النظرية الذرية الحديثة
ترجع فكرة وجود الذرة إلى بعض فلاسفة اليونان(ديمقراط) و(لويكب) في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد إذ كان يعتقد أن المادة إذا جزئت تؤول إلى جسيم لا يتجزأ سمي (الذرة) لكنه لم يؤخذ بها على المدى البعيد لأنها كانت محض نظريات فلسفية تختلف معها نظريات فلسفية أخرى واستمر الوضع كذلك حتى مطلع القرن التاسع عشر حيث ظهرت فرضية (دالتون) الذرية التي جاء بها مفسرا قانون النسب الثابتة للعالم بروست ((عندما يجري اتحاد كيميائي بين عنصرين فان اتحادهما يتم وفق نسبه وزنيه معينة وينتج مركب لا يختلف في كل مرة باختلاف الطريقة التي اتخذت في تحضيره)) وقد قادته هذه الفرضية إلى قانون النسب المضاعفة لدالتون((أوزان عنصر يتحد مع عنصر آخر ويكون معه مركبات متنوعة تشكل فيما بينهما نسب عددية بسيطة)).
*فرضية دالتون:
يمكن تلخيص فرضية دالتون بالنقاط التالية:-
1/تتكون العناصر من وحدات صغيرة منفصلة غير قابلة للانقسام أو الانضغاط تسمى ذرات وهذه الذرات تبقى ثابتة في كل التغيرات الطبيعية والكيميائية.
2/ذرات العنصر الواحد متماثلة في خواصها الفيزيائية والكيميائية ولها نفس الوزن كما أن ذرات العناصر المختلفة تختلف في أوزانها وخواصها الفيزيائية والكيميائية.
3/تتم الإنحادات بين عنصرين أو أكثر عن طريق اتحاد ذرات هذه العناصر بنسب عددية بسيطة مثل(2:1) في حالة H2O و(2:3) في حالة Al2O3.
4/يمكن لذرات العنصر نفسه أن تتحد بذرات عنصر آخر في أكثر من نسبة لتكون أكثر من مركب ،مثلا تتحد ذرات الأكسجين بذرات النحاس بالنسبة(1:1) في أكسيد النحاس الثنائي CuO أ و بنسبة (2:1) كما في أكسيد النحاس الأحادي Cu2O والأمثلة كثيرة على ذلك.
ولقد هذه الفرضية اهتمام العديد من الكيميائيين والفيزيائيين فأدخلت عليها تعديلات وتغيرات حتى استقرت على ما هي عليه اليوم.
وقد كان لهذه النظرية أثرها في مجال البحث والدراسة إذ استطاع (مندليف) اعتمادا على هذه الفرضية ترتيب العناصر ترتيبا دوريا وفقا لأوزانها الذرية .
*مكونات الذرة:
خلافا لما افترضه (دالتون) 1808م فلقد أدت الاكتشافات في نهاية القرن التاسع عشر أن الذرة تتكون من دقائق غاية في الصغر ففي عام 1895م اكتشفت الأشعة السينية وفي عام 1896م عرفت ظاهرة النشاط الإشعاعي ثم تم في عام 1897م اكتشاف الالكنرون رغم أن تجربة (ميشال فراداي) التي درس فيها توصيل المحاليل المختلفة للتيار الكهربائي والتي توصل منها إلى آن هناك وحدات مسئولة عن نقل التيار ولكنه لم يستطع تحديد نوع هذه الوحدات كانت كافية للدلالة على الالكنرونات ولدى متابعة (استوني وهلمهولتز) بحث فراداي في فترات مختلفة استنتج (هلمهولتز) أن الكهرباء كالمادة له طبيعة ذرية أي أنها مكونة من دقائق هي وحدة الكهرباء أطلق عليها(استوني ) عام 1897م اسم إلكترون ولقد سبق أن عرف الالكنرون في أنابيب التفريغ إذ سميت الأعداد الكبيرة منه التي تنتج في هذه الأنابيب بأشعة المهبط.
*أشعة المهبط والتأثير الضوئي الكهربي:
من المعروف أن التيار الكهربائي لا يمر في الهواء ولكنه يمر في أنبوبة فرغت منه بواسطة مخلخلة الهواء، إذ تتكون شرارة كهربائية داخل الأنبوبة إذا ما لحم سلك في طريق الأنبوبة ووصل بمصدر كهربي.
هذا ولقد اكتشف العالم(بلوكر) عام 1858م أن الأنبوبة تمتلئ بأشعة غير مرئية إذا انخفض الضغط داخل الأنبوبة إلى 0.01-0.001mmHg وسمى هذه الأشعة بأشعة المهبط لأنها تنبعث من المهبط عند إمرار شحنة كهربية في أنبوبة تحتوي على غاز تحت ضغط منخفض.
