يحرص الكثير منا على أن تكون علاقاتهم رائعة وممتازة ويحاولون جاهدين على الحفاظ عليها من أن لايصيبها أي توتر مع الآخرين ! وهذا أمر رائع ومطلب نفيس , ومطلوب منا جميعاً تحسين علاقاتنا مع بعضنا وتهذيبها وتغذيتها بالقراءة والإطلاع وبناء الذات ولذلك فإن أكثر الدورات انتشاراً وأكثر الكتب رواجاً وأكثر المقالات قراءة في الغالب هي تلك التي تتحدث عن فنون ومهارات التعامل مع الآخرين , ولاعجب فهذه المهارات تضيف إلى قائمة فتوحاتك أصدقاء جدد لتقول لهم " مرحباً بك عميلاً جديداً لدينا " وليست المهارة أن تكسب صديقاً جديداً فهذه يستطيعها الأكثرون ولكن المهارة أن لاتخسر صديقاً .
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المربي الأول في بناء العلاقات كيف لا وهو أفضل الخلق قاطبة , يقول عنه جرير البجلي ( ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبّسم ) إن هذه الابتسامة تغلغلت في قلب جرير رضي الله عنه فجعلته يأتي من أرض قومه ليصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام , وعن عائشة رضي الله عنها قالت ( ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال لبيّك ) ياالله ما أعظم هذا المربي الذي أسس أقوى العلاقات مع أهل بيته أولاً ثم خرج ليرسم للناس منهجاً معتدلاً في بناء علاقاتهم وأي نجاح لداعية فشل في بناء علاقاته مع أهل بيته وذويه ويريد النجاح خارج بيته , إن هذا العظيم عليه الصلاة والسلام قطع الخلائق معه كل العلاقات والأواصر فلم يتأثر بهم لأن علاقته بربه جل وعلا متينة خرج من الطائف مطروداً تسيل الدماء من عقبيه فلم يستفق إلا بقرن المنازل وهو يقول (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي ) فكفاه ما أهمه وكشف عنه كربه , وعلم أصحابه ربط قلوبهم وتقوية علاقاتهم مع الله دونما سواه , أليس هو من علم ابن عباس (يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ... تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة )
دعنا أخي الحبيب نتماسك الأيدي ونسير في جو هادئ بعيد عن الصخب والضجيج ونتأمل في مبدأ كل العلاقات وأصلها ألا وهي علاقتنا مع الله جل وعلا ,,,,
- مسكين من يهتمّ بعلاقته مع الناس وينسى رب الناس .
- خاسر من يتواصل مع البشر وحبله مع الخالق جل وعلا مقطوع .
يقول أحدهم ( إذا أردت أن تحقق التوازن في شخصيتك فعليك تنمية أربعة جوانب في حياتك :
- الجانب الروحي : وهو صلتك بالله عز وجل وكيفية تقويتها .
- الجانب الاجتماعي : وهو صلتك مع عائلتك وأقاربك وزملائك .
- الجانب العقلي : أي التنمية الثقافية ( ما تقرأ ما تشاهد ما تتعلم باستمرار )
- الجانب الجسدي : أي العناية بجسدك من رياضة وغذاء صحي وما إلى ذلك .
وما يهمّنا هو الجانب الروحي وهو الصلة بالله عز وجل , هل فكرّت بتجديد العلاقة مع الله جل وعلا وكيف نقوّيها وننمّيها ؟
قف مع نفسك وتأمل في هذه الأسئلة طويلاً :
- منذ متى لم تزر بيت الله الحرام وتنطرح فيه وتذرف فيه دموع التفريط والندم ؟
- متى كان آخر عهدك بالصيام والقيام ؟
- ما مدى محافظتك على الفرائض فضلاً عن النوافل ؟
- ما هي مشاريعك التي تؤمل أن تكون سبباً في دخولك الجنة ؟
- هل الدعوة مضافة إلى قائمة اهتماماتك , وما الذي قدمّته لنفسك حيالها ؟
- ألسنا أخي الغالي نحسب لمن نحتاجهم ألف حساب ونحاول تلمس رضاهم ونتوقى غضبهم , فأين الله تبارك وتعالى أليس هو سبحانه أحق أن يخشى ويخاف ؟
- ألم تكن تدعو فترى إجابة دعائك ؟ ألم تكن ترقي نفسك وغيرك فترى ثمرة ذلك ؟
- ألم تكن تدخل في إصلاح قضايا شائكة فيكتب الله على يديك لمّ شعثهم وإصلاح أمرهم ؟
ما الذي جنيناه طوال عمرنا من الضحك والهزل إلا موت القلوب وقسوتها وبعدها عن خالقها جل وعلا , لا يستطيع أحد كائناً من كان أن ينكر ضعف اتصاله بالله فتذّكر هذه المقولة الرائعة ( أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس )
إن العلاقة كل العلاقة في قوله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له ....الآية "