ابحاث ثورة يوليو
ثورة يوليو والتنمية 1 - سامي شرف ثورة يوليو والتنمية 2 - سامي شرف ثورة يوليو والتنمية 3 - سامي شرف ثورة يوليو والتنمية 4 - سامي شرف ثورة يوليو وحزب الوفد - سامي شرف ثورة يوليو والشيوعيون - سامي شرف ثورة يوليو والإخوان المسلمون 1 - سامي شرف ثورة يوليو والإخوان المسلمون 2 - سامي شرف لحظة الثورة الحقيقية ....... محمد حسنين هيكل - ثورة 23 يوليو وتجدد الفكر القومي* - زياد حافظ - عبد الناصر وفلسطين - د. صلاح عودة الله - سنوات ما بعد الناصرية - احمد المرشد - 23 يوليو 1952 ثورة مشرقة في تاريخ الأمة العربية - يوسف احمد - ثورة يوليو 52.. عود على بدء - الترابط بين الثورتين الجزائرية والمصرية ............ د / عادل عبد الناصر حسين - في ذكرى ثورة ناصر - سوسن البرغوثي - ثورة 23 يوليوالمجد العربي الذي ضاع ..ويجب أن يسترد - سميح خلف - تموز شهر الثورات والانتصارات - زياد شليوط - احياء الفكرة.. لا الذكرى فقط! - صبحي غندور)) - ثورة 23 تموز 1952 الخالدة..ماذا يعني شعار ((اِرفع رأسك يا أخي)) - عن ثورة يوليو - ثـورة يوليـو وفلسطيـن - إلياس سحّاب - سبعينية تشكو أمام ضريح ناصر هوان العرب - القاهرة :أحتفال جماهيري ووقفة أحتجاجية أمام مسجد جمال عبد الناصر في ذكري الثورة - ثورة يوليو بعد 56 عاماً ما اشبه الليلة بالبارحة - معن بشور - ذكرى ثورة مجيدة وقائد تاريخي.........بقلم : محمود كعوش - عن جمال عبدالناصر.. بالمناسبة!! - محمد خروب - صورة جمال - واناصراه ......................... شعر: خالد حجار فلسطين - في الذكرى الـ (56) لثورة23 يوليو الوحدوية التحررية-التنظيم الشعبي الناصري العراق - في الذكرى السادسة والخمسين للثورة العربية الناصرية الام - في ذكرى ثورة يوليو هل ستصهل الخيل البلقاء من جديد؟ - خالد حجار - في الذكري الـ56 لثورة 23 يوليو...هل فهم العرب ...!!!؟؟؟- محمد بسام جودة ثورة يوليو والتحولات الثقافية في مصر - محمد هزاع عبد الناصرــ ابن الارض والنيل ..... تميم منصور* ثورة يوليو شكلت ضمير الأمة ....د . محمد أيوب ثورة يوليو... ثورة العرب ..... د. علي محمد فخرو لحظة الثورة الحقيقية ....... محمد حسنين هيكل ثورة يوليو المجيدة… عبد الناصر يقوم من جديد ثورة عبد النـاصر - امين اسكندر الاستراتيجية الناصرية لتذويب الفوارق بين الطبقات - د. على ليلةم التجربة الناصرية في الحكم - رفعت العجرودي - عادل آدم الناصرية وأسئلة القرن الحادي والعشرين - صفوت حاتم ثورة يوليو ومقاومة الأحلاف - د.حسن حفني ثورة يوليو .. رؤية الماضي ودلالات الحاضر - عمر الضبياني دفـاعـاً عـن ثـورة جمـال عبـد النـاصـر - شوكت اشتي سنوات ما بعد الناصرية ....أحمد المرشد مبادئ ثورة يوليو القومية دليل في النضال من أجل الحرية - امير الحلو 23 يوليو .... ثورة وعقيدة - سومر المهداوي عن ثورة 23 يوليو: القيادة والفكر والأداة ..................... صبحي غندور ثورة الضباط الأحرار - حسان محمد السيد ثورة 23 يوليو 1952 وحرب الاستنزاف المجيدة......... حسان محمد السيد قائد عظيم لثورة عظيمة وأمة مجيدة......محمود كعوش ثورة 23 يوليو .. هل كانت ضرورة ؟ |
رد: ابحاث ثورة يوليو
وراء التصريحات ..!! خطايا ثورة يوليو! .......... د. عاصم الدسوقي تموز يقرع ناقوس الثورة العربية - أمير الحلو يوليو ومهام المرحلة المقبلة - عزمي بشارة ثورة 23 يوليو.. والنهضة الثانية لمصر - عبد المجيد راشد 55 عاما على ثورة 23 يوليو../ - علي جرادات دلالات إحياء ذكرى ثورة 23 يوليو/تموز ... رجاء الناصر ثورة 23 يوليو .. هل كانت ضرورة ؟ نبذه عن ثورة يوليو ثورة يوليو 1952 - محمد حسنين هيكل يوليو ومهام المرحلة المقبلة*/ د.عزمي بشارة في الذكرى السادسة و الخمسين لثورة 23يوليو المقاومة...و جذور أزمنة الكرامة - محمد علي الحايك مبادئ ثورة يوليو القومية دليل في النضال من أجل الحرية - أمير الحلو مأزق شعب أم أزمة نخب... د/ جمال علي حسن صور ناصر يرفعها فلاحو سرندوا أثناء محاكمتهم التوجه القومي لثورة 23 يوليو وتطوره ..... د. خالد الناصر ثورة يوليو: ثورة ضد قيم الخوف والهزيمة - فتحي بالحاج السبيل الى احياء الحركة القومية العربية - معن بشور المستقبل .. هل له أن يكرر نفسه .. فهد الريماوي لنجعل روح 56 بداية النهوض لمشروع عبد الناصر.... اسحق البديري ثورة 23 يوليو .. هل كانت ضرورة ؟ في أخر حديث للراحل د.عزيز صدقي: حال مصر أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة دراسات فى الحقبة الناصرية - 1 دراسات فى الحقبة الناصرية - 2 دراسات فى الحقبة الناصرية - 3 مصادر التكوين الفكرى لقائد ثورة 23 يوليو 1952دراسات في الحقبة الناصرية - د. جمال معوض شقرا- دراسات في الحقبة الناصرية 4 - دراسات في الحقبة الناصرية - 5 - جمال عبد الناصر وإشكالية الديمقراطية والمشاركة السياسية - عوني فرسخ طارق البشري -تجربة تنظيم الحكم الناصرى - دراسات في الحقبة الناصرية - 6 دراسات في الحقبة الناصرية -7 - التجربة الإشتراكية - محمد السعيد إدريس ة ثورة يوليو في الوثائق البريطانية - د.هدى جمال عبد الناصر نبذه تاريخية عن ثورة يوليو ثورة يوليو بوابة مرور لعصر الجماهير ..... حسين الربيعي |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifعبدالناصر الرجل والإنسان.. رؤية عن قرب http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الفكر القومي الناصري وايدلوجيات التنمية http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif انشاء اول متحف توثيقى لـ ثورة يوليو بـ الصوت و الصورة http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif انتقام الجغرافيا لثورة عبد الناصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif انجازات ثورة يوليو http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif نبذه عن ثورة يوليو http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ثورة يوليو والمسألة الديموقراطية ........د . عصمت سيف الدولة http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الديمقراطية والناصرية http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif تحية إلى ثورة يوليو http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif حرب الاستنزاف ..كما يجب أن تكون http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif 24 يونيو وأول رئيس للجمهورية السيد العزونى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif من كمشيش الي سيدي جابر ... جريمه دون العقاب ! ......... مصطفي الغزاوي |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifعاجـــــل:الدعوة لمؤتمر عام للحزب الناصري بعدأنحراف أمينه العام عن مباديء الثورة http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ثورة يوليو والصراع العربي الصهيوني - رؤية عبد الناصر للصراع http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif قانون حماية أصحاب الذوات الملكية http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif محــمد فـــائـق http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif تحية ووفاء للزعيم الخالد جمال عبد الناصر فى عيد الجلاء http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif محمد فائق.. وملفات أفريقيا - بقلم محمد بغدادى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif بعد نصف قرن ...رحل الطارقون http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif هدى عبدالناصر : قضيت 12 عاما فى جمع خطب وحوارات |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifالنصر للتصدير .. شركة عبد الناصر التي غزت أفريقيا قبل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif مع عبد الناصر و ضد أحمد منصور و اللي مشغلينه !!!! http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif جمال عبد الناصر وثوره 23 يوليو 1952 http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif محمد غانم.. الرجل الذى فتح القارة السمراء بشركة النصر للاستيراد والتصدير http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif فاروق الأول والأخير ....... شريف الشوباشى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif في ذكراها التاسعة والثلاثين.. معتقلو أنقلاب مايو يتهمون هيكل بـ الانتهازية http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif تراث عبد الناصر وتصفية الحساب http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ماذا يريد أخبث مكسور ؟ http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif المذيع الأفشل وضيفه المأجور والحقد على عبد الناصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif النصوص الأصلية لكلمات مصطفى البرادعى أمام جمال عبدالناصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif تشويه الثورة جريمة فى حق الأمة http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الحكومة المصرية تبدد أخر منجزات عبد الناصر الصناعية http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif جمال حمدان : الناصرية 'بوصلة مصر الطبيعية' http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الصناعات الحربية في مصر في عهد جمال عبد الناصر.... خيال تحول لحقيقة http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif حليم يغني وناصر يخطب وعبدالباسط يتلو وكيرلس السادس يجول القرى دون حراسة: حين كان http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الفرق بين «الناصرية» و«الهيكلية» .......... بقلم د. عزازى على عزازى |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifهل تتكرر ثورة يوليو 52 في مصر ؟ http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif لماذا يكره الإخوان المسلمون جمال عبدالناصر ؟ - بقلم : أحمد الحبيشي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif أحمد منصور يهبط بالأداء المهنى إلى الحضيض.......... السيد الغضبان http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif عبد العال الباقورى يرد على أكاذيب النحلاوى ومنصور http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif زويل : مصر شهدت نهضة علمية فى عهد الرئيس عبد الناصر وتعاني من تدهور تعليمي الآن http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif صورة قبل وبعد وفاة عبد الناصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif اعترافات قادة الأخوان المسلمين بالفبركة والكذب على عهد عبد الناصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الناصريون يحتفلون في رحاب السد العالي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif سد الخلود. .وجدارالفناء http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif تحية لشهداء السد العالي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif السد العالي : أعظم الإنجازات الناصرية ومشروع البنية الأساسية الأعظم عالميا http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif من قادة الاخوان المسلمين ................ خالد زهران http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif سد الخلود. .وجدارالفناء ................ السيد العزونى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif في ذكري خمسين عاما علي بدء بناء السد العالي(2) بقلم: د. طه عبد العليم http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif بطل الثورة : من أغاني ثورة يوليو http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif في احتفالية اليوبيل الذهبي لبناء السد العالي : جدار العار لا يمثل إرادة المصريين http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif أغاني وطنية في عيد بناء السد العالي ال50 http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الراحل محمود عوض يكتب عن ناصر و السد |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifالسد الغــــالي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif قلنا هنبنى وادى احنا بنينا السد العالىالسد العالى) http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif مشروع القرن الذى غير مصير أمة ظلت لقرون خاضعة لإرادة نهر (2-2) http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif مشروع القرن الذى غير مصير أمة ظلت لقرون خاضعة لإرادة نهر (1-2) http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif تركة جمال عبد الناصر ( بالأرقام و الوثائق والأدلة ) أين ذهبت ؟ و كيف تبددت ؟!! http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الحركة الناصرية في اليمن http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الناصرية بين الماضي والمستقبل ..... ..... كمال شاتيلا http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif في عيد النصر:بالفيديو :جمال عبد الناصر يرفض الا نذار البريطانى الفرنسى حرب1956 http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif في عيد النصر نتذكر الشهيد جواد حسني و كل شهداء بورسعيد-بقلم د.يحي الشاعر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif السادات يكذب ويضع صورته علي السد العالي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif القاهرة ....في ذكري عيد النصر .. الاحتفال بذكرى الانتصار فى معركة بورسعيد http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الهجوم على جمال عبد الناصر فى مذكرات السادات كتبها أنيس منصور- محمد الباز http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif البطل محمد مهران يتذكر معركة بورسعيد http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الي بورسعيد في عيد النصر - 23 ديسمير http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif إنجازات عبد الناصر لمصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الأدبيات الناصرية: في الحرية - الوحدويون الناصريون بتونس http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ناصريون فى امريكا اللاتينية |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifحصريا علي موقع الفكر القومي مذكرات قائد حرب الأستنزاف الفريق أول محمد فوزي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif أن نكون قوميين تقدميين ناصريين .. بقلم د.