خطورة عبور دار الغرور
كل الناس يغدو فبائع نفسه
فمعتقها أو موبقها ، والموت علامة
النهاية لفرصة الحياة التي وهبها الله لعباده فإما
أن يأتي العبد مصحوباً بعمل صالح ؛ فتكون بذلك سعادته الأبدية
التي لا يشقى بعدها أبداً ، وإما أن يأتيه حال فتنته ، وانغماسه في الشهوات والغفلات ؛ فتكون
بذلك الطامة والمهلكة بعينها ؛ إذ لا رجوع إلى الدنيا أبداً
ولا نجاة من فتنة القبر أبداً ، ولا فرار من هول يوم
المحشر أبداً ، إنما هي فقط المساءلة التي لا يجدي معها الاعتذار
ولا ينفع معها الندم على ما كان من الإصرار ، إنها قصــة هذه الحياة التي
عقلها قبلنا الصالحون فكانوا لها من المعتبرين ، بينما غفل
عن عظتها الغافلون ؛ فكانوا على ذلك
من النادمين ، وعن دار النعيم مبعدين ، ومن رحمة الله
محرومين ؛ وذلك لأنهم ظنوا دنياهم دار مقر ، لا دار ممر ؛ سوف يعبرون منها إما إلى جنة
وإما إلى نار ؛ فلما جهلوا حقيقتها ؛ خلدوا إليها ، واطمئنوا بها ، حتى أذاقتهم
من ويلاتها ، فلم تعافهم حتى من غدرها ؛ إلى أن انتهت
بهم رحلة الأيام ، وانقضت من آجالهم الأعوام ؛ فوجدوا أنفسهم في
مواجهة صريحة مع هول الحساب الذي لم يحسبوا له أي حساب ، وفي عمق فتنة القبور
التي أغفلتهم عنها سعة الدور والقصور ، وحيينها أيقنوا أنهم
ما عاشوا إلا دار غرور ، كان عليهم أن يتزودا فيها لدار النشور
ليكون عبورهم لها خير عبور ؛ وذلك لأن هذه الدنيا خدّاعة
لأهلها ببريق زيفها ، حتى إذا ما أجهزت عليهم وأنفدت
منهم أنفاسهم ؛ تحشرجت في الحلقوم آمالهم وأحلامهم
التي زينتها لهم ، فلا الآمال منها طالوا ، ولا الأحلام فيها حققوا ، ولا إلى الدار
التي رحلوا إليها تجهزوا !!
فكانت عليهم الحسرة مضاعفة ؛ بفقدان الدنيا
وضياع الآخرة ، وهنا تكمن الخطورة في أن يبقى العبد
غافلاً لاهياً ، تستشرفه الدنيا ببريقها ؛ حتى يهون عليه
أمر آخرته ؛ فيسوف فيها تمام التسويف ؛ حتى إذا ما اطمأن
إليها وركن لها ؛ صرعته يد المنية في لحظة مباغتة ؛ فأفلت منه
ما كان حريصاً عليه ، وأقبل عليه ما كان مفرّطاً فيه دون أدنى استعداد
منه لمواجهة السؤال عن ذاك الحرص أو هذا التفريط
فكان الضياع حليفه ، والخوف والهلع زاده ، ووحشة القبر مستقره
وساحات القيامة معرض فضيحته ، وسؤال الله محكمته التي لا تغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا وآخذته عليها ؛ حتى يؤذن به إلى هلاك لا سبيل
للفرار منه أبداً ، وإلى عذاب لا سبيل لوصفه أبداً
ومنبت ذلك كله ؛ أنه لم يحترز من الفتن خلال
أيام الزهو والغرور ، وإنما تمادى في سبل الغي والشرور ، فكان نصيبه
العذاب والثبور ، وهكذا أخفق في عبور دار الغرور ، فشمروا عن
ساعد الجد ، كي تحظوا بنعيم الخلد فإنما هي ساعة نقضيها في هذه الدار
ولكن عاقبتها . . . . إما إلى جنة ، وإما إلى نار .
منقول