحول الارتباط بهذه الأرض إلى مزايا نفسية واجتماعية جعلت سكّانها أكثر وأكثر ارتباطاً بها... وكانت الهجرة هي التطبيق العملي لأولوية العقيدة, وترك الأرض -بكل ما تعنيه من وشائج ومصالح وارتباطات- في سبيلها.
وكان ولا بُدّ أن يكون الدرس عمليّاً; ذلك أن الدروس النظرية في العقيدة غير مجدية.
ولعل هذا يفسر عدم ضرورة اشتراك بلال وأمثاله في تطبيق هذا الدرس, بينما كان غيرهم بحاجة إليه, مثلهم في ذلك مثل الأغنياء والفقراء; فإن الأغنياء هم الذين يعنيهم فقه الزكاة وليس الأمر كذلك بالنسبة للفقراء" اهـ
"من معين السيرة" لصالح أحمد الشامي (76:75).. نقلاً من كـ "منهج النبي -عليه الصلاة والسلام- في الدعوة..." للأستاذ الدكتور/ محمد أمَحزون (70:69) طـ دار السلام. وأنصح به كل مسلم.
والحمد لله رب العالمين
..