محمد الحبيب الغديري http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif حوارات ناصرية :مع عميد الناصريين بتونس الأستاذ عبد العزيز بالقاضي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif فعاليات مصرية تستنكر الإساءة للزعيم عبدالناصر-عمرو أديب و السفالة الفكرية http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif عن المواقف المختلفه من جمال عبد الناصر وثوره يوليو http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif شذرات من سجل ( هنري كورييل) http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الناصريه في سطور http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif عبد الرحمن الأبنودي: بنيت مقبرتي وقلت كلمتي.. يعيش جمال عبد الناصر http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ذكري العدوان الثلاثي- ذكـرى مـولـد أُمــة .................. بسام الهلسه http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الشوارعيزم وجمال عبد الناصر - عمرو عبد السميع http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ذكـرى مـولـد أُمــة .................. بسام الهلسه http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الناصرية بين الماضي والمستقبل .............. كمال شاتيلا http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif أوراق الدبلوماسية المصرية تكشف: عبد الناصر عقلانى والسادات عصبى ومبارك هادئ قائد عظيم لثورة عظيمة وأمة مجيدة......محمود كعوش جمال عبد الناصر : 92 عاماً على ميلاد قائد تاريخي.......محمود كعوش معارك الشاب الأسمر ........... مجدي رياض |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gifلمن قاتل عبد الناصر ؟.............. مجدي رياض ميلاد ثـــــــــائـــر ........ محمد حسنين هيكل هذا ما تبقى من عبدالناصر .. يادكتور يحيي - د. محمد عبدالشفيع عيسي http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif المسلسل المشئوم..... د.محمد عبد الشفيع عيسى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif الوظيفة الاجتماعية للقطاع العام http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif لماذا يتخلصون من القطاع العام.... د.محمد عبد الشفيع عيسى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif القطاع العام بين الثورة والثورة المضادة..... د.محمد عبد الشفيع عيسى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif وداعا.. أمين جدعان...د.محمد عبد الشفيع عيسى http://www.alfikralarabi.org/modules...ages/arrow.gif ثورة يوليو-عبد الناصر وقضية القطاع العام.... د.محمد عبد الشفيع عيسى ثورة 23 يوليو وحركة التحرر العربية « 1 - 2» |
رد: ابحاث ثورة يوليو
هذة كانت
العناوين هنبدا باذن الله فى كل موضوع فيهم |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ثورة يوليو والتنمية عبد الناصر وقضايا المجتمع المصرى لماذا الاشتراكية والتنمية يقول الرئيس جمال عبد الناصر فى فلسفة الثورة : " وأنا أنظر أحيانا إلى أسرة مصرية عادية من آلاف الأسر التى تعيش فى العاصمة : الأب فلاح معمم من صميم الريف والأم سيدة منحدرة من أصل تركى وأبناء الأسرة فى مدارس على النظام الإنجليزى وفتياتها فى مدارس على النظام الفرنسى ، كل هذا بين روح القرن الثالث عشر ومظاهر القرن العشرين 00 أنظر إلى هذا وأحس فى أعماقى بفهم للحيرة التى نقاسيها وللتخبط الذى يفترسنا ثم أقول لنفسى : سوف يتبلور هذا المجتمع 00 سوف يتماسك وسوف يكون وحدة واحدة قوية متجانسة وإنما ينبغى أن نشد أعصابنا ونتحمل فترة الانتقال"0 وهكذا وضع جمال عبد الناصر إصبعه على حقيقة المشكلة التى بدأ يتضح فى التسعينات من القرن العشرين أنها تشكل جوهر التنمية ، وهى بناء المجتمع السليم الذى ينتفى فيه اغتراب الفرد ويختفى منه التسلط سواء الملكى بطغيان الملكية المسنودة من الاستعمار 00أو الإقطاعى الذى يستغل الشريحة الكبرى من المواطنين التى تعيش على قطاع الزراعة أو الرأسمالى المحتكر الذى يستغل المستهلك ويفرض على العامل واحد وخمسين ساعة عمل أسبوعيا مقابل أجر لا يتجاوز الجنيهين لا يكفيه هو وأسرته المكونة من خمسة أفراد فى المتوسط 0 وعندما تساءل عبد الناصر عن الطريق كانت الإجابة واضحة :" الحرية السياسية والحرية الاقتصادية وانتقل بعد ذلك للكلام عن المستقبل فقال : " قلنا إننا لا نملك المستقبل وحدنا فمن أجل ضمان الحياة السياسية فى المستقبل ذهبنا إلى عدد من قادة الرأى من مختلف الطبقات والعقائد وقلنا لهم : ضعوا للبلد دستورا يصون مقدسا ته وكانت لجنة الدستور ومن أجل ضمان الحياة الاقتصادية فى المستقبل ذهبنا إلى أكبر الأساتذة فى مختلف نواحى الخبرة وقلنا لهم : نظموا للبلد رخاؤه واضمنوا لقمة العيش لكل فرد فيه وكان مجلس الإنتاج تلك حدودنا لم نتعداها ، إزالة الصخور والعقبات من الطريق مهما يكن الثمن واجبنا ، والعمل من كل نواحيه مفتوح لكل ذوى الرأى والخبرة فرض لازم عليهم ، وليس لنا أن نستأثر به دونهم ، بل إن مهمتنا تقتضى أن نسعى إليهم لجمعهم من أجل مستقبل مصر 00مصر القوية المتحررة 0" الخطوة الأولى كانت إذن وضع الدستور- دستور يمنع تكرار مآسى الماضى ويحدد معلم مجتمع المستقبل وأعلن جمال عبد الناصر بصفته رئيس الجمهورية فى يناير 1956 دستور الشعب باسم الشعب قائلا : " نحن الشعب المصرى الذى انتزع حقه فى الحرية والحياة بعد معركة متصلة ضد السيطرة المعتدية من الخارج والسيطرة المستغلة من الداخل 0" وهكذا جاء الدستور تعبيرا عن إرادة شعبية وتتويجا لكفاح وطنى وليس هبة من حاكم أو منة من قوى خارجية تتستر وراء ما يسمى بحقوق الشعوب وحقوق الإنسان بينما هى تستمد وجودها وبقائها من إهدار حقوق الشعوب 0 وحدد أهدافه بالأهداف التى من أجلها قامت الثورة وهى القضاء على الاستعمار وسيطرة رأس المال على الحكم وإقامة جيش وطنى قوى وإقامة عدالة اجتماعية وإقامة حياة ديمقراطية سليمة 0 ولقد تضمن الدستور عددا من المواد رسمت المعالم الاقتصادية للمجتمع الجديد وهى: المادة السابعة :" ينظم الاقتصاد القومى وفقا لخطط مرسومة تراعى فيها مبادئ العدالة الاجتماعية وتهدف إلى تنمية الإنتاج ورفع مستوى المعيشة"0 المادة الثامنة:" النشاط الإقتصادى الخاص حر على ألا يضر بمصلحة المجتمع أو يخل بأمن الناس أو يعتدى على حريتهم وكرامتهم "0 المادة التاسعة:" يستخدم رأس المال فى خدمة الاقتصاد القومى ولا يجوز أن يتعارض فى طرق استخدامه مع الخير العام للشعب 0" المادة العاشرة:" يكفل القانون التوافق بين النشاط الاقتصادى العام والنشاط الإقتصادى الخاص تحقيقا للأهداف الاجتماعية ورخاء الشعب 0" المادة الحادية عشر:" الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون 0" المادة السابعة عشر :" تعمل الدولة على أن تيسر للمواطنين جميعا مستوى لائق من المعيشة أساسه تهيئة الغذاء والسكن والخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية 0" المادة الثانية والعشرون :" العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة 0" ووفقا للمنهج الذى حدده جمال عبد الناصر صدرت عدة قرارات بعد أسبوع واحد من قيام الثورة وبالتحديد فى 30 يوليو1952 صدرت عدة قرارات استهدفت القضاء على الإقطاع والاحتكار وكان فى مقدمتها قانون الإصلاح الزراعى وتنظيم الإيجارات التى أنهت تسلط الملاك على المنتجين والمستأجرين فى الريف والحضر وحددت بالتالى المبالغة فى التكالب على الملكية العقارية وما يترتب على ذلك من عزوف المدخرات الخاصة على الدخول فى مجالات الإنتاج المثمر وبخاصة الإنتاج الصناعى وتحمل مخاطره 0 أما بالنسبة لرأس المال الأجنبى فقد بادرت الثورة بالاستجابة لنصائح الاقتصاديين من أهل الخبرة الذين كانوا يرون أن قانون الشركات المساهمة (138لسنة1947) – لا يشجع المستثمرين الأجانب لأنه يحرمهم غالبية الملكية فصدر المرسوم بقانون رقم 130لسنة1952بتعديل المادة السادسة من ذلك القانون وكانت تنص على ألا تزيد نسبة رأس المال الأجنبى فى الشركات المساهمة عن 49% فأصبحت تنص على أنه يجب تخصيص 49% على الأقل من أسهم الشركات المساهمة للمصريين عند التأسيس أو زيادة رأس المال ويجوز زيادة النسبة بقرار من وزير التجارة والصناعة بالنسبة للشركات ذات الصبغة القومية وإذا لم تستوف النسبة فى مدة لا تقل عن شهر فى حالة الاكتتاب العام جاز تأسيس الشركة دون استيفاء النسبة – وكان الهدف من هذا التعديل هو اجتذاب رأس المال الأجنبى للمساهمة فى التنمية الإنتاجية 0 ثم صدر بعد ذلك القانون رقم156 فى 2ابريل 1953 الذى حدد أسلوب معاملة رأس المال الأجنبى حيث حددت القنوات الشرعية التى يرد من خلالها ( سواء نقدا أو عينا أو فى شكل حقوق معنوية ) وحدد شروط تحويل الأرباح بما لا يتجاوز 10% بالعملة الأصلية كما أجاز تجاوز هذه النسبة فى حدود ما يحققه الاستثمار الأجنبى من عملة أجنبية كما أجاز إعادة تحويل رأس المال الأجنبى بعد خمسة سنوات بما لا يتجاوز خمس القيمة المسجل بها 0وحددت المادة الثانية فى هذا القانون شرط الانتفاع أن يوجه رأس المال الأجنبى إلى الاستثمار فى مشروعات التنمية الاقتصادية ( الصناعة-الزراعة – التعدين –القوى المحركة – النقل – السياحة ) ويبت فى الطلب فى خلال شهور ثلاثة من تاريخ تقديمه تفاديا للإجراءات التشريعية والإدارية الحكومية وتفاديا للتعقيدات وتضارب الاختصاصات بين الجهات المعنية – وفى هذا الصدد أيضا صدر القانون رقم 325لسنة1952 والقانون رقم 324لسنة1953 خاصا بالرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة حول المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج والعوائد وما إلى ذلك وكان الغرض من كل هذا التشجيع العملى على الاشتغال بالإنتاج من أجل التصدير 0 كما صدرت قوانين أخرى أبرزها القانون رقم 430لسنة1953 وقانون الشركات العام رقم26لسنة1954 الذى عدل بالقانون رقم 155لسنة1955 وهى قوانين استهدفت تحقيق توازن عادل بين مبدأ التيسير على المتعاملين والحرية الاقتصادية ومبدأ حماية حقوق المدخرين لحثهم على الإقبال على الاستثمار 0 لقد أردت قاصدا أن أذكر أرقام وتواريخ وأهم عناصر هذه القوانين لسبب هام هو أن يرجع إليها الباحثين لما تحويه موادها من ضوابط وقيود وتسهيلات تحدد المسئوليات والاقتراض وشغل عضوية أو الجمع بين عضوية البنوك المقرضة والشركات وتحديد الحد الأقصى لعضوية الشركات وشروط السن لأعضاء مجالس الإدارات والحد الأقصى لما يحصل عليه أعضاء مجالس الإدارة من مكافآت وعناصر كثيرة أخرى نعيش سلبياتها ومآسيها من بعد منتصف السبعينات حتى الآن 0 لقد حاولت ثورة يوليو منذ اللحظة الأولى إزالة العقبات التى كانت تحول دون المساهمة الجادة لرأس المال الخاص وطنيا كان أم أجنبيا بعد أن قضت على الصيغ الإقطاعية والاحتكارية فى الوقت الذى كانت تبذل جهودها لإزالة ما ظل عالقا بالاستقلال السياسى من شوائب 0وبالمناسبة فعند قيام الثورة فقد كان رؤساء مجالس إدارات الشركات ينقسمون كالآتى: 21% مصريون مسلمون . 4% مصريون مسيحيون. 30% أوربيون . 18% يهود . 8% يونانيون . 11% متمصرون . ووفقا للتوصيات التى قدمها خبراء الأمم المتحدة وفى مقدمتها التوصيات التى صاغها مجموعة من أساتذة الاقتصاد ضمت آرثر لويس أستاذ الاقتصاد فى جامعة مانشستر البريطانية والبروفيسور تيودور شولتز من جامعة شيكاغو ومعهما أستاذان من الهند وشيلى وكانت أولى التوصيات التى قدمتها هذه اللجنة تحت عنوان " إجراءات التنمية الاقتصادية للدول المتخلفة " هى الحث على دور كبير للدولة يبدأ بإنشاء قطاع عام قوى لاسيما فى مجالات ذات أهمية محورية لدفع التنمية التى يعجز القطاع الخاص الناشئ على توليها ، فأنشئ المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى فى اكتوبر1952 بموجب القانون رقم 213لسنة1952 كهيئة مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء المصرى وكانت مهمة المجلس بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية التى يكون من شأنها تنمية الإنتاج القومى وأن يضع بحث فيما لا يتجاوز عاما واحدا برنامجا اقتصاديا للتنمية يتوخى تقديم المشروعات الأكثر إنتاجا والأيسر تنفيذا والأقل تكلفة لينفذ على مراحل سنوية أقصاها ثلاث سنوات ويشرف المجلس على تنفيذ المشروعات والبرامج بعد إقرار مجلس الوزراء كما حررت إجراءاته من القواعد الروتينية0 ولقد قام المجلس بدور هام فى مختلف مشروعات التنمية التى تمت خلال السنوات الخمس الأولى للثورة فى مجالات الرى والتوسع الزراعى وتكرير البترول وأنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات ودراسة مبدئية لمشروع السد العالى ووضع مشروعات الحديد والصلب ومصنع السماد وكهربة خزان أسوان والكابلات والورق والبطاريات والإطارات والجوت والخزف والصينى وغيرها 00 واستحدثت الثورة مبدأ جديد هو تخصيص نسبة مئوية من نفقات المشروعات للأبحاث والدراسات التى تم منها على سبيل المثال : حصر وتقويم الاحتياجات والموارد الصناعية – أبحاث الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضى –صناعة السيارات – صوامع الغلال – المقننات المائية – الصرف – زيوت التشحيم – الحوض الجاف والترسانة البحرية – صناعة الورق – كهربة مصر كلها على مدى عشرين عاما 0 وحدث متوازيا مع هذه الأمور كلها توسعا كبيرا فى المصانع الحربية المملوكة بالكامل للدولة والتى دخلت فيما بعد ميادين الإنتاج المدنى كذلك ، ولقد كانت تلك المصانع مدرسة جامعة للكوادر الفنية والإدارية المنتجة حتى اليوم 0 ولتفادى التضارب والإسراف والتعارض ولتوفير الجهد والمال ولتعظيم العائد صدر قرار مجلس الوزراء فى 31ديسمبر1952 يستهدف إنشاء إدارة للتخطيط والتنسيق وأشير فى القرار إلى أن نظام التخطيط والتنسيق تأخذ به الآن كل الدول المتقدمة على اختلاف مذاهبها السياسية وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية – ثم أنشئت اللجنة العليا للتخطيط والتنسيق برئاسة