ولقد استدل على هذه الأشعة غي المرئية بما تحدثه من تلألؤ أخضر مصفر على جدار أنبوبة التفريغ الممزوج بشيء من النحاس يمكن أن يظهر أثرها على حواجز خاصة مطلية بكبريتيد التوتياء ZnS لأنها إذا لامست هذه الحواجز فانه ينبعث ضوء اخضر.
وتحدث جزيئات غاز النيون ضوء ذو لون احمر إذا ملئت أنبوبة التفريغ بقليل من هذا الغاز أما جزيئات غاز الهيليوم فإنها تطلق ضوء قرمزي .
وتتميز الأشعة المهبطية بالخواص التالية
1/تسير في خطوط مستقيمة باتجاه بعيد عن المهبط وعمودية عليه ولا تتأثر بمكان المصعد ،واستدل على ذلك عندما تكونت صورة كاملة للجسم الذي وضع فيه مسار الأشعة فلو كانت تسير في خطوط مائلة لما ظهرت الصورة كاملة .
2/عبارة عن جسيمات متحركة لها كتلة.
3/ذات شحنة سالبة إذ تنحرف بالمجال الكهربائي أو المجال المغناطيسي إلى ناحية القطب الموجب مما يدل على أنها تحمل شحنة سالبة.
يتضح مما تقدم أن أشعة المهبط هي جسيمات صغيرة ذات كتلة وشحنة قد وجد أيضا أن هذه الكتلة وهذه الشحنة لا تختلف مهما اختلفت نوعية الغاز الموجود داخل أنبوبة التفريغ بل تبقى ثابتة تساوي في مقدارها كتلة وشحنة الالكترونات لذا تعرف الأشعة المهبطية بأنها سيل من الالكترونات يسير نحو المصعد بعيدا عن المهبط (لان المهبط يحمل نفس الشحنة السالبة ) بسرعة مقدارها 1/10 من سرعة الضوء.
لا تعتمد طبيعة هذه الأشعة على نوع مادة المهبط أو نوع الغاز الموجود في أنبوبة التفريغ أو نوع السلك الموصل للتيار الكهربي أو نوع المادة المستعملة لتوليد التيار الكهربي.
ولقد تبين مؤخرا أن هذه الالكترونات لا تقتصر على أنابيب التفريغ حيث أطلقت بعض العناصر بعض الكترونات ذراتها ، عندما سلط عليها أشعة كهرومغناطيسية مثل الضوء العادي .
تعرف هذه الظاهرة (وهي إطلاق العنصر لبعض الكتروناته تحت تأثير الضوء) بظاهرة فعل الضوء الكهربي.
لا يتأثر إلا القليل من العناصر المعدنية بفعل الضوء العادي وهناك عدد من المعادن تتأثر ذراتها إذا أسقطت عليها أشعة كهرومغناطيسية لها موجات أطوالها أقصر من طول موجة الضوء العادي، مثل الأشعة فوق البنفسجية ، فطاقة هذه الأشعة أكبر من طاقة الأشعة المرئية لذا يمكنها انتزاع الالكترونات من الذرات ، أما الأشعة المرئية فتستطيع انتزاع الكترونات أغلب المواد لما تمتاز موجتها بالتناهي بالقصر.
*الالكترونات
الإلكترون جسيم متناهي في الصغر وهو أحد مكونات الذرة لا يرى بالعين المجردة يظهر أثره على الألواح المغطاة بكبريتيد التوتياء (تلألؤ،أخضر) والالكترونات متماثلة في جميع الذرات سواء كانت ذرات لغاز ما مثل الأكسجين أو ذرات معدن صلب مثل الحديد لأنها وحدات بناء جميع الذرات.
لم يكن بالمستطاع معرفة كتلة وشحنة الإلكترون لعدم توفر الأجهزة والإمكانيات لقياس مقادير صغيرة ولقد كانت أولى المحاولات في عام 1897م إذ استطاع الفيزيائي الانجليزي (تومسون) أن يقدر النسبة بين شحن الإلكترون وكتلته( E/M)
حيث E شحنته وM كتلته، فوجدها تساوي( 1.7588×10( colombgr.
وفي عام 1913م استطاع الأمريكي (ميليكان) أن يقيس شحنة الإلكترونE
فوجدها تساوي( 1.6021×10( colombgr .
ووجد أيضا أن كتلته تساوي( 9.11×10gr ).
هذه الكتلة إذا قورنت بكتلة ذرة الهيدروجين تساوي (1/1838) من وزن ذرة الهيدروجين فإذا كان وزن ذرة الهيدروجين وحدة الأوزان الذرية فان كتلة الإلكترون تساوي (0.0005486 وحدة ذرية).
