مع ملحد سعودي
بقلم / محمد العوضي
وصلت بي الحال الى اني كنت من شدة الحيرة والقلق والتأرجح بين الشك واليقين، أخرج الى صحراء الرياض حيث لا ناس ولا أضواء ولا مطاوعة ومشايخ...
وأصرخ: يا رب ان كنت موجوداً فأرني أي شيء ولو ضررا في جسمي، أي علامة...
كتبت مقالين متتاليين، الأول بعنوان «هل يوجد ملحد كويتي؟»، والثاني بعنوان «ملاحدة من بلدي»!
وأخبرني علي السند معيد في كلية التربية الأساسية انه نشر المقالين في مواقع وشبكات حوارية على النت.
وأنا بعيد جداً عن أجواء هذه المنتديات لكني فوجئت برسالة جاءتني على الهاتف في تمام السابعة و11 دقيقة مساء بتاريخ 20/8/2007
نصها ما يلي: «قرأت مقالك، جداً رائع، وقد أصبت في تحديد أصناف الملحدين، وسقط سهواً صنف مهم وهو صنفي... لقد كنت أتألم كوني ملحداً... كنت أتمنى أن يكون هناك إله، لكن عقلي يرفض!».
تأملت رقم هاتف المرسل وإذا بالمفتاح الدولي سعودي (00966)...
هاتفته فعرفت صوته، انه الشاب الذي اتصل بي قبل اسبوعين وطرح علي اسئلة فكرية
ثم عرض لي تجربته القاسية مع الغيب والدين والتدين والإيمان بالله،
قال: لقد ذكرت بجدارة أنواع الملاحدة، الملحد المنحط الذي ليس له غرض سوى السب والاستهزاء،
والملحد النفسي صاحب الأزمات، والملحد بهدف الشهرة والدعاية والتذاكي، والملحد العملي، والملحد اللاأدري الشكاك
، والملحد المنتقم من خصومه أهل الدين، والملحد الذي يريد تبرير فسوقه وشذوذه بإنكاره لوجود الله،
والملحد العقلي ذو النزعات الفلسفية والتأملية، والملحد العملي الذي يستعين بالعلوم الطبيعية... الخ،
لكنك يا دكتور نسيت الملحد الصادق وأنا نموذج لهذا الإلحاد.
قرر الشاب زيارتي، وكانت لي معه سهرة تجمع بين المتعة الثقافية وكشف ملابسات وشبهات تعصف بعقول بعض الشباب.
كانت السهرة الأولى ليلة الخميس الماضي في أحد مطاعم الكويت العاصمة، والسهرة الثانية كانت ليل الجمعة في مكتبتي الخاصة...
استأذنني بصحبة صديقه الكويتي نواف الوادي المهتم بالثقافة واستأذنته بعلي السند المتخصص في العقيدة
والذي كان أحد أسباب ميلاد هذا اللقاء المفعم بالروح الصادقة والعقل المتحفز والصراع مع الذات.
الشاب اسمه ثامر، في الخامسة والعشرين من عمره، من سكان مدينة الرياض، من أسرة متدينة،
مؤدب عقلاني هادئ يسأل ويتساءل، جريء في طرح الأفكار يستمتع بسماع ومعرفة كل فكرة جديدة..
. كان فعلاً يبحث عن الحقيقة، وله علاقة مع ملاحدة سعوديين وكويتيين وغيرهم.
وشكرت له خلقه في عدم ذكر اسمائهم وحفظه لخصوصياتهم.
والسؤال: لماذا ألحد؟ ومن يتحمل مسؤولية حيرته وقلقه سنين عديدة؟
الشاب ذو تجربة عريضة متنوعة المحاور سيصدرها في كتاب ويطلب مني تقديم الكتاب!
لماذا؟!
أولاً فلنختصر أهم عناصر أزمته مع عقيدته التي نشأ عليها، الشاب يحمل مسؤولية إلحاده مدرسي التربية الإسلامية والوعاظ وشيوخ الدين!
