الميسر والقمار فى القرآن
موضوعنا الميسر وهو القمار وقد زعم أحدهم أنه من الموضوعات التى لم يتكلم فيه الفقهاء بالتفصيل فقال فى إحدى محاضراته :
"هذا الموضوع ألا وهو الميسر والقمار -وسيأتيك الفرق ما بين القمار والميسر إن شاء الله تعالى- هذا الموضوع نادر من كَتَبَ فيه من علماء الشريعة وكَتَبَ فيه كتابات محررة، بل تجد أن الكلام الشرعي فيه متفرق بين كتب كثيرة، ولا تكاد تجمع صورا واضحة جدا إلا بمزيد تحقيق ونظر؛ وذلك لغموض هذه المسألة بعض الشيء على كثير ممن كتب، لهذا نقول أن المؤلفات في الربا تجد أنها عشرات، ولكن المؤلفات في الميسر والقمار تجد أنها نوادر، حتى لا تكاد تجد منها ما هو بعدد أصابع اليد الواحدة مما فيه تحقيق أو تحرير"
ولا يمكن فى ظل الجهل النوعى بكل كتب التراث الموافقة على تلك القلة فقد تكون هناك كتب لا نعرفها وقد قرأت بعض من الكتب التى جمعت فيها روايات عن الميسر والقمار
وزعم المحاضر أن تحريم الميسر مثله مثل الخمر كان تدريجيا فقال فى تلك المحاضرة :
"الميسر -وهو موضوع هذه المحاضرة- والقمار جاء في القرآن تحريمه متدرجا؛ فنُهي عنه في أول الأمر ونُبِّه على بشاعته، ثم بعد ذلك نزل تحريمه، قال جل وعلا في سورة البقرة { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } [البقرة:219]، وقال جل وعلا في سورة المائدة { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90)إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ } [المائدة:90-91]، ففي الآية الأولى بين جل وعلا فيها نفع، ولكن إثمها كبير (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فيها منفعة؛ فيها منفعة اقتصادية بعض الشيء لمن يكسب، فيها منافع في إدارة المال من غير تعب ولا كد، في الميسر منافع فيما يكون من إفادة بعض المحتاجين في بعض صوره التي كانت في الجاهلية، نعم فيها منافع للفقراء؛ لأن بعض صور الميسر كانت لنفع الفقراء عند أهل الجاهلية؛ لكن إِثْمُهَا (أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)، فإثم الميسر أكبر لما؟ لأن الميسر فيه قعود عن العمل، والشريعة جاءت بحثّ الناس على العمل، وعلى الانتشاط، وعلى تقوية الأمة، وأما الميسر فهو انتقال للمال من غير كد ولا تعب؛ يعني في بعض صوره، أو نقول القمار انتقال للمال من غير كد ولا تعب، وذلك لا يهيئ ما تطلبه الشريعة من تقوية الأمة وانتشار الناس وتنمية أنواع الصناعات، وتقوية الأمة بما فيه إعداد للقوة، كذلك فيهما إثم لأن مبنى الميسر على أكل أموال الناس بالباطل، والشريعة جاءت بحفظ المال، وجاءت بدفع الظلم، والله جل علا أمر بالقسط، وحرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، وكل مسألة فيها ظلم فهي محرمة في الشريعة، ثم قال جل وعلا في سورة المائدة (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ) رجس يعني خبيث، يعني أن هذه خبيثة فالميسر من ضمنها فهو خبيث، ثم وصفه بوصف ثاني فقال (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وكونه من عمل الشيطان هذا مما يوجب على المؤمن أن يبتعد عنه؛ لأجل أنه وصف بكونه من عمل الشيطان، لهذا قال العلماء دلت آية المائدة على تحريم ما ذكر فيها من الخمر والميسر بعدة أوجه من التحريم منها:
أنه وصفه بأنه رجس.
والثاني وصفه بأنه من عمل الشيطان.