رئيس مجلس الوزراء أو من ينوب عنه وتضم وزير المالية ومقررى اللجان الوزارية للتخطيط وممثلى وزارات الخارجية والحربية والبحرية والإرشاد القومى وثلاثة أعضاء من مجلس الإنتاج – ولها أن تضم مراقبين أو خبراء خارجيين وتعمل فى مجالات أربعة: *شئون الميزانية والمالية 0 *شئون الإدارة العامة لتحسين الإدارة الحكومية المنفذة ورفع مستوى الكفاية الإدارية 0 *شئون التخطيط لفحص المشروعات والتنسيق بينها ومتابعة التنفيذ وإعداد الخبراء0 *التعبئة العلمية 0 وكل هذا يعنى تعبئة القدرات العلمية والفنية وتوجيهها نحو الإسهام فى خدمة قضايا التنمية والربط بين البحث العلمى والاحتياجات التطبيقية ووضع أهل الخبرة فى خدمة قضايا الدولة0 وعندما أتسع نشاط الخدمات صدر يوم 17 اكتوبر1953 القانون رقم493لسنة 1953 بإنشاء المجلس الدائم للخدمات ليشرف ويرعى النهوض الاجتماعى ويربط بينه وبين برامج التنمية الاقتصادية وكان من اختصاصه السياسة العامة ووضع الخطط الرئيسية للتعليم والصحة والعمران والشئون الاجتماعية والقوى البشرية 0 ولقد كانت إدارة التعبئة العامة والإحصاء ( تتبع وزارة الحربية ) –كان لها مندوبين فى كل من مجلس الإنتاج ومجلس الخدمات مما أفاد فى تمكين هذه الإدارة من جمع المعلومات وإجراء الدراسات المتعلقة بقناة السويس حتى يمكن الاستعداد لتأميمها دون لفت الأنظار وهو ما سأتعرض له تفصيلا فى فصل آخر 0 وكان من أهم أدوات التنسيق فى قطاع الخدمات الوحدات المجمعة التى راعت تكامل الخدمات فى التجمعات السكانية فى الريف فضلا عن حفزها الشباب للعمل فى الريف مع تغطية أوجه النقص فى مجالات هامة كمكافحة الدرن والأمراض المتوطنة ( الإنكلستوما والبلهارسيا ) وتوفير مياه الشرب فى الريف وبناء المساكن والمستشفيات 000الخ0 ولقد كان لتشكيل المؤتمر المشترك من قيادة الثورة والوزراء وهو ما تضمنه الإعلان الدستورى الصادر فى 10فبراير1953 للنظر فى السياسة العامة للدولة أثره فى دفع عجلة التقدم فى كافة المجالات الإنتاجية والخدمية فى تلك الفترة وفى 13يناير1957 صدر القانون رقم 20لسنة57 بإنشاء المؤسسة الاقتصادية وآلت إليها ملكية أنصبة الحكومة فى رؤوس أموال الشركات المساهمة وتحددت أغراض المؤسسة الاقتصادية فى الآتى : *تنمية الاقتصاد القومى عن طريق النشاط التجارى والصناعى والزراعى والمالى 0 *وضع سياسة استثمار أموال المؤسسة وتوجيهها فى المنشآت التى تساهم فى رأسمالها *القيام نيابة عن الحكومة بالتوجيه والإشراف على المؤسسات العامة 0 ( يرجع لتفاصيل القانون والقرارات التكميلية والضوابط بما فيها الخضوع لرقابة ديوان المحاسبات 0) وقامت المؤسسة الاقتصادية فى غمرة أحداث هامة ترتبت على خوض الثورة معركة الإستقلال الإقتصادى سواء باسترداد ملكية قناة السويس فى أكبر وأخطر معركة تأميم لراس المال الأجنبى تخوضها دولة نامية والإصرار على تنفيذ مشروع حيوى للنهوض بالقاعدة الإنتاجية الزراعية والصناعية وهو السد العالى الذى درسه مجلس الإنتاج وأبدى البنك الدولى استعداده لتمويله وكان هذا مكملا للمواقف الصلبة فى وجه الاستعمار سواء برفض حلف بغداد وسياسة الأحلاف عموما أو العمل على تصفيته بدفع حركة عدم الانحياز فى مؤتمر باندونج سنة1955 ، وهكذا اتضح بجلاء أن رأس المال الأجنبى لم يكن فقط مترددا أو يعانى من ندرة بل هو مضاد بطبيعته للتحرر الإقتصادى فالبنك الأهلى كان قائما بأعمال البنك المركزى غير أن سيطرة المصالح الأجنبية عليه جعلته يحجم عن إحدى أهم وظائفه وهى إقراض الحكومة ، لذلك أصدرت الحكومة المصرية فى ربيع 1955 قانونا يلزمه بأن يضع تحت تصرف الحكومة ما فى حوزته من نقد أجنبى ، ولم تكن الرأسمالية المحلية أقل تعنتا فى التعامل مع الدولة فى توجهها نحو التنمية على الرغم من القرارات التى استهدفت تشجيعها وكان أحمد عبود باشا يؤكد سطوته بالتخلف عن دفع الضرائب فقامت الحكومة بفرض الحراسة على شركتى السكر والتقطير وأعيد تنظيم الشركتين فى شركة واحدة تمتلك الحكومة 50% من رأسمالها ، غير أن المواجهة الصريحة مع رأس المال الأجنبى جاءت فى سنة1956 مع العدوان الثلاثى حيث رفضت البنوك تمويل القطن وما أن انسحبت قوى العدوان حتى أعلنت الثورة قوانين التمصير التى شملت البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد وهكذا وجدت الثورة نفسها فجأة مسئولة عن عدد من المنشآت الاقتصادية وبناء عليه صدر قانون إنشاء المؤسسة الاقتصادية –0 لم تكن نشأة القطاع العام ، كما يردد البعض ، على حساب رأس المال الوطنى بل من خلال استثمار عام ومن خلال استرداد الشعب حقوقا اغتصبها الأجانب والمتمصرين نتيجة سوء تصرف ولاة الأمور فى مصر ، وفى ظل امتيازات أجنبية أعفتهم من دفع الضرائب التى كان يتوجب دفعها من أجل إقامة المرافق التى مولها الفلاح المصرى الذى اغتصبت حقوقه 0 ومع نشأة وزارة الصناعة سنة1956 اعتمد برنامج التصنيع الأول فى1957 بعد الحصول على قرض من الاتحاد السوفيتى لتنفيذه وتكونت هيئة السنوات الخمس وتوسعت المصانع الحربية فى الإنتاج المدنى وتم الاتفاق مع الاتحاد السوفيتى على بناء السد العالى وشكلت الهيئة العامة للسد العالى 0 واستمرت الدعوة لرأس المال الوطنى والمحلى للإسهام فى التنمية ولكنها كانت دعوة من جانب واحد لم يقابلها استجابة بل توقف النشاط الخاص عن أعمال الصيانة وزاد أن حاول البعض بطرق غير مشروعة تهريب رؤوس أموالهم للخارج مما ترتب عليه صدور القرارين فى 13فبراير1960 بتأميم البنك الأهلى وبنك مصر وهو ما أتاح للثورة السيطرة على شركات كانت تتولى 20% من الإنتاج الصناعى رغم بقاء ما يساهم به الأفراد فى تلك الشركات 0 وقامت وزارة الصناعة بوضع برنامج خمس سنوات للتصنيع يتكلف 255مليون جنيه ( كان الجنيه يعادل أكثر من ثلاثة دولارات فى ذلك الوقت ) – ويرفع نصيب الصناعة من 11% من الدخل القومى إلى 19% -ووضع البرنامج قواعد للأولويات تضمنت كافة تكلفة المشروع وحاجته من النقد الأجنبى والعائد المتوقع منه وما يضيفه إلى الطاقة الإنتاجية ويستخدمه من عناصر وعمالة وعلاقة المشروع بالمشروعات الأخرى وأهميته للتنمية إضافة إلى الاعتبارات الإستراتيجية 00 وقدر أن تستغرق المرحلة الأولى ثمانية عشر شهرا يليها أربعة مراحل سنوية ، واتضح مما تقدم أن الاهتمام بالتنمية يتطلب نظرة شاملة متكاملة فصدر قرار رئيس الجمهورية رقم78لسنة1957 بشأن التخطيط القومى وأدمج مجلسى الإنتاج والخدمات فى لجنة التخطيط القومى 0 وكان التخطيط الذى لجأت إليه الثورة كأى تخطيط تلجأ إليه دولة نامية هو تخطيط من أجل التنمية وليس بديلا للسوق فى إدارة الاقتصاد 0 وتطورت الأمور حتى وصلت إلى تشكيل 57 لجنة فرعية للتخطيط ضمت صفوة الخبراء المتخصصين من مختلف أجهزة البحث العلمى ورجال الجامعات والفنيين وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزى وآخرين 0 وعقب إعداد المشروع المبدئى لإطار الخطة العامة (1960/1961 – 1964/1965 ) وعرض مشروع الخطة على الشعب من خلال المؤتمر العام للاتحاد القومى فى منتصف 1960 – وكانت الخطة الأولى التى تكاملت الأجهزة التخطيطية وتضافرت القدرات البحثية ومشاركة التنظيم السياسى الجماهيرى مع مراعاة وتنسيق بين خطتى إقليمى الجمهورية العربية المتحدة ( سوريا ومصر ) –وكان الهدف مضاعفة الدخل القومى خلال عشر سنوات لقد قال جمال عبد الناصر فى هذا الصدد فى خطابه أمام المؤتمر العام للاتحاد القومى يوم9/7/1960ما يلى : " كان مهما بالنسبة لنا أن تنجح الخطة فى أهدافها لمضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات ، فلقد كان أكثر أهمية أن تنجح الخطة فى أهدافها الاجتماعية ، كان عليها أن تكون أداة إنتاج وفى نفس الوقت كان عليها أن تكون أداة عدل 0 وما كان يمكن أن تكون هناك خطة اقتصادية دون هدف اجتماعى بل لقد كان يمكن أن تؤدى الخطة إلى عكس المقصود منها ، إذا كان الاهتمام يوجه إلى ناحيتها الاقتصادية مجردا من كل وعى اجتماعى 0 كانت الخطة فى تلك الحالة لا تضع إلا أن تزيد الأغنياء غنى ، وتزيد الفقراء فقرا ، وتزيد بالتالى الهوة بين الذين ملكوا الغنى بالوراثة ، وبين الذين لم يمتلكوا بالوراثة غير الفقراء ، وبالتالى يضيع أساس الاستقرار الوطنى الوحيد وهو العدل الاجتماعى 0 كذلك فقد كان مستحيلا دون خطة اقتصادية واجتماعية ، وفى نفس الوقت أن تطور الخدمات العامة كما طورنا وسائل الإنتاج 0 وكان ذلك يستتبع بالتالى أن يقوم القطاع العام بدور حيوى فى التطوير الصناعى ، وأن يقوم التعاون بنفس الدور فى التطور الزراعى ، ولقد بدأ وجود القطاع العام على نطاق متسع فى الصناعة وفى أعقاب الخطوة الرائعة التى تعتبر أبرز مكاسب حرب تثبيت الإستقلال سنة1956 ،وأعنى خطوة تمصير الجزء الأكبر من الممتلكات البريطانية والفرنسية فى مصر 0 وإذا كان التمصير هو بداية أتساع القطاع العام وتقوية نشاطه ، فلقد كان من أهداف الخطة بل وكان أيضا من ضمانات نجاحها أن تزداد قوة هذا القطاع العام الذى يملكه الشعب بمجموعه "0 |
رد: ابحاث ثورة يوليو
وفى خطاب آخر لعبد الناصر يوم 16/10/1961 قال : الاتحاد السوفيتى "لقد أصبح لدينا الآن قطاع عام فى الاقتصاد قوى ، يملكه الشعب بمجموعه وهو فوق أثره الاجتماعى ، طليعة قادرة على فتح الطريق أمام التنمية الاقتصادية وفى جميع المجالات 0 وإننا لنفخر أن النواة الأولى لهذا القطاع العام كانت جميع المؤسسات الاحتكارية البريطانية والفرنسية والبلجيكية ، ثم أضفنا إلى هذا القطاع العام ما قمنا نحن بإنشائه طبقا لبرامج التنمية خلال السنين الأخيرة ، ثم استكمل هذا القطاع قوته بما تم تأميمه أخيرا بمقتضى مجموعة القوانين الاشتراكية التى صدرت فى شهر يوليو من هذا العام ، وبهذا أصبحت القوة العاملة لهذا القطاع تمثل رأسمال لا يقل عن ألف مليون جنيه ، بينما الطاقة المتحركة لرأسمال هذا القطاع تزيد على هذا المبلغ عدة مرات بقوة اندفاع متزايدة ، قادرة على تحريك مجالات التطوير فى الزراعة وفى الصناعة بوجه خاص 0" وعلى الرغم من التأميمات المتتالية التى شهدتها السنوات السابقة على الخطة فإن كل حالة كان لها ما يبررها ولم يصل الأمر لاتخاذ موقف عام من رأس المال الخاص بل أفسحت له الخطة مجالات للنشاط محملة القطاع العام عبء المشروعات الضخمة منخفضة الربح كالسد العالى واستصلاح الأراضى والتعدين فضلا عن الخدمات 0 ولقد حققت بعض الأنشطة كالمقاولات أرباحا ضخمة نتيجة للتوسع السريع فى الإنشاء والتشييد ومع ذلك ظلت الرأسمالية المصرية محجمة عن المساهمة فى التنمية بل سعى بعضهم فى تصفية أعمالهم وتهريب أموالهم للخارج ، فكان لابد من سد منافذ التهريب وتولى القطاع العام أمر الأنشطة الحيوية اللازمة لاستمرار عملية التنمية 0 وشهد شهر يوليو 1961 ( السنة الثانية للخطة ) تحولا نحو استكمال معالم المجتمع الاشتراكى ، فأصدر جمال عبد الناصر مجموعة من القوانين سميت بالقوانين الاشتراكية كانت تهدف أساسا لإعطاء العمال والفلاحين والفئات الوسطى حقوقا عادلة فى الناتج القومى بالإضافة إلى تحقيق عدالة التوزيع 0 فصدرت القوانين أرقام 111لسنة1961بتوزيع الأرباح على عمال المؤسسات والشركات بتخصيص 25% من الأرباح المعدة للتوزيع للموظفين والعمال ( 10% توزع مباشرة و5% للخدمات الاجتماعية والإسكان و10% لأداء خدمات اجتماعية مركزية) والقانون114لسنة1961 بإشراك العمال فى مجالس إدارات الشركات والمؤسسات 0 والقانون127لسنة1961 بشأن تعديل قانون الإصلاح الزراعى 178لسنة1952 حيث خفض الحد الأدنى للملكية الزراعية إلى مائة فدان والقانون128لسنة1961 بتخفيض ما لم يؤدى من ثمن الأرض الموزعة أو التى توزع على المنتفعين بالقانون 178لسنة52 وكذلك الفوائد المستحقة عليهم إلى النصف 0 والقانون133لسنة1961 بجعل الحد الأعلى لساعات العمل 42( اثنين وأربعون ) ساعة أسبوعيا وعدم جواز تشغيل العمل فى أكثر من مؤسسة واحدة وذلك بهدف زيادة عدد العاملين مع عدم جواز تخفيض الأجر الإضافى 0 والقانون168و169لسنة1961 بتخفيض أجور الأماكن التى أنشئت بنسبة 20% وتقرير إعفاءات عن الضريبة على العقارات المبنية التى لا يزيد متوسط إيجار الحجرة فيها على ثلاثة جنيهات وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاءات 0 والقانون113لسنة1961 بفرض حد أعلى للمرتبات فى أى شركة أو مؤسسة عامة خمسة آلاف جنيه فى السنة شاملة لجميع العلاوات والبدلات أيا كانت الصفة اعتبارا من أول أغسطس1961 والقانون115لسنة1961 بتعديل قانون الضريبة العامة على الإيرادات وجعلها ضريبة تصاعدية على الإيراد الكلى الصافى بمعدل يبدأ ب 8% للألف الثانية ورفع سعر الضريبة على الشرائح العليا ليصل إلى 90% لما يتجاوز عشرة آلاف جنيه والقانون129لسنة1961 بتعديل الضريبة على العقارات المبنية وذلك لإيجاد توازن بين حق الفرد للملكية وحق المجتمع من خلال تصاعد تلك الضريبة وإعادة توجيه المدخرات إلى مجالات التطوير التى تتوجه إليها خطة التنمية وذلك بعد أن فضل الكثيرين من المدخرين تجميد مدخراتهم فى المساكن ذات الأجور العالية مبتعدين عن مجال الصناعة 0 وأعتبر أن هذه القوانين ميزان ثابت من موازين العدل سواء من ناحية مشاركة الأمة فى ملكية وسائل الإنتاج أو مشاركة الأمة فى عائدات هذا الإنتاج فهو ليس طريقا لمصادرة الملكية وإنما هو طريق لتوسيع قاعدتها كما صدرت القوانين: 117لسنة1961 بتأميم مائة وتسعة وأربعين شركة شملت سبعة عشر بنكا وسبعة عشر شركة تأمين ومائة وخمسة عشر شركة أخرى تعمل فى مجلات مواد البناء والسلع المعدنية اللازمة للتشييد وشركات نقل عام وملاحة بحرية 0 والقانون118لسنة1961 بإشراك القطاع العام فى واحد وتسعين شركة عن طريق مساهمة إحدى المؤسسات العامة بما لا يقل عن 50% من رأسمالها وشملت القائمة شركات المقاولات والتجارة والسجاير والبترول والمنسوجات 0 القانون119لسنة1961 بتحديد ملكية الفرد فى مائة وتسعة وخمسين شركة بما لا يتجاوز عشرة آلاف جنيه وتؤول ملكية الزيادة إلى الدولة 0 القانون120لسنة1961 بتنظيم منشآت تصدير القطن0 القانون121لسنة1961 بنقل ملكية منشآت مكابس القطن إلى الدولة 0 القانون122لسنة1961 بإسقاط التزام شركة ليبون وإنشاء مؤسسة عامة للكهرباء والغاز0 القانون123لسنة1961 بإسقاط التزام مرفق ترام القاهرة 0 وقد حولت أسهم تلك الشركات إلى سندات اسمية أو قابلة للتداول على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% حسب آخر إقفال فى البورصة 0 إن هذه القوانين تشير إلى أن الحتميات الموضوعية للتنمية هى التى دفعت باتجاه التحول الاشتراكى وليست لاعتبارات أيديولوجية ، فمن ناحية اتضح أن القطاع الخاص إما أساء اختيار قنوات الاستثمار بالابتعاد عن ما رصدته له الخطة من مجالات أو عمل على تهريب مدخراته للخارج بالرغم من الحوافز التى قدمت له طيلة الخمسينات ، هذا علاوة على أن القطاع الخاص استثمر تحويل مدخراته فى عمليات التشييد والبناء مستغلا فرصة الطلب المتزايد بسبب التسارع الذى استهدفته الخطة فى معدلات الاستثمار فعمد إلى رفع الأسعار وجنى أرباحا طائلة لم يعيد ضخها فى الاستثمار وجل ما قام به هو الاستثمار فى الإسكان فوق المتوسط بما لم يحل مشكلة الإسكان بل ساهم فى رفع الإيجارات 0 وهنا أحب أن أشير إلى نقطة تعتبر ذات دلالة على أن هذه التأميمات لم تكن تعنى أشخاص بذاتهم بل كانت تطبق مبدأ وخط إستراتيجى اقتصادى عام ألا وهو مبدأ الكفاية والعدل ، ومما يدل على أن المسائل لم تكن أبدا تمس الأشخاص أن كل شركات المقاولات مثلا التى كانت بأسماء أشخاص بقيت على نفس التسمية بعد تطبيق القانون ، فبقيت شركات عثمان أحمد عثمان وحسن علام ومختار إبراهيم ..