في رحاب آية من كتاب الله
حكم اللحوم التي لم يذكر اسم الله عليها
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
الحمد لله أن قال والكافرون هم الظالمون, ولم بقل والظالمون هم الكافرون لهلكنا جميعا بظلمنا لأنفسنا, والصلاة والسلام على خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبعد,
هناك ثلاث آيات متتاليات في سورة الأنعام تحدثت عن اللحوم التي لا يجوز لنا كمسلمين أن نأكل منها, ذلك أنه لم يُذكر اسم الله عليها, وهذه الآيات الكريمة هي 118- 119- 121 , فالآية 118 قوله تعالى: فكلوا مّما ذُكر اسمُ الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين.... وفيها أمرٌ من الله عزوجل بأن نأكل فقط من الذبائح التي ذكر اسم الله عليها , ومن لم يمتثل لهذا الأمر الالهي ينتفي عنه صفة الايمان والعياذ بالله.
أما قوله تعالى في الآية 119: وما لكم لا تأكلوا ممّا ذُكر اسم الله عليه وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم الا ما اضطررتُم اليه وانَّ كثيرا ليُضـــلون بأهوائهم بغير علم, انّ ربّك هو أعلم بالمعتدين....وأيضا نصّ هذه الآية الكريمة أواضحٌ وصريح , بأنّ أي ذبيحة لم يُذكر اسم الله عليها فهي حرام أكلها, ولم يُبَح الله عزوجل أو يّرخّصٌ لنا بأكلها الا في حالة واحدة, وهي حالة المضطر , وحالة المضطر هي الحالة التي يشرفُ فيها الانسان على الموت فيما لو لم ياكل, وهنا القاعدة الشرعية التي يستشهد فيها الكثير من الناس: الضرورات تُبيح المحظورات تنطبق على هذه الحالة وما شابهها, اذ كثير من الناس يستشهد فيها بهدف تتبّع الرخص , وتتبع الرخص لغير المضطر ليس مستحبا في الاسلام طالما المسلم يستطيع فعل الأفضل.. . أما قوله عزوجل: الا ما اضطررتم اليه , والاستثناء هنا هو الحالة التي يصل فيها الانسان الى حافة الموت ولم يجد غيرها فليأكل منها بالقدر الذي بنقذه من الهلاك فقط, من منطلق قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم انّ الله كان بكم رحيما.
أما قوله تبارك وتعالى : انّ ربّك هو أعلم بالمعتدين: أي أنّ الله عزوجل أعلم بنية المضطر. أما قوله تعالى في الآية 121 من نفس السورة: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق, وانّ الشياطين ليوحون الى أولياءهم ليجادلوكم, وان أطعتموهم انكم لمشركون.
فهذه الآية الكريمة يجب أن نقف عندها طويلا وطويلا وطويلا, لماذا؟ لأنها تنتهي بأمر عظيم , تنتهي بالشرك, بنتهي بالخروج من الملة ان لم نمتثل لأوامر الله عزوجل الجليلة, وقد استدلّ العلماء بهذه الآية الكريمة وذهبوا الى القول: بأنّ الذبيحة لا يحلّ أكلها اذا لم يُذكر اسم الله عليها حتى وان كان الذابح مسلما, وهذا والله لأمر خطير ووخيم يجعلنا نُعيد حساباتنا آلاف المرات قبل أن نُقدمُ على أكل الذبائح التي مشكوك فيها أذكر اسم الله عليها أم لم يُذكر, وكثير من الناس يتساهلون في هذا الأمر وبيستشهدون بقول الله تعالى: وطعامُ أهل الكتاب حلٌّ لكم ... نعم هو كذلك اذا كانت الذبيحة حية عند ذبحها وليست ميتة , وما يحدث في عالم اليوم وجميعنا يُدركُ ذلك: أنّ اهل الكتاب المتمثلين بالدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا يلجئون لذبح المواشي بعد قتلها بالصعق الكهربائي, وهذا يعني أنها تكون ميتة عند الذبح, والميتة مُحرّمة علينا نحن المسلمين أكلها, من منطلق قوله تعالى: حُرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ لغير الله , فاليتة هي كل ذبيحة تذبح بعد موتها, وما أُهلَّ لغير الله : أي الذين يذكرون أسماء أصنامهم أي ذكر تقربا الى قرابينهم, وهذا والله انه لشرك بالله عزوجل, كما عبّر عنه القرآن بلفظ الفسق..
لأجل ذلك ننصح المسلمين المقيمين في دول الغرب أو الدول الغير الاسلامية أن يتوخوْنَ الحذر الشديد من أكل لحوم هذه الدول, ولنا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تتابع اذ كانوا يقولون: كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ندَعُ (أي نترك) تسعة أعشار الحلال خشية الوقوع في الحرام...فما بالنا نحن مسلمي هذه الأيام بتنا نبحث عن فتاوي تُجيزُ لنا الحرام كذريعة تغطي أخطاؤنا؟ ما بالنا بتنا نتتبع الرخص, والرخص انما أُبيحت أهل الرخص؟ ألسنا نؤمنُ بأنّ الله بعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ اليس نؤمن بأنّ الله يعلم ما نُسّرّث ونعلن؟ أليس نؤمن بأنّ الله يعلمُ نوايانا؟ اذن لماذا نلهثُ وراء الرخص ونتذرّعُ بها على أننا نُحيي سنة نبوية, أنحن حقا متبعون للسنة كما يرضي الله عزوجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؟ هذا سؤال حسّاسٌ وكلٌّ منا يُدركُ اجابته بينه وبين نفسه والله عزوجل شهيدا علينا.