والثالث أمر باجتنابه فقال (فَاجْتَنِبُوهُ) هذا أمر، ثم قال في آخرها (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) يعني انتهوا في قول كثير من أهل التفسير، وقال بعضهم قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) أورده مورد السؤال لأنه أبلغ من الأمر المباشر، كما هي القاعدة المقررة عند اللغويين والبلاغيين في الفرق ما بين التعبير في الأمر ما بين الخبر و ما بين الأمر المباشر؛ فالخبر والاستفهام فيه بما يراد به الأمر إذا عُدل عن الأمر إليه فإنه يدل على أنه أبلغ وأشد في الأمر به."
قطعا أسطورة التدرج فى تحريم الخمر والميسر تتناقض فى كون الإثم محرم ومن ثم فالآية الأولى بقولها :
"وإثمهما أكبر من نفعهما " حرمت على الفور الاثنين لأن الله حرم الآثم أو الآثام كلها فقال :
" وذروا ظاهر الإثم وباطنه "
فطلب الذرو وهو الترك يعنى الحرمة من البداية
وفرق المحاضر بين الميسر والقمار حيث اعتبر القمار بعض من صور الميسر فقال :
"ما الفرق بين الميسر والقمار؟
هذه كلمة تعمل كثيرا ميسر ومن القمار، العلماء اختلفوا في ذلك اختلافا كبيرا، والحاصل أن لهم قولين في ذلك:
1. الأول: أنّ الميسر والقمار مترادفان؛ فكما أن الميسر يكون في المعاوضات المالية، وغير المعاوضات المالية، فكذلك القمار يكون عن عوض المال، وعن غير عوض المال.
2. وقال آخرون: لا؛ الميسر ثَم فرق بينه وبين القمار في نوعه:
? فإن القمار: مغالبة ومخاطرة -كما سيأتي تفصيل المعنى- مغالبة ومخاطرة فيها المال. وأما الميسر: فإنه يشمل كل أنواع المخاطرة بالتعريف الذي سيأتي، مما يكون معاوضة، أو يكون رِهانا، أو يكون معاملة، ولهذا -كما ذكرت لك- قد يكون في الميسر مقابلة المال، وقد لا يكون، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية قال: "السلف كانوا يعبِّرون بالميسر عن كل ما فيه مخاطرة محرمة، ولم يشترطوا المال في الميسر"، وهذا كما قال الإمام مالك الميسر نوعان: ميسر لهو وميسر مال.
إذا تبين لك ذلك، يظهر أن الميْسر يختلف عن القمار -كما ذكرت لك- من أن القمار ما فيه مخاطرة وغرر المال وأما الميسر فأعم من ذلك.
فإذن الميسر عام والقمار بعض صوره أو أحد شقيه عند أكثر أهل العلم."
وما يهمنا هو أن الكلمتان تستعملان بمعنى واحد حاليا ومن ثم لن نفرق بينهما وأما معنى الميسر وهو القمار فهو :
لعب يكون فيه خاسر وكاسب أو خاسر وكاسبون أو خاسرون وكاسبون على حسب بدون سبب مباح للكسب أو للخسارة
واللعب كلها محرمة لأنها أخذ لأموال الناس بالباطل وقد تحدث المحاضر عن احلال بعض اللعب كالرهان على شىء مستدلا برواية لم تحدث وهى :
"لما نزل قول الله جل وعلا { الم غُلِبَتْ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } [الروم:1-4]، فكان المسلمون يفرحون بنصرة الروم على الفُرس، وكان المشركون بنصرة الفُرس على الروم، فلما نزلت الآية وكانت الدائرة للفرس، تراهن أبو بكر مع أحد المشركين، فقال أحد المشركين ستغلب فارس أو غلبت فارس. فقال أبو بكر - رضي الله عنه - بل الروم ستغلب. وراهنه على مال، وكسب المالَ أبو بكر - رضي الله عنه –"
كما أجازوا الرهان فى الخف والنصل والحافر برواية :
«لا سَبَقَ إلاّ في خُف أوْ نَصْلٍ أوْ حَافِرٍ»
