اللغة و فقدانها
إن التطور مرتبط باللغة ارتباطا وثيقاً فلا يوجد دولة وصلت إلى قمة التطور أو سايرت التطور وواكبته وشاركت فيه تبنت لغة غريبة أو غربية لكي تكون رائدة
فمثلاً :-
روسيا نقلت العلوم للروسية وألمانيا نقلت العلوم للألمانية وفرنسا فعلت ذلك حتى إسرائيل عندما أرادت أن تحيي اللغة العبرية التي كانت شبه منقرضة أحيتها بالعلوم وترجمة المناهج للعبرية ولم تأخذ لغة بديلة .
إن من المآسي أن تلفظ أمة لغتها وتتبنى لغة لا تعرفها فهي بذلك تفصل جيل كامل عن واقعه العلمي والثقافي وتهمش جيل عن الحضارة بسبب جهله باللغة وان كثير من الدول يفتخر بلغته فالفرنسيين مثلاً يعرف معظمهم اللغة الانجليزية ولكن يرفض الكثير منهم التعامل مع زوار فرنسا إلا باللغة الفرنسية والألمان أيضا ليسوا بعيداً عن الفرنسيين في هذه المسالة .
اللغة الوحيدة التي حافظت على تماسكها طوال التاريخ ولم تزل رغم دخول بعض الشوائب فيها اللغة المعجزة في نظري هي اللغة العربية هي فعلاً معجزة بحد ذاتها فانتشارها تحت سقف الإسلام ولوجود القرآن الكريم حافظت هذه اللغة على كينونتها وتاريخها إلى الآن .
وفي هذا الزمن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لكل الدول العربية فعلياً ولكن نفس الجهات الرسمية التي من المقرر لها أن تتعامل باللغة العربية تلغيها وتجعلها اللغة الثانية في سلم الأولويات بعد اللغة الانجليزية بل ويحدث أكثر من ذلك أن مقياس الموظف أحياناً يكون على مستوى لغته الانجليزية .. للأسف .
لم تُعرب أي دولة عربية مناهج العلوم الرئيسية للغة العربية وأن المحاولات التي بذلت في هذا الجانب تكاد تكون معدومة أو فاشلة ما عدى سوريا التي تحرص إلى الآن أن تكون المناهج العلمية فيها باللغة العربية ، للأسف نحن العرب كنا خير من نقل الحضارات السابقة إلى العربية وكنا خير من ترجم العلوم وأضاف إليها وخير من تبنى العلماء والمفكرين والفلاسفة دون التطلع لأعراقهم ، نأتي في هذا الزمن ونهمش اللغة العربية .
إن ضاعت اللغة العربية ضاعت هوية الأمة فأمتنا اكتسبت قوميتا من لغتها فأصبحنا عرباً لأننا نتحدث العربية فكيف يكون بنا الوضع إذا فقدت اللغة فلا دين ولا لغة ولا هوية نتجرد حتى من تاريخنا .. ألسنا مخطأين إن قمنا بهذا .
الأمر المحزن أننا ربطنا التحضر باللغة الانجليزية وأهملنا لغتنا الأم ، كيف يقاس المبدع المتحدث بالعربية إذا كانت اللغة التي يملكها لا يقيم بها وكيف نستطيع أن نعرف مدى ثقافة شعوبنا إذا قيست الثقافة بلغة أجنبية لا يجيدها عامة الشعب .
لقد عادت أمور الدراسة إلى عهد الاستعمار البريطاني والفرنسي للوطن العربي حيث كان المتحدث بأحد اللغتين الفرنسية أو الانجليزية يجد القبول في الأوساط الرسمية وتفتح له الأبواب ويبقى الشعب مهمش عن الحضارة والثقافة والتمدن .
لا أدعوا لمقاطعة أي لغة فتعلم اللغات بكافة أشكالها أمر لا بد منه وله أهمية بالغة لا يستطيع أحد إنكارها لكن لا يجب فرض لغة أجنبية علينا ومحاسبتنا على مدى إتقانها وأن مسئولية اللغة العربية تقع على الجميع في المحافظة عليها والمطالبة ببقائها رمز لثقافتنا العربية الإسلامية .
اللغة العربية احتوت أناس كثر من مذاهب وديانات غير الإسلام فكان لها تأثير على كل من كان موجود في مجالها فنجد الأخوة المسيحيين في الوطن العربية متحدثين ممتازين بالغة العربية ومؤثرين في الثقافة والأدب والفن كالمسلمين العرب تماما ً .
علينا أن نعي خطورة تجريد الشعب العربي من لغته بما يترتب عليه من أضرار بالغة على الأمة بشكل عام فالارتباط العربي ارتباط لغوي تاريخي فإذا انـحـل هذا الرابط تكسر الجسم العربي وانتهى إلى الأبد وفقدان الهوية الجامعة للغة لا تغني عنها أي هوية أخرى أو أي علاقة أخرى .
salah+