بغمضة عين !!
" ينبغي أن لا يكون للصندوق أكثر من مفتاح واحد ! "
هذا قانون حياتي الذي لن أحيد عنه ما حييت .
هو منبع أستمد منه شعوري بالأمان .. ربما .
أو هو رغبة مني في تحصين نفسي ضد الغدر والخيانة .. ربما.
وربما ..
هو حب التملك والسيطرة ، وغريزة جامحة في أن أكون دائما سيد الموقف !
عندما اخترت تخصصي الدراسي .. حرصت على أن يكون في مجال لم يدخله أحد من أسرتي !
قد لا ترون رابطا بين هذا وبين قانون حياتي الذي أؤمن به ..
ولكنني أخالفكم الرأي .. لأن دخولي في تخصص منفرد عنهم يجعلني متميزا بينهم .. يفتح لي بابا خاصا بي ، لا يعلم تفاصيله غيري .
عندما تصادفهم مسألة تتعلق باختصاصي .. يتجهون لي .. يقصدونني للمشورة .. فتتضخم ذاتي .. ويتعملق رأسي .
وحدي الذي يملك مفتاح هذا الموضوع في الأسرة !
لم أعط سري – في يوم – لأحد .. لا صديق ولا قريب !
كل أسراري ألقيها في بئري العميقة القرار ، وأغلق فوهته بمفتاحي الأوحد .
لا أحب نشر غسيلي النظيف ، ولا الوسخ ، أمام الناس ، لأنه من خصوصياتي ، من شؤوني الحميمة المحفوظة في صناديق نفسي ، والمخزنة في دهاليز ذاتي المعتمة !
أدير عملي بمفردي .. لم أضع لي مديرا ولا نائبا !
ولماذا أسلم مفتاح عملي لإنسان غيري ؟
لماذا أجعل كل العيون الفضولية تقتات أخبار عملي وصفقاتي ، فتحرقني بحسدها ، وتكيد لي ، وتحاربني من حيث أدري ولا أدري ؟!
***
حتى سيارتي .. رفضت أن يكون لها مفتاح بديل !
مع أنني – ذات يوم – نسيت مفتاحي بداخلها .. ووجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه ، وتعرضت لمطر من سهام اللوم والتقريع ممن حولي .
لكن رأسي الصخري بقي على عناده ..تمسك بقانونه كمن يتشبث بطوق نجاة في خضم بحر هائج !
وحين انتهى بناء منزلي الخاص .. تأكدت من وجود المفاتيح الأصلية لكل باب .. وضممتها الى سلسلة مفاتيحي .
ليس هناك من ينافسني في عدد المفلتيح التي أحملها في سلسلتي .ز ولهذا .. لا تستغربوا ان رأيتم اسمي – يوما ما – منقوشا في كتاب " جينيس " للأرقام القياسية !
لولا الحاح أهلي .. ولولا أنها سنة الحياة .. لما فكرت في الزواج مطلقا !
لذلك .. كانت لي شروطي :
- -أريد امرأة لا يملك مفتاحها غيري !
رأسي الصخري ، الذي أعرفه جيدا ، انتصب جبلا في وجه أعاصير التساؤلات التي أثيرت في محيط الأسرة :
- -أي مفتاح يا مجنون .. أنت تتكلم عن بشر من لحم ودم ، وليس عن صندوق خردة ؟!
لم يستطيعوا أن يفهموا أن للبشر مفاتيحهم أيضا !
بعد مداولات ساخنة .. ومشاورات حادة ..
وفي جو تحوم في سمائه دبابير السخرية ، وذباب الغيظ والحنق .. وافق الجميع على تزويجي بمن أريد ..
كانت طفلة في الرابعة عشرة من عمرها !
قطعة من صلصال خام .. لم تفتح قلبها نسمة .. ولا فتحت عقلها فكرة !
كل مفاتيحها في يدي .ولكي أريح بالي من ناحيتها .. أبقيت قلبها وعقلها مغلقين ، ووضعت مفتاحيهما في سلسلتي .. ونمت مطمئنا !
بالغت في اطمئناني تجاه بيتي ..
فلم ألاحظ زوجتي – الطفلة – وهي توزع ببراءتها تفاصيل منزلي ، وأسرارمجلسي ، ومخدعي ، ومطبخي ، وكل خزائني ..
تنثرها على الأهل والجيران .. كقطع الحلوى !!
أرضية بيتي أحسها تعوم فوق بحيرة مضطربة .
وجدرانه زجاجية شفافة .. وأبوابه ونوافذه مشرعة تصفق فيها ريح عاتية..
وأوراقي الخاصة تتطاير أمام ناظري مثل العصافير ..
في كل الجهات !
أصبح لكل مفتاح .. عشرات النسخ !
تفتت الأمان في صدري وهرب كفئران مذعورة .
انفرطت سلسلتي .. وبغمضة عين .. ضاعت من يدي كل المفاتيح !!
منقول