لماذا يا ثامر؟
قال: بدأت قصتي مع مدرس الدين الذي كان يكبتني ويزجرني ويتهمني في ديني كلما وجهت له استفساراً جريئاً في حصة الدين، فكرهت المادة والمدرس معاً،
وتولدت لديّ تساؤلات محيرة خفت في مجتمعنا المحافظ من طرحها خشية تكفيري ولم أكن كافراً ولكن مستفهماً عن إشكالية عقدية
. ثم يقول الشاب:
ودخلت مسجداً في القصيم لأصلي،
وكنت ألبس على رأسي «كاب» فزجرني أحد المصلين بطريقة فيها انتقاص وقسوة وأخجلني وأحرجني وجعلني أخرج من المسجد، وهكذا توالت المواقف من رجال الدين وأهل الدعوة فنفروني منهم، اضافة الى خوفي من مفاتحتهم، وأنا الصادق في البحث عن أجوبة مقنعة في زمن الانفتاح والتساؤلات والشكوك،
وصلت بي الحال الى اني كنت من شدة الحيرة والقلق والتأرجح بين الشك واليقين، أخرج الى صحراء الرياض حيث لا ناس ولا أضواء ولا مطاوعة ومشايخ...
وأصرخ: يا رب ان كنت موجوداً فأرني أي شيء ولو ضررا في جسمي، أي علامة...
قد تعجب من كلامي لكن أقول لك هذا ما حصل.
دخلت مواقع النت الحوارية والمنتديات والشبكات، فتلقفني مجموعة ممن زادوا شكي وأصّلوه...
ذكر الشاب كثيراً ممن زارهم لطرد شكوكه مثل الشيخ محمد العريفي وغيره، ولكن الذي استطاع ان يبصره بذاته هو الطبيب وعالم الأبحاث فهد الخضيري. دخل معه من خلال عظمة خلق الإنسان ونقض عليه دليل الصدفة العمياء وخرافة تولد الحياة من المادة وشرح له فكرة النظام والقصد والغاية وهدم مبدأ العبثية... الخ.
عاد الرجل الى الإيمان لكنه ثائر...
على ماذا؟
على واقع المشايخ في بيئته.
يقول: كثير من علمائنا ودعاتنا في واد والشباب الجديد والجيل القادم في واد آخر...
انتقدهم حسب تصوره، انهم لا يعرفون الواقع ولا الأولويات ولا كيف يدعون...
وشخصياتهم مبنية على مجرد الإنكار والتنفير، وضرب أمثلة محزنة في اليوم الثاني في مكتبي،
قال لي ثامر الملحد السابق: من تجربتي مع الالحاد خرجت بقاعدتين
: الأولى ان الملحد قلق، والثانية بداية الالحاد قد تكون بذكاء، ولكن الاستمرار في الالحاد قمة الغباء.
قلت له هذا عين ما يقوله الفيلسوف الانكليزي فرانسيس بيكون «ان جرعة ضئيلة من الفلسفة قد تميل بذهن الإنسان الى الإلحاد، غير ان التعمق في دراسة الفلسفة يلقي بالإنسان في أحضان اليقين»، ولذا فإن كبار الأذكياء يعودون بعد إلحادهم إلى الإيمان، فهذا عباس العقاد أعظم مثقف موسوعي في القرن الماضي بعد نقده للقرآن يعود يدافع عن الرسول والقرآن ويؤلف كتاب «الله في إثبات وجوده»، وهذا زكي نجيب محمود الذي يسمونه أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، يعد فلسفته الوضعية المنطقية، يعود الى تراثه ويكتب تجربته، وهذا اسماعيل مظهر العالم الذي ترجم كتاب دارون (أصل الأنواع) والذي يعتمد عليه الملاحدة، رجع عن فكره وأخذ يؤلف دفاعاً عن الاسلام، والبروفيسور جفري لانغ الاميركي يلحد عشر سنوات الحاداً رياضياً ثم يصل الى الإيمان بل يعلن إسلامه ويؤلف «انطباعات أميركي اعتنق الإسلام»، وغيرهم كثير. أما قولك انهم قلقون فإن أشهر ملحد عربي هو اسماعيل أدهم صاحب كتاب «لماذا أنا ملحد»، نهايته انتحر غرقاً. أما أشهر ملحد غربي فهو فريدرنس نيتشه صاحب مقولة «موت الإله» أصابته نوبة خبل واصابته بالزهري ومات دون ان يسترد وعيه الفكري
.
يا ثامر لأنك باحث عن الحق و ذكي رجعت إلى الله