فساتين الزواج، مهما مر الزمن وتغير المكان لا تزال تبث الكثير من الفرح في القلوب، وتدفع العرائس الكثير مما جمعناه طوال سنوات من أجل أن تكتمل فرحة العمر بأجمل تصميماته وتطريزاته.
في تونس، البعض يريده تقليديا مجحفا في التخفي وإخفاء جمال العروس فكأنه يستأثر بها لنفسه فقط، ويأبى أن يرى إعجاب الحاضرين بالعروس أيام الزواج.
والبعض الآخر يبحث عن فستان لا يغطي شيئا، بل يكشف كامل مفاتن زوجة المستقبل ولا يضيره ذلك في شيء!.
بين هذا وذاك، تسعى العاملات في محلات بيع وتأجير فساتين الزواج هنا لإرضاء كل الأذواق، على شرط أن تعلم العروس ان كل شيء بثمنه.
وتفرض بعض مواصفات العروس على العائلة نوع الفستان الذي سترتديه في ليلة العمر، بدءا من طولها ووزنها، كما أن الموضة تفرض نفسها وإن كان العديد من الناس يودون المحافظة على تلك الجوانب الكلاسيكية المعروفة، والتقاليد التي تعمل عديد العائلات على احترامها، سواء من حيث الألوان أو الأشكال.
وتسعى محلات بيع وتأجير فساتين الزفاف، بدورها، إلى أن يكون الفستان جذابا وجميلا ومتناسقا، إلا أن ذلك يخضع إلى الذوق الشخصي للعروس أولا، وللإمكانات المادية للعريس ثانيا.
واللافت في تونس، كغيرها من بلدان العالم، أن فستان الفرح يكشف عن الطبقة الاجتماعية لصاحبته.
فمثلما للأغنياء فساتينهم التي تشترى بمئات الدنانير، للفقراء كذلك فساتينهم التي تقيهم من أعين الناس وألسنتهم.
وقد ارتبط فستان الزفاف هنا بالصناعات التقليدية، فعديد من العائلات التونسية كانت تخيط بنفسها أو من خلال النساء المتخصصات في الخياطة وتطريز فستان العروسة. وهذه العملية كانت معقدة للغاية وقد تدوم أكثر من ستة أشهر، لكنها أصبحت الآن لا تزيد على أسبوع واحد، من وجهة نظر زهرة غرس الله، إحدى أقدم صاحبات المحلات المتخصصة في بيع وتأجير فساتين الأفراح.
وبالرغم من وجود الكثير من المحلات المتخصصة في هذا المجال، فإن باب سويقة بالمدينة العتيقة هو المكان التقليدي لمثل هذه الأشياء، وتبدأ تحضيرات تلك المحلات منذ شهر مايو من كل سنة بالبحث عن الموديلات الجديدة، خاصة من ناحية الألوان، ودراسة السوق من حيث الأسعار، وهدفها هو تقديم أزياء تجمع بين جمال الصناعات التقليدية، وخفة وأناقة الموضة الحديثة.
وللتعرف على هذه المهنة، لا بد أن تمر العروس بالعاصمة التونسية وبنزرت ونابل وسوسة وصفاقس باعتبار المساهمة الملحوظة لحرفيي تلك الولايات (المحافظات)، في انتقاء أفضل التصاميم واحدث الألوان، خاصة تلك التي تراوح بين التقليدي بزينته الفريدة، والحديث ببريقه الصارخ.
تقول سارة شابو، التي تعمل في القطاع منذ 35 سنة، إن أفضل الاختيارات ليست بالضرورة الأغلى سعرا، بل تلك التي تتماشى والمواصفات الجمالية للعروس، وتتابع: «لكنني بحكم الممارسة الطويلة، أصبحت افهم رغبة العائلة المقبلة على تزويج ابنتها، وأقرأ نفسيتها، فأمدها بما ترغب فيه في وقت قياسي».
أما في مجال الموضة والألوان، فإن سارة تؤكد على أن اللون الأبيض لا يزال سيد الألوان ولا يمكن بأية حال أن يتراجع الطلب عليه، مع توفر بعض الألوان الأخرى، التي يزيد الطلب عليها بصفة تدريجية، مثل الفستقي والألوان الهادئة».
ولم تنس سارة الإشارة إلى الجوانب الإنسانية في هذه المهنة بعيدا عن منطق التجارة وحدها «فالمقبلون على الزواج يبحثون عن تحقيق فرحة العمر بأثمان معقولة، ونحن نحاول أن نقدم لهم يد المعونة..
أما الكسوة التونسية ذات الطابع التقليدي، فتحتل موقعا مهما لدى العائلات المحافظة، على وجه الخصوص.
وتتكون أساسا من سروال واسع وعريض، معروف بوزنه الثقيل وغالبا ما يضغط على جسد العروس، مما جعل المهتمين في هذا المجال يعوضونه بتنورة أكثر راحة ورفاهة، إلى جانب «الفوطة» و«البلوزة».
ويرجع العارفون بالميدان كسوة العروس التقليدية إلى أصول أندلسية وتركية، وهي مختلفة تمام الاختلاف عن باقي الملابس الموجهة لمثل هذه المناسبات بالمنطقة برمتها، مع العلم ان كل منطقة تحتفظ بخصوصياتها، إذ من الصعب الخلط بين «طريون» القيروان على سبيل المثال، وكسوة «المهدية» الثقيلة المرصعة بالجواهر، أو كسوة «الحمامات» المعروفة بمحافظتها الشديدة وتفصيلاتها الطويلة وتلويناتها المبنية على الأشكال الهندسية.
لكن ما لا يختلف عليه اثنان هنا، هو ان الفئات الشبابية تحبذ فستان الزفاف المنفذ بطريقة دقيقة وغني بالتفاصيل والإكسسوارات البراقة لجلب الانتباه.
من تلك الإكسسوارات نذكر «الكريستال» والتطريز التقليدي الجذاب، كذلك اللؤلؤ، وإن كانت بعض العرائس يسعين إلى البساطة، لكنها بساطة مدروسة تتجه بالأساس إلى الرومانسية.