أحـــلام منتصف الليـــل الجمــــيلة
في كل مرة تحاول طرده من الذاكرة
تجد الحنين والماضي الجميل
يجرفها إليه مثل تيار نهر قوي ’
مهما فعلت وحاولت النسيان
إلا أنها لا تستطيع التنكر والتنصل
لحبها لا تستطيع ان تبدأ حياة جديد
ة من دونه فقد كان هو الحياة ’
بل حبها له اليوم في غيابة أصبح اكثر منه في حضرته ..
في صمت الليل البهيم تحت وطأة الذكريات
و هياج الحنين وقهر الشوق
انحدرت مدامعها مثل حبات لؤلؤ صافي جميل
وراحت تحتضن وسادته وتضمها اليها
بعنف وتقبلها بلهفة ’ كل شيء هنا يذكرها بوجوده حتى رائحة عطره المفضلة
لازال شذاها عبقا ساحرا
تلتقطها مجسات انفها ’ صوته الرخيم الجوهري لازال صداه يجوب أركان الغرف ’ ضحكته الجميلة التي تشبه صوت الموج لازالت بين الفينة والأخرى تتردد على مسامعها ’ وقع خطواته تسمعها دائما في رواق البيت ’ نظراته العطوفة تطل عليها كل صباح مثل إطلالة شمس على أعشاش العصافير وورود الربيع النائمة كل شيء منه
لم يرحل فقط هو الذي رحل تاركا خلفه قلب يذوب وجدا تاركا حبا كبير أضناه الفراق .
غفت إغفاءة بسيطة لتستفيق
بعدها على ضربات الريح
التي تعبث بستائر النوافذ
وصفق الأبواب والشبابيك ’
هرولت من مضجعها نحو الستائر
أقفلت الشبابيك ولملمت الستائر ’
رمت ببصرها نحو غرفته فوجدتها مفتوحة
بفعل الريح ’ سارت نحوها الهوينى
دخلتها ببطء شديد وأخذت تتأمل جوانبها كأنها ترى تفاصيلها لاول مرة كانت غرفة مهملة في أقصى البيت فقد أقفلتها بعد رحيله اعتقادا انها تطوي معها وتقفل ذكرياتها الراحلة لكن القلب وما يخفي لازال يذكر التفاصيل الجميلة كأنها كانت بالأمس .
وقفت أمام أمام أشياء الغرفة المبعثرة
بين كتبه الموزعة في كل الأركان
وبين أوراقه المنثورة ارضا وعلى مكتبه
قرأت آخر ورقة كان قد خطها
بخط يده قبل ان يرحل قرأتها من قبل
لكن اليوم تقرأها وكأنها تراها لأول مرة ..
ورقة بسيطة فيها بعض كلمات كانت
رقيقة كلماته عذبة ساحرة
رسم فيها بعض الأحلام بعد العودة
وكثير من الفرح نظرت
الى صورته الموضوعة على جانب
المكتب مسحت ما علق منها من غبار
وأمعنت النظر في تفاصيل وجهه من أعلى شعر رأسه إلى أسفل لحيته المعقوفة ’
نظرت الى حاجبيه الرقيقان المقرونان
في تناسق جميل لتنزل
بنظراتها الى انفه الذي يناسب قسمات وجهه
أنف جميل فيه انتفاخ طفيف في الوسط كان يقول لها هكذا هو انف العرب عريض في الوسط ليس كبيرا حتى يثير اشمئزاز الناظرين ولا صغيرا
يثير التقزز في نفس الاخرين’
نظرت أما شاربه
فلم يكن كثا غزيرا يثير الصخرية كان دقيقا لطيفا فوق شفتين جميلتان كأنهما رسمتا بدقة متناهية ..
مدت أناملها المرتعشة محاولة مداعبة لحيته المعقوفة التي تقع تحت ذقنه كعادته معه عندما كانت تداعبه ..
ارادت ان تتحسس وجوده ..
لكنه كان غائبا كان ميتا لا وجود له الا طيف وخيال ساحرا لا زالت تتردد همسات منه في الذاكرة .
لعنة الله على الحرب التي أخذت منها الحبيب ... تلعن وتلعن ..
وترغي وتزبد ..
وتتوعد لا تعرف من تلعن ولا من تتوعد , فقد هاج بها الشوق وجرفها الحنين ’ كانت تحبه ..
تحبه أكثر من الحب نفسه .
وتكورت على نفسها مثل كومة من قش وأحاطت ركبتيها بذراعيها ناكسة رأسها بينهما
وراحت تنتحب في صمت نحيب يمزق الأكباد ويقطع القلوب ’ وفاجأتها ضحكته
.. وصوته ..و خطواته .. ’ أنه هو ..إنه حلم ..
لا بل خيال ربما أشباح تعبث بها ..
وراحت الخطوات تقترب وتدنوا , وأحدث المفتاح في فتحة الباب خفقة قوية في قلبها ..
وراح القلب يرجف ويخفق بقوة ..
صوته يناديها ..
الخطوات تجوب البيت طولا وعرضا .. لا تصدق ..
إنها تتحسس نفسها ان كانت نائمة ..
ليست نائمة ..
لم تكن خائفة فمنذ رحيله لم تعد تعبئ بالخوف , فقط متلهفة وغير مصدقة ..
انتصبت واقفة معتمدة على سريره ’
فتح باب الغرفة بهدوء ’
نظر إليها نظرت إليه حاولت ان تتمتم بكلمات فلم تستطع حاولت الحراك فشعرت
وكأنها تمثال من برونز لا يتحرك ’
صمت طويل بينهما لا تسمع فيه سوى دقات القلب ونواح الروح ووقع الدموع على بلاط الغرفة ..
مشى نحوها الهوينى وبقي أمامها يتأمل وجه القمر ’ مدت أناملها المرتعشة تتحسس وجهه فلم تصدق ما ترى ’ ظنته مجرد طيف أو خيال ..
لكن أناملها لامست وجهه الدافئ ’
وراحت تمرر أناملها على وجهه وانفه وشاربه الخفيف ونزلت بيده
ا الى أسفل ذقنه وتحسست لحيته
المعقوفة لم تتسرب أناملها عبر جسده الى الفراغ بل شعرت بدفء جميل
وبللت دموعه أناملها الرقيقة ..
وهتفت دون وعي منها يا حبيبي
كنت أعرف أنك حي
كنت اعرف انك ستعود فلم يصدقوني ووقعت مغشيا عليها بين ذراعيه .
فتحت عينيها المثقلتان بالكرى ببطء شديد وصورته في الحلم لازالت تداعب الخيال .. ن
زلت دمعتان من عينيها اللوزيتين
وتمنت لو بقيت تحلم الى الممات
استدارت ببطء شديد نحو اليمين
فإذا بالحلم واقف على جانب السرير
ولم تصدق ما ترى وارتمت في أحضانه ..
فلم يكن حلما بل حقيقة ..
يا حبيبي .. يا حبيبي لا تقتل الأحلام ..
لا تجعلها تنتحر وضمها الى صدره وهمس في أذنها :
ليس حلما يا سيدة الروح
بل حقيقة فقد هربت من الأسر .
راق لى