الخ . وقد تبع ذلك أن عدل قانون العمل فصدر القانون رقم 102لسنة1962 بتحديد حد أدنى للأجور فى المنشآت الصناعية قيمته خمسة وعشرين قرشا فى الساعة 0 وفى 26مايو1962 صدر ميثاق العمل الوطنى الذى حسم النظام الإقتصادى لصالح الاشتراكية وسيطرة الشعب على أدوات الإنتاج وما استتبع ذلك من صدور المزيد من القرارات الاشتراكية وذلك لتوفيق الأوضاع فى أسلوب إدارة الاقتصاد الوطنى ومنشآته وللحيلولة دون تعرض الاقتصاد للاختلال 0 وكانت معدلات تحقيق الأهداف من الارتفاع بما جعل تلك الفترة تشهد طفرة فى أداء الاقتصاد الوطنى بما مكن الثورة من المضى فى التنمية القائمة على الاعتماد على النفس0 بمعنى أن يسعى الاقتصاد إلى تعظيم قدرته الادخارية وتعبئة مدخراته ويحسن توجيهها وأن دور رأس المال الأجنبى مكمل ويأتى فى المجالات وبالشروط التى تهم الاقتصاد والتوسع فى المجالات المتميزة محليا يخلق قاعدة إنتاجية متنامية إذا لم ننفق على سلع لا تتمشى مع متطلبات التنمية 0 ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى تقرير البنك الدولى الذى اعترف بحجم النمو الإقتصادى فى تلك الفترة خصوصا وانه صدر فى سنة 1976 أى بعد عشر سنوات من إتمام الخطط الخمسية حتى سنة 1965 ونص التقرير على الآتى : أولا : التقرير صدر برقم 870 a واشنطن فى 5يناير 1976 الجزء الخاص بمصر 0 ثانيا: أن نسبة النمو الإقتصادى فى مصر كانت بمعدل6ر2% سنويا بالأسعار الثابتة الحقيقية ثالثا : ارتفعت نسبة النمو هذه فى الفترة من 1960 حتى 1965 إلى معدل وصل إلى 6ر6% وهذا يعنى أن مصر استطاعت خلال عشر سنوات أن تقوم بتحقيق تنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة السابقة عن عام 1952 فى الوقت الذى لا تتجاوز معدلات النمو فى دول العالم الثالث نسبة لا تزيد عن 5ر2% سنويا 0 وهنا أيضا أجد لزاما على أن أستعرض أوضاع القطاع الخاص المصرى سنة 1961 كانت باختصار شديد كالآتى : *أكثر من 66% من الاقتصاد المصرى كان بيد القطاع الخاص المصرى 0 *الزراعة المصرية كلها قطاع خاص 0 *79% من التجارة قطاع خاص 0 *76% من شركات المقاولات قطاع خاص 0 *56% من الصناعة قطاع خاص 0 وفى هذا الصدد أحب أن أؤكد على أن قوانين التمصير ثم التأميم قد صدرت فى حدود الشرعية الكاملة وكانت محتومة ، لم تغتصب حقا أو تصادر ، ولكن حررت الثروة ووزعتها بالعدل على طبقات الأمة وفئاتها العاملة ( الفلاحين والعمال والملاك والرأسمالية الوطنية ) ولبناء مجتمع الكفاية والعدل للجميع 0 وحينما صدرت القوانين الاشتراكية كان سفير الولايات المتحدة الأمريكية قى القاهرة جون بادو وكان من قبل رئيسا للجامعة الأمريكية فى القاهرة وعاش فى مصر لأكثر من الثلاثين عاما ولقد كتب الرجل فى مذكراته التى أشرت إليها فى مكان آخر من هذه المذكرات بالتفصيل ما نصه الآتى : " حينما صدرت هذه القوانين ثارت ضجة حولها فقررت تكوين فريق عمل من رجال السفارة لدراستها بدقة وانتهينا إلى أن حجم القطاع العام الجديد فى مصر أقل منه فى إسرائيل وفى الهند وفى فرنسا وفى بريطانيا بل وفى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، وانه لا يصادر القطاع الخاص أو يغلق الطريق أمامه بل على العكس سوف يحفزه ويدفعه للمنافسة فى ظل اقتصاد مختلط كما حدث فى هذه الدول 0 ويقول السفير باد أيضا فى تقريره للرئيس الأمريكى كينيدى بعنوان " The American Approach To The Arab World “ :" ولمزيد من الاطمئنان من جانب واشنطن فقد أوفد الرئيس جون كينيدى مبعوثا خاصا هو الدكتور إدوارد ماسون أستاذ الاقتصاد المشهور وبعد أن قام بدراسته المفصلة للقوانين وللأوضاع فى مصر قدم تقريرا يتلخص فى أنه لم يكن أمام ناصر (عبد الناصر ) طريق آخر أو أفضل 0" وكانت الثورة قد وفرت كل المقومات والحوافز للقطاع الخاص فى التنمية وعلى مدى عشر سنوات ولكنه استغرق فى الاستثمارات السريعة الربح خاصة الإسكان الفاخر ولم يدرك المسئولية نحو المشكلة الاجتماعية المزمنة والمتفاقمة ولم يكن هناك مناص من التحول والتغيير ومواجهة التحديات الملحة وغير المتكافئة 0 ونجحت التجربة فنفذت الخطة الخمسية الأولى التى اعتمدتها الأمم المتحدة واعتبرتها نموذجا للتنمية فى العالم الثالث وتوافدت على مصر بعثات وخبراء من مختلف أنحاء العالم للبحث ودراسة التجربة والاستفادة من دروسها واقتباس ما يفيد الدارسين لبلادهم 0 ومنهم من وفد من بلدان أوروبية وبالذات من سويسرا ( يرجع للوثائق حول هذا الموضوع بالذات )0 وفى الحقيقة لم يسبق أن نما القطاع الخاص وامتد وازدهر مثلما فعل تحت مظلة القطاع العام وولايته فى إطار الاقتصاد المختلط المتكامل المتنافس لتحقيق هدف وطنى مشترك وكان هذا هو الميلاد الحقيقى للقطاع الخاص المصرى إذ تحرر من احتكار الأجانب والمتمصرين وتوافرت له كل المقومات والحوافز المشروعة وفتحت أمامه كل الأسواق التى لم ينفذ إليها من قبل 0 وكانت النتائج التى تحققت دافعا لمواصلة الطريق وإعداد خطة ثانية طموح لمدة عشر سنوات ، وأعلنت مصر أن الهدف سوف يكون دخول عصر الصناعة الثقيلة والزراعة الكبيرة ، وسوف تكون مصر دولة صناعية زراعية تجارية سياحية عصرية والعمود الفقرى لتحرير وتنمية الاقتصاد العربى عامة 0، وسوف تلحق التجربة المصرية والعربية فيما بعد بتجارب العصر الكبرى فى الصين والهند وتتدارك كل ما فاتها فاستدعيت نواقيس الخطر وأجراس الخوف فى عواصم الغرب وفى ظل عصر السيادة الأمريكية أصبحت قوة مصر تهدد المصالح الإمبريالية فان تسليح مصر يهدد إسرائيل وتصنيع مصر وقوة اقتصادها يهدد تدفق البترول لأمريكا والغرب بصفة عامة 0 والشهادة فيما أقول وفيما أقدر ، تأتى من العدو – من الجنرال الإسرائيلى "ببليد" أحد قادة حرب1967 وهو الذى غزا القدس فقد دعا هذا الجنرال إلى مؤتمر صحفى فى فبراير 1972 وفاجأ الكل بما لم يخطر على بال أو خيال أحد فلقد أعلن أنه ضاق ذرعا بسلسلة الأكاذيب والأساطير التى يعيش عليها الشعب فى إسرائيل منذ قيام الدولة وأنه قرر أن يستجيب لنداء ضميره وأن يعلن : " إن ذروة الغش والخداع كانت فى حرب 1967 التى أقنعنا شعبنا والعالم أنها كانت دفاعية ضد خطر داهم قادم من مصر والتى لم تكن فى حقيقتها سوى حرب عدوانية قمنا بها لحساب الولايات المتحدة الأمريكية التى قررت أن عبد الناصر وحلفاؤه السوفيت قد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وإذا لم يردعوا الآن سوف تفوت الفرصة 0" وتحدى " ببليد " جنرالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن يقر أحدهم أن الحرب كانت دفاعية – ولم يرد أحد حتى الآن – وكانت أكبر فضيحة فى تاريخ إسرائيل وأعمق شرخ فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وأعلن " ببليد " أنه لا يمكن لدولة أن تعيش للحرب وبالحرب وفى حالة حرب دائمة وأن ما تحتاجه إسرائيل هو السلام والسلام الآن ." كما أعلن عن قيام الحركة التى غيرت الخريطة الإسرائيلية السياسية واعتزل ليدرس الحضارة العربية 0" وإذا كانت الكوارث التى لا تقتل ، تصنع ، فإن هزيمة 1967 قد صنعتنا مرة ثانية من جديد تماما كما فعلت دنكرك ببريطانيا ، وبيرل هاربور بأمريكا ، ووصول الجيوش الألمانية إلى ضواحى موسكو 0 فنحن صمدنا ونحن هنا تعنى الشعب 00الشعب فى مصر وفى جميع أنحاء العالم العربى بالدرجة الأولى وبالعالم الثالث بعد ذلك ، صمدنا نحن الشعب ومعنا وبنا قيادة وطنية تجسد إرادة الصمود وقبول التحدى والتصدى له 00وكان القطاع العام هو الأرض الصلبة التى واصلنا بها السير إلى حرب الاستنزاف ثم إلى أكتوبر 1973 0 لقد اختلقت أسطورة الانغلاق وأنه لابد من فتح النوافذ والأبواب والشبابيك ولم يحدث أن انفتحت مصر على العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وحصلت على أفضل ما لديه كما تحقق خلال الخمسينات والستينات واستطاعت أن تحصل من الغرب ما لم تحصل عليه من قبل، بل كان محرما عليها أن تستورده 0 فقامت ألمانيا الغربية – فى ذلك الوقت – ببناء صناعة الحديد والصلب فى حلوان وصناعة الأسمدة والكيماويات فى أسوان علاوة على سلسلة من محطات الكهرباء والكبارى الرئيسية والقناطر والدواء وغيرها علاوة على الدراسات التى قام بها كبار الاقتصاديين الألمان للأوضاع فى مصر خلال الستينات ( الوثائق ومحاضر الاجتماعات والتقارير والدراسات محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى ، هذا علاوة على تقرير زيارة إيرهارد الذى كان ضيفا شخصيا على عبد الناصر وأقام فى قصر الطاهرة بالقاهرة) . كما قامت إيطاليا ببناء صناعة السيارات فى وادى حوف ( منطقة حلوان ) ثم ، وبأهم إنجاز تحقق كسر حصار البترول الذى فرضته الشركات الغربية ( يرجع للوثائق التى تنشرها حاليا شركات البترول الإيطالية فى مصر عن تاريخ وحجم التعامل والتعاون منذ الستينات وفجر البترول بغزارة لأول مرة ) 0 وقامت الولايات المتحدة الأمريكية ببناء وتجهيز التليفزيون ومحطات كهرباء ثم الفنادق الكبرى ومقومات السياحة الدولية علاوة على بدء عمل كبرى شركات البترول " أموكو" من سنة 1964 فى مصر فى مجالى الكشف والاستخراج 0 ثم عملت فرنسا من جانبها بعد حصولها على امتياز كهرباء خزان أسوان القديم ثم التليفزيون والمساهمة فى كشف واستخراج البترول0 وكان التعاون بين كل من بريطانيا وفرنسا وسويسرا وألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على أشده فى مجال تصنيع الدواء ولعل مصنع شركة فايزر الأمريكية القائم فى منطقة ألماظة بمصر الجديدة خير دليل على هذا التعاون والانفتاح كما يقولون 0 لقد تسابقت دول الغرب على الاستثمار فى مصر لأنها كانت تثق فى نزاهة وكفاءة النظام ولأنها لم تكن تريد أن تترك الميدان خاليا للاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية 0 ولقد ساهم الاتحاد السوفيتى فى بناء السد العالى أعظم الإنجازات ومدينة الألومنيوم والصناعات الإستراتيجية والمزارع النموذجية وكان التنافس بين الشرق والغرب حافزا للطرفين 0 فى الوقت نفسه فلقد وضعت فى تلك الفترة أيضا الأسس لمشاريع مشتركة مع كل من الهند والصين كما تضاعفت المبادلات والعلاقات مع دول العالم الثالث لبناء جبهة اقتصادية تعزز عدم الانحياز وكان التعاون متصلا ومضطردا لم يتوقف مع قلاع الصناعة الكبرى وليس مع رأسمالية المافيا أو الأموال المغسولة 0 لقد دفع الشعب ثمن التضحية بالقطاع العام وبدلا من مجتمع الكفاية والعدل الذى يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه يقوم الآن وبعد ربع قرن من الانفتاح المزعوم مجتمع مريض تتفاقم متنا قضاته كل يوم بل كل ساعة وتتربع على قمته حفنة من أصحاب البلايين والملايين كما لم يسبق فى تاريخ مصر المحروسة على حساب محيط متلاطم من محدودى الدخل وسكان القبور والعشوائيات 0 قد يكون من المناسب أن أتعرض باختصار لديون مصر فى إبريل سنة 1971 ، ولقد كانت كلها ديون إنتاج وليست ديون استهلاك: 385 مليون دولار ( السد العالى – التصنيع – الزراعة ) الولايات المتحدة الأمريكية205 مليون دولار ( مستلزمات إنتاج – دخان – شحومات – قمح من 1958 حتى 1965 –صناعات دوائية ) إيطاليا122 مليون دولار ( صناعة – صناعة دوائية ) ألمانيا الغربية 106 مليون دولار ( مستلزمات إنتاج – صناعات دوائية وكيمائية – صناعة ) الكويت 130 مليون دولار بالإضافة إلى ديون اقل لليابان وبعض البنوك الأجنبية وكان الدين العسكرى للاتحاد السوفيتى يصل إلى حوالى 1700 مليون دولار من مجموع 2200مليون دولار سدد منها 500 مليون دولار 0 كما قدمت دول البترول العربية لمصر حتى سنة 1971 مبالغ وصلت إلى 120 مليون جنيه إسترلينى مقارنة بمبلغ 122ألف مليون دولار قدمت لمصر من هذه الدول فى الفترة من 1971حتى 1980 وكانت ديون مصر فى هذه السنة (1980 ) ، 14ألف مليون دولار 0 ملحوظ هامة : فى سنة 1971 كان الجنيه المصرى يساوى أكثر من ثلاثة دولارات 0 وفى سنة 1980 كان الجنيه المصرى يساوى أقل من دولار واحد 0 كما أجد أنه من المناسب أن أتعرض بشكل سريع للإنفاق الخارجى للثورة : بالنسبة للجزائر : لم تتجاوز المساعدات التى قدمت للجزائر الستين مليون جنيه وقد ردت الجزائر هذا المبلغ وربما أكثر خلال حرب أكتوبر 1973 بالنسبة لسوريا : لم ننفق شىء وكل ما أخذته سوريا هو الحق فى حصيلة قناة السويس تستخدمه بالنقد الأجنبى ولم تستعمل هذا الحق سوى مرة واحدة فقط فى حدود ستة مليون جنيه والدم السورى الذى أريق فى السنوات 56و67و73 لا يقدر بثمن 0 بالنسبة لحلف بغداد : لم ننفق شىء 0 بالنسبة لليمن : الإنفاق من سبتمبر 1962 حتى 1967 حوالى 500 مليون جنيه والمساعدات التى حصلنا عليها فى قمة الخرطوم كانت أكثر من ذلك بكثير والمساعدات التى حصلت عليها مصر بعد حرب 1973 تجاوزت الألف مليون جنيه 0وهل تحرير اليمن والجنوب العربى الذى امتد حتى إمارات الخليج العربى يقدر بمال ثم هل السيطرة على مدخل البحر الأحمر من الجنوب يقدر بثمن فى مقابل دماء أبناءنا من كلا الشعبين اليمنى والمصرى التى روت تلك الأرض العربية الطاهرة 0 والحل لهذه العملية التى كثيرا ما تثار على أساس إقليمى قد يكون فيه طابع المنّ أقول أن الحل هو الدخول فى العالم العربى وليس الانسحاب منه وأن تكون مصر طرفا فى القضايا العربية وليست عضوا متفرجا وأن ما أنفق