اذا فما بالنا ونحن نستهين بأحكام الله عزوجل ونواهيه ونأكل من لحوم الغرب دون أدنى مبالاة؟ أليس الأحرى بنا نحن المسلمون أن لا نحوم حول الحمى ونحن ضمنيا نرتاب في ذبائح أهل الكتاب؟ أليس الأولى أن نتجنبُ أكلَ لحومهم خاصةً وطيباتَ الله من حولنا تعجّ بها أسواقنا؟
وبقي أن نذكر أنّ العلماء رحمهم الله قد اجتهدوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: وهو مذهب الأئمة مالك وأحمد بن حنبل رحمهم الله والذين قالوا: لا تحلُّ هذه الذبيحة بهذه الصفة سواء ترك التسمية عمدا ام سهوا.
الثاني: وهو مذهب الامام الشافعي رحمه الله, وقال : بأنه لا يُشترط بالتسمية, وانما هي مستحبة, فان تـُُركت عمدا أو نسيانا لا يضر. وقد استدل الامام الشافعي رحمه الله بهذا الحُكم من قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه: فقال: هي الميتة, واستدل أيضا بما رواه أبو داوود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ذبيحة المسلم حلال ذُكر اسم الله أو لم يُذكر, انه ان ذَكر لم يذكر الا اسم الله.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها, أنّ أُناسا قالوا: يا رسول الله ! انّ قوما حديثي عهد بجاهلية يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: سمّوا أنتم وكلوا.
ولو أعدنا قراءة الحديث ثانية لوجدنا: بأنّ هؤلاء الناس لم يكونوا مشركين ولا كفرة وانما كانوا مسلمين جُدد, ومعنى حديث عهد بجاهلية: أي لتوهم أسلموا ولم يستحكم اليمان قلوبهم يعني هم مسلمون لكن لم يستقر الاسلام بقلوبهم بعد بالشكل المطلوب , وهم تماما كالأعراب في قوله تعالى في سورة الحجرات 14: قالت الأعراب آمنـَّا, قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا, ولمّا يدخل الاسلام فغي قلوبكم.
الثالث: انّ ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يَضر, على حين لو أنه تركها عمدا فلا تحل له أكلها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم يكفيه اسمُه, ان نسي أن يُسمّي حين الذبح فليذكر اسم الله وليأكُله.
أما قوله تعالى في ختام الآية: وان أطعتموهم انكم لمشركون... أي نحن المسلمون وبعدما عرفنا حكم الله عزوجل بأكل الذبائح سواء التي لم يذكر اسم الله عليها أو الذبائح التي ذبحت بعد موتها ولم نمتثل لنهيه عزوجل , كاننا أطعنا المشركون بأكل لحومهم , فنكون مشركون بالله مثلهم, خاصة وأنّ العلماء أكدوا بأنّ دول الغرب كلها تذبح الذبائح بعد قتلها بالصعق الكهربائي .
نعم ! انّ من لم يمتثل لأوامر الله عزوجل ونواهيه يكون قد عدِلَ عن شرعه ومنهاجه وسنته تبارك وتعالى, لأنّ من يُطع المشركين في أمر حرّمه الله عزوجل فهو منهم, ومن قدّم قول المشركين على أمر الله عزوجل وشرعه ومنهاجه وسنته فقد أشرك والعياذ بالله, تماما كقوله عزوجل في سورة التوبة 31: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله, والمسيح ابن مريم وما أُمروا الا ليعبدوا الهاً واحداً, لا اله الا هو, سبحانه عمّا يُشركون
وهذه الآية الكريمة لو أننا أدركنا نحن المسلمون معناها كما أدركها الصحابة والتابعون لما غمَضَ لنا والله رمش , لما رواه الامام أحمد والترمذي رحمهما الله عن عُديّ بن حاتم رضي الله عنه , أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرّ الى الشام وكان قد تنصّر في الجاهلية, فأسرت أخته وجماعة من قومه, ثمّ مُنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها, فرجعت الى أخيها , فرغبته في الاسلام, وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقدم عدي رضي الله عنه الى المدينة وكان رئيسا في قومه طيء وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم, فتحدّث الناس بقدومه, فدخل رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه صليب من فضة, والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية الكريمة: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله... فقلت: يا رسول الله! انهم لم يعبدوهم..فقال لي عليه الصلاة والسلام: بلى... انهم حرموا عليهم الحلال, وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم , فذلك عبادتهم اياهم... يا عُديّ! ما تقول؟ أيضرك الله؟ ثم دعاه عليه الصلاة والسلام الى الاسلام فأسلم رضي الله عنه وشهد شهادة الحق...قال رضي الله: فقد رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استبشر. .ثم قال رضي الله عنه: انّ اليهود مغضوب عليهم, والنصارى ضالون.....
وقد روى الامام الترمذي رحمه الله عن عدي بن حاتم رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أنه قال: يا رسول الله! ما عبدوهم (أي أحبار اليهود ورهبانهم) فقال عليه الصلاة والسلام له: بلى! انهم أحلوا لهم الحرام , وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم , فذلك عبادتهم اياهم.
وخلاصة القول نقول: ننصح كلّ مسلم يُؤمن بالله واليوم الآخر أن يتبّع الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري ومسلم رحمهما الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
انّ الحرامَ بيّن , وانّ الحلالَ بيّن, وبينَهما أمورٌ مشتبهات, لا يَعلمُهنّ كثيرٌ من الناس, فمَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينهِ وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى بُوشكُ أن يقعَ فيه, ألا وانّ لكلِّ ملِكٍ حِمى, ألا وانّ حِمى الله محارمَهُ, ألا ونّ في الجسد مُضغة انْ صلُحت صلُح الجسدُ كله, وان فسَدت فسَد الجسدَ كله , ألا وهيَ القلب.
والله وحده أعلم.
ما أصبت به في هذا البحث فمن الله عزوجل وحده, وما أخطأت به فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان