الحمد لله رب العالمين مدبر الخلائق أجمعين باعث الرسل صلواته وسلامه عليهم لهداية الثقلين وبيان الهدى وشرائع الدين.
أحمده على الهدى بعد العمى وأشكره على التوفيق لسلوك الطريق فله الحمد والثناء وهو للحمد أهل..
والصلاة والسلام على من جمع الله به شعث البشرية ووحد به كيان الإنسانية وحمل مشعل الوحدانية ولم به فرقة العربية.وعلى آله وصحبه الكرام البررة وسلم تسليما كثيرا..وبعد:
إليك والا لا تشد الركائب
ومنك والا فالمؤمل خائب
وفيك والا فالعزم مضيع
وعنك والا فالمحدث كاذب
لماذا هذه الدمعة؟
أيها المبارك : هذه الدمعة .. بل دمعات وعبرة.., بل عبرات هيجها الفؤاد, وكتبتها المقل بالمداد ( دمعة في الحج )...لا ككل الدمعات..
إنها دمعة صادقة..
إنها دمعة حارة..
إنها دمعة أسى , ولوعة.. اعتصرها القلب ألما ففاضت بها المدامع.
دمعة طالما حلمت بالمشاعر المقدسة.. والبقاع الطاهرة..
وهاهي اليوم تسكب هاهنا.. وترتمي في أحضان عرفات . ومنى..
دمعة تسابق الأريج . وتمازح دموع الحجيج . طالما حبست في المحاجر . وهاهي اليوم تهاجر ..
آه .. ثم آه من حرارة الحشا , وحلاوة اللقا.
يا راحلين إلى منى بقيادي *** هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم و سار دليلكم يا وحشتي *** الشوق أقلقني وصوت الحادي
قال المعصوم عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : هنا تسكب العبرات يا عمر
وصدق صلى الله عليه وسلم.
فقل لي بربك عمن لم يبك في هذا المكان..ومن لم تبلل دموعه الأدران.هذا هو الخسران..هذا هو الخسران..
في هذه الدمعة
في هذه الدمعة: تحقيق للعبودية وإظهار للافتقار وكشف حساب أثقلته الأوزار..
في هذه الدمعة: ذكر لمن جل ذكره وشكر عظم بره..
في هذه الدمعة: استشعار للمنة وعمل بالسنة ليكون المآل للجنة بأذن الله وفضله ومنه.
في هذه الدمعة: شكر للتوفيق وحمد على الهداية للطريق وإظهار للحال بلا ريق..
في هذه الدمعة: خضوع وانكسار وذلة لتغفر الذنوب وتسد الخلة وتحط السيئات وتعظم الحسنات وترفع الدرجات وتقبل القربات..
في هذه الدمعة: فرح بهزيمة الشيطان ورده خائبا خاسرا على عقبيه.. اذ ان الجبار قد غفر لأهل الموقف وتجاوز عنهم نسأل الله الكريم من فضله..
في هذه الدمعة أيضا: ذكريات عزيزة وأيام خلت لنا فيها عبرة.. فيها كان الخليل إبراهيم عليه السلام يسطر حروف التاريخ بمداد من نور النبوة الساطع ويظهر للبشرية طاعة رب البرية الخضوع والخشوع والانقياد حتى ولو بذبح الأولاد..
وفي هذه الأزمنة والأمكنة الفاضلة يظهر إسماعيل عليه السلام الرضا بأمر الخليل فيقيده الوالد والله شاهد فيهب الكريم ذبح عظيما فيسلم الولد وينجح الوالد في تحقيق أمر الحق جل وعز
وفي هذه الأزمنة والأمكنة الفاضلة يظهر المعصوم صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي يظهر الجلد والصبر على الضيم والجهر ويدعوا إلى التوحيد صباح مساء فيشرق على الكون الضياء من هنا من هذه الأماكن المقدسة والبقاع الشريفة
نعم من هنا كان تاريخنا وكانت حاضرتنا لا من ( لينين ) ولا من ( ستالين ) ولا من كل فرعون..
بل: من بلادي يطلب العلم ولا *** يطلب العلم من الغرب الغبي
وبها مهبط وحي الله بل *** أخرج الله بها خير نبي
بل وفي هذه الدمعة حرقة وأسى ولوعة على حال المسلمين في كل فج عميق..
القتل زادهم والتشريد سكنهم والدماء شرابهم والإهانة معيشتهم..
شردوا في الأرض زرافات ووحدانا ولفقت لهم شتى أنواع التهم وألبسوا كل لباس.. وهم قتلهم الوهن وأضعفهم العجز وكبلهم الكسل ومزقتهم الفرقة وضيعتهم المصالح الشخصية والأرصدة البنكية وأصبح حال الأمة اليوم حال الثكلى فلا والد ولا ولد ولا صبر ولا جلد..إلى الله المشتكى ...
والغريب في الأمر أن من بني جلدتنا قوم أفكارهم غريبة ومبادئهم مريبة سلطوا ألسنتهم الحداد على أهل الصلاح ولإيمان وسلم منهم أهل السوء والفساد فجعلو ينخرون في الأمة الثكلى كما تنخر الدودة المفسدة في العصى فيسقط سليمان الإيمان على أرض الفساد فتقول لسان الحال: يا بشرى هذا غلام.. إن أهل النفاق هم وأهل الملل الكافرة من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم يقفون في خندق واحد ضد أهل التوحيد ..
نعم ضد أهل الإيمان والعقيدة السمحة البيضاء النقية وصدق الله جل وعز إذ يقول: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى } (120) سورة البقرة
والمؤمن الغيور حينما يرى الواقع المرير وما آلت إليه الحال لا يملك إلا هذه الدمعة فتهراق على مقلة طالما حلمت بعز الإسلام وأهله وذل الكفر وأهله...
بل وفي هذه الدمعة: استشعار للوحدة الإسلامية وارتباط بهدف موحد..
فالدين واحد..
والرب واحد..
والنبي صلى الله عليه وسلم واحد .. والقران واحد
والسنة واحدة والقبلة واحدة والمشاعر واحدة والجنة واحدة والطريق واحد
وفي هذه الدمعة حزن على التفريط في زمن الحياة فأن العمر ساعة فهنيئا لمن جعلها في طاعة ...
والعبد حينما يذكر الساعات الضائعة من عمره لا يملك عبرته فتهراق ندما على التفريط في زمن الصبا فرط في الخيرات وما كان مطيعا واشتغل بالملهيات إذا كان مستطيعا
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أيسر ما عليك يضيع
وفي هذه الدمعة: أنين وحنين من الأمل المنشود من الرب المعبود.. فما أجمل الأمل .. حين يحدو مطايا القلب .. فهو نور في ظلام وفرح وسلام.. نعم ان العبد ليقبل على ربه ومولاه فينطرح بين يديه سبحانه ويؤمله ويسأله.. أن يعفو عنه وأن يقبل منه وأن يتوب علية فيمن فيما تاب عليهم ..أن العبد ليتملق سيده جل وعز أن يعفو عن زلاته وان يصفح عن غدراته واجرامه..فتدمع العين في الموقف الطاهر وتسكب العبرة عندما يرن في الأذن قول الحق جل وعز: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر
فإنما هي حسرة على الذنب..
فعبرة من الخوف ..
فدمعة من الوجل..
فدعاء مع الذل..
فرحمة من ارحم الراحمين.. { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (60) سورة غافر
ولين لسان حالك ايها المبارك :
أمولاي إني عبد ضعيف *** أتيتك أرغب في مالديك
أتيتك أشكو مصاب الذنوب *** وهل يشتكى الضر الااليك
فمن بعفوك يا سيدي *** فليس اعتمادي إلا عليك
أيها المبارك : انثر العبارات..واسكب الدمعات في هذه العرصات عساك أن ترحم مع المرحومين وتقال مع التائبين.... وتبل مع المقبولين..
ثم اعلم أيها المبارك : أنك في مكان شريف فاضل وفي زمان شريف فاضل فاجعل زادك في حجك العمل الصالح والتقرب إلى الله بشتى أنواع القربات عسى أن تكون من المقبولين..
وفي هذه الدمعة أيضا : تذكر لليوم الآخر واستعد له ..فأنت ترى الجموع قد غصت بهم البقاع الطاهرة والأماكن الشريفة في لباس واد هو البياض.. فتدمع العين لهذا المشهد المهول...آلاف مؤلفة ورؤوس مكشفة .. رداء واحد وأزار واحد ..
فنسأل الذي جاءوا من أجله في هذا الصعيد الواحد الا يحرمهم الأجر والا يخيب فيه رجاءهم وأن يعمنا وإياهم برحماته انه ولي ذلك والقادر عليه
أيها المبارك: تذكر الكفن وأنت ترى البياض على الناس ..تذكر الحشر وأنت ترى الآلاف تذكر الموقف الرهيب والخطب المهيب تذكر خضوع الناس لرب العالمين ووقوفهم بين يديه جل وعز في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي.
ثم أيها المبارك بادر قبل ان تبادر بادر بالتوبة وأصلح الحال مع الله جل وعز. بادر بترك كل مخالفة لشرع الله..بادر بتحكيم امر الله في جميع شؤونك بادر بنبذ البدع والخرافات والقبوريات والطرقيات والحق بركب أهل الحق أهل الكتاب والسنة ...
في هذه الدمعة أيضا الخضوع والذل والانكسار بين يدي رب الأرباب والتملق والانطراح بين يديه جل شأنه ..وإظهار الفقر والفاقة والدعاء.. نعم الدعاء.. فهو سلاح المؤمن
ومن مظنة إجابته بعض الأحوال والأماكن والأزمان منها :
• ما كان في حال السفر فدعوة المسافر مستجابة لاترد والحاج مسافر لطاعة.
• وكذلك دعوة الحاج فإنها مظنة الإجابة قال صلى الله عليه وسلم (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني
• وكذلك الدعاء في بعض الأماكن الشريفة والأزمنة الفاضلة.
فعند الصفا وعند المروة ويوم عرفة قال عليه الصلاة والسلام أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة أنا والنيون من قبلي : لا اله إلا الله وحده لاشريك له) رواه الترمذي
• وكذلك الدعاء عند المشعر الحرام وكذلك الدعاء بعد رمي الجمرتين الصغرى والوسطى وكذلك عند شرب ماء زمزم وكذلك في جوف الليل ووقت السحر ودبر الصلاة المكتوبة وفي السجود وبعد المطر وبعد الوضوء وبين الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله علية وسلم في التشهد الأخير ودعاء المضطر ودعاء الوالد لولده .
أيها المبارك : فالله الله بالدعاء .. ألح على الله به فانك في مواطن إجابة ...أسأل الله أن يتقبل منا منكم صالح الأعمال وان يغفر الزلل ووفق الله الجميع لصالح النية والعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
تمت في رياض نجد عمرها الله بطاعته وحرسها من كل سوء