ولا يوجد استثناء فى الآية لأى شىء من الميسر وهو الخسارة والمكسب بدون سبب أباحه الله
وتحدث المحاضر عن أمور اعتبرها جديدة مثل:
تبرع التاجر بسلعة ما أو مال ما لمن اشترى قدرا معين أو لمن اختير فى القرعة وهذه الصور ليست من القمار أو الميسر فهى عملية ترويج للسلع وغالبا التاجر لا يدقع شىء من جيبه كتبرع لأنه تلك التبرعات مدفوعة من جيوب الزبائن وهم الشراة كمكسب والتبرع وهو الهبة مباح على عكس الميسر الذى يكون فيه الطرفان أو الأطراف كلهم يظنون المكسب كما يظنون الخسارة فهم لا يتبرعون من أنفسهم بينما التاجر متبرع من نفسه
وأما الآيات التى ورد فيها ذكر الميسر فى القرآن فهى:
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"
يبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يسألونه عن الخمر والميسر والمراد يستفهمون منه عن حكم الخمر وهى كل مادة تغيب العقل يتناولها الإنسان بأى طريقة وحكم الميسر وهو القمار أى اللعب على مال بحيث يكون فيه كاسب وخاسر،ويطلب الله من رسوله(ص) أن يجيب فيقول فيهما إثم كبير أى فى تناول الخمر ولعب الميسر ذنب عظيم وهذا يعنى حرمة تناول الخمر وحرمة لعب الميسر ،وإثمهما أكبر من نفعهما أى ومضارهما وهى إيقاع العداوة بين الناس والبعد عن ذكر الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة"أعظم من نفعهما وهو المال لصناع الخمر ومديرى أماكن الميسر ومن ثم فعملهما حرام ،ويبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يسألونه ماذا ينفقون أى ماذا يعملون فى حياتهم ؟ويطلب منه أن يجيب قائلا :العفو وهو ترك الكفر وطاعة الإسلام ،ويبين لنا أنه يبين لنا الآيات وهى أحكام الوحى والسبب لعلنا نفكر أى لعلنا نفهم فنطيع هذه الأحكام
"يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"
يبين الله للذين أمنوا أى صدقوا بوحى الله أن الأشياء التالية رجس من عمل الشيطان أى شر من عمل الكافر ولذا هى محرمة عليهم:
-الخمر وهى المغيبات التى تجعل الإنسان لا يدرى ما يقول أو يفعل .
-الميسر وهو المال الناتج من طريق اللعب بأى شىء فيكون هناك كاسب وخاسر.
-الأنصاب وهى الأصنام.
-الأزلام وهى التقسيمات المعتمدة على الحظ فيكون فيها كاسب وخاسر.
ومن ثم يطلب منهم أن يجتنبوها أى أن ينتهوا عنها والمراد ألا يعملوها والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا برحمة الله.
"إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"
يبين الله للمؤمنين أن الشيطان وهو الشهوة فى نفس الإنسان أى الكافر تريد أن توقع العداوة أى البغضاء بينهم والمراد تحب أن تصنع بينهم الكراهية وهى المقت فى الخمر والميسر والمراد تضع الخلاف بينهم بسبب المخدر المغيب للعقل والقمار وأيضا تصدهم عن ذكر الله والمراد وتبعدهم عن طاعة آيات الله مصداق لقوله بسورة القصص"ولا يصدنك عن آيات الله" وفسر الله الذكر بأنه الصلاة وهى الدين فشارب الخمر أو لاعب الميسر منشغلين عن الطاعة أولهما لأن عقله ليس موجودا والثانى منشغل بما كسبه أو خسره ومن ثم لا يطيعان الأحكام الواجبة عليهما ،ويسألهم الله فهل أنتم منتهون أى فهل أنتم مبتعدون عنهم ؟والغرض من السؤال إخبارنا بوجوب تجنب شرب الخمر ولعب الميسر الأخرى معها من ميسر وغيره هى فسق أى كفر بالإسلام