كَـزَرْعٍ أَخْـرَجَ شَـطْأَهُ
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ علوم النبات في جامعة عين شمس
ومدير مركز ابن النفيس للخدمات الفنية في البحرين
http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show...p;select_page=7
سنعيش في السطور القليلة القادمة مع التفسير العلمي لآية من آيات القرآن الكريم، لنرى القرآن الكريم لا تتنافى آياته مع حقائق الكون العلمية لأن الذي خلق الخلق هو الذي أنزل القرآن بالحق .
قال الله تعالى فى سورة الفتح
" مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَــطْأَهُ فَــآزَرَهُ
فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ
يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً "
سورة الفتح 29
قال المفسرون في معاني الكلمات :
أخرج شطأه :
فراخه المتنوعة في جوانبه .
ما خرج منه وتفرع في شطائيه أي في جانبيه
شوك السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وثمان
فراخ النخل والزرع وورقه
الشجر أخرجت غصونها
من الشجر ما خرج حول أصوله
فأزره: فقوى ذلك الشطء الزرع ـ أي أعانه وقواه
ـ وتآزر النبات طال وقوي ، صار مثل الأصل في الطول .
فاستغلظ : فصار من الدقة إلى الغلظة
فاستوى على سوقه : فاستقام على أصوله وجذوعه ، أي فستقام على قصبه وأصوله.
يعجب الزراع : بقوته وكثافته ، وغلظه وحسن منظره .
هذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للصحابة رضي الله عنهم ، في بدء الإسلام كانوا قلة ثم كثروا ، فاستحكموا فترقى أمرهم يوماً فيوماً بحيث أعجب الناس وقال المفسرون أيضاً: مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وهو مثل ضربه الله تعالى لبدء الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قواه الله تعالى بمن معه ) روح المعاني للألوسي (م 17 ـ ج26 ـ ص126 بتصرف).
وأقول في التفسير العلمي للآية وبالله التوفيق :
هذا مثل معجز من عالم النبات ضربه الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم (الزرع ) والمسلمين العاملين بما جاء به (الشطء) ، فهنا الرسول هو الأصل، وأتباعه هم ما تفرع وخرج منه.
وإذا رجعنا إلى علم النبات نرى أن هذا المثل حقيقة علمية فالنباتات الحولية من ذرات الفلقة الواحدة (Monocotyledoneae) التابعة للعائلة النجيلية مثل القمح ( أو الحنطة)، والشعير والأرز وغيرها يخرج ساقها الأول ضعيفاً وحيداً ولكن سرعان ما يخرج من براعمه الإبطية أو الجانبية الموجودة على العقد القاعدية المزدوجة تحت سطح التربة مباشرة أفرعاً قاعدية ( Tileres). وبذلك تكون الحبة الواحدة،أو الساق الأصلية الواحدة مجموعة من الأفرع يصل عددها إلى ما يزيد عن خمسين فرعاً حسب الجنس والنوع والصنف.
وهذا تماماً ما صوره القرآن الكريم وقال عنه المفسرون:
ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه ، وهذا التصوير العلمي في القرآن لا يعلم حقيقته إلا العالمون بعلم النبات ، فهذه الأفرع تقوي النبات الأصلي وتضاعف من إنتاجه فيقوي على مجابهة الظروف الخارجية القاسية وتزيد من انتشاره في الأرض .
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل للزرع وأتباعه هم الشطء والعاملون بالزراعة عندما يرون الشطء خرج حول الأصل يفرحون ويطمئنون أن زرعهم دبت جذوره، وقويت وكثرت أوراقه، وبراعمه وبناؤه الضوئية وأزهاره وثماره.
فالزرَّاع عندما يزرعون نبات الأرز يضعون الشتلات الأصلية على مسافات متباعدة لعلمهم أن النبات إذا أخرج شطأه كسى الأرض جميعاً ، وأعطى محصولاً وفيراً، أما إذا لم يخرج شطأه علم الزراع أن نباته ضعيف أو تربته غير صالحة أو أصابته الآفات .
