حجّ الصّبي ، عمرة الصّبي ،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد .
كما هو معلوم أننا على مشارف ركن من أركان هذا الدين ألا وهو الحج وقد رأيت ما قام به بعض الإخوة الفضلاء - جزاهم الله خيرا - من أمثال أبي أنس المدني وغيره من طرح لمواضيع عن الحج .
أما موضوعي فإنه يتعلق بفئة معينة من الناس لهم أحكام خاصة في الحج وهم الصبيان .
وموضوعي إنما هو تلخيص لمسائل وردت في مؤلف للدكتور صالح بن عبدالله اللاحم - جزاه الله خيرا - بعنوان " مناسك الصبيان " .
وقد جمع فيه - حفظه الله - جملة من المسائل الخاصة بالصبيان .
ولحاجتنا لمثل هذا الموضوع في هذه الأوقات رأيت أنه من المواضيع التي لابد من طرحها وذلك بعد أن عرضت الأمر على بعض إخواننا فشجعوني على طرحه - جزاهم الله خيرا -
وسنذكر في كل حلقة ما يتيسر من المسائل المتعلقة بالموضوع الآنف الذكر .
وها نحن نبدأ بهذا الموضوع نسأل الله أن يكتب لنا الأجر ، وأن ينفع به .
مســـألــــة :
- تكليف غير البالغ بالحج والعمرة :
اتفق أهل العلم على عدم وجوب الحج والعمرة على غير البالغ ، لأن الصبي مرفوع عنه القلم .
الدليل :
قال علي لعمر رضي الله عنهم : أما علمت أن القلم رُفع عن المجنون حتى يُفيق وعن الصبي حتى يُدرك وعن النائم حتى يستيقظ .
رواه البخاري تعليقا مجزوما به (12/123) .
مســـألــــة :
- صحة حج الصبي وعمرته :
اختلف أهل العلم في حكم حج الصبي على قولين ، والصحيح أن حجه صحيح ويثاب عليه ، وهو قول جمهور العلم بل حكى بعض أهل العلم الإجماع .
الدليل :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال : من القوم ؟ قالوا : المسلمون ، من أنت ؟ فقال : أنا رسول الله . فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر .
رواه مسلم (1336) .
مســـألــــة :
- إجزاء حج الصغير عن حجة الإسلام :
اختلف أهل العلم في إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام على قولين ، والصحيح أنها لا تجزي فعليه أن يؤدي الصبي الحج مرة أخرى بعد بلوغه ، وهذا قول جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة بل حكى بعضهم الإجماع .
قال ابن المنذر في الإجماع (ص68) : وأجمعوا على أن المجنون إذا حج به ثم صح أو حج بالصبي ثم بلغ أن ذلك لا يجزيهما عن حجة الإسلام .
وقال ابن قدامة في المغني : أجمع أهل العلم ، إلا من شذ عنهم ممن لا يعتد بقوله خلافا ، على أن الصبي إذا حج حال صغره ... ثم بلغ أن عليه حجة الإسلام ، إذا وجد إليها سبيلا .
وقال الترمذي في جامعه (3/256) : وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك .
الدليل :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ....الحديث .
رواه ابن أبي شيبة ، وقد صححه جمع من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/220) والألباني في الإرواء (4/159) .
مســـألــــة :
- بلوغ الصبي في أثناء الحج :
- إذا بلغ الصبي في أثناء الحج قبل أن يحرم ، فأحرم بالحج ونوى به حجة الإسلام وأتى بأركانه ، فلا خلاف بين أهل العلم في وقوعها عن حجة الإسلام .
قال ابن قدامة في المغني : فإن بلغ الصبي بعرفة أو قبلها غير محرم ، فأحرم ووقف بعرفة ، وأتم المناسك أجزأه عن حجة الإسلام ، لا نعلم فيه خلافا .
- إذا بلغ بعد أن تلبس بالإحرام :
= إن بلغ قبل فوات وقت الوقوف بعرفة فقد اختلف أهل العلم في إجزاء تلك الحجة على أربعة أقوال ، والصحيح من هذه الأقوال أنه يجزئه ، إذا بلغ في عرفة ، أو بعد خروجه منها إذا عاد فوقف في وقته وهو قول الشافعية والحنابلة .
الدليل :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة ، فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه .
رواه أحمد (4/309) وأبوداود والترمذي (2975) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
= إن بلغ بعد فوات وقت الوقوف بعرفة ، فلا خلاف بين أهل العلم في أن ذلك لا يجزئه عن حجة الإسلام .
فــــائــــدة :
الطواف في العمرة كالوقوف في الحج ، فإذا بلغ قبل الطواف أجزائه عن عمرة الإسلام وكذا لو بلغ فيه ، وإن بلغ بعد فلا .
مســـألــــة :
- ما يعرف به البلوغ :
ما اتُفق على أنه من علامات البلوغ :
(1) الإنزال :
اتفق أهل على أن البلوغ يحصل بالإنزال لا فرق بين الغلام والجارية وهو خروج المني فكيفما خرج في يقظة أو منام بجماع أو احتلام أو غير ذلك حصل البلوغ .
