بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..اختي واخي يا من تملّك الحزن قلوبهم.. وكتم الهمّ ا نفاسهم.. وضيّق صدرهم.. فتكدرت بها الأحوال.. وأظلمت أمامهم الآمال.. فضاقت عليهم الحياة على سعتها.. وضاقت بهم نفسهم وأيامهم.. وساعتهم وأنفاسهم !
لا تحزن.. فما الحزن للأكدار علاج.. لا تيأسي فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !
لا تحزن.. فالبلوى تمحيص.. والمصيبة بإذن الله اختبار.. والنازلة امتحان.. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان !
فالله ينعم بالبلوى يمحصنا ...... من منا يرضى أو يضطربُ
وإليك أختي واخي المسلم.. كلمات نيرة تدفعون بها الهموم.. انتقيتها لكم من مشكاة النبوة لننير لك الطريق.. وتكشف عنك بإذن الله الأحزان.
أولاً: كونوا إبناءيومكم
اجعلوها شعاركم في الحياة:
ما مضى فات والمؤمل غيبُ ..... ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) [رواه البخاري].
إنسوا الماضي مهما كان أمره، انساه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومكم، ويزيدكم هموماً على همومكم. تصوروا دائما أنكم وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنكم.. ذهنكم فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى !
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كنهه أحد.. قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]. إذاً فالماضي عدم.. والمستقبل غيب !
فلا تحطموا فؤادكم بأحزان ولّت.. ولا تتشاءموا بأفكار ما أحلت ! وعيشوا حياتكم لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم !
تجاهلوا الماضي.. وارمِ ما وقع فيه في سراب النسيان.. وامسحوا من صفات ذكرياتكم الهموم والأحزان.. ثم تجاهلوا ما يخبئه الغد.. وتفائلوا فيه بالأفراح.. ولا تعبروا جسراً حتى تقفوا عليه.
تأملواكيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: { اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال } [رواه البخاري ومسلم].
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
أختي واخي المسلم.. يومك يومك تسعدوا.. أشغلوا فيه نفسكم بالأعمال النافعة.. واجتهدوا في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمروا فيه لحظاتكم في الصلاة.. في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير.. في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30].
ثانياً: تعبدوا الله بالرضى
لا تحزنوا.. اجعلوا شعاركم عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيراً منها.. اهتفوا بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقك البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة !
تأملوا في أدب البلاء في هذه الآية: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
استرجعواعند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشروا بالرحمة من الله وحده !
ثالثاً: افقهوا سر البلاء
لا تحزنوا.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4].
طبعت على كدر وأنت تريدها ..... خالية من الأنكاد والأكدار
هكذا الحياة خلقت مجالاً للبلاء.. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31].. إذن فسر البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر.. والصابر فيثاب ! لا تحزنوا.. واستشعروا في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله !.. تثبتوا وتأملوا وتمالكواوهدئوا الأعصاب.. وكأن منادياً يقول لك في خفاء هامساً ومذكراً: أنت الآن في إمتحان جديد.. فاحذروا الفشل.
تأملوا قوله : { من يرد الله به خيراً يفقه في الدين } [رواه البخاري]، ثم قوله : { من يرد الله به خيراً يصب منه } [رواه البخاري]. فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه !
فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنباً.. ويفرج به كرباً.. ويمحي به عيباً.. ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1]، وفي الحديث: { إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط } [رواه البخاري].
رابعاً: لا تقلقوا
المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6،5].
لا تحزنوا.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. ليطمئن قلوبكم.. وينشرح صدوركم.. وقال : { لن يغلب عُسر يُسرين }.. العسِير يعقبة اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى ..... وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ..... فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامساً: اجعلوا همكم في الله
أُخي واختي.. إذا اشتدت عليكم هموم الأرض.. فاجعلوا همكم في السماء.. ففي الحديث: { من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك } [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزنوا.. فرزقكم مقسوم.. وقدركم محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد20]. إذا آوى إليك الهم.. فأوي به إلى الله.. والهجوا بذكره: ( الله الله ربي لا أشرك به أحداً )، ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )، ( رب إني مغلوب فانتصر )، فكلها أورد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب.
اطلبوا السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفروا بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة.. إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
اطلبوا الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين ، وتلاوة القرآن، أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]..
لا تحزنوا.. وافزعوا إلى الله بالدعاء.. لا تعجزوا ففي الحديث { أعجز الناس من عجز عن الدعاء } تضرعوا إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختلوا بنفسكم في قعر بيتكم شاكين إليه.. باكين لديه.. سائلين فَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّوا عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. لا تحزني ولا تيأسي.. إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
ستنجلي الظلمة.. وتولِّ الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشوا لها فراش الصبر.. وهاتفوها بالدعاء والذكر.. وظنوا بالله خيراً.. يكن عند حسن ظنكم..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جعل الله أيامكم سعاده وأبعد عنكم الهم والحزن.....