درر الفوائد للشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله
احرص على أن تستفيد من غيرك
إنْ استطعْتَ أنْ تكُون أنْتَ المُحدَّثْ فافعل، وهذا من باب التَّدافُع والتَّدارُؤ المعرُوف عند السَّلف، النَّاس يتسَابقُون على الكلام، وابن مسعُود يقول: "إنْ استطعْتَ أنْ تكُون أنْتَ المُحدَّثْ فافعل" أنت المُستفيد من غيرك فافعل، لكنْ هل هذا يطرد؟ يستمر الإنسان طُول عُمره يستمع للنَّاس ولا يفعل شيء؟
لا، يعني إذا وُجد الأقران الذِّين ينفعُ بعضُهم بعضاً، احرص على أنْ تكُون مُستفيد، أمَّا إذا وُجد عالم وجاهل، فيحرص أنْ يكُون هُو المُفيد العالم والمُستفيد الجاهل، ما نقول للعالم: انتظر خلِّ هذا يتكلَّم، أو نقول للكبير: انتظر خلِّ هذا يتكلَّم، لا، لكنْ إذا وُجد أقران، وكأنَّهُ يُوصي أصحابهُ وهم من طبقةٍ واحدة، وعلى درجةٍ واحدة، وكلُّ واحد عندهُ من العلم ما ينفع بهِ غيرهُ، فليحرص الإنسان على أنْ يستفيد؛ لأنْ أهم ما على الإنسان نفسُهُ، وفي هذا أيضاً كبْح لجماح كثير من النَّاس الذِّين يُريدُون أنْ يتصدَّرُوا، يُريدُون أنْ يستلمُوا المجالس دُونَ غيرهِم ، وبعض النَّاس يستلم المجلس بفائدة وبغير فائدة،
نقول: لا يا أخي، احرص على أنْ تستفيد من غيرك بِقدر الإمكان، لاسيَّما إذا وُجدْتَ مع من هُو أولى منك، أولى منك بالكلام، دعهُ يتكلم تستفيد أنت ويستفيد غيرك، أو أكبر منك سِنًّا، اترك المجال للكبير، كبير القدْر وكبير السِّن، ثُمَّ بعد ذلك إنْ وُجِد لك مجال تكلَّم، إذا وُجد عندك علم تظن اندراسهُ أو لا يحملهُ إلاَّ أنت عليك أنْ تُؤَدِّيَهُ.
المقطع من تعليق الشيخ على كتاب (العلم لأبي زهير بن أبي خيثمة)
الأدب مع المشايخ والعلماء
نريد كلمه قصيرة في الأدب مع المشايخ والعلماء.
على كل حال المشايخ -يعني أهل العلم- لهم فضلهم على الناس، و ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً يبين فيه قدر العلماء وفضلهم على الناس، فذكر أن الناس كأنهم في أرض فلاة، في واد مشتمل على حصى وشوك وسباع وهوام في ليلة مظلمة، كأنهم يسيرون في هذه الليلة المظلمة في هذا الوادي الذي يكثر فيه الشوك والأشجار المؤذية والدواب والسباع والهوام ثم بعد ذلك جاءهم من بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى خرجوا من هذا الوادي، ففضلهعليهم يُمثل هذا بفضل أهل العلم على سائر الناس، يعني لو تصور الإنسان أنه في بلد ما فيه من أهل العلم أحد فأشكل عليه أي مسألة من مسائل الدين كيف يعمل؟
كيف يعبد الله -جل وعلا-؟
كيف يحقق الهدف الذي من أجله وُجد دون أهل العلم؟
لا يستطيع تحقيق الهدف، وإذا أضاع الهدف خسر دنياه و أُخراه، بخلاف ما لو صار في بلد لا يجدُ من يعينه على التجارة، ولا يجد من يفتح له آفاق وأبواب للتجارة؛ فإنه حينئذ يخسر شيئاً من الدنيا و ولا يضيره هذا، فلا شك أنَّ أهل العلم لهم فضل على الناس فاحترامهم مطلوب، لكن لا يوصل بهم إلى حد الغلو، كما يوجد عند بعض الفئات وبعض المجتمعات وبعض المذاهب، يغلون في علمائهم وشيوخهم، ويصرفون لهم مما هو حق لله -جل وعلا
السُّنن الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل
{فَحَقَّ وَعِيدِ}[(14) سورة ق]
أي وجب نزول العذاب على الجميع، فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك، يعني السُّنَّة الإلهيَّة بالنِّسبة للمُخالفين لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، فمتى وُجدت المُخالفة، وأُيِسَ من الاستجابة حقَّ الوعيد، وحقَّت كلمةُ العذاب، والسُّنن الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل،
