رجلٌ "يسعى"! -تأملات-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تأملات / / /
(2)
يقول الله تعالى في سورة يس عن قصة أصحاب القرية الذين كذبوا الرسل:
"وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين"
لعلنا قرأنا من قبل سبب تقديم "أقصى المدينة" على الفاعل "الرجل" للدلالة وجذب الانتباه أن الدعوة وصلت لأقصا المدينة، فآمن بها رجل فكيف حال القريبين!
هذه المره دعونا نتأمل بكلمة"يسعى"!
لماذا وصف الله تعالى حال الرجل وهو قادم بالسعي لماذا لم يقل يمشي مثلاً أو يركض؟ أو يهرول؟
لماذا "يسعى"..؟
القرآن معجز ببلاغته وكل لفظة فيه تحمل سبباً معجزاً يقودنا إلى التفكر فيه..
إذا نظرنا لمعنى كلمة يسعى بمعاجم اللغة:
تعني:العدو دون الشدة
وقصد الخير أو الشر
وطلب كل عمل متاح
والعرب تسمى مآثر أهل الشرف والفضل (مساعي)
*وهناك الكثير من التفصيلات في معنى هذه اللفظه..
فالرجل جاء لأمر فيه خير، وجاء من أقصا المدينة أي أنه قادم من مكان بعيد يحمل لقومه بشارة أو تنبيه، فجاء بصفة السعي لا الركض وفي ذلك ليكون لدى القاريء المتدبر في هذه الآية صورة عن هذا الرجل تليق بما سيقوله، فالسعي أو العدو بدون شدة فيها هيبة و اتزان، أما الركض فهو يثير الغبار غالباً ويرهق صاحبه، والمشي فيه بطء لا يوضح أهمية الموقف..
فهنا كلمة سعي جاءت معبرة، لكون الرجل سيدعوا إلى الله، ياقوم اتبعوا المرسلين، جاء حاملاً دعوة إلى المعروف ناهياً عن المنكر..
والرجل هو حبيب النجار، كما ذكر ابن كثير في التفسير، هذا الرجل كان يحب عمل الخير، وعندما اتيحت له الفرصة لكسبه ذهب إليه"يسعى" طالباً أجر الدعوة إلى الله تعالى، وكشف عن إيمانه بين قوم لا يؤمنون بالله معرضاً بذلك حياته للخطر، لكن أجر الله تعالى كان عنده أعظم فهان الموت في عينه.. يذكرنا هذا المشهد بقوله تعالى:"ومن أراد الآخره وسعى لها سعيها وهو مؤمن "..
ويذكرنا أيضاً بقصة الصحابي الأعمى رضي الله عنه ابن أم مكتوم :"وأما من جاءك يسعى" ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم طالباً الإيمان، سعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالباً أن يخرجه من الظلمات إلى النور!
الكل يسعى إلى عمل ما، إما يقربه إلى الله وإما يبعده فيهلك!
والكل سيحاسب على عمله فقد قال تعالى :"وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى"
نسأل الله تعالى أن يجعلنا كالذين سعو لطلب رضاه، وذهبو سريعاً إليه غايتهم جنته، فآمنوا به وعملوا بالمعروف ونهوا عن المنكر..
لنكون يوم القيامة مع الذين قال تعالى عنهم"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم"
كما سعو في الدنيا وبادرو بعمل الخير وتسابقوا عليه يسعى نورهم إليهم يوم القيامة، فيقول لهم من تكاسلوا وفضلو القعود وتأخروا عن عمل الخير:"انظرونا نقتبس من نوركم"! انتظركم الله كثيراً للتتوبوا فلم تفعلوا ورضيتم بالكفر والعصيان، وضيعتم النور والأجر العظيم.." و من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور"
اللهم اجعل لنا نوراً يسعى بين ايدينا وبأيماننا
واجعل لنا نوراً من فوقنا ومن تحتنا ومن حولنا، واجعل في وجوهنا نوراً وفي أسماعنا وأبصارنا و أعظم لنا نوراً
يانور السماوات والأرض..
جمعة طيبه..
بحفظ الله ورعايته ..