*البروتونات والأشعة الموجبة:
في عام 1886م لاحظ العالم (غولد شتاين) انه إذا استعمل مهبط مثبت في أنبوبة تفريغ نحتوي على كمية من غاز أي أن الضغط داخل الأنبوبة يزيد على المطلوب لإنتاج أشعة المهبط فان أشعة أخرى ملونة غير أشعة المهبط تظهر على السطح الخلفي للمهبط تتحرك باتجاه المهبط أي بعكس أشعة المهبط التي تبتعد عن المهبط مما يدل على أن هذه الأشعة تحمل شحنة عكس شحنة أشعة المهبط فهي إذا تحمل شحنة موجبة وبالفعل وجد لدى دراستها أنها تتألف من جسيمات تحمل شحنة موجبة ووجد أنها جسيمات غير متجانسة في خواصها كذلك بعكس الالكترونات التي تكون أشعة المهبط فكتلتها وشحنتها تختلفان في المقدار باختلاف نوع الغاز الموجود في أنبوبة التفريغ وكذلك لون هذه الأشعة يختلف باختلاف الغاز المستخدم في أنبوبة التفريغ فاللون الذي يظهر في أنبوبة التفريغ التي تشمل صغيرة من غاز النيون يكون احمر أما غاز الهيليوم فانه يعطي لونا قرمزي وهكذا بالنسبة لبقية الغازات .
يتضح مما تقدم أن الأشعة الموجبة عبارة عن ايونات موجبة لذرات الغاز الموجود في أنبوبة التفريغ يمكن تفسير نشوء الأشعة الموجبة كما يلي:-
عند توصيل أنذرية.لتفريغ بالتيار الكهربائي تمتلئ بالالكترونات تتفرغ من المهبط أو من ذرات الغاز الملاصق للمهبط وتحت تأثير فوق الجهد العالي تتحرك في خطوط مستقيمة مبتعدة عن المهبط ومشكلة بذلك أشعة المهبط تصدم اثنا سيرها بذرات الغاز الموجود في أنبوبة التفريغ بطاقة تكفي لانتزاع الكترونات ذرات الغاز الذي يملأ الأنبوبة فتسير الالكترونات في نفس الاتجاه وتتحول الذرات إلى ايونات موجبة تسير في اتجاه معاكس لاتجاه سير الالكترونات أي أنها تتجه ناحية المهبط فإذا كان المهبط مثقوبا (لان طاقة اختراقها صغيرة) فإنها تظهر خلف المهبط كما سبق أن ذكرنا قدرت قيمة النسبة بين شحنة وحدة هذه الأشعة وكتلتلها بنفس الطرق التي استخدمت في تقدير قيمة النسبة بين شحنة وحدة وكتلة أشعة المهبط ووجد أن قيمة (E/M) للأشعة الموجبة تختلف باختلاف نوع الغاز الموجود في أنبوبة التفريغ ولقد وجد أن اكبر قيمة لها عندما تملأ أنبوبة التفريغ بغاز الهيدروجين ذلك لان كتلة ذرات الغازات تختلف باختلاف نوع الغاز ومعلوم أن الهيدروجين هو أخفها فلو فرض أن قيمة الشحنة (E) الموجبة ثابتة فتكون قيمة(E/M) اكبر ما يمكن عند استخدام اصغر قيمة ممكنة (M) وفي خالة استخدام غاز الهيدروجين ينشأ بروتونات لدى انتزاع الكترونات الذرات وذلك لان ذرة الهيدروجين مكونة من إلكترون وبروتون فقط والبروتونات هي عبارة عن جسيمات صغيرة توجد في انويه الذرات تحمل شحنة موجبة تساوي في مقدارها شحنة الالكنرون ولكن كتلة البروتون اكبر من كتلة الإلكترون ب 1836 مرة وهي تساوي (1.00728) كتلة ذرية.
*النيترونات :
هي نوع ثالث من الجسيمات الصغيرة التي تألف مكونات الذرة التي اكتشفت عام 1932م حيث اكتشف العالم الفيزيائي الانجليزي (شادويك) أن ذرات بعض العناصر (مثل ذرات معدن البريليوم Be إذا قذفت بجسيمات ألفا ذات السرعة العالية فان ذرات هذه العناصر تطلق جسيمات صغيرة تختلف عن الالكترونات والبروتونات التي سبق ذكرها سماها (شادويك) النيترونات وقد وجد أنها متعادلة كهربائيا بمعنى أنها لا تحمل أي شحنة .
كتلة النيترون منها تساوي(1.0087)كتلة ذرية وقد وجد مؤخرا أن هذه النيترونات يمكن أن تنقسم إلى جسمين احدهما شيبه الالكنرون والثاني يشبه البروتون ، بمعنى آخر أن النيترون الذي لا يحمل شحنة مكون من إلكترون ذو شحنة (-1) وبروتون ذو شحنة(+1) لذا فان النيترون متعادل .
مما تقدم يتضح أن وحدات مكونات الذرة هي الكترونات وبروتونات ونيترونات وهي عبارة عن جسيمات صغيرة تكون في مجموعها الذرة وفيما يلي دراسة لكيفية تواجد هذه الجسيمات مع بعضها البعض..
ولقد كانت تجربة رذرفورد أولى التجارب التي أوضحت ذلك.