السعادة في داخل الإنسان
السعادة إذن ليست في وفرة المال، ولا سطوة الجاه،ولا كثرة الولد، ولا نيل المنفعة، ولا في العلو المادي.
السعادة شيء معنوي لا يرى بالعين، ولا يقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يشترى بالدينار، أو بالجنيه أو الروبل أوالدولار.
السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه.. صفاء نفس، وطمأنينة قلب، وانشراح صدر، وراحة ضمير.
السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان ولا يستورد من خارجه.
حدثوا أن زوجاً غاضب زوجته فقال لها متوعداً: لأشقينك. فقالت الزوجة فيهدوء: لا تستطيع أن تشقيني، كما لا تملك أن تسعدني.
فقال الزوج في حنق: وكيف لا أستطيع؟
فقالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون!
فقال الزوج في دهشة: وما هو؟
فقالت الزوجة في يقين: إني أجد سعادة في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غيرربي!
هذه هي السعادة الحقة، السعادة التي لا يملك بشرأن يعطيها، ولا يملك أن ينتزعها ممن أوتيها، السعادة التي شعر بنشوتها أحد المؤمنين الصالحين فقال: إننا نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف!
وقال آخر وهو ثمل بتلك اللذة الروحية التي تغمرجوانبه: إنه لتمر علي ساعات أقول فيها: لو كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه الآن لكانوا إذن في عيش طيب!
والذين رزقوا هذه النعمة يسخرون من الأحداث وإن برقت ورعدت، ويبتسمون للحياة وإن هي كشرت عن نابها، ويفلسفون الألم، فإذا هو يستحيل عندهم إلى نعمة تستحق الشكر، على حين هو عند غيرهم مصيبة تستوجب الصراخ والشكوى. كأنما عندهم غدد روحية خاصة، مهمتها أن تفرز مادة معينة تتحول بها كوارث الحياة إلىنعم.
القدر المادي اللازم لتحقيق السعادة
ولا نجحد أن للجانب المادي مكاناً في تحقيق السعادة.. كيف وقد قال رسول الإسلام: "من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح" (رواه أحمد بإسناد صحيح من حديث سعد بن أبي وقاص)؟.
بيد أنه ليس المكان الأول ولا الأفسح، والمدارفيه على الكيف لا على الكم، فحسب الإنسان أن يسلم من المنغصات المادية التي يضيقبها الصدر، من مثل: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء، وأن يمنح الأمن والعافية،ويتيسر له القوت في غير حرج ولا إعنات. وما أصدق وأروع الحديث النبوي "من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيابحذافيرها" (رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجة).
وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية،والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها وغذاؤها، وهواؤهاوضياؤها.
لقد فجر الإيمان في قلب الإنسان ينابيع للسعادة،لا يمكن أن تغيض، ولا أن تتحقق السعادة بغيرها. تلك هي ينابيع السكينة، والأمن،والأمل، والرضا، والحب.
** نقلا عن كتاب: الإيمان والحياة للشيخ القرضاوي، بتصرف يسير.