من أجلها.. أكتب...
من أجلها.. أكتب..
- مجلة البيان -
نور الجندلي
ليسَ غريباً أن تذوبَ كلُّ شموعِ الدّنيا وتفنى، وتظل شمعتها (هي) باقية مع الأيّام..فعطرها الفوّاح يطغى مع كلِّ ثانية احتراقٍ، ليتركَ أثراً جميلاً، أو حكمة خالدةً، أو ذكرى طيّبة صنعتها يداها ونسجـها قلبهـا الحنون، فكانت (هي) في حياتهم الشّمس والقمر، النجم والضّياء، الفرح والأمل.
ولولاها ما كان للبسمةِ أن تعذُب في شفاه، ولا كان للسعادة معنى، ولا للدنيا متاع.
المرأة..
كثيراً ما تكونُ مركز الأضواء، وفاكهة الحديث، واللونَ الزاهي بين الألوان.كلٌّ يتحدّث عنها كما يهوى..
وسأحكي عنها ليسَ كما أهوى، بل كما هي حقيقة في الإسلام، وكما يجب أن تكون.
نهر حنـانٍ جارٍ بسخاءٍ لا يتوقّف، لا يتردّدُ في سكبِ عذوبة في كُلّ قلب!
المرأة هي الأمّ..
مهما مرَّ بالمرء زمانٌ وكبِر مع السنين، لا شيءَ يعدلُ قلبها المحبَّ يحتوي كلَّ الهموم بلحظة، ويمسحُ عناء رحلة الأيّام بلمسة، ويرسم على الثغر بسمة.. كما تفعلُ الأم.
على دين الفطرة أقسمتْ أن تبني جيل النهضة، أرضعته القِيَمَ مع كلّ قطرة لبن، وأسبغت عليه من حنان قلبها الكثير من المشاعر الصادقة، فجعلت وليدها يتعلّم لغة الصّدق، ويتذوّق الأمور بصفاءٍ وشفافية، فيدركُ مع الأيام الطريقَ الصّحيح.
رقيقة في حين ألمها، تمسح الجرح بدمعٍ حانٍ فيبرأ، قاسية هي عند الباطل، تنتزعُ قلبها فتلقيه ولا تلتفت.. إن رأت خطيئة أمامها أو حقاً يدنَّس.
وهي الأختُ..
في كلّ مضمارٍ ناصحة بصدق، قد أُشبِعت علماً وفهماً، فتشرّبت الخير من مَعِينه، وجرت أنهار الحكمة على شفتيها فنصحت وعلّمت.
في كلّ أزمة لها وقفة راسخة، وفي كلّ ضيق لها يد تمتدُّ خيراً.
مهما كانت معاركُ الحياة قاسية تبقى المرأة خير ممرّضة تداوي الجراح، وتسقي عطشى القلوب والأرواح جرعة ماءٍ من طيبِ كلام فترتوي رِواءَ خيرٍ، فتنبتُ في أوصالها أشجارُ الجدّ فتنطلق عاملة مُعِينة.
وتقفُ وِقفة أبطالٍ في حروبٍ، ولا تفرُّ إن فرّ الرجال، بل تبقى لِتشدَّ أَزْراً، وترفع هِمَماً، وتعين محتاجاً.
وهي الابنة..
ذلك العودُ الريّانُ الذي تُعقَدُ عليه الآمالُ، خير سندٍ لوالديها، وزهرةُ الأسرة الفواحة.
من دونها لا يطيبُ لهم مقام، ولا يحلو لهم حديث إلا عنها.
فقد سرَّت قلوبَهم بحيائها وطِيب قلبها وحُسْنِ توجُّهها، فرفعت أعناقهم شامخة بها، فكانت لهم عزّاً وفخراً.
وهي الحبيبة..
الزوجة القريبة، الواعية الحصيفة، الأميرةُ في مملكة زوجها، القائمة على حقوقه، لا يستبدلها أبداً بنساءِ الأرضِ وإن فُقْنَها حُسْناً وجمالاً، ولا ينظرُ إلا إليها... إلى إشراقةِ عينيها؛ فقد استأثرت بلبّ القلب بفطنتها، تبني في بيتها أعشاشَ الحبّ، فترفرف طيوره محلّقة بسعادة حولها.
وماذا بعد..؟!
وماذا بوسعي أن أكتب عنها..؟
إنها الطيبُ والعطر والحبّ وشطرُ الحياة، وشمعتها..فكيف تضيءُ إن أُهمِلت فلم تُوقد شعلتُها بعلم؟
وكيف تشرقُ إن لم تُغرَس في داخلها شمسُ الدّينِ والفضيلة والعفّة والحياء؟
وكيف تكونُ نوراً للأمّة إن أُهمِلت شجرةُ الحبّ هذه لتتساقط أوراقها في مهبّ الحياة؟
فلْيوقِدْ كلٌّ منا شمعة الدِّين في قلبها، ولْيرسِمْ خُطى النبيّ في مسيرها، تكن لها ألفُ حياةٍ في قلبها، وفي قلوب من تحبّ ويحبّها.