بكرة أحلى من النهارده
- مافيش فايدة....
مصر فى حالة سيئة للغاية ... الاقتصاد ينهار .. الفساد سيطر على كل شئ ... الوساطة والمحسوبية هم اساس كل شئ ... الكفاءة لا تساوى شيئاً ... رءوس الأموال سيطرت على كل شئ .... الساسة انشغلوا بالثراء والسلطة والقوة والبناء ونسيوا الشعب وطلباته واحتياجاته ... الشباب ضائع ... بلا اهل ... بلا عمل ... بلا دخل ... بلا حاضر ... وبالطبع ... بلا مستقبل.
هذا ما يردده الجميع فى كل وقت وكل زمان وكل مكان، من اقصى البلاء إلى أقصاه، وما يؤمن به الكل (للأسف)..
الجميع فقدوا الأمل، وأصيبوا بالإحباط والاكتئاب واليأس، ويتصورون أن المستقبل، وفقا لهذه الظروف، مظلم بأس، ويقارنون أوضاعهم بعد انتشار الانترنت والسموات المفتوحة، بأوضاع أقرانهم فى أمريكا ودول أوروبا، وبعض دول آسيا، وحتى أفريقيا، فيصابون بالإحباط أكثر، ويرون أنهم قد خسروا سباق التطور، مما يسقطهم فى هاوية بائسة مظلمة، تدفعهم للتراخى فى أداء واجباتهم وبذل الجهد اللازم فى أعمالهم، وللسخط والشكوى طوال الوقت، والسعى المستمر للهجرة إلى بلدان أخرى، بما فيها (إسرائيل) نفسها، باعتبار أن مصيرنا هو الهاوية حتماً، فعليهم السعى إلى الفرار، قبل فوات الأوان...
وعلى الرغم من فيضان المعارضة الذى أتوقعه، فور قراءة السطر القادم، إلا أن كل ما تفكرون فيه ويحيطكم غير صحيح وأن بكرة على عكس ما تتصورون ، احلى كثيراً من النهاردة: وقبل أن تغضبوا، وتسخروا، وتعترضوا، دعونى أثبت وجهت نظرى أولاً، عبر هذه السلسلة فى المقالات....
أقول: إن بكرة أحلى من النهاردة، وتقولون: إنه أسود حالك، وتضربون المثل بمقارنتنا بالدول المتقدمة، وعلى راسها أمريكا بالطبع...
فليكن... دعونا نبدأ الحديث بالمقارنة
دعونا نقارن أنفسنا بأقوى دولة فى العالم حالياً.. بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها ... أمريكا دولة متقدمة ، تمتلك القوة والعلم والسلاح الرادع والاقتصاد القوى والرهبة وهى بلد القانون والحرية والديمقراطية و....
دعونا نرى كيف أصبحت أمريكا على ما هى عليه... ولن تعود بالتاريخ طويلاً إلى الوراء سنعود إلى أقل من قرن واحد من الزمان .. إلى نهاية عشرينات القرن العشرين.... فى تلك الفترة كانت أمريكا هى مثال للفساد والرشوة وسيطرة رأس المال والعصابات... فيها نمت عصابات المافيا الشهيرة، بعد هجرتها من صقلية، وفى قلبها ظهر مجرمى العالم وأخطرهم... آل كابونى، ديلنجر ، بونى وكلايد، وغيرهم ومع وجود عصابات رهيبة كهذه، وصراعات شوارع عنيفة، للسيطرة على القانون والاقتصاد والتجارة، ومع الأزمة الاقتصادية العنيفة التى سادت أمريكا منذ عام 1929م، كان من الطبيعى ان ينتشر الفساد، على نحو لم يبلغه من قبل قط...
عصابات المافيا كانت تسيطر على كل شئ وأى شئ... على الشارع.. والتجارة.. والاقتصاد.. ورجال الشرطة.. والقضاة.. وحتى أعضاء مجلس الشيوخ والنواب..
باختصار كانت هى الحاكم الفعلى لأمريكا كلها... وعندما تسود العصابات وتسيطر، ينهار الكيان دفعة واحدة ويفقد كل مخلوق إحساسه بالأمان، فتسود نغمة وحشية كل شئ فى شراء الخبز، وحتى صدور القوانين..
العصابات ابتاعت نظام الشرطة كله تقريبا، وحولته إلى تابع لها إما سلبى أو ايجابى... فبعض رجال الشرطة كانوا يغضون البصر عما ترتكبه العصابات مما جرم متواصل، إما خوفا منها، أو ابتعادا عن المشكلات أو غضب من الأجور القليلة، التى تدفعها لهم الدولة، والتى لم تكن تساوى ، فى وجهة نظرهم، أن يخاطروا من اجلها..
أما البعض الأخر، فكان يعمل لحساب العصابات مباشرة، إما بمعاونتها فى جرائمها، او بإبلاغها عن حملات الشرطة، حتى نتفاداها وتفلت منها... وكلاهما كان بتقاضى من تلك العصابات أجرا عن هذا التعاون سلبياً كان ام إيجابياً...
القضاة أيضا يفلتوا أيضاً من هذه المنظومة .. عدد كبير منهم كان يصدر تصاريح حمل السلاح لرجال المافيا والعصابات حتى لمن ينوءون بسجل إجرامى حافل منهم أو من يُشك فى أن قاتل محترف..