وما نعيشُهُ في زماننا من مُخالفات مع أنَّ الله -جل وعلا- يُوالي علينا من النِّعم ما لا نقُومُ بِشُكرِهِ يُخشى منهُ من سُوء العاقبة، فلو قرأنا في المُجلَّد السَّادس من نفح الطِّيب وجدنا الصُّورة مُطابقة؛ لكن نسأل الله -جل وعلا- أنْ يتداركنا، وأنْ يردَّنا إليه ردًّا جميلاً،
فالسُّنن الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، يعني ما استُثني من الوعيد الذِّي حقَّ على هؤُلاء المُكذِّبين إلاَّ قوم يُونس، استُثنوا لما رأوا العذاب آمنوا و إلاَّ حقَّ الوعيد ورأوا العذاب ما فيه سُنن لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، ما فيه إذا رأيت المُقدِّمات مُقدِّمات الفتن ومُقدِّمات الشُّرُور والعذاب تقول:
آمنت، ما يكفي، أُعطيت فُرصة ومُهلة وعندك ما يدلُّك على الصِّراط المُستقيم ومع ذلك خالفت بطوعك واختيارك تحمَّل، يقول: {فَحَقَّ وَعِيدِ} وجب نزول العذاب على الجميع فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك، وفي هذا تسلية للنبي -عليه الصلاة والسلام-،
وإن كان -عليه الصلاة والسلام -يعني الأرجح عندهُ والمُفضَّل عندهُ أنْ يستجيبُوا لهُ، وينجُونَ بسببِهِ؛ لكن الذي يُخالف مع الإصرار والعناد يتحمَّل، الذِّمة برئت من تبلِيغِهِ، وهكذا ينبغي أن يكُون الدُّعاة إلى الله -جل وعلا-، أوَّلاً: يجب أنْ يكُونُوا على بصيرة من أمرهم، وأنْ يقتدُوا بنبيِّهم -عليه الصلاة والسلام-، وما عليهم بعد ذلك إلاَّ البلاغ،
كونك تدعو وتدعو وتدعو ولا ترى مُستجيب لا يعني إنَّ هذا خلل فيك أو في دعوتك؛ وإنَّما النتائجُ بيد الله -جل وعلا- والقُلُوب بيدِهِ -سبحانه وتعالى-،
أنت عليك أنْ تبذل السَّبب تأمُرُ وتنهى وتدعُو إنْ استجاب المدعُو و إلاَّ فالأمرُ ليس إليك {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}[(128) سورة آل عمران]
هذه قيلت في أشرف الخلق، فلا يضيق صدرك بمثل هذا، نعم ((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيراً لك من حُمر النعم)) لكن لا يعني أنَّك تحترق أو تبخع نفسك أو تقتل نفسك إذا لم يستجب لك أحد، أنت أجرُك ثابت والعُقُوبة على المُخالف، والنَّتائج بيد الله -جل وعلا-، ومن نِعم الله -جل وعلا- أنْ رتَّب الأجر على بذلِ السَّبب لا على النَّتيجة.
وبعضُ الكُتَّاب المُعاصرين مع الأسف أنَّ كُتُبُهم تتداول في المكتبات، يقول:
إنَّ نُوحاً فَشِل في دعوتِهِ، يعني ألف سنة إلاَّ خمسين عام ما استجاب إلا نفرٌ يسير؟!
ما استطاع أنْ يُؤثِّر على ولدهِ ولا على زوجتهِ دعوتُهُ فاشلة،
مثل هذا يُقال: في حقِّ نبي؟! في حقِّ رسُول؟!
ويتطاول أيضاً على أشرف الخلق ويقول: إنَّ مُحمداً فَشِل في دعوتِهِ في مكَّة والطَّائف ونجح في المدينة {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[(35) سورة النحل]
الدُّعاة أتباع الرُّسُل الذِّين يدعُون إلى الله على بصيرة قد لا يستجيبُ لهم أقربُ النَّاسِ إليهم، ولو فتَّشنا في بيُوت العُلماء الكِبار وجدنا في أبنائهم مُخالفات، وجدنا في نسائهم مُخالفات؛ لكن هل يعني هذا أنَّهم ما بذلُوا، بذلُوا يا أخي؛ لكن الهِداية بيد الله -جل وعلا-، لا يملك القلوب إلاَّ الله -جل وعلا-،
أنت عليك بذل السَّبب، كثيرٌ حتَّى من طُلاَّب العلم يتندَّر يقول: شوف فُلان انشغل بدعوةِ النَّاس وتعليم النَّاس والمصالح العامَّة والخاصَّة وشوف أولادهم شو هم، نحن نعرف من شيوخنا من تقطَّع أسى على أولادِهِ، وبذل لهُم من جُهدِه ووقتِه ومالِهِ ما يَسعى بِهِ إلى إصلاحِهم لكنْ ما بيده حِيلة؛ لكن لا يعني هذا إنَّ الإنسان يُفرِّط في تربية أولادِهِ ونِسَائِهِ وأَطرِهِم على الحق ثُمَّ يقول: النَّتائج بيد الله، ابذل والنَّتائج بيد الله، أنت عليك بذل السَّبب.