يسأل البعض عن معنى هذه الآية الكريمة في سورة الرحمن، ومما جاء في معناه أن الله تبارك وتعالى يعطي من يشآء ويمنع من يشآء مايشاء فهو يغير في عباده ولايتغير سبحانه وتعالى لأن التغير لايليق بالله تعالى فالتغير علامة الحدوث أي الخلق والحدوث مستحيل على الله تعالى ومن ذلك القول المتداول بين النا س سبحان الذي يغير ولايتغير وهو قول موافق للمعتقد فهو يغير عباده من حال إلى حال ولايتغير سبحانه وتعالى .
الله … كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ [الرحمن:29].
يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، ويحيي ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة.
الله … الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى.
السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها.
أخرج منها ماءها ومرعاها. يبسط الرزق ويغدق العطاء ويرسل النعم . الله الغني المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه غني عن الكل والكل محتاج إليه لايحتاج للرسل ولاللملائكة الكرام ولاللسماء ولاللعرش بل السموات والأرض والعرش ومابينهما وما عليهما كل بلطف قدرته سبحانه وتعالى.
الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان.
هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء،ليس كمثله شىء وهو السميع البصبر، ينفس الكرب، ويفرج الهم، ويذهب الغم، ويقضي الدين ويغني من الفقر.
قد يعطى الإنسان أموالاً. وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً. وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباً عظيماً أو مركزاً كريماً. قد يحف به الخدم ويحيط به الجند وتحرسه الجيوش وترضخ له الناس. وتذل له الرؤوس ولكنه مع ذلك كله فقير إلى الله، محتاج إلى مولاه يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ [فاطر:15].
حقيقة غنى المرء في الحياة أن يعيش فقيراً إلى الله، وهذه هي حقيقة العبودية وعلامة التقوى، فالمرء في صلاته، في ركوعه، في سجوده، في دعائه، في كل عباداته يعلن الخضوع لله والاستسلام له والتذلل إليه والافتقار إليه، إن الفقر أن يكون المرء بأحاسيسه ومشاعره ووجدانه مفتقراً إلى الله تعالى، وأنه لايستغني عن الله طرفة عين، ولا يعني ذلك أن يعيش المرء فقيراً من أمر الدنيا فيترك السعي فيها ويرفض اكتساب الرزق وجمع المال وعمارة الحياة، ويظن أن ذلك هو الافتقار الحقيقي، فقد يكون المرء من أكثر الناس مالاً وأوفرهم عيالاً وأعظمهم ثروة، ومع ذلك هو شديد الافتقار إلى العزيز الجبار. فالفقر الحقيقي هو دوام الافتقار إلى الله في كل شيء.
وأن يشهد الإنسان في كل حال فاقة تامة وفقراً وحاجة إلى الله رب السموات المدبر لكل الكائنات وإلى لطفه وكرمه وعنايته وحفظه وتيسيره وتدبيره، وأن هذا الفقر إلى الله تعالى هو حقيقة الغنى وأصل العزة في الدنيا والآخرة. لا يزداد به المرء إلا رفعة ولا ينال به إلا عزاً ولا يجني منه إلا فضلاً. فهل يكون فقيراً من استغنى بالله جل وعلا ؟ وهل يكون فقيراً من كان الله معه والله ناصره والله معينه والله حافظه.
لقد تجرأ اليهود كعاداتهم في وسوء الأدب وشناعة الأعمال ووقاحة الأقوال، فقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، قالوها ومضوا لشأنهم غير مبالين بفظاعتها ولا مهتمين لشناعتها ولا مكترثين لهولها ولكنها مرصودة لهم مسجلة عليهم مسطورة في سجل قبائحهم.
لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلاْنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ [آل عمران:181].
و في ختام الحديث عن ذلك جاءت إشارة عابرة، وآية موجزة فيها الرد على كل الباطل، والجواب أحسن الجواب فقال تعالى: ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٌ [البروج:9]. فمن يملك السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن وهو على كل شيء قدير هل يكون فقيراً؟ هل يكون بحاجة إلى ولد أوزوجة أو مكان يستقر فيه أو إلى ملك أومخلوق خلقه؟؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.