أثر العمل الصالح
في تفريج الكروب
-5-
2- الديون:
وهي كربة تعتري بعض الناس في حياتهم لظروف معينة يمرون بها، وتشتد هذه الكربة ويزداد تأثيرها عندما يعجز المدين عن سداد دينه، فهو كما قيل: «هم في الليل وذل في النهار» وإن تراكم الأموال على الإنسان وكثرة المطالبة بها من قبل الدائنين يحرج المدين ويدخله في دوامة القلق والاضطراب، فلا يستطيع الخروج إلى الناس ومخالطتهم، وقد تؤدي هذه الحال به إلى أن يترك بلده وأهله وأحبته هروبًا من حقوق الناس عليه أو سعيًا للعمل في مكان آخر ربما يخفف عنه هذا الهم وهذه الأمانة، والدين من الأعباء والكربات التي لا تنفك عن الإنسان حتى بعد الموت، فإن هو نجا بنفسه منها في الدنيا فإنه لن تزول كربته في الآخرة لأنه حق العباد لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من عليه الدين إلا أن يعفو عنه الدائن ويسامحه لعظم شأنه وحقه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلاً فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلا قال للمسلمين: «صلوا على صاحبكم»، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته»([1]).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين»([2]).
ومن أجل ذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله منه في دعائه ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال»([3]).
وطريق الخلاص من هذا الكرب في الدنيا والنجاة منه يوم القيامة أن يخلص الإنسان في طاعته وعبادته لله تعالى، ويبادر إلى الأعمال الصالحة والاستغفار والأذكار بشكل دائم، ويتقي الله تعالى في أموره كلها، فهذا هو السبيل الأعظم لإزاحة هذا الهم عن كاهله وإبداله بالفرج واليسر والسداد يقول الله تعالى: }... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{ [الطلاق: 2، 3]، وقال الله تعالى عن نوح عليه السلام في مخاطبته لقومه: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا{[نوح: 10-13].
وعن علي رضي الله عنه أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دينًا أداه الله عنك، قال: «قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك»([4]).
ولا يعني هذا ترك الأسباب، بل عملها ضروري وتركها عجز وتخاذل ولكن للتأكيد على أثر العمل الصالح في حل هذه الكربة.
3- الظلم:
الظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث وهو كربة وبلاء، ظهر منذ أن خلق الله الإنسان، نتيجة لآفات النفس، ورغباتها وأهوائها، من الحسد والغرور والكبرياء، وكذلك الطمع والجشع وحب الذات وكراهية الغير، وغيرها من الأسباب، والمؤمن إذا أصابه شيء من كربة الظلم، بأي شكل من أشكالها من اعتداء أو تعذيب أو أخذ حق وغيره، يجب أن يسارع إلى الله تعالى، الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، ليرفع عنه هذه الكربة ويبدلها فرجًا وسرورًا، وعزة وانتصارًا، بشرط أن يعاون هذا التضرع إلى الله الاجتهاد في العبادة والإخلاص في الأعمال، وتصفية النية، وترك المعاصي، لقوله تعالى:}إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{[الرعد: 11]، فعندها يقبل الله تعالى دعوته ولا يرده خائبًا، بل سيعجل له بالفرج القريب والظفر الأكيد على عدوه وظالميه، يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»([5]).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم عندما بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»([6]).
وإن طال الفرج أو تأخر قليلاً فلحكمة من عند الله تعالى لا يعلمها إلا هو، ربما يكون فيه خير للإنسان وذخر له يوم القيامة، وربما يجعل الله تعالى سعادة هذا الإنسان المبتلى بالظلم في تلك اللحظات التي يظلم فيها ويضطهد، لأنه سبحانه وتعالى يلقي عليه رداء السكينة والراحة النفسية، ويزيد من إيمانه ويقينه لأمر الله، لذلك كان بعض السلف الصالح يقولون: لو علمت الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه –يعني من الراحة النفسية- لجالدونا عليه بالسيوف.
فعلى المظلوم المكروب أن يعود إلى ربه ويعمل صالحًا وسينتقم الله تعالى من الظالم ولو بعد حين، لأن عقوبات الظلم معجلة في الدنيا قبل الآخرة، والشواهد التاريخية والواقعية أكثر من أن تحصر، فهؤلاء رسل الله وأنبياؤه وقع عليهم ظلم من أقوامهم فانتصر الله لهم:}فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{[العنكبوت: 40]، ووقع على كثير من سلف الأمة ما وقع كالإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم كثير رحمهم لله، فكانوا أئمة يقتدى بأقوالهم، والذي يجب الحذر منه ألا يرد الظلم بظلم.