بيتهوفن .. أسطورة الموسيقى العالمية
المعجزة الخالدة عبر التاريخ
1770–1827
لقد وُجد في التاريخ القديم والحديث أناسٌ أثبتوا للبشرية جمعاء بأن الإصابة بعاهةٍ أو أكثر ليست نهاية العالم، وأن الإرادة القوية المدعومة بالموهبة قد تجعل من صاحب العاهة بطلاً مبدعاً يسبق الأصحاء بأشواط كثيرة.
ومن العاهات التي قد تصيب الإنسان نقص السمع بدرجاته المختلفة، مما يعزل المصاب عن الأصوات الخارجية، وإذا حصلت هذه الإصابة باكراً فتكون مسؤولةً عن تأخُّرٍ في النطق ويغدو الأصم أبكماً.
ومع ذلك لم يستطع الصمم أن يثني بعض ضحاياه من المضي قدماً في تيار الحياة، وكي يثبت هؤلاء المعاقون بأن الإنسان مجموعة رائعة من القدرات إن توقفت إحداها عن العمل لسبب ما، عوَّضت الأخرى عنها مع وجود الإيمان والإرادة والتصميم.
وقد نصادف الكثير من هؤلاء المصابين بعاهة السمع في حياتنا اليومية، وقد ابتعدوا عن نشاطات الحياة المختلفة بسبب عجزهم واختاروا البقاء في الظل خوفاً وطمعاً، وساعدهم على ذلك فقر الظروف والإمكانات العامة المقدَّمة لهم، فتعاضد ضعف الإرادة مع قلَّة إمكانيات التأهيل والتدريب فكانت النتيجة هرباً من العمل النافع والحياة الاجتماعية.
ونعجب في كثير من الأحيان من أصم قد أتقن القراءة والكتابة، وتزوَّد بشتى أنواع الثقافات والعلوم، أو مارس أنواعاً من الرياضات والهوايات الفنية وغيرها، أو أنهى دراسةً جامعيةً أو أتقن حرفةً يدويةً، وهو سعيدٌ بما أنجز، فخورٌ بما وصل إليه، تاركاً أثراً تاريخياً يُسجَّل له، أو بصمةً واضحةً في تطور الإنسانية جمعاء.
وقد قام السيد زهير جمجوم مشكوراً بإصدار كتاب عن أشهر المعوقين في العالم استعرض فيه حياة خمسين شخصاً من هؤلاء بإعاقات مختلفة سواء كانت جسمية أم حسيِّة أم عقلية، ويهمنا منهم الآن بعض من الذين أصيبوا بالصمم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر لودفيج فان بيتهوفن، الموسيقي المعروف وسيتم التفصيل عنه، وديفيد رايت الذي كان شاعراً وموسيقياً كبيراً في العصر الحديث فهو من مواليد 1920 في جوهانسبرغ جنوب إفريقيا، وأشهر المعوقين على الإطلاق هيلين كيلر الأمريكية الأصل من ولاية ألاباما، والتي كانت صمَّاء وعمياء وبكماء ومع ذلك حققت الأعاجيب بقدراتها وتصميمها والظروف التي هُيئت لها، فهي من مواليد 1880 توفيت سنة 1968 حيث عاشت 88 عاماً حافلة بالنشاط والعمل والإنتاج وذلك بفضل الإرادة والتأهيل الصحيح والمخلص فقد منحتها القدرة الإلهية المعلِّمة (آن سوليفان) لتضعها على أول الطريق الصحيح لكي تنطلق وتحلق عالياً في عالم الإبداع الذي كان مستحيلاً معها بسبب إعاقاتها الكثيرة.
أما من العرب فقد كان الكُميت بن زيد الذي ولد بالكوفة سنة 60 هجرية من كبار الخطباء والشعراء برغم صممه وكان معلماً للناشئة، وقيل فيه: (لولا شعر الكُميت لما كان للغة ترجمان، ولا للبيان لسان) وقيل أيضاً: (في الكُميت خصالٌ لم تكن في شاعر، كان خطيب بني أُسدٍ، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، وثبت الجنان، وكان كاتباً حسن الخط). ثم محمد بن سيرين الذي ولد سنة 33 للهجرة كان مصاباً بالصمم ومع ذلك كان عالماً فقيهاً، قال عنه الأصمعي: (إذا حدَّث الأصم بشيء فاشدد يديك) توفي سنة 110 للهجرة.
وأخيراً الأديب مصطفى صادق الرافعي الذي فقد سمعه قبل بلوغه الثلاثين من عمره، وقد عاش في العصر الحديث في مصر حيث ولد سنة 1880م ومع ذلك لم يمنعه من الكتابة والتأليف والإبداع في النثر والشعر على السواء.
ولكن ما يعنينا الحديث عنه هو الموسيقي العظيم لودفيج فان بيتهوفن الذي ولد في مدينة (بون) بألمانيا في ليلة باردة من ليالي شهر كانون الأول (ديسمبر) في العام 1770م وقد سمي على اسم جده، وعاش في جو مفعم بالموسيقى والفنون والجمال والطبيعة، فقد كان أبوه (يوهان بيتهوفن) وجدّه، مدربان في جوقة (الأوركسترا) ويغنيان بالكنيسة.