أين تتوحد كرامة الإنسان؟
د. شروق الفواز
في أوقات كثيرة توقفنا الأيام في لحظاتها الحاسمة أمام بوابة الاختيار تجردنا فيها من أشياء كثيرة قد تحد من عزيمتنا في الانقضاض فترخيها، أو يكون في تجريدها هذا إطلاقاً مطلقاً لعزائمنا في حرية قد نجهل حقيقتها ونخشى من مغبة نهاياتها.
ولكنها الأيام وكما هي عادتها تضطرنا وتفاجئنا بجديدها وتجبرنا على خياراتها الثلاثية إما القبول والترحيب أو الرفض مع التصميم أو الاستسلام والانهزام وفي هذه اللحظات بالضبط نعرف معنى التنازل.
ولكن عن أي شيء تراه يكون تنازلنا؟
وإلى أي درجة يكون ذلك التنازل محزناً أو أليماً أو حتى محرضاً على الانتقام؟ انه لا يكون كذلك إلا عندما يجبر الإنسان على التنازل عن شيء من كرامته.
وعن أي الكرامات نتحدث فكرامة الإنسان في الصين قد تختلف عن ذلك الذي في الدول الأوروبية أو أمريكا الشمالية أو ذلك الذي في الهند أو احدى الدول العربية أو الخليجية.
بل انها تختلف بين المرأة والرجل في مراحل عمرهما المختلفة.
فما قد يراه الإنسان جارحاً ومهيناً لكرامته في يوم من الأيام قد يكون أمراً عادياً ومألوفاً بعد أن تعوده على ذلك الأيام.
قد يضطر الإنسان للتنازل عن شيء من كرامته في حالات مختلفة في حالات الخوف أو الضعف وعند الحاجة أو الاحتياج والفقر أو بسبب الطمع والجشع وربما من أجل الحب أو رغبة بالتمسك بآخر أوصال العشرة أو الصداقة، ولتحقيق الهدف أو المصلحة حتى طلب العلم قد يتنازل الإنسان فيه عن بعض من كرامته ليحصل على مراده.
لا يوجد في هذه الأرض من لم يتنازل عن شيء من كرامته حتى الملوك سجل لنا التاريخ تنازلات كثيرة لهم اضطروا لها إما حفاظاً على عروشهم وسلطانهم أو ضماناً لسلامة شعبهم وأمنه.
ففيما تكون كرامة الإنسان؟ ولماذا هي كلمة تمس كل وجداننا وتهز كياننا وربما تزلزله، وهي قيمة متغيرة تتغير مع أحواله وأوضاعه وسنين عمره المكتسبة أو تلك المسروقة!
لو راجع الإنسان سجل حياته وعاد بنفسه للوراء لرأى العجب من نفسه وممن هم حوله.
فما كان يستثير كرامته ويقلق منامه ويوجع قلبه في سابق الأيام قد يراه الآن أمراً مستساغاً وطبيعياً لا يستثير أي عاطفة منه ولا يؤرق نومه.
وما قد كان مألوفاً عليه وطبيعياً متماشياً مع وجدانه وكيانه أصبح الآن أمراً مثيراً مستفزاً لكل شعرة فيه ومؤلماً لكل جزء من جسمه.
ليبقى ذلك السؤال حائراً في أعماق كل واحد منا أين يمكن أن تتوحد كرامة الإنسان؟ في دينه في عرضه، في ماله، في قوته، في حريته، أم في مجرد بقائه؟