الدليل :
قال تعالى : " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " (النور :59) .
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم ....
رواه أبوداود (4403) والترمذي (1423) وقال : حديث حسن غريب . وصححه الألباني في الإرواء (2/5-6) بطرقه .
فرع : حمل الجارية علم على البلوغ بالاحتلام لأن الله تعالى أجرى العادة أن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل وماء المرأة . فمتى حملت حُكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه .
(2) الحيض :
الحيض علامة على البلوغ لا خلاف في ذلك بين أهل العلم . الدليل :
قول النبي صلى الله عليه : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار .
رواه أبوداود (641) والترمذي (377) وقال : حديث حسن . وصححه الألباني في الإرواء (1/214) .
ما وقع فيه الخلاف :
(3) الإنبات :
وهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل أو فرج المرأة الذي استحق أخذه بالموسى لا الغب الضعيف فلا اعتبار به .
وقد اختلف العلماء في كونه علامة على البلوغ على قولين والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من كونه علامة على البلوغ .
الدليل :
عن عطية القرظي قال : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكّوا فيّ فأمر النبي صلى الله عليه أن ينظر إليّ هل أنبت بعد فنظروا إلي فلم يجدوني أنبت بعد فألحقوني بالذرية .
رواه أبوداود (4404) والترمذي (1584) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(4) البلوغ بالسن :
اختلف العلماء في كونه مما يعتبر به البلوغ على قولين والصحيح أنه طريق لمعرفة البلوغ .
وقد اختلف العلماء في تحديد السن التي يكون معها البلوغ على ثلاثة أقوال والصحيح من هذه الأقوال أنه يحصل ببلوغ الخامسة عشرة .
الدليل :
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزني ، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني . قال نافع : فقدمت على عمر بن عبدالعزيز وهو خليفة فحدثته الحديث فقال : إن هذا لحد بين الصغير والكبير ، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة .
رواه البخاري (2664) ومسلم (1868) .
- في أعمال الحج :
مســـألــــة :
في عقد الإحرام :
اتفق أهل العلم ممن قال بمشروعية الحج بالصبي على وجوب عقد الإحرام في بداية دخوله بالنسك ، مثله مثل غيره من البالغين .
مســـألــــة :
في كيفية عقد إحرام الصبي :
فرق أهل العلم بين أن يكون الصبي مميزا أو غير مميز .
1 - في إحرام المميز :
وقد اختلف أهل العلم في حقيقة التميز على قولين :
القول الأول : أن المميز هو الذي يفهم الخطاب ، قال النووي في المجموع (7/28) : الصواب في حقيقة الصبي المميز أنه الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ونحو ذلك ، ولا ينضبط ذلك بسن مخصوص ، بل يختلف باختلاف الأفهام .ا.هـ.
وهذا مذهب المالكية وصوبه المرداوي في الإنصاف (3/19) .
القول الثاني : أن المميز من بلغ سبعا ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر …الحديث .
رواه أحمد ، وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند (6689) . وهذا الرأي عند جمهور الحنابلة .
وإحرام المميز يكون على فرعين :
1 - في إحرامه بإذن الولي :
إذا كان الطفل مميزا فإنه يحرم بنفسه ، بإذن وليه ويصح إحرامه في قول عامة أهل العلم .
2 - في إحرامه بغير إذن وليه :
أما حكم إحرام الصبي بغير إذن وليه فيه قولان ، والصحيح أن إحرامه ينعقد بدون إذن الولي لأن له قصدا صحيحا فصح منه .
2 - في إحرام غير المميز :
الفرع الأول :
عقد الولي للإحرام عنه .
اتفق أهل العلم ممن قال بصحة الحج بالصبي على أن الصبي غير المميز لا ينعقد إحرامه بنفسه وإنما يحرم عنه وليه .
الفرع الثاني :
عقد الولي للإحرام في غيبة الصبي .
نقل النووي لأصحابه الشافعية وجهين في ذلك ، والصحيح أنه لا يشترط ، لأن المقصود نية الولي ، وذلك يصح ويوجد في غيبة الولي .
الفرع الثالث :
شرط الولي الذي يصح منه الإحرام عن الصغير .
- هل من شرط الولي الذي يحرم عن الصغير ألا يكون قد أحرم لنفسه ؟
اختلف أهل العلم على قولين ، والصحيح أنه ليس بشرط فعلى هذا يصح أن يعقد الإحرام عنه سواء كان محرما ، أو حلالا ، ممن عليه حجة الإسلام ، أو كان قد حج عن نفسه .
مســـألــــة :
هيئة الصبي حال الإحرام :
قال أهل العلم : فيغسله الولي عند إرادة الإحرام ، ويجرده عن المخيط ، ويلبسه الإزار والرداء ، والنعلين ، إن تأتى منه المشي ، ويطيبه ، وينظفه ، ويفعل ما يفعل الرجل ، ثم يحرم بإذن الولي إن كان مميزا ، وإلا أحرم عنه الولي كما سبق .