لم يكن ليحل مشاكل مصر لأن الحل هو السياسة النشيطة كما قلت وليس فى الانطواء أو الانزواء لقد استطاعت مصر عبد الناصر فى ظل هزيمة 1967 : 1ـ أن تعيد بناء القوات المسلحة فى زمن قياسى ( أشهر )0 2ـ أن تتم بناء السد العالى 0 ( وما ترتب عليه من مئات المشروعات المدروسة ومنها توشكى وغيرها وثائقها موجودة فى جمعية السد العالى) 3ـ أن تثبت أسعار السلع الاستهلاكية للمواطن المصرى 0 4ـ أن تقيم مصنع الحديد والصلب0 5ـ أن تقيم مجمع الألومنيوم فى نجع حمادى ( فى صعيد مصر الذى يدعى ظلما الآن أنه كان مهملا) كل هذه الإنجازات فى ظل دعم مائة مليون جنيه وفى غياب دخل قناة السويس وغياب دخل البترول فى سيناء والسياحة وعلاوة على أعباء تهجير منطقة قناة السويس بكاملها إلى الدلتا والقاهرة بالإضافة إلى نقل معامل تكرير منطقة القناة ومصانعها إلى داخل الوادى . لقد جاء فى تقرير رسمى لمعهد التخطيط القومى سنة 1997 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ما يلى : فى حصاد ثمانية عشر عاما من الثورة حتى رحيل الرئيس جمال عبد الناصر حققت مصر من سنة 1960 حتى سنة 1967 أعلى معدل تنمية فى العالم الثالث وأعيد توزيع الرزق حتى بات الدخل القومى عام 1970 مناصفة بين عوائد التملك والأجراء فى مصر 00معدل قياسى فى توزيع الدخل تراجع فيها الفقر بحيث أصبح نصف سكان مصر فقراء ( حوالى 48% ) الآن 1997 أصبح نصيب الملاك ضعف نصيب الأجراء 0وليسمح لى القارئ أن أعلق على الأوضاع التى نعيشها الآن 0 إن سيطرة رأس المال والهيمنة وأحادية القرار العالمى معادية للإنسانية ومعادية للحضارة والعدالة الاجتماعية علاوة على أنها تلغى الهوية العربية وتعصر الفقراء لمصلحة الأغنياء والأخيار لمصلحة الأشرار والطاهر لمصلحة العاهر إن أصحاب رأس المال يتفضلون بعد ذلك بالكلام عن الوطنية والديموقراطية ويبشروا بالحضارة والمدنية ، وفى هذا يحضرنى قول فولتير :" اثنان ليحبان وطنهما 00 الغنى الفاحش الغنى 00 والفقير مدقع الفقر 0" وإليكم بعض الأمثلة مما جنينا أخيرا : الاتجار فى الأغذية الفاسدة وغيرها ، ثم الهروب إلى الخارج دون حساب 0 الاقتراض من البنوك بضمان الأشخاص بملايين الجنيهات و والهروب أو تهريب الناتج إلى الخارج 0 إفساد الصناعة الوطنية ( تكهين المصانع وبيع القطاع العام ببلاش ) تجارة وعمولات تجارة السلاح والمخدرات وتهريب الأموال للخارج وغسيلها 0 تبوير الأراضى الزراعية وردم البحيرات لبناء القصور 0 شراء ديون مصر بعد بيع مصر 0 دخول نواب المخدرات للمجالس النيابية إلغاء انتخابات العمد0 تزوير الانتخابات 0 ( أحكام محكمة النقض بالمئات ) 0 المباهاة بالشذوذ 0( ورد على لسان أحد وزراء الصحة والسكان فى مصر ) سفك الدم العربى بسلاح عربى 0 التخلى عن نساء المسلمين والسكوت على تلقيحهن بنطف الكلاب ودفن رجالهم أحياء 0 السكوت على التمثيل بالرسول الكريم " صلعم" 0 عقد الاتفاقات والمعاهدات مع العدو تلك الاتفاقات التى مزقت الأمة ومكنت الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية على مقدرات الوطن الكبير 0 ماذا حدث لمجانية التعليم والعلاج وأين الإسكان الشعبى 0 والسؤال : هل العصمة بأيدينا ؟ بعد أن حاولت أن أضع صورة سريعة وبقدر الإمكان واضحة لتجربة عبد الناصر فى التنمية أرجو أن يسمح لى القارئ أن أتعرض لأهم الفوارق بين التطبيق العربى للاشتراكية والماركسية فى النقاط التالية : إن اشتراكيتنا تستند فى أساسها وتطبيقاتها على القيم الروحية وتلتزم بما نادت به رسالات السماء ، وعلى سبيل المثال تأخذ اشتراكيتنا بنظام الإرث وهو ما ترفضه الماركسية0 إن اشتراكيتنا تؤمن بتذويب الفوارق بين الطبقات سلميا ولا تأخذ بالصراع والعنف ، فهى تصفى امتيازات ونفوذ الإقطاع والرأسمالية ولا تصفى الإنسان إنما تحرره من الاستغلال 0 إن اشتراكيتنا تحترم إنسانية الإنسان وتتيح له فرصة الحياة الكريمة ولا تنظر إليه كترس فى آلة وإنما ما عليها من واجبات وهى فى الوقت نفسه ترفض الأخذ بالماركسية التى تضحى بأجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة 0 إن اشتراكيتنا تؤمن بسيطرة الشعب على وسائل الإنتاج والهياكل الرئيسية له ، وفى الوقت نقسه تتيح قدرا من المشاركة لنشاط القطاع الخاص تحت الرقابة الشعبية فلا تأخذ بالتأميم فى كل جزئيات الإنتاج كما هو الحال فى النظم الشيوعية ، وتعتبر الرأسمالية الوطنية الغير مستغلة جزء أساسى من تحالف قوى الشعب العامل0 إن اشتراكيتنا تعطى القيادة ديموقراطيا لتحالف قوى الشعب العامل ( العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية غير المستغلة ) وترفض أن تقوم سلطة الدولة على دكتاتورية البروليتاريا 0 إن اشتراكيتنا فى التوزيع تقوم على مبدأ كل بقدر إنتاجه وعمله وليس بقدر حاجته وفى هذا تكريم للعمل وإثارة لحوافز الإتقان وزيادة الإنتاج بعكس الماركسية التى تطبق مبدأ لكل حسب حاجته 0 إن اشتراكيتنا لم تأخذ بتأميم ملكية الأرض وإنما آمنت بالملكية الخاصة فى قطاع الزراعة وبما لا يسمح بالاستغلال عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة بمقتضى قوانين الإصلاح الزراعى وزيادة عدد الملاك من صغار المعدمين من الفلاحين 0 ولخص جمال عبد الناصر رؤيته فى كلمات قصيرة واضحة فقال" أنها بيت سعيد لكل أسرة يقوم على عمل القادرين أو المهيئين للعمل رجالا ونساء – مجتمع الرفاهية 00مجتمع تكافوء الفرص 00 مجتمع العدالة الاجتماعية 0"لكل أسرة 0 وقال : " نحن المصريين ونحن العرب 00 نحن المسلمين والمسيحيين فى هذه المنطقة من العالم نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ونؤمن بأن لكل عامل جزاء عمله ولا تزر وازرة وزر أخرى ، ونؤمن بأن لكل فرد فى كل جماعة كيانا فى ذاته وكيانا فى أهله وكيانا فى قوميته وفى بلده ، ونؤمن بحرية العمل وحرية الكسب وحرية النفقة فيما لا يعود على المجتمع بمضرة ، ونؤمن فوق كل ذلك بأخوة الإنسانية وبالتكافل الاجتماعى وبالإيثار القائم على الاختيار لتوثيق الروابط الإنسانية 0 ونؤمن بان لكل فرد فى الدولة حقا وعليه واجبا يكافئ هذا الحق ، وان على الدولة لكل فرد فيها واجبا ولها عليه حقا يكافئ هذا الواجب ، فهى تبعات متبادلة بين الحكام والمحكومين ليس فيها قهرا ولا إذلال ولا تسلط ولا طبقات قليلة العدد من السادة وطبقة ضخمة من العبيد 00 هذا ديننا وذاك دين الشيوعية 00 فلتؤمن الشيوعية بما تشاء 00فليس يعنينا ما تؤمن به وما تكفر به ، وإنما يعنينا أن نؤكد إيماننا بديننا الذى ندين الله عليه ونترسم دستوره فيما نعمل لأنفسنا ولقومنا 0 كل ما بيننا وبين الشيوعية فى مذهب الحكم أو فى مذهب الحياة أن الشيوعية لها دين ، ونحن لنا دين ولسنا بتاركين ديننا من أجل دين الشيوعية 0" وحول الخطة الخمسية التى بدأ الإعداد لها من سنة 1957 بغرض مضاعفة الدخل القومى خلال أقصر فترة ممكنة قدر لها الخبراء عشرين سنة ولكن كان الأمل الطموح أن يتم إنجازها فى عشرة سنوات وذلك لمقابلة الزيادة السكانية الكبيرة5 ,2% فى الوقت الذى كانت الإمكانيات محدودة فى التوسع الزراعى وكان التفكير فى التوجه نحو دفع عجلة الصناعة لإحداث التوازن فى التنمية 0 وبعد أن تم إعداد الهيكل العام للخطة عرضت على مجلس الوزراء فقسمت إلى خطتين خمسيتين أولى وثانية 1960 /1965 للأولى 0 التى كان هدفها زيادة الدخل القومى بنسبة 40% مما كان عليه فى سنة الأساس وقدرت الاستثمارات اللازمة بحوالى 1576,9 مليون جنيه وبلغت الاستثمارات المنفذة مبلغ 1513 مليون جنيه أى بنسبة 5ر95% من الاستثمار المستهدف – وبمتوسط سنوى قدره 6ر302 مليون جنيه وهو يعادل 19% من الدخل القومى فى المتوسط خلال سنوات الخطة 0 ساهمت المدخرات القومية فى تمويل هذه الاستثمارات بمبلغ 6ر1095 مليون جنيه أى بنسبة 4ر72% وبمتوسط سنوى 1ر2109مليون جنيه وهو ما يساوى 2ر13% من الدخل القومى فى المتوسط 00 وساهمت القروض الأجنبية بمبلغ 417,4 مليون جنيه أى بنسبة 27,6 % 0وذلك بعدما وزعت الخطة على العالم الخارجى غربا وشرقا والعالم الثالث وكان الحجم الأكبر من الخطة مع الغرب وبدرجة أقل مع الشرق ولما كانت المشكلة الرئيسية هى عجز التمويل الداخلى فكان التأميم من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ومن أجل المستقبل وكان التأميم وسيلة ولم يكن هدفا بل كان اتجاها اقتصاديا لتنمية اقتصادية اجتماعية ووطنية مستقلة وكان يمثل خط الدفاع السياسى فى مقابل عملية منظمة مصالحها تتعارض مع مصالح الغالبية العظمى من الناس ولم يكن التأميم يعنى أبدا أفراد أو أشخاص ولكنه كما ذكرت يعنى وسيلة ولم يؤمم أى فرد 00 وكان عام 1961 هو عام بدء الثورة الاجتماعية وبدء توفير القدرة على التنمية الوطنية مع انفتاح على العالم كله بما يحول دون التبعية لأية ضغوط خارجية وبلغت الزيادة المحققة فى الدخل القومى فى نهاية الخطة 37,1 % مما كان عليه فى سنة الأساس فى مقابل الزيادة المتوقعة 40% متوسط معدل النمو السنوى 6,5 %000 ومعدل زيادة السكان خلال سنوات الخطة كان 2,8 % فى المتوسط وبنظرة سريعة على بعض الإحصائيات فى بعض المجالات الحيوية يمكن أن نتعرف على ما حققته هذه الخطة، ففى مجال الإنتاج الصناعى : زاد الإنتاج الصناعى عام 66/67 من 1077,618 مليون جنيه إلى 1169,419 مليون جنيه وفى 67/68 زاد إلى 1322,968 مليون جنيه وفى 68/69 زاد إلى 1421,987 مليون جنيه وفى مجال التصدير للصناعة : زاد من 82,238 مليون جنيه عام 1966 إلى 134,066 مليون جنيه عام 1970 نصيب الفرد من الدخل القومى : زاد نصيب الفرد من الدخل القومى ما بين الأعوام 1960/ 1965 بنسبة 28% 0 وزاد عدد العاملين مليونا ونصف المليون تقريبا فى خمسة سنوات من 6,000,600 سنة 1960 إلى 7,333,400 سنة 1966 بزيادة 22% 0 سكان المدن كانوا فى سنة 1960 يمثلون 37% من عدد المواطنين فأصبحوا يمثلون 40% عام 1966 0 |
رد: ابحاث ثورة يوليو
السد العالى : حول السد العالى 836الف فدان من رى الحياض إلى رى دائم وأضاف 850 ألف فدان جديدة للرقعة الزراعية0 وبالرغم من تزايد الهجرة من الريف إلى المدن فقد زاد الإنتاج الزراعى بنسبة 15% فى المدة من 1968 إلى 1969 فقط 0 وزاد عدد المتعلمين بنسبة 132 % عام 1966 عنهم سنة 1954 وكانت نسبة استيعاب التعليم الإلزامى 7ر69% وزاد عدد البعثات للتخصص العلمى من 238 بعثة سنة 1960 إلى 1575 بعثة سنة 1966 0 زاد الإنفاق على الخدمات من 12 مليون جنيه سنة 1960 إلى 9ر22 مليون جنيه سنة1966 أدخلت الخطة الخمسية الأولى صناعات جديدة فى مصر ، صناعات ثقيلة من أجل الوصول فى النهاية إلى تصنيع الصناعة ، كما اشتملت على صناعات خفيفة واستهلاكية كما تحقق لأول مرة فائض للتصدير من الصناعة وبعض الحاصلات الزراعية مثل الأرز0 وراعت الخطة نقطة التوسع فى الصناعات التى كانت لها قاعدة كالغزل والنسيج والسماد والأسمنت والسكر حتى نحقق حصة تصدير توجه عائداتها إلى قطاعات الصناعات الثقيلة 0 وكان جمال عبد الناصر يرى أن القطاع الخاص له دوره المهم على كل المستويات وكان يتجه إلى دعم نشاط القطاع الخاص المنتج – الأقمشة الشعبية ومتوسطة الجودة بل حتى الفاخرة وصناعة الأثاث وغيرها – كما أقيمت التعاونيات لمده بالخامات ومستلزمات الإنتاج وأقيمت لهم معارض خاصة للعرض وللتسويق 0 حرم شعب مصر فى هذه الفترة من الأبراج وناطحات السحاب والمسكن الفاخرة والسيارات الفخمة والكباريهات والأفلام الهابطة والمسرحيات الخارجة وأدوات التجميل والزينة والسجاير المستوردة واللبان التشيكليتس والشيبسى والماكدونالدز ومن السماسرة وتجار العملة وناهبو أموال الشعب من البنوك 000 وكان الدولار فى حدود سعره مقارنا بالعملة المصرية ولم يزد عن الأربعين قرشا إن لم يكن أقل 00 كما حرم الشعب من الحشيش والأفيون والهيروين 000 وحرم الشعب من فوضى المرور وعدم احترام هيبة الحكم الممثلة فى أبسط صورها بعسكرى المرور 000 وحرم الشعب من دفع الرشاوى لجميع المستويات فى جميع المصالح الحكومية بإسثناءات لا تكاد تذكر، وفردية بصفة عامة 0 النظام الاشتراكى يستتبع خطة مركزية شاملة فلابد من مركزية السلطة وأن تكون سلطة قوية وليست ضعيفة 00 سلطة تدرس 00 تخطط 00 تضع الأهداف 00 تنفذ 00 تضمن التنفيذ وفق الخطة 00 تأمر 00 تتابع 000 تراقب 00 تحاسب 00 تضع قواعد للثواب والعقاب العادل والرادع 00 تضرب المثل بالقدوة 00 القدرة على اكتشاف الأخطاء 00فى الممارسة 00 القدرة على ابتداع الحلول على المستوى الفكرى والتطبيقى 00 ممارسة التجربة والخطأ والتصحيح إلى أن نقوم على رجلينا الاثنين لنعيش جميعا حياة كريمة وليس فقط فئة قليلة منا . إن دائرة السلطة فى دستور 1964 كانت واضحة ولا لبس فيها: 1-الاتحاد الاشتراكى العربى : *المؤتمر القومى العام *اللجنة المركزية *اللجنة التنفيذية العليا 0 2- مجلس الأمة ونواب الشعب0 3- رئيس الجمهورية والوزراء 0 4- الجهاز التنفيذى كانت محصلة ما تقدم أن الخطة القومية الأولى وضعت فى ظل تصور معين للنظام الإقتصادى سرعان ما اتضحت نواحى القصور فيه ، فشهدت سنواتها المتعاقبة تغيرات جذرية فى تلك النظرة 0 ومع ذلك فإن التوفيق السريع لأوضاع أسلوب إدارة الاقتصاد الوطنى ومنشآته لهذه التغيرات حال دون تعرض الاقتصاد للاختلال ، بل لقد كانت معدلات تحقيق الأهداف من الارتفاع بما جعل تلك الفترة تشهد طفرة فى أداء الاقتصاد الوطنى كانت هى السند القوى فى اجتياز الدولة الأحداث التى توالت بعد اتضاح تصميم الثورة على الاستمرار فى طريق الاشتراكية ، وعلى المضى فى انتهاج التنمية المستقلة القائمة على الاعتماد على النفس ، ولذلك فقد شهدت سنة 1965 إعلان حرب اقتصادية فى شكل إيقاف المعونات ، وقيام ألمانيا الغربية بتحويل ما كانت تقدمه من معونة إلى إسرائيل ، وأعلن جمال عبد الناصر أن هذا لن يثنى من عزم مصر ، فسوف نستغنى عن مصنعين أو ثلاثة ونكمل الباقى 0 وكانت حتمية حرب 1967 لتقويض النظام عسكريا بعد أن عجزت الأدوات الاقتصادية عن أن تشل حركته وذلك حتى لا يثبت نجاحه ويجتاز مرحلة الانطلاق فيكون نموذجا يحتذى فى العالم الثالث مهددا مصالح الرأسمالية العالمية التى تحولت من الاستعمار بالاستيلاء أو الاستعمار المباشر ، إلى الاستعمار بالاحتواء أو الاستعمار غير المباشر الذى كانت معالمه الكاملة لم تتضح بعد ، لاسيما أنه لم يتخل عن أسلوب الاستيلاء بالقوة العسكرية عند اللزوم ن وهو ما ظل قائما حتى اليوم ، ولو أن طرق الإخراج تختلف 0 ويلاحظ أن تزايد الدور الإقتصادى الذى تقوم به الدولة أظهر الحاجة إلى تعزيز أجهزة الرقابة وتطوير أساليب عملها 0 فعندما كانت الدولة تقصر عملها على النشاط التقليدى ، كان هناك ديوان المحاسبة الذى يراقب سلامة تطبيق الإجراءات المالية ، وعدم الإخلال بالأمانة بالنسبة للمال العام للاطمئنان على توجيهه للأغراض المحددة له فى الميزانية العامة وتعتبر سلامة التصرف مرتبطة بإبراء ذمة الموظف العام فى تصرفه فيما يعهد إليه به من أموال وما يكلف به من أعمال 0 ومع تزايد نطاق نشاط الدولة ، وخضوع هذا النشاط لخطة تقوم على أهداف يتبناها المجتمع ، فإن الحاجة نشأت إلى توسيع نطاق الرقابة وتغيير فلسفتها 0 وهكذا تحول ديوان المحاسبة إلى الجهاز المركزى للمحاسبات حيث أضيفت فى سنة 1964 إلى إدارتيه الرئيسيتين اللتين كانتا تقومان بالرقابة على الإجراءات المالية لكل من الجهاز الحكومى والقطاع العام ، إدارتان مركزيتان جديدتان إحداهما لمتابعة تنفيذ الخطة وتقييم الأداء ، والأخرى للبحوث والعمليات 0 واختلفت أساليب هاتين الإدارتين عما جرى عليه العرف فى الرقابة المالية بحيث يمكن القول أنهما تحولتا من أسلوب الرقابة بالوسائل ( الإجراءات ) ، إلى الرقابة بالأهداف 0 ورغم أن الدستور كان ينص على رفع تقارير الجهاز إلى مجلس الأمة ، فإن عبد الناصر أصر على رفع التقارير إليه حتى يكون على بينة من سير العمل فى أجهزة الدولة ويطمئن على سلامة البيانات والتقارير التى تعدها الأجهزة المختلفة إذ ذهب بعضها إلى محاولة إخفاء السلبيات حتى تبدو كما لو أنها كانت ناجحة فى كل أعمالها 0 وعلى الرغم من أن جهاز التخطيط قام بإعداد مشروع للخطة الخمسية الثانية 65/66 – 69/70 (وصل إلى حد طباعة كتاب الخطة وخطاب إعلانها ليلقيه على صبرى رئيس الوزراء فى ذلك الوقت ) ، فإن العداء السافر الذى أعلنته الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية جعل من الضرورى إعادة النظر فى مسار التنمية ، وإعلان خطة مرحلية أطلق عليها " خطة الإنجاز " ركزت على إنجاز المشاريع التى كانت قد بدأت فى السنوات الأخيرة للخطة الأولى وما يتصل بها من أنشطة ، وإعادة تنظيم الاقتصاد القومى وأساليب عمله 0 وقد كلف زكريا محى الدين ، الذى قام بتطوير جهاز المحاسبات ، بهذه المهمة ، وكان من أول الخطوات التى أتخذها عقد مؤتمرين للإنتاج فى 17أكتوبر1965 وآخر للإدارة فى 26 من نفس الشهر بغرض تحرير إدارة المنشآت الاقتصادية وتطوير الجهاز الإدارى 0 وفى خطابه إلى المؤتمر الأول حذر من زيادة الاستهلاك وأكد أن مفهوم الاشتراكية يجب أن يكون واضحا 0 وأن الاشتراكية لا تعنى فقط عدالة فى التوزيع، ولكنها تعنى أيضا زيادة فى الإنتاج ، وأننا يجب أن نزيد الإنتاج أولا قبل أن نحقق التوزيع العادل أى لا استهلاك بدون إنتاج ، وإلا من أين سنحصل على المدخرات اللازمة لزيادة الإنتاج ، ومن أين نحصل على الموارد اللازمة لتسديد التزاماتنا المالية فى الخارج 0 وهكذا تحدد الحل بأنه تقييد الاستهلاك ، بينما تحدد الهدف بتصدير سلع مصنوعة ، ليس فقط من فائض مواردنا وخاماتنا بل وأيضا من خامات مستوردة ، اعتمادا على مستوى العامل المصرى وهو ما رؤى أنه يتطلب الارتفاع بمستوى الكفاية الإنتاجية لعمالنا ، وكان التوجيه الأساسى هو تحديد المسؤوليات بوضوح ، حيث يكون الوزير ، نعاونه المؤسسة العامة ن مسئولا عن تنفيذ السياسة العامة والخطة القومية ويقتصر دوره على التوجيه والإشراف والتنسيق والرقابة والتقييم ، على أن تعتمد نتائج التقييم لجنة على مستوى مجلس الوزراء 0 أما رئيس الوحدة التنفيذية فهو المسئول أولا وأخيرا عن تحقيق الأهداف الإنتاجية الموضوعة لوحدته ، وفقا لخطة يشارك فى وضعها ويقتنع بها ويعطى من السلطات ما يمكنه من القيام بمسئولياته مع تحميله نتائج تلك الخطة ، وله حرية التصرف فى مواجهة كافة مشاكل الإنتاج بسرعة وفاعلية باعتباره أقدر الجهات وأقربها إحساسا بتلك المشاكل 0 وحذر من تعريضه لأية قيود بيروقراطية مع تحميله مسئولية أى إخلال بالتعاقدات 0 وأكد الخطاب على أنه لا زال معدل الربح معيارا لكفاءة المشروع – على شرط السيطرة على جهاز الأسعار - ، ولا يمكن تحقيق الربح على حساب السوق الداخلى فقط 0 وبناء على ذلك أوصى بقيام كل مشروع بتصدير نسبة من إنتاجه لمعرفة معدل الربح والكفاية الإنتاجية ـ إذ أن حساب الصادر هو المقياس الحقيقى الذى يؤكد سلامة اقتصاديات المشروع ،وأن هذا يعتبر تأهيلا وإعدادا لصناعاتنا حتى يأتى الحين الذى ننطلق فيه بصادراتنا إلى جميع الأسواق العالمية 0 وأشار إلى أنه بعد صدور قانون التشغيل لمدة سبعة ساعات يوميا لم تفرض الحكومة أى زيادة فى العمالة على الشركات ومع ذلك فقد لوحظ أن ميلا واتجاها لزيادة مستمرة فى العمال عن حاجة المشروع 0 وقد ورد كثير من الحالات فى تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وأن تحميل المصنع أكثر من طاقته فى العمالة معناه إنتاج سلعة غالية يصعب بيعها فى الأسواق وبمرور الوقت تزداد الخسائر ويتوقف المصنع وتكون النتيجة تشريد العمال ، ومقابل هذا يكون على الحكومة توفير متطلبات زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته ورفع مستوى الدخل باعتبارها السبيل لتعزيز الديموقراطية السليمة وشملت تلك الواجبات العمل على توفير احتياجات الوحدات من المستلزمات ومتطلبات الإحلال والتجديد ودعم الصناعات الإستراتيجية ، وخلص من ذلك إلى المهام المطلوبة من أجل تحسين لاقتصاديات المشروعات : # التركيز على السلع التى لنا فيها خبرة تصديرية كبيرة ، حتى نستطيع مواجهة المنافسة العالمية # الإبقاء على عامل المنافسة المنظمة بين وحدات الإنتاج بهدف تحسين الإنتاج وتنويعه ليكون ملائما للأسواق الخارجية 0 # حسن التنظيم وخلق التقاليد السليمة لإدارة الأعمال ، بما فى ذلك العلاقات بين أقسام الوحدة والعلاقات بين الإدارة والعمال وتنظيم أعمال مجلس الإدارة 0 # عدم التهاون فيما يؤثر على الإنتاج وعدم السماح بأى تراخ أو سلبية فيما يخص مصلحة الشعب 0 # الاهتمام بالحوافز ومن ثم بتقييم الأعمال تقييما سليما حتى يمكن مكافأة المجدين 0 # الدقة فى تقرير الحقائق والمعلومات والبيانات لكل المستويات 0 # العناية بالتدريب وإنشاء مراكز له وللأبحاث فى الوحدات الكبيرة 0 # الرقابة والمتابعة داخلية وخارجية حماية لأموال الشعب 0 |
رد: ابحاث ثورة يوليو
إن هذه المهام تنفى ما يكال إلى الستينات وما أتت به من اشتراكية وما قادت إليه كدستور من اتهامات وهى تظهر أن الكفاءة الاقتصادية وتوفير أسس المنافسة والتوجه نحو التصدير ليست بالاكتشافات الحديثة على نحو ما يصوّره أصحاب ما يسمى بالنداء الجديد فالشعار المرفوع كان :" الكفاية والعدل " حيث تسبق الكفاية 0 والكفاية تؤخذ أحيانا بمعنى الكم ، حتى يتم إنتاج ما يكفى ، وتؤخذ أيضا فى الوقت نفسه بمعنى الكيف ، أى كفاءة الأداء ، وهو ما أعطى للكفاية الإنتاجية موقعا متميزا 0 وطالما أنه قد ثبت عدم القدرة على الاعتماد على رأس المال الأجنبى ، فى شكل قروض أو مشاركات ، فإن المصدر الرئيسى لتوفير العملات الأجنبية كان هو الصادرات المصرية ، بدءا بقناة السويس كما أن المصدر الأساسى للمعرفة الفنية هو القدرات الذاتية والتعامل المتكافئ مع العالم الخارجى، وهى المهمة التى تولاها القطاع العام ، وكان عليه أن يثبت جدارته فيها 0 إذا كان هذا هو تفكير عبد الناصر فى أعقاب صدور القوانين الاشتراكية ( 1961 ـ 1964 ) وإقرار ميثاق العمل الوطنى فى مايو1962 فإن هذا يشير إلى أنه عندما قامت الدولة بتأميم القطاع الخاص وأصبحت مسئولة عن إدارته ، أتضح مدى ضعف ذلك القطاع وعجزه عن التنافس العالمى ، إذ نشأ فى ظل حماية جمركية مرتفعة ، معتمدا على السوق المحلية فى المقام الأول ،على الجانب الآخر فإن ما اتسم به الجهاز الإدارى من تعقيدات وميل إلى الفساد فى العهود السابقة على الثورة جعلت عملية النهوض بهذا الجهاز ضرورة حتمية ، لذلك نجد أنه بينما كانت القيادة السياسية حريصة خلال الستينات على الالتزام بقواعد الإدارة الاقتصادية السليمة ، فإن جمود الجهاز الإدارى وميله إلى توسيع سلطاته والدخول فى تفاصيل تعرقل حركة قطاع الأعمال ، حالت دون ترجمة الفكر السياسى إلى واقع عملى 0 وقد طالب خطاب رئيس الوزراء إلى مؤتمر الإدارة بتغيير المفاهيم الاجتماعية ، وهز الجهاز الحكومى والعمل على تجنب تخلف خطة الإصلاح الإدارى عن خطة الإصلاح الإقتصادى والكفاية الإنتاجية حرصا على إنجاح التنمية الاقتصادية ، فإذا كان هذا هو واقع الجهاز الإدارى فى ظل قيادة سياسية حكيمة ، فإن التساؤل يثور حول مغزى تسلط هذا الجهاز على هيكل الإنتاج من خلال ما يسمى مسئولية الحكومة عن تسيير القطاع العام 0 واقع الأمر أن ملكية الشعب لهذا القطاع لا تعنى أنه يتحول تلقائيا إلى ملكية الحكومة كجهاز إدارى ، غير منتخب من الشعب ، حتى ولو كانت القيادة السياسية ذاتها ممثلة للشعب ، فأمام هذه القيادة كل من الجهاز الإدارى والقطاع العام مسؤولان عن تحقيق الخطة التى تتم بموافقة الشعب ، والتى تقوم الأجهزة الشعبية برقابتها ومتابعة تنفيذها 0 ولا يجوز تطبيع أجهزة القطاع من مؤسسات وشركات للجهاز الإدارى بدعوى أن الأخير هو النائب عن الشعب فى الملكية 0 ولقد اتضحت خطورة هذا الافتراض عندما تولت الأمور حكومات منبتة الصلة بالشعب ، فاعتبرت القطاع العام ملكا لها تتصرف فيه كيف شاءت 0 وأدى تسلط الجهاز الإدارى على الإدارة من ناحية ، وعلى الملكية بواسطة موظفين كل همهم الحصول على مكافآت حضور الجمعيات العمومية من جهة أخرى ، على استلاب قدرة القطاع العام على اتخاذ القرارات السليمة ، ومن ثم اتهامه بأنه فاسد بطبيعته ، وأنه عاجز عن تحقيق المبرر الأساسى لإقامته وهو التنمية 0 ولم يكن إيقاف العمل بالخطة الخمسية الثانية يعنى إنهاء الأخذ بمنهج التخطيط ، فقد ظل التخطيط السنوى مستمرا معتمدا على إطار خطة السنوات العشر الذى جاء مقدمة الخطة الخمسية الأولى 0 ثم جاءت النكسة سنة 67 فغيرت الأوضاع الداخلية والخارجية ، وفى بيان 30مارس 1968 قال جمال عبد الناصر " قبل الآن لم يكن فى مقدورنا أن ننظر إلى أبعد من مواقع أقدامنا فقد كنا بعد النكسة مباشرة على حافة جرف معرض للانهيار فى أى وقت ، ولم يكن من الممكن فى تلك الظروف وضع خطط طويلة الأجل ، وكان من الضرورى حشد قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية وراء أهداف نضالنا القريبة والبعيدة ، أى وراء واجب المعركة ووراء إتمام بناء المجتمع الاشتراكى الذى حققنا منه كثيرا ، وينبغى أن نحقق منه أكثر 0 وإذا كان الاستعداد للمعركة قد حظى بالأولوية الأولى ، فإنه اقترن بإعادة بناء القوات الاتحاد الاشتراكى على الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة 0 ثم تأتى المهمة الثانية وهى " تدعيم عملية بناء الدولة الحديثة فى مصر " 0 والدولة الحديثة لا تقوم بعد الديموقراطية إلا استنادا على العلم والتكنولوجيا ، ولذلك فإنه من المحتم إنشاء المجالس المتخصصة على المستوى القومى ، سياسيا وفنيا لكى تساعد على الحكم ، وإلى جانب مجلس الدفاع القومى فإنه لابد من مجلس اقتصادى قومى يضم شعبا للصناعة والزراعة والمال والعلوم والتكنولوجيا ، ولابد من مجلس اجتماعى قومى يضم شعبا للتعليم والصحة وغيرها مما يتصل بالخدمات العامة المختلفة ، ولابد من مجلس ثقافى قومى يضم شعبا للفنون والآداب والإعلام 0 وأن رئيس الجمهورية يباشر مسئولية الحكم بواسطة الوزراء وبواسطة المجالس المتخصصة التى تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية بما يحقق إدارة الحكومة عن طريق التخصص واللامركزية 0 أما المهمة الثالثة فكانت إعطاء التنمية الشاملة دفعة أكبر فى الصناعة والزراعة لتحقيق رفع مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة ، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وعلمية " واهتم عبد الناصر أيضا " بتوجيه جهد مركز نحو عمليات البحث عن البترول لما أكدته الشواهد العملية من احتمالات بترولية واسعة فى مصر ، ولما يستطيع البترول أن يعطيه لجهد التنمية الشاملة من إمكانيات ضخمة ـ وقد صحت توقعاته فيما بعد ، غير أن عملية الردة والانقلاب على ثورة يوليو فى 13مايو1971 أهدرت هذه الإمكانيات وأحالتها إلى أداة لبناء الطبقات الطفيلية وإلى أساس للاستدانة ـ 0 ثم قال عبد الناصر " توفير الحافز الفردى تكريما لقيمة العمل من ناحية ، واحتفاظا للوطن بطاقاته البشرية القادرة وإفساح فرصة الأمل أمامها " ـ ومرة أخرى أهدرت الردة هذه الثروة القومية وهى البشر ، وتركتها تجوب الصحارى العربية لهثا وراء فرصة عمل ولو بشروط لا تصون كرامة الإنسان المصرى ـ ، ثم طالب عبد الناصر بتضمين الدستور نصا لحماية كل المكتسبات الاشتراكية وحمايتها 0 " 0 تجربة ثورة يوليو1952 اعتبرت أن التخطيط ضرورة تمليها الرغبة فى تحقيق التنمية وأنه منهج يجنب المجتمع الخسائر التى تترتب على الحركة الاعتباطية التى تنتظر وقوع الأحداث لتبدأ فى التعامل معها فيأتى التعامل متأخرا 0 والتخطيط بهذا المعنى ليس مجرد بديل للسوق كما كان الحال فى الدول الآخذة بالنظام الماركسى ، أو كما يدعى المنادون بسيادة نظام السوق 0 إن نظام السوق يستسلم للحركة الاعتباطية ، ومن ثم لتبديد الموارد وليس لتعظيم كفاءتها كما يدعى 0 وتزداد الحاجة إلى تجنب ما ينطوى عليه السوق من إهدار للموارد وإضرار بالمتعاملين فيه فكلما عظمت الفجوة بين العرض والطلب وهى الصفة الغالبة على الدول النامية فلا يعقل مثلا أن ينتظر المجتمع حتى ترتفع أسعار سلعة كالقمح أو خدمة كالسكن إلى مستويات تخرجها من متناول الغالبية العظمى ، حتى يراكم بعض المنتجين أرباحا طائلة تغرى آخرين بالدخول فى الإنتاج فيزداد العرض بعد أن يكون الكثيرون قد هلكوا جوعا 0 كذلك تزداد الحاجة إلى استباق وضع السوق إذا طالت الفترة اللازمة لإعداد المنتجات المطلوبة 0 فاستصلاح الأراضى يستغرق عدة سنوات ولا يعقل أن ينتظر المجتمع شحة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها ليبدأ التفكير فى استصلاح أراض جديدة وتدبير ما تحتاجه من مياه ومواد وأموال وبشر وما ينطبق على الموارد الطبيعية كالأرض ينطبق أيضا على الموارد البشرية التى يستغرق تعليمها وتدريبها سنوات طويلة 0 ولم يكن إعداد متخصصين فى الفيزياء النووية وليدا لحركة فى سوق التخصصات المهنية الأمريكية لكى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وبعدها دولا عديدة مجال الذرة 0 واضح إذن أن هناك ضرورة موضوعية للأخذ بالتخطيط المستبق لحركة السوق ، تزداد أهميتها كلما زاد التباعد بين طرفى السوق سواء بسبب اشتداد الخلل فيه أو لطول المدة اللازمة للتوفيق بين جانبيه وكلا الأمرين من سمات التخلف 0 فضعف الطاقة الإنتاجية يجعل من العسير حدوث استجابة سريعة لتغيرات الطلب وهو ما يدفع إلى الالتجاء إلى الاعتماد على الخارج ويفتح باب الاستدانة كما حدث فى الثمانينات فى مصر ، وعدم ملاءمة الموارد المحدودة لمتطلبات الدخول فى أنشطة متطورة يستلزم الإعداد السليم المسبق لهذه الموارد حتى تواكب التغيرات الكبيرة التى يتعين إحداثها فى البنيان الإقتصادى ، بل إن الدول المتقدمة تشعر بضرورة الأخذ بالتخطيط كلما شعرت بمدى التغيير اللازم لتطوير قدراتها ، فالولايات المتحدة الأمريكية تشعر بأهمية البعد التكنولوجى بالنسبة لمستقبل تقدمها ، ولذلك فقد أنشأت " مكتب التخطيط التكنولوجى الإستراتيجى OSTP " فى البيت الأبيض ليكون بمثابة مستشارا للرئيس الأمريكى فى هذا المجال الحيوى 0 وبسبب ما يرتبط بهذا الجانب من ضرورة إعداد البشر إعدادا مناسبا ، فقد اهتمت الإدارة الأمريكية مؤخرا بإعادة تخطيط التعليم 0 وعندما تعرضت دول الحلفاء إلى محدودبة فى الموارد بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية لجأت إلى ما يسمى ب "تخطيط الطوارئ " حتى تتوصل إلى أفضل توزيع لتلك الموارد على الأغراض المتنافسة التى لا تعبر قوى السوق عن أولوياتها الحقيقية ، ومع ذلك كان هذا التوزيع يتم بتطويع قوى السوق ، سواء بتقنين الطلب ـ بالبطاقات مثلا ـ أو بتعديل السعر تفاديا للآثار التضخمية التى يمكن أن تخل بأوضاع السوق فتؤثر على الاستخدامات الأخرى ، بل إن القيادة البريطانية قامت بإنشاء ما يسمى ب "مركز تموين الشرق الأوسط " ، لإعادة توزيع الأنشطة الاقتصادية والزراعية والصناعية لتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتى لدول الشرق الأوسط نظرا لانشغال المصانع الأوروبية ووسائل النقل بمتطلبات الحرب ، وهو ما جعلها تشجع تغيير الدورة الزراعية المصرية لإنتاج مزيد من القمح بدل القطن ، وإقامة بعض الصناعات البديلة للواردات وإن لم تكن بكفاءة عالية حرصا على العودة إلى استيراد المنتجات البريطانية بعد الحرب 0 وبحكم كبر حجم التغييرات المطلوبة لتحقيق التنمية وطول الفترات التى تلزم للاستثمارات فى المشروعات الأساسية كالمرافق والخدمات والصناعات الأساسية فإنه لابد من نظرة بعيدة المدى ترسم فى ضوئها إستراتيجية تمثل الترتيب الأمثل لتتابع خطوات الحركة نحو الأهداف المرجوة 0 فالغالب على القرارات الاقتصادية أن تسعى إلى تحقيق التوازن الآنى ، أى حل ما يعتبر أنه مشاكل عاجلة ، الأمر الذى قد يؤدى إلى تفاقم مشاكل تبدو بسيطة الآن إلا أن إهمالها يمكن أن يجعلها متعذرة أو باهظة الحل مستقبلا ، من هذا القبيل ما تذهب إليه إجراءات ما يسمى بالإصلاح الإقتصادى حيث تعطى اهتماما بامتصاص فائض الطلب ، سعيا إلى تخفيف حدة التضخم وتقليص الطلب المتسارع على بعض المستلزمات النادرة ، وفى مقدمتها العملات الأجنبية، كما أنها توجه المستثمرين إلى شراء ما هو قائم من استثمارات تحت دعوى الخصخصة بدلا من الدخول فى استثمارات جديدة تزيد من الطاقات الإنتاجية ولكنها تزيد من حجم الطلب المحلى والخارجى 0 ولو أن الأمر نظر إليه من منظور إستراتيجية بعيدة المدى لاتضح أن الشعب المصرى سوف يدفع عن قريب الثمن باهظا لكل يوم تتأخر فيه الاستثمارات وتتعطل فيه التنمية 0 إن النظرة الإستراتيجية تجيب على السؤال المحورى الآتى : هل الأفضل أن نعمل على تكميش الطلب الحالى ولو أدى ذلك لتقليص معدلات الاستثمار ، لاسيما الاستثمار العام ، ومن ثم معدلات التنمية المستقبلة ، أم أن نبدأ بالتوسع فى الطلب الاستثمارى ، ولكن مع الحد من الطلب الاستهلاكى ، بحيث يكون طريق التصحيح هو زيادة الإنتاج أكثر منه تخفيض الطلب ؟ إذا وضعت الإستراتيجية فيصبح من المهم الالتزام بها فترة كافية حتى لا نواجه بعمليات تخبط تترتب على التغيير المستمر فى الأولويات دون ترك الخطوات المتعاقبة تؤتى الثمار المرجوة منها ن وبالتالى فإن القرارات اليومية التى تتخذ للآجال القصيرة والمتوسطة يجب أن تسند إلى النظرة الإستراتيجية ، وإلا جاءت من قبيل إطفاء الحرائق 0 فلم يكن خافيا على أحد أن البنية الأساسية المصرية والمعدات الإنتاجية القائمة بعد حرب أكتوبر 1973 بحاجة إلى إعادة بناء شاملة ، غير أن فتح الباب أمام رأس المال الأجنبى لم يكن هو الحل ، لأن هذا لا يأتى إلا فى ظل بنية سليمة تتحقق له من خلالها الأرباح المجزية 0 وكان التأخر فى إعادة بناء تلك البنية الأساسية وفى إعادة تأهيل القطاع العام سببا فى تعثر الإنتاج وارتفاع تكاليفه نتيجة التضخم المستمر ، ولو أن عمليات المتابعة كانت تتم بصورة سليمة لأمكن التنبيه إلى تلك المشاكل فى وقت مبكر ، واستغلال الموارد الاستثنائية التى توفرت خلال السبعينات فى تقويم البنيان الإقتصادى فى وقت مناسب 0 إن حدوتة رأس المال الأجنبى على مدى الخمسين سنة الماضية مع ثورة يوليو تؤكد وتثبت أن التنمية لا تتم إلا بالاعتماد على النفس ، وهو ما يفترض توجها مستقلا يرفض التبعية للرأسمالية العالمية 0 ويتعرض هذا المبدأ للتشويه حيث يصور على أنه سعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى ، وهو أمر يتعذر على أكبر الدول وأكثرها تقدما تحقيقه ، وحتى لو أمكن بلوغ نسبة عالية منه ، فالأغلب أن يتم ذلك بتكلفة باهظة نظرا للاضطرار للدخول فى جميع المجالات دون ضمان القدرة على إتقانها جميعا 0 ويعنى الاعتماد على النفس أن يسعى الاقتصاد إلى تعظيم قدرته الادخارية ، وإلى تعبئة مدخراته وحسن توجيهها إلى ما يتمتع فيه بميزة نسبية، ويكون دور رأس المال الأجنبى مكملا وليس هو الأساس شريطة أن يأتى بالشروط وفى المجالات التى تهم الاقتصاد ولكنها تتصف بارتفاع تكلفة بناء الخبرة الذاتية فيها ولا يعنى نقص الخبرة المحلية تبرير الاعتماد على الخبرة الأجنبية فى جميع المجالات بدعوى أنها أكثر تقدما بحكم السبق ، لذلك لابد من انتخاب بعض الأنشطة التى يمكن اكتساب تفوق نسبى فيها والعمل على تبادل هذه الخبرة ومنتجاتها مع الخبرات الأجنبية ومنتجاتها على أساس التعامل المتكافئ مع استمرار التوسع فى مجالات التميز المحلية 0 لقد مكنتنا ظروفنا الطبيعية قديما من التميز بزراعة القطن طويل التيلة وتصديره والحصول مقابل عائد التصدير على احتياجاتنا من المنتجات الأخرى 0 ولكن استمرار التفوق فى القطن كان يتطلب بحوثا مستمرة فنشأ مركز بحوث القطن وتخصص باحثون مصريون فى البحث واستنباط أنواع جديدة من السلالات ، غير أن الوقوف عند القطن ومن بعده عدد محدود من الأنشطة تغلب عليه المزايا الطبيعية ، مثل قناة السويس والبترول ، جعل أى توسع فى القاعدة الاقتصادية لا يتم إلا بالاعتماد على الخارج ، فتراجعت القدرة على الاعتماد على النفس وهو ما أفرز التبعية والاستدانة 0 وعندما أعلن عبد الناصر أننا يجب أن تكون لدينا القدرة على إنتاج أى شىء من الإبرة إلى الصاروخ ، لم يكن يقصد أن يقوم الاقتصاد المصرى بإنتاج كل شىء بنفسه ، بل كان يريد كسر طوق التبعية الذى يفرض علينا بقاء المجالات التى نقنع بها محصورة فى المنتجات الزراعية والقطاعات الأولية التى توفر فيها الطبيعة مزايا نسبية لا يضيف إليها البشر شيئا فكان مفروض علينا أن نظل رهينة النشاطات الأولية التى كرست تبعيتها للاقتصاد الرأسمالى وألا تدخل المجالات التى يعظم فيها دور المعرفة البشرية وكان هذه المعرفة أعظم من أن يستوعبها البشر فى الدول المتخلفة 0 لقد دخلت مصر الثورة صناعة الأدوية مع استمرار إعطاء تراخيص لبعض الشركات الأجنبية ذات السمعة الطيبة وكان الدخول فى هذه الصناعة يعنى تطوير البحوث العلمية بما يهدد مصالح الشركات الدولية الاحتكارية فكانت النصيحة التى قدمها السفير الأمريكى للسادات أن يوقف تلك البحوث وأن يكتفى بالتراخيص التى تمتص بها تلك الشركات دماء المرضى المصريين ودخولهم المحدودة 0 ولم تكن القضية هى الاكتفاء الذاتى والاستعاضة عن الواردات ، بل هى المرحلة الأولى من التصنيع التى تقوم فيها الصناعة بتثبيت أقدامها فى السوق المحلية تمهيدا للانطلاق إلى الأسواق العالمية 0 يساعد على هذا الانطلاق أن تكون الدولة على صلة وثيقة بمجموعة من الدول المجاورة المقاربة لها فى أوضاعها الاقتصادية يقوم كل منها بالتخصص فى عدد محدود من المجالات ثم يجرى التبادل فيما بينهما على نحو يفتح أمام كل منهما سوقا رحيبة هى سوق التجميع الإقليمى 0 ويتيح هذا التوسع فى المجالات التى يجرى التخصص فيها نتيجة لتوزيع التخصصات فيما بينها أو ما يطلق عليه " تقسيم العمل الدولى " ، ولذلك فقد بات من المسلمات بين اقتصاديى الدول النامية أن التنمية المستقلة تتم باعتماد جماعى على النفس 0 ولقد أزعج هذا الاتجاه الذى ساد بين الدول النامية فى الستينات الدول الرأسمالية ، فبدأ الحديث عن الاعتماد المتبادل ، وخرجت الرأسمالية من الستينات مصابة بأزمات مستعصية أفضت إلى ركود وتضخم وبطالة ، لم تجد بعد سبيلا إلى التخلص منها ومن ثم تأتى الحملة المسعورة التى تريد القضاء على التنمية المستقلة وذلك بالدعوة إلى: الخصخصة التى تفتح الباب أمام تغلغل رأس المال الأجنبى ـ الخاص ـ 0 التصدير بدلا من التوجه إلى السوق المحلى ، وهو ما يزيد من الاعتماد على الاستيراد فى تلبية الحاجات الضرورية ، إنتاجية كانت أم استهلاكية بما فى ذلك الغذاء الضرورى 0 ومن ثم الاعتماد على التكنولوجيا الغربية لأنها القادرة على فتح الأسواق 0 فالتخلف لا يسمح للدول النامية بالتفوق إلا فى بعض الموارد الأولية وهذه ، كالبترول ، أصبحت تحت سيطرة الدول الصناعية إن لم يكن بالقدرة الاقتصادية فبالقوة العسكرية ، كما حدث ويحدث فى منطقة الخليج العربى 0 ولا ينتظر لدولة تعجز عن التعامل مع المواد الأولية المتوفرة لديها أن تحقق تقدما فى سلع متطورة تكنولوجيا إلا من خلال تبعية للرأسمالية العالمية ، ويكون مصدر الميزة النسبية هو رخص اليد العاملة وهو فى حقيقته تطبيق مطور لمبدأ استغلال البشر لأن الرخص معناه أن يحصل العمال فى الدول المتقدمة على أجر أعلى من نظيره فى الدول المتخلفة ومن ثم يشترى بجهد ساعة من عمله جهد ساعات من البشر الذين أوقعهم حظهم فى حدود دولة متخلفة0 والغريب هو الإصرار على هذا الأسلوب الذى يضعف قدرة الدول النامية على توفير أسواق مناسبة فى الدول الصناعية مما يزيد من معدلات البطالة ، ومن سعى عمال هذه الأخيرة للتخلص من اليد العاملة الرخيصة لديها مما يقوى النزعات العنصرية اليمينية التى تجتاح الدول الصناعية – انضمت إليها إسرائيل مؤخرا بالتخلص من العمال العرب 0 إن الاعتبارات السابقة تؤكد على عدد من القواعد العامة التى يجب أن تلحظها عملية التنمية : أن التنمية تبدأ بالتوسع فى عدد من الأنشطة ذات المردود الكبير على قطاعات أخرى لتحدث آثارا مضاعفة ، أى تقود التنمية 0 وقد شهد العقدان الأخيران اعتمادا على قطاعات تضيف إلى قدرات الاقتصاد المالية ولكنها لا تستطيع تنشيط قدراته الإنتاجية على سبيل المثال قناة السويس والبترول وهجرة العمال ، فلابد من العودة لبناء القاعدة الإنتاجية المتنامية 0 وحتى يؤدى توسع بعض الأنشطة إلى آثار مضاعفة على الاقتصاد القومى ، لابد من تحقيق قدر معين من تكامل حلقات الإنتاج الداخلية 0 لقد أظهرت الإجراءات المسماة بالتصحيحية أن ارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة هبوط سعر الصرف أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج ومن ثم إلى تعثره أى أن ما تمت إضافته لطاقات الإنتاج كان بالتكامل مع العالم الخارجى ، وهو ما أضعف من قدرة الاقتصاد على الاعتماد على النفس 0 لم تعد القطاعات الأولية وفى مقدمتها الزراعة تتصف بالبدائية التى سادت فى الماضى ، بل أصبح التقدم الزراعى رهنا بالتقدم الصناعى والتطور التكنولوجى ، إن النهوض بالزراعة ليس بديلا للصناعة والعكس صحيح 0 وما تحتاج إليه التنمية هو النهوض بأساليب الإنتاج المتطورة على نحو يفيد القطاعات المختلفة ، سواء بتزويد القطاعات بعضها البعض باحتياجاتها ، أو بالاستفادة من التطوير التكنولوجى فى أحد القطاعات للتطبيق فى غيره 0 يدور الحوار غالبا حول " ماذا ننتج " سواء كبديل للواردات أو كمنتج للتصدير أو لتلبية الحاجات المحلية الضرورية 0 وقد اتضح أن التسابق فى الأسواق العالمية وإن تم فى طبيعة المنتجات ( ماذا ) إلا أن الكسب فيه يتوقف على نوعية المنتجات ، أى على " كيف ننتج " ، وهو ما يفرض التميز المستمر القائم على البحث العلمى وعلى تطوير جودة المنتج0 وسواء تم الإنتاج للسوق المحلية مباشرة أو من خلال التصدير للحصول على العملات اللازمة للاستيراد ، فإن المحصلة النهائية يجب أن تعنى بتوفير الحاجات الأساسية للبشر ، بما فى ذلك الخدمات اللازمة للنهوض بإنتاجيتهم ، وتعزيز القدرة على الاعتماد على النفس 0 والمشكلة التى يمكن أن تترتب على الأرباح التى تتراكم فى القطاعات سريعة النمو ، أو على النمو المعوج الذى يسمح بنشأة الاحتكارات المحلية ، هى سوء توزيع الدخل ، وهو ما يؤدى إلى خلل فى هيكل الطلب يسىء توجيه الموارد 0 وما نشهده من تبذير فى الموارد يجعل فئات تثرى من الأنشطة غير السوية وتنفق على سلع لا تتناسب مع متطلبات التنمية ، يعنى حرمان الاقتصاد من موارد كان يمكن أن تسهم فى حل مشكلة البطالة المتفاقمة ، ولنذكر دائما أن ظاهرة التخلف على المستوى العالمى تتسبب فى وتترافق مع سوء توزيع الدخل على المستوى العالمى 0 الأبعاد القطاعية للتنمية : أولا – الزراعة : تشغل الزراعة موقعا خاصا من عدة نواحى : فقد كانت الزراعة ولا تزال قطاعا اقتصاديا رئيسيا ، سواء من حيث الدخل أو التصدير أو فرص العمل أو تزويد القطاعات الأخرى بمستلزماتها 0 وتؤدى ندرة الموارد مثل الأرض الصالحة للزراعة والمياه ورأس المال والتكنولوجيا المتطورة على التأثير فى أنماط الاستثمارات حيث يسود تفضيل للاستثمار العقارى وإلى استغلال لقوى خارجية لاسيما إسرائيل الحاجة إلى تنمية هذه الموارد لتفرض تنظيما اقتصاديا داخليا وهيكلا للعلاقات الخارجية بعيدا عن الصالح القومى 0 هى ترتبط بالحاجات الأساسية ارتباطا وثيقا ، كما أنها من عناصر الأمن الرئيسية ، ويكفى إدراك أثر