وعندما يدب النبات في التربة ويخرج الشطء منه يحمل الأصل سنابله والأفرع سنابلها،
فالحبة تخرج ما يزيد عن خمسة آلاف حبة والله يضاعف ويبارك لمن يشاء .
وبعض الأجناس النباتية الأخرى من ذوات الفلقة الواحدة التابعة للعائلة النخيلية ، مثل نخيل البلح ونخيل الدوم فإن أوراقها عندما تخرج على ساقها فإن الساق تقوى ويزداد قطرها ، كما أن تلك النباتات تخرج العديد من الفسائل الجانبية فتدعم تلك الفسائل الشجرة الأم وتقويها وتنقل عنها صفاتها الوراثية ، دون تغيير أو تبديل أو تحريف ونفس الشيء يحدث مع نبات الموز التابع للعائلة الموزية ، حيث ساقه متكونة من أغماد أوراقه ، وفسائله سر استمراره وفاعليته وزيادة إنتاجه.
وهذا مثل للمسلمين عندما يستمدون علمهم من علم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وسلم ويبلغونه دون تغيير أو تحريف ، وينقلون الدين في أي مكان يصلون إليه وكأن كل واحد منهم صورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيئة الجديدة .
وإذا انتقلنا من النباتات ذوات الفلقه إلى النباتات المعمرة من ذاوات الفلقتين ، سواء كانت أشجاراً أو شجيرات فإننا نجد أن سيقانها الأصلية تحمل البراعم الجانبية (Lateral buds) المحمولة في آباط الأوراق وهي تحمل أيضاً البراعم الورقية التي تخرج الأوراق والساق الأصلية إذا لم يخرج منها البرعم الورقة والأوراق فإنها لا تقوم بعملية النمو والاستطالة ، لأن الأوراق هي التي تغذيها بعملية البناء الضوئي ويزداد سمكها وتتغلظ وتزداد أيضاً الأفرع الجانبية غلظاً واستواء ، وتحمل الشجرة أو الشجيرة الأزهار الجميلة وتعطي الثمار المفيدة ويزداد ظلها وجمالها وفي هذه الحالة يعجب الزراع بالنباتات ويعلمون أنه اشتد عوده وقوي ولا يصبح في البيئة مجالاً قوياً لتنافس النباتات الأخرى ،
وهذا المنظر وتلك الحالة على قدر ما تسر العالمين فإنها تغيظ الحاقدين الكافرين ، ومن العجب مثل شجرة الكافور يصل ارتفاعها إلى 100 متر وبعض الأشجار تعمر آلاف السنين حيث توجد شجرة صنوبر قدر العلماء إنها زرعت قبل ميلاد أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم بنحو ألف عام وشجرة التين البنغالي توجد أشجار منها تمتد جذورها في مساحة 600 م2 وقد شق نفق في جذع شجرة وما زالت حية هذا كله بفضل الله ثم ، بفضل الجذع القوي الذي آزرته الأوراق والأفرع الجانبية .
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى المثل بالنبات دون سائر المخلوقات الأرضية لأن النبات هو المثبت الأول لطاقة الشمس المرسلة إلى الأرض وبنشاطه الحيوي وبنائه الضوئي تدب الحياة على الأرض بفضل الله سبحانه وتعالى، وهكذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وسلم هو النور والرحمة للعالمين والدال على حياة القلوب وأتباعه هم حملة النور من بعده وشريعته هي الشريعة الباقية بقاء الحياة على الأرض والمحافظة على نظامها المحكم وهذا وغيره مما غاب علمنا يوضح لنا عظم المثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم والذين معه حيث قال تعالى :
( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) ..
وكما جاء في الإنجيل (سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )
وقد قال ربنا سبحانه وتعالى :
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم
مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
سورة آل عمران 110
فهل رأيتم إعجازاً مثل هذا الإعجاز العلمي ؟
--------------
تعقيب : فى الأناجيل الموجودة حالياً تجد هذا المثال عندما يصف السيد المسيح عليه السلام " ملكوت السماوات " فى بعض الترجمات أو " ملكوت الله " فى ترجمات أخرى ،
م0ن