وذهب إلى هذا القول جمهور أهل العلم .
مســـألــــة :
تأخير إحرام الصبي :
اختلف أهل العلم في حكم الصبي في التجريد وفي عقد الإحرام على قولين والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن حكمه حكم الكبير ولا فرق ، لعد الدليل على الفرق .
مســـألــــة :
تلبية الولي عن الصبي :
لقد ذكر الجمهور أن ما عجز عنه الصبي عمله الولي عنه .
فعلى هذا إن كان الصبي مميزا لبى عن نفسه ، وإن كان غير مميز لبى الولي عنه . ويشهد لهذا حديث جابر رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم .
رواه الترمذي (927) بلفظ : فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان ، وقال : هذا حديث غريب . لانعرفه إلا من هذا الوجه .
ورواه ابن ماجة (3038) .
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/270) : فيه أشعث بن سوار وهو ضعيف .
- محظورات الإحرام للصبي :
مســـألــــة :
في تجنيب الصبي محظورات الإحرام :
قال أهل العلم : ويلزم الولي تجنيبه ما يجتنبه الكبير من محظورات الإحرام من التطيب وتغطية الرأس للذكر وحلق الشعر ولبس المخيط وتقليم الأظافر ومباشرة النساء والجماع وعقد النكاح والصيد .
فإن كان الصبي أنثى فتجتنب ما يجتنبه الرجل إلا في اللباس وتغطية الرأس وتزيد بمنعها من لبس القفازين والنقاب وآكد منه البرقع .
وإنما يجب تجنبيه ما يجتنبه الكبير فلأن الحج يصح له بحكم ما صح من النص وإذا صح له ترتبت أحكامه ومن أحكامه تجنب ما ذكر وهو لا يخاطب بخطاب تكليفي فوجب على الولي أن يجنبه ذلك كما وجب عليه تجنيبه سائر المحرمات في غير الحج .
مســـألــــة :
حكم الفدية على الصبي :
إذا ارتكب الصبي شيئا من محظورات الإحرام كأن غطى رأسه أو حلق شعرا أو باشر أو قتل صيدا فهل يلزمه في ذلك ما يلزم الكبير ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين والصحيح أنه لا يلزمه شيء في ارتكاب المحظور وهو قول الحنفية وابن حزم ومال إليه صاحب الفروع من الحنابلة .
مســـألــــة :
في رفض الصبي للإحرام :
إذا أحرم الصبي بالحج أو العمرة فهل يلزمه إتمام ما أحرم به ؟
اختلف أهل العلم على قولين والصحيح عدم لزوم المضي فيما أحرم به الصبي وذلك لأن الصبي ليس من أهل الالتزام ولأنه أرفق بالناس إذ قد يظن الولي أن الأحرام به سهل ثم يتبين له أن الأمر بخلاف ذلك .
وهذا قول الحنفية وابن حزم وصاحب الفروع من الحنابلة واختاره من المتأخرين محمد بن عثيمين حفظه الله .
مســـألــــة :
في الوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة ومنى :
قال أهل العلم : ولابد من وقوف الصبي في عرفات بلا خلاف سواء المميز و غيره وسواء أحضره الولي بنفسه أو غيره ولا يكفي حضور الولي عنه .
مســـألــــة :
في وقت الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة :
اتفق أهل العلم على أن السنة تأخير الدفع من مزدلفة حتى يسفر .
واختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه الدفع للأقوياء .
فإذا كان من الضعفة كالصبيان والنساء أو ممن مع هؤلاء أو أحدهم استحب له بلا خلاف بين أهل العلم التقدم والدفع قبل الناس ورمي جمرة العقبة .
الدليل :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قيله وقبل حطمة الناس . وكانت امرأة ثبطة فأذن لها .
متفق عليه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة اهله .
متفق عليه .
- في رمي الجمار :
مســـألــــة :
في تكليفه في رمي الجمار :
قال أهل العلم إذا قدر الطفل على أن يرمي بنفسه أمره الولي به وإلا رمى عنه .
مســـألــــة :
في صفة رمي الولي عنه :
قال أهل العلم : وبستحب أن يضع الحصاة في يد الطفل ثم يأخذ بيده ويرمي بالحصاة وإلا فيأخذها من يده ثم يرميها الولي .
ولو لم يضعها في بل رماها الولي ابتداء جاز .
مســـألــــة :
في بداية الولي في رميه عن نفسه :
قال أهل العلم : وعلى الولي أن يبدأ في رميه عن نفسه فإذا رمي ونوى عن نفسه أو أطلق وقع عن نفسه .
مســـألــــة :
في رمي الولي عنه وعن الصبي بحصاتين معا :
اختلف أهل العلم في حكم رمي الولي عنه وعن الصبي بحصاتين معا على قولين والراجح ما ذهب إليه الجمهور أنه لا يجزىء عنهما .