وقفات مع الخطاب الدعوي في قضية المرأة..
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي فـي قـضـيــة المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحـلـيـــل مضمونه تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهـتـمــــام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعـــض الـوقـفــــات الـسـريـعــة الـتي لا تــعــدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يـعــــــد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ، وقلما نجـد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمـن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهميـة قضيـة المـرأة لـدى الدعـاة إلى الله ـ عز وجل ـ أمور، منها:
الأمر الأول:التـأســـي بالـنـبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله علـيــه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس ـ رضـــــي الله عنهما ـ قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خـطــــب، ثــم أتى الـنـســاء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة".
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يـومـــاً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "قالت النساء للنبي صلى الله علـيه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمــرهن فكان فيما قال لهن: « ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كانوا لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين».
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: « ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء».
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لـصـــلاح الـمــرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما يـنـشـــــؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قـضـية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطـرحــونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عــودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ في قضية المرأة:
1- تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله ـ عــز وجل ـ ثم جهود الدعاة للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.
2 - تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة ، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة ، فأصـبـحـنــا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شـــريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 - الصحوة والـعـــودة إلى الله التي تحققت في أوساط النساء، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الـحـجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر ؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحـرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف ، ولعل ما حصل في تركيا ـ التي كانت أول من رفع لـــواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي ـ من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 - بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.
5 - بروز أنشطة دعوية نسائية، كـالـمـجــــلات النسـائـيـة، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثـغـــــرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقــديــة لواقعنا بين آونة وأخرى.
م ن ق و ل للفائدة