سمو المشاعر
في تلك اللحظات.. عندما تضع يدك على قلبك.. وتجده يطرق طرقاً متلاحقاً متوسلاً إليك بالخروج.. من روعة ما يجده من ذلك الإحساس النادر في تلك البقعة المباركة.. ولسان حاله يقول: اتركني هنا فلا أريد أن أرحل..
وحق له ذلك.. من لذة وجمال البقاء.. من لطافة النفس وسموها عن الأدران البشرية.. من خضوع القلب ورقته وبعده عن البغض والأنانية.. فلا تشعر بأهمية ما حولك من هذا الوجود.. ولا يتملكك هذا الإحساس إلا هنا.. أمام الكعبة المشرفة.. عندما ترمق بناظريك صحن المطاف وقد كساه البياض الوقور.. وتعالى منه الدعاء للواحد الغفور.. وتكاد تشتم منه صفاء النفوس..
فمع إطلالة شهر ذي الحجة ترى وفود الحجيج الميمونة تتوافد إلى أم القرى, مهللين وملبين حامدين الله وراجين عفوه وغفرانه, قد أتوا من كل حدب وصوب لا تجمعهم لهجة واحدة ولا فكر واحد, بل ما يجمعهم أعظم من ذلك؛ إنه دين واحد, فهم أمة ولكن على قلب رجل واحد, تراهم كالسيل الوارف بالخير والبركات, أتوا مطأطئين الرؤوس.. خاضعين القلوب للرب الرؤوم.. لا يرجون من مولاهم إلا أن ينظر إليهم يوم الحج الأكبر يوم عرفة.. ويتباهى بهم أمام ملائكته, وهم ملبين نداءه رافعين إليه أكف الضراعة.. وقد تجملت قلوبهم بالإيمان.. وغمرتهم نشوة اللقاء.. وإجابة الدعاء.
فهنيئا لكم يا وفد الرحمن حجكم في البلد الحرام مكة المكرمة, حبيبة القلوب.. فكم تسعد النفس أن تمكث أياماً في أحضان ثراها.. وكم تشتاق الروح أن تنعم بطيب سُكناها.. وكم تسمو الأفئدة عن متطلبات الحياة عندما يطوف القلب في أرجائها..
وهنيئا لكم تلك المتعة الإيمانية التي لو حيزت لكم الدنيا بما فيها لما ارتضيتم لها بديلا..
وهنيئا لكم وعد ربكم تبارك وتعالى عندما قال على لسان خليله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "من حج هذا البيت, فلم يرفث, ولم يفسق رجع كما ولدته أمه".
م0ن