العفة و رسول الله صلى الله عليه و سلم حسبنا قبل تناول هذا الموضوع أن نذكر أبياتا جميلة لأستاذنا و شيخنا الفاضل عائض القرني في كتابه "محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه" حين قال :
زمانك بستان و عهدك أخضر **** و ذكرااك عصفور من القلب ينقر
و كنت فكانت في الحقول سنابل و كانت عصافير و كان صنوبر
لمست أمانينا فصارت جداولا و أمطرتنا حبا و لا زلت تمطر
تعاودني ذكراك كل عشية و يورق فكري حين فيك أفكر
و تأبى جراحي أن تضم شفاهها كأن جرح الحب لا يتختر
أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا و الهوى لا يفسر
تأخرت يا اعلي الرجال فليلنا طويل و أضواء القناديل تسهر
العفة خلق إيماني رفيع زينة للرجل المسلم و المرأة المسلمة في الدنيا و الآخرة يحفظان به إيمانهما و يضمنان به استقامتهما و يستجلبان به رضى ربهما و يعتصمان به من معاصيه و سخطه و يحفظان به شبابهما و صحتهما.
و هنا تستوقفنا أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها فكان برهانا على كمال العفة في أفعاله قبل أقواله و هاهي بعض المواقف التي يؤكد فيها صلى الله عليه وسلم على وجوب التمسك بهذا الحبل المتين:
عن أبي أمامة أن فتى من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" يا رسول الله ائذن لي بالزنا فاقبل القوم عليه فزجروه و قالوا مه مه فقال أدن فدنا منه قريبا قال فجلس قال أتحبه لأمك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لأمهاتهم قال أ فتحبه لابنتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لبناتهم قال أ فتحبه لأخواتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لأخواتهم قال أ فتحبه لعمتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لعماتهم قال أ فتحبه لخالتك قال لا و الله جعلني الله فداك قال و لا الناس يحبونه لخالاتهم فوضع يده عليه و قال اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و أحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء".
و في حديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رايت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فانطلقت معهما فاذا ببيت مبني على مثل بناء التنور أعلاه ضيق و أسفله واسع يوقد تحته نار فيه رجال و نساء عراة فإذا أوقدت النار ارتفعت حتى كادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها فقلت من هؤلاء قال الزناة ".
و لما كانت معصية هؤلاء بأجزائهم السفلى كانت النار تأتيهم من أسفل منهم و لما كانت نيران الشهوات تثور عليهم في الدنيا بين حين و اخر فيقارفون المعصية كانت النار تثور عليهم بين حين و آخر و كانوا كلما أرادوا الخروج من المعصية و التوبة إلى الله عز وجل و الانطلاق في فضاء الطاعة قصرت بهم هممهم و غلبت عليهم شهواتهم فعادوا اليها مرة ثانية فهم كذلك في ثنور في البرزخ كلما هموا بالخروج عادوا إليه مرة ثانية و العياذ بالله. هذا ما جاء في شرح هذا الحديث.
و في الصحيحين عن عبد اله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله قال: أن تجعل لله ندا و هو خلقك قال: قلت: ثم أي قال: ان تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال : قلت: ثم أي قال: أن تزني بحليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه " و الذين لا يدعون مع الله إله آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق اثاما".
و عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر اليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم : شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر"
من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم و أحاديثه النيرة في خلق العفة أصبح واضحا أنه لا شك في أنه كل مسلم يجب عليه أن يتحلى بالفضائل و يتخلى عن القصور و الرذائل فالمؤمن إذا رغب في الخير رغب و إذا خاف من الشر هرب و لا خير فيمن إذا زجر لا ينزجر و إذا أمر لا يأتمر.
منقول للفائدة