وعدد أخر كان يعمل كمحام وليس قاضياً، لتبرئة رجال العصابات الذين يتم إلقاء القبض عليهم.... وعدد أكبر كان يشارك الشرطة الفاسدة، فى غض البصر عما يحدث، خشية انتقام العصابات ووحشيتها..
والعصابات كانت توزع جزءا كبيرا من دخلها على هذا الجيش من المتعاونين وذوى النفوذ... حتى أن ثلث سيناتورات مجلس الشيوخ والنواب، كانوا يتقاضون رواتب ثابتة من المافيا والعصابات الأخرى، حتى لا تصدر آية قوانين رادعة ضدهم... وهكذا فعليا وعمليا كان رجال العصابات هم الأكثر قوة فى الولايات المتحدة الأمريكية... كانوا أقوى من نظام الشرطة.. ومن القضاء.. ومن نواب الشعب... والسياسيين.. كانوا أقوى من القانون والعدالة نفسها..
أضف إلى كل هذا تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى كانت تمر بها أمريكا إلى الحد الذى ارتفعت فيه نسبة البطالة إلى أربعين فى المائة، وبلغت حوادث الانتحار للإفلاس أكثر من ستة آلاف حالة أسبوعياً، نصفها على الأقل من رجال أعمال أو تجار، فقدوا كل شئ مع الأزمة...
وضع بائس يائس يوحى بمستقبل مظلم ونهاية مأساوية وهلاك قادم... وضع يدفع الكل للفرار منه، كما يفر السليم من مرض رهيب، يذيب الجلد والعظام ويجفف الدماء فى العروق... الكل أمن بهذا.. وأيقنه.. وأصيب بالإحباط السلبى... و....
وفجأة وفى ظل هذا الظلام الدامس، ظهر شعاع ضئيل من الضوء .. شعاع أتى من رجل واحد.. موظف فى وزارة المالية ، يدعى إليوت نس...
ونس هذا كان رب أسرة بسيط وموظفا يحمل بحكم منصبه أحقية الضبطية القضائية أى أنه كان أشبه برجل شرطة، منه برجل حسابات...
ظهر نس، وقرر أن يكون إنسانا شريفاً، فى مجتمع نخر السوس عظامه حتى النخاع... قرر ان يقاوم ، وألا يرى المستقبل مظلما، كما يراه الباقون... وقرر تنفيذ القانون، رغم أنف الجميع..
تحدى العصابات.. ونساء الشرطة.. وتواطؤ القضاء.. وتعاون النواب... وبمعاونة مجموعة من الشرفاء أمثاله، بدأ الحرب، وبمنتهى العنف، قاومه الجميع.. رجال العصابات، ورجال الشرطة الفاسدون وبعض القضاه... الجميع أخبروه أنه يحارب طواحين الهواء، وانه أقل ضآلة من أن يحارب المجتمع كله، وأن النظام سيبتلعه حتماً... ولكنه لم يستمع إلى احد.. وواصل حربه...
وكانت مفاجأة لم يتصورها حتى أكثر المتفائلين فى زمنه... لقد نجح إليوت نس، وهزم العصابات، وألقى آل كابونى فى السجن، وسحق إمبراطوريته سحقاً، ونفذ القانون، وأرهب رجال العصابات الأخرى، وكسر شوكة الشرطة الفاسدين، ونفذ القانون، وأضاء مصباحاً كبيراً وسط القمة...
وكما فعل نس، سلك آخرون مسلكه، وضعين إياه كمثل أعلى، وجاءت الحرب العالمية دون إنذار مسبق، وأصبحت أمريكا هى مصنع السلاح الأكبر فى العالم، فعملت المصانع بكامل طاقتها، واحتاجت إلى الكثير من العمال والموظفين، فتلاشت البطالة، وانشغل الكل فى الإنتاج، ودخلت أمريكا الحرب، وأنهتها بقنبلتها الذرية، لتنتقل فى سنوات خمس، من دولة على شفا الانهيار يحكمها الفساد ويلوح لها الضياع، إلى دولة قوية يعمل لها العالم كله ألف حساب ولتزيح الإمبراطورية البريطانية وإمبراطورية فرنسا من الساحة وتصنع خريطة جديدة للعالم.
فمن كان يتوقع هذا فى عام 1938م فحسب، وقبل عام واحد من اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م)؟!....
من كان يتصور أو حتى يتخيل أن الظلام الدامس سيتحول بهذه السرعة إلى ضوء مبهر فى غضون سنوات خمس؟!...
من تخيل أن الفساد الرهيب سيتحول إلى ديمقراطية شديدة، فى زمن محدود للغاية؟!....
من؟!..
هذه هى عظمة المستقبل، وروعة قراءة ومعرفة التاريخ... عظمة المستقبل فى أنه يخبئ دوماً مالا تتوقعه... وروعة معرفة التاريخ، أنه يعلمك أنه ما من دوام، وان ظلام اليوم كان يكون مقدمة لبهاء الغد، فأشد اللحظات ظلمة فى الطبيعة هي التي تسبق ظهور الشمس، وما ترونه حولكم هو تلك الظلمة... الظلمة التى تسبق الشروق..
ومن يخاف الظلمة ، ويفر منها، ويصيبه الذعر من مواجهتها، لن يرى النور أبداً، أما من يواجهها بأمل، وينظر الشروق، فسيفوز بالضوء كله فى النهاية، وسيدرك أن بكرة أحلى حتما من النهاردة...
وللحديث بقية...
د. نبيل فاروق