ولا يزال المطر يهطل كل مساء محاولاً رسم الغياب بأبسط صورة، ومحاولاً أيضاً إعطاء درسه للذين يتركون أبوابهم مواربة في كل مساء!، في انتظار عودة الغائبين!.
إلا أن المساء يرحل هو الآخر ولا أحد من الغائبين يعود، وتظل الذكريات والأبواب المواربة !.
قطرات الماء التي عانت حرارة شمس حولتها إلى أشياء قابلة للطيران
لتصعد في يومٍ ما وتشق طريقها إلى السماء لتصنع سحابة!
هذه القطرات نفسها رحلت في الأمس تاركة السحابة
وغادرت إلى الأرض تحت مسمى: قطرة مطر !.
لم يشفع لها الألم التي قاسته هذه القطرات في سبيل وصولها إلى الأعلى !
ولا تلك الأوقات التي قضتها محلقة في الأجواء مع تلك السحابة
الأمر بسيط لا بد من المُغادرة !.
ولا أحد يعلم ولا حتى "ناسا" ما إذا كانت السحابة تترك باباً موارباً بعد غياب هذه القطرات!
ولا تعلم "ناسا" أيضاً ما إذا كانت هذه القطرات تبكي في طريقها إلى الأرض
وإن كانت هذه القطرات قد استأذنت قبل الخروج
أم أنها اختفت هكذا !
أو حتى إن كانت السحب تشتاق!
الغياب هو الأمر الأكثر وضوحاً
والذي لا يتطلب أحداً، ولا حتى "ناسا" لإثباته!
**
الكثير يغادرون كل ليلة بعضهم يحمل حلم العودة بين حقائبه
بينما قد أضاعه البعض الآخر بين زحام الحياة
تشهد على هذا محطات العبور، وصالات المُغادرة، والموانئ!.
ولا يزال المطر يهطل
مُحاولاً تذكيرنا بالغياب
ولكن على الرغم من البرق والرعد
والمطر
لا نزال نترك أبوابنا مواربة
بالرغم من كل شيء !.
**
لا يرتبط المطر لدي سوى بالذكريات السيئة، ومع ذلك سألت الله في الأمس أن يهطل المطر !
خرجت في العصر وقد تلبدت السماء بالغيوم!
سألت الله مرة أخرى ..
أن هطل المطر سأخرج للسير هذا المساء.
وأتى المساء وهطل المطر
وخرجت !.
كان الجو حزيناً
بالمناسبة لا أجد سبباً مُقنعاً يدفع العالم للفرحة بالمطر
كل شيء يبدو باكياً
حتى المرازيم تستيقظ من سباتها الصيفي وتشارك الجميع
وتبكي !
لو دققت قليلاً لرأيت دموع الأبنية تسيل على جدرانها بفعل المطر
حتى ظلام الليل يبدو أكثر حزناً في مساءات المطر
وتتساقط القطرات
ولا أعلم إن كانت تلتفت إلى السماء مودعة
أم أنها تكره هي الأخرى لحظات الوداع !
تلك القطرات التي ربما كانت فيما مضى بحيرات ماء عذبة
راحت تهوي لتستقر في برك الطين !
وربما كانت في برك طين فعلاً
وأصبحت الآن تشكل مع بعضها الآخر بحيرات ماء عذبة
لكنها غادرت السماء جميعها
وهجرت السحابة إلى الأرض
غادرت هي الأخرى مع الآلاف المُغادرين كل مساء
على متن البواخر، ومقاعد القطارات، أو عبر رحلة جوية!
يرغب بعضهم بالعودة
بينما أضاع بعضهم الآخر رغبته هذه مع كل رغباته الأخرى التي ضاعت في زحام الحياة
تركوا خلفهم الذكريات .. أعيناً تنتظر !.. والآلاف الأبواب المواربة
**
مر إلى جانبي عامل على متن دراجته
التي أخذت تتمايل
فيبدو أنها لم تعد تحتمل جسده المنهك إلى جانب همومه
والتي يبدو من ملامحه أنها تقاس بالطن !
كان ينشد بصوت عالي
مثبتاً لي بأن للحزن أيضاً أناشيد
لا تُنشد بغية في جلب السعادة !
لا
ولكن لا أعلم سبب إنشادها
وبالتأكيد لن يكون هذا السبب
**
تبللت بما فيه الكفاية
بالقدر الكافي لأستقبل الحُمى في الأيام القادمة
أكملت طريقي إلى العودة
ودخلت منزلي تاركاً الباب موارباً
رغبة مني في عودة الغائبين!
وربما حاولت أن أحمل رسالة إلى المطر بأني لم أفهم الدرس جيداً
رغبة منه في أن يعود مرة أخرى !.
لا أعلم !.