الزائر الغريب
مع اللَّيلِ أُصْغي إليه يحومُ حَوْل الدِّيارِ ويغْـزو الحديقَـهْ
ومن ثُقْبِ بابي أراه يسيرُ عَلى العشْبِ في خطواتٍ رقيقـهْ
ويُبعدُ عنه أَكُفَّ الغصونِ وقد طَوَّقَتْ في عنـادٍ طريقَـهْ
ويقرصُ خدَّاً لزنبقةٍ . . ويُغمـضُ أعينَـها المستفيقَـهْ
ويَحنو على الفُلِّ في فرحةٍ ، ويعبثُ حيناً بصـدرِ الشقيقَـهْ
ويحضن أذْرُعَ لبْلابـةٍ .. تَمطَّت أمام الفضـاءِ ، طليقـهْ
* * *
هناكَ على مقعدٍ من رخامٍ ، أرى الضيف تحت ظِلالِ الشجر
ولا شيء يؤْنس وحدته .. سوى الليل في صمتـه ، والقمرْ
ونبْشة طيرٍ عصَاه الرّقاد ، وأنّات عُـودٍ هـوى ، يحتضـر
ويعلو النداء عميقاً رهيباً ، كصوت السماء ، كصوت القدَرْ
تعالي إليّ لـكي تسْعدي .. فإني الحيـاة لكـل البشَـرْ
وإن لم تَجيئي سآتي أنا .. وفي كُلِّ ليـلٍ هنـا .. أنتظـرْ
* * *
وأنسى السِّنين وعبء السنين ، وأنشُـد لحنِي وأشْعَاريـا
وألبس ما عَزّ عندي وراقَ ، وأعقـص شَعْـرِي بِمرآتيـا
وأملأُ كأسَ الغريب بشَوْقِـي ، وأملأُ كأسي بأحلاميـا
ومن ثُقْبِ بابي أرَاهُ أَمامي .. فيهْبـطُ قلْبـي لأقداميا
وتبدأُ حربُ الصِّراع الرهيبِ ، وَأُحكم إغـلاق أبْوَابيـا
ويرجعُ ضيْفـي بغيرِ لقـاءٍ .. حزيناً ، ويهجـر بستَانيـا
* * *
وفى الصُّبْحِ أفتحُ بابي الكبير ، وعبْرَ الحديقةِ أقفو خُطـاهْ
فيَهمس غصنٌ إلى جارِهِ ، وترنو الخمائـلُ لـي في انْتبـاهْ
وتبدُو الحديقة في زَهْوِها ، قد اسْتَقبلتْ في الظَّلامِ إلـهْ
فمن كلِّ ركْنٍ تَهادى عليه ، وفي كلِّ وجـه نبـاتٍ رآه
يشعُّ ضياءٌ .. ويسري عبيرٌ ، وتدفقُ من جانبيـهِ الميـاهْ
فأذكر أني سمعتُ الغريبَ ، ينادي " أنا الحب.. إنِّـي الحياهْ"