الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة وخصائصها الفريدة، وقد فضلت أمة الإسلام عن غيرها بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر كما قال تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..).
ولكن ما قد يغفل عن البعض أن لهذه العبادة شروطاً وضوابط لا بد أن تتوفر في الآمر والناهي، فمن تلك الشروط والضوابط:
1-العلم، فلا أمر ولا نهي إلا بدليل شرعي صحيح.
2-الرفق في الأمر والنهي، فمن لم يكن رفيقا ورحيما في أمره ونهيه فما يفسده أعظم مما يصلحه.
3-أن لا يستلزم إنكاره منكراً أعظم، فقد ينكر الآمر منكراً يستلزم منكراً أعظم وأشنع من المنكر الذي أنكره.
يقول ابن القيم - رحمه الله - : " إنما أوجب على الأمة إنكار المنكر ليحصل به المعروف الذي يحبه الله ورسوله ، ولكن إذا أفضى إنكار المنكر إلى حدوث آخر شر منه لم يجز " ، ثم يقول : إنكار المنكر أربع درجات : الأولى أن يزول ويخلفه ضده ، الثانية أن يقل وإن لم يزل بجملته ، الثالثة أن يخلفه ما هو مثله ، الرابعة أن يخلفه ما هو شر منه، فالدرجتان الأوليان مشروعتان والثالثة موضع اجتهاد والرابعة محرمة - ثم يقول مفصلا ذلك - فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك . وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من تفرغهم لما هو أعظم من ذلك . وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع الضلال والسحرة فدعه وكتبه الأولى ، وهذا باب واسع ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه ونور ضريحه - يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله والصلاة وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.