الانكشاف الغذائى على استقلال القرار 0 وبحكم توطنها فى الريف ، فإنها تعتبر قطاعا اقتصاديا اجتماعيا تتحدد من خلال التعامل معه العلاقات بين الحضر والريف 0 وبسبب العلاقة الوثيقة بين الملكية والقوة الاقتصادية ومن ثم السياسية فإن تطوير الزراعة وتنظيم الملكية وأساليب الإنتاج والتمويل ، تؤثر بشكل أساسى فى التنظيم المجتمعى ، وفى العلاقات الاجتماعية والسياسية 0 وخلال محاولة إقامة السوق العربية المشتركة وتعزيز العمل العربى المشترك لعبت الزراعة دورا بارزا ومتقدما 0 وتجرى حاليا محاولة اختراق السوق العربية اعتمادا على تداخل الموارد المائية المحدودة والحاجة لتطوير أساليب الإنتاج الزراعى 0 وكان الإصلاح الزراعى من أول القرارات التى اتخذتها ثورة يوليو52 سعيا إلى تصحيح الأوضاع الاجتماعية والسياسية 0 ويبين الجدول التالى تطور توزيع الملكية الزراعية فى سنتى 1900و1952 وهو يبين مدى ثبات فئات الملكية الكبيرة ، وميل الملكية الصغيرة إلى التضاؤل من حوالى 5ر1 فدان إلى 8ر0 فدان نتيجة ارتفاع عدد الملاك فى الفئة أقل من 5 فدادين إلى أكثر من ثلاثة أمثال عددهم فى سنة 1900 فئات المساحة بالفدان عدد الملاك المساحة المملوكة بالفدان متوسط الملكية النسب المئوية ملاك المساحة أقل من خمسة 337ر761 411ر113ر1 45ر1 4ر83 8ر21 5 إلى 10 171ر80 195ر560 98ر6 8ر8 0ر11 10 إلى 50 967ر60 873ر196ر1 63ر19 6ر6 4ر23 أكثر من 50 839ر11 573ر243ر2 92ر187 2ر1 8ر43 المجموع 314ر914 052ر114ر5 59ر5 100 100 أقل من5 878ر641ر2 864ر121ر2 80ر0 3ر94 5ر35 5 إلى 10 259ر79 704ر525 63ر6 8ر2 8ر8 10 إلى 50 115ر69 433ر281ر1 54ر18 5ر2 5ر21 أكثر من 50 348ر11 270ر043ر2 05ر180 4ر0 2ر34 المجموع 600ر801ر2 271ر972ر5 13ر2 100 100 وقد كانت السياسات المتبعة قبل الثورة تحرص على تماسك فئات الملكية الكبيرة 0 ففى الفترة ما بين 1935 و1950 باعت مصلحة الأملاك الأميرية 200 ألف فدان كان المفروض أن ينالها صغار الملاك ، غير أنهم لم يحصلوا منها على أكثر من 7ر1% وحصل خريجو المعاهد الزراعية على 6ر7% أما كبار الملاك فقد ظفروا بنصيب الأسد وهو 7ر90% ولم يكن الإصلاح الزراعى مجرد إعادة توزيع للملكية ، بل استهدف النهوض بالإنتاج الزراعى ولذلك فقد عالج أمورا عدة فى آن واحد *تنظيم تحديد الملكية الزراعية ونزع ملكية بعض الأراضى لتوزيعها على صغار الفلاحين 0 * النهوض بالحركة التعاونية وتنظيم التعاونيات الزراعية 0 *تجميع الاستغلال الزراعى والحد من تجزئة الأرض الزراعية 0 *تنظيم العلاقة بين مستأجرى الأرض الزراعية 0 * صيانة حقوق العمال الزراعيين 0 ويحضرنى هنا فى هذا المجال ما قاله عبد الناصر فى حديث له يوم 26/7/1961 : " لقد كان محتما أن يقوم نفس الترابط الحيوى بين الناحية الاقتصادية والناحية الاجتماعية فى مجال التطوير الزراعى ، على أساس الخطة الشاملة 0 ولقد كانت دواعى الاقتصاد البحت تقتضى أن تبيع الحكومة على الفور كل الأراضى الجديدة المستصلحة لمن يدفع ثمنها حتى تسترد الحكومة ما تكلفته فى سبيل إصلاحها ولكن ذلك وإن كان يبدو منطقيا من الناحية الاقتصادية فإنه يفقد الخطة أساسها الاجتماعى ، ذلك أن عرض الأراضى الجديدة للبيع معناه أن يتقدم للشراء غير القادرين على دفع الثمن ولسوف يكون القادر على شراء الأراضى الجديدة هو الذى يملك بالفعل من الأرض القديمة ولم يكن ذلك منطق العدل كان منطق العدل أن تكون الملكية الجديدة لهؤلاء الذين حرموا العمر كله أن يتملكوا الأرض ، ذلك أنه لا يمكن أن يكون هدف الخطة تحويل الملاك الحاليين إلى إقطاعيين ، وإنما هدف الخطة ـ وكذلك ينبغى أن يكون ـ هو تحويل الأجراء الحاليين إلى ملاك 0 تحويل الأرض الجديدة إلى قوة منتجة لم يكن ليتحقق إلا على أساس التعاون ، ذلك أن الأجير الذى يبدأ حياته الجديدة كمالك فى حاجة إلى رأس المال يوظفه فى أرضه ، إنه فى حاجة إلى سماد 00 إلى بذور 00إلى آلات ، لابد أن تتوفر له دون أن يعتمد على جشع المرابين المستغلين ، كذلك هو فى حاجة بعد المحصول إلى تسويق اقتصادى لا تدفعه إليه حاجة عاجلة للمال أو ضغط تفرضه عليه تيارات السوق المتضاربة 0 لقد قالوا فى الماضى إن أى إجراء يعنى توزيع الفقر ولا يعنى توزيع الغنى ، وإن التصدى للثروات الكبرى وللإقطاعيات الكبرى لا يعنى إلا توزيع الفقر ـ نفس العبارة قالها السادات بعد انقلابه على ثورة يوليو فى 13 مايو1971 ـ، ولا يمكن أن تكون الثورة موزعة للفقر ، وهذا خداع فكيف يكون هذا توزيعا للفقر ؟ مثلا إذا كنا نترك مائة فدان لصاحب الأرض ونوزع على الفلاح المعدم 5 فدادين ؟ طبعا فيه فرق كبير بين الخمسة فدادين وال100 فدان ، ولكن ما هى النتيجة اللى بتحصل لهذا ؟ الأسرة يمكن كانت معدمة وتأخذ 5 فدادين ، كانت أسرة يمكن تنام من غير عشاء ، كان يمكن أن رب الأسرة لا يستطيع أن يجد العشاء لأولاده وأصبح له خمس فدادين يؤمن يومه ويؤمن غده لأولاده 00 لم يكن يستطيع أن يعلم أولاده 00 لم يستطيع أن يعطى فرصا متكافئة لأولاده ليخرجوا من هذا المجتمع ويشعروا فعلا بالحرية والمساواة "0 وفى 7/8/1961 قال جمال عبد الناصر ما نصه : " الحل الاشتراكى لمشكلة الزراعة اعتمد على أساسين اثنين : الأساس الأول – زيادة عدد الملاك للأرض الزراعية ، وإتاحة حق ملكية الأرض لملايين الفلاحين الذين حرموا من هذا الحق ومنا طويلا وذلك بطريقتين : <!--[if !supportLists]-->1. <!--[endif]-->وضع حد أعلى لملكية الأرض الزراعية الموجودة فعلا وتوزيع ما يتبقى على الفلاحين 0 <!--[if !supportLists]-->2. <!--[endif]-->استصلاح كل ما يمكن استصلاحه من الأرض الجديدة بواسطة مشروعات الرى الضخمة 0 والأساس الثانى – تدعيم ملكية الأرض بالتعاون ، وتحويل اقتصاد الملكيات الصغيرة من اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد قوى بالتوسع المستمر فى آفاق التعاون ، ولقد أثبتت تجارب تجميع الزراعة أن هناك إمكانيات هائلة فى تطوير الزراعة "0 وقال عبد الناصر فى المؤتمر العام للقوى الشعبية يوم 9يوليو1960 : " تطوير الزراعة والصناعة على أساس اقتصادى واجتماعى سليم يقتضى بالتبعية أن تتطور التجارة نفسها على ذات الأسس الاقتصادية والاجتماعية ، وكان يتحتم علينا أن تلتزم التجارة وظيفتها الاجتماعية باعتبارها نقل السلع من مراكز الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك الاجتماعية ، وحسن التوزيع 0 إن حماية المصير الوطنى إنما يتوقف على الشعب باعتباره التيار الدائم المتدفق والخالد الذى لا ينتهى ولا يتحول "0 وقال فى الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكى يوم 25فبراير1965: " بالنسبة للأرض الجديدة حانبحث وضع الأرض الجديدة 0 المنطقة غرب الإسكندرية حاتعوز استزراع لغاية ما تقدر تدى فعلا عائد ، أربع سنوات بعد الإصلاح ، يا إما حانعمل مزارع حكومية ، يا إما حا نؤجر هذه الأرض للناس وحاتفضل الأرض حكومية ونأجر الأرض دى للناس ، إحنا عايزين دخل علشان نمشى فى خطط التنمية اللى جاية ، عايزة دخل ، والحقيقة إحنا خطتنا طموحة " . ( كان هناك تكليف من عبد الناصر لكل من د0 فؤاد مرسى ود0 إسماعيل صبرى عبد الله بعد مقابلته لهما خلال سنة 65 ، لوضع دراسة حول هذه القضية وقد قدما فعلا دراستهما وكانت محفوظة ضمن دراسات أخرى حول الموضوع ذاته فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى ) وفى المؤتمر القومى العام يوم 23يوليو1969 قال عبد الناصر : " وبالنسبة للأرض الجديدة فإن لدينا الآن سبعمائة ألف فدان ، ويجب أن نقرر رأيا فى استغلالها الدائم، واقتراحى فى هذا الصدد هو أن ننشئ شركات أو مؤسسات عامة تنقل إليها ملكية هذه الأراضى ويكون لهذه الشركات أو المؤسسات العامة مهام ثلاث تتمثل فى الاستغلال المباشر للتصدير أو التأجير وفق شروط معينة ولآجال طويلة للزراع أو البيع لصغار الملاك الجدد مع إعطاء أولويات الملكية للمقاتلين فى ميدان المعركة وأسرهم . " وما يحدث حاليا هو استعادة مجتمع النصف فى المائة بالقضاء على الإصلاح الزراعى ولو اقتضى الأمر إقحام الدين لانتزاع الأراضى وإعادتها إلى الإقطاع . كما تجرى عمليات إعادة تنظيم الزراعة على أساس رأسمالى، لتقف الرأسمالية إلى جوار الإقطاع فى توجيه الزراعة بعيدا عن أهداف المجتمع 0 وتكمل الحلقة بتغليب أدوات السوق والربح الفردى ليس فقط لإعادة هيكلة التركيب المحصولى على نحو يزيد الاعتماد على الخارج ويرفع من تكلفة الغذاء ومن ثم يؤدى إلى خفض مستوى معيشة الغالبية الفقيرة ، بل وأيضا لرفع الأعباء على صغار المزارعين بدعوى خضوع التسليف الزراعى بدوره إلى قوى السوق ، كبديل للتسليف الزراعى التعاونى غير الهادف للربح والذى بدأ فى مناطق الإصلاح الزراعى ثم انتشر ليخلص الفلاح من سطوة المرابى ، وفى الوقت نفسه تتزايد أعداد المعدمين ويتسع الفارق بين سعر المزرعة وسعر المستهلك ليذهب كأرباح لفئة الوسطاء التى يعاد إحياؤها رغم ثبوت خطرها على الاستثمارات المنتجة والتوازن السليم فى السوق0 يضاف إلى ما تقدم أن الدولة فى تنصلها من مسئولية تدبير الوظائف التى تستوعب الشباب ، بدأت تتخلص من عمليات الاستصلاح وتلقى مسئوليتها على الشبان الذين لا يملكون المعرفة الفنية أو الموارد المالية الكافية للوصول بالأرض إلى الحدية الإنتاجية فضلا عن ذلك فإن العيش فى مناطق الاستصلاح يحتاج إلى توفير احتياجات الحياة اليومية وهو ما يتطلب ربط التوسع العمرانى بالتطوير الزراعى . وهكذا فإن التنمية الزراعية تستوجب نظرة تستوعب الأبعاد الاجتماعية لحياة المزارعين إلى جانب مقومات رفع كفاءة أدائهم ، وتحقيق الترابط مع القطاعات الأخرى وسلامة حركة التجارة الخارجية ، أخذا فى الاعتبار متطلبات توزيع وإعادة توزيع الدخل ، وتوفير الأمن الغذائى الذى بلغ حدا من الخطورة يكاد يهدد الأمن القومى كله ، إلى جانب الأهداف القومية المتعلقة بالدخل والتوظيف وانتشار السكان جغرافيا بدلا من تكدسهم فى المدن 0 وإذا كانت متطلبات العدالة تقتضى أن يحصل الفلاح على دخله الإقتصادى ، الذى يعكس حيوية المحاصيل التى ينتجها سواء بالنسبة للغذاء أو للتصنيع أو للتصدير ، فإن هذا لا يعنى أن ترفع تكاليف الائتمان الزراعى والقدرة على الاستمرار فى الإنتاج بإستبقاء الأرض ومن ثم صيانتها ، ثم تركه فى مهب ريح سوق يسيطر عليها حفنة من التجار الذين يستغلون ضعف قدراته المالية لينتزعوا الأرض منه ثم يعيدوا استغلالها استغلالا رأسماليا جشعا بدعوى احترام قوى السوق . يكفى أن نشير إلى التداخل الكبير بين الأبعاد الاقتصادية والإنسانية للإنتاج الزراعى جعل الدول الرأسمالية الكبيرة تدخل فى صراع طاحن فيما بينها سببه قيام كل منها بحماية مز ارعيها من عواصف السوق ، محملة مجتمعاتها تكلفة هذه الحماية ، وليس محملين الفلاح تبعة رفاهة أهل المدن تارة وإثراء الرأسمالية الزراعية . |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ثانيا : الصناعات الإستخراجية والطاقة
الصناعات الإستخراجية هى القطاع الأولى الآخر ، إلى جانب الزراعة ، وهى تزود الاقتصاد بالمواد الخام المعدنية . غير أن التعرف على مواقع هذه الثروات والتنقيب عنها يتطلب تكنولوجيات متطورة ، كما أن استخراجها يستنفذ الموجود منها ويهدد معظمها بالنضوب 0 وعلى خلاف قطاع الزراعة فأن أساليب الاستخراج وكذلك التنقيب شديدة التعقيد ولذلك تتحكم فيها الدول الصناعية المتقدمة وهو ما جعل أول ظهور للشركات عابرة القوميات يبدأ فى هذه الصناعات ، ومن جهة أخرى فإن تركز مواقع الإنتاج يتطلب توفير وسائل نقل مناسبة إلى مواقع الاستخدام التى يمكن أن تمتد إلى خارج حدود الدولة 0 والمشاهد أن معظم الدول التى تعرضت للاستعمار كانت وفرة بعض المواد المعدنية فيها سببا فى استعمارها ، ولا تزال تعرضها للاستعمار الحديث كما تشهد بذلك حالة الدول النفطية العربية التى تستنبط الحيل إما لفرض وجود أجنبى دائم فيها ـ دول الخليج العربى ـ أو للحد من سيادتها ـ العراق وليبيا ـ ، أو فرض درجات متفاوتة من التبعية للعالم الرأسمالى عليها ـ الدول الإفريقية وأجزاء من الاتحاد السوفيتى السابق ـ ، ولذلك فإن نشاط هذا القطاع يجب أن يخضع إلى تخطيط دقيق يراعى التوازن بين الأجيال المتعاقبة ، ويمكن السيطرة على الأسعار حيث يميل المستهلكون ، أساسا الدول الصناعية ، إلى تطويعها لمصالحهم 0 ومن خلال هذا التحكم فى الأسعار ومن ثم إيرادات المصدر من منتجات هذه الصناعات ، وكذلك فى عائد المشاركة فى الاستخراج ، يجرى التحكم فى دخول لدول النامية ، بل ودفعها إلى التطاحن فيما بينها وهو ما يعانى منه الوطن العربى ، لاسيما فى البترول والفوسفات . وتعظم أهمية البترول بسبب التركز الشديد فى مواقع تواجده ، مع تعدد استخداماته وتزايدها بسبب التطورات التى يشهدها حاليا الاقتصاد العالمى 0 فالبترول والغاز يستخدمان كخام لصناعات عديدة أوجدت بدائل مصنعة وأكثر كفاءة لكثير من الخامات ، فضلا عن أنه الأساس الرئيسى للطاقة ، لاسيما فى الدول النامية التى لا تتوافر لديها بدائل مناسبة أخرى كالطاقة النووية أو ما تسعى الدول المتقدمة لتطويره كمصادر بديلة للطاقة ، كالطاقة الشمسية . وتتعرض مصر وبعض الدول العربية الأخرى مثل تونس وسوريا والبحرين وعمان إلى نضوب مواردها البترولية ، فى وقت تتزايد فيه حاجاتها إلى الطاقة لتلبية متطلبات النمو خاصة الصناعى ، ولذلك فإن تنمية هذه الصناعات تتطلب تخطيطا طويل الأجل للتحكم فى الإحتياطيات المعروفة منها والقابلة للاستخراج بشكل اقتصادى ، وتنمية القدرات الذاتية الجماعية ، أى عربيا وبالتعاون مع دول نامية أخرى صديقة ، على التنقيب والاستخراج ، وتقنين الإنتاج على نحو يوفر متطلبات القطاعات الأخرى مباشرة أو عن طريق تصديره واستخدام الحصيلة فى استيراد تلك المتطلبات ، ويحقق عدالة فى توزيع الثروات بين الأجيال المتعاقبة ، ومن ثم فإن حصيلة العائد من هذه المنتجات يجب أن تعود على المجتمع ، أى أنها يجب أنة تكون من المجالات التى تقصر على القطاع العام ، حتى ولو احتاج إلى إشراك القطاع الخاص الأجنبى الذى ظل حتى الآن محتكرا للخبرة ، ومن جهة أخرى فإن تعامل أطراف السوق سواء بائعون أو مشترون فى هذه المنتجات يشير إلى أن التحكم فى كل من العرض والطلب هو الذى يحدد السعر وليس العكس، الأمر الذى ينفى عن السعر الصفة المثالية التى تعزى إليه ، بكونه المؤشر الذى يوجه الموارد إلى أفضل الاستخدامات ولذلك تقع على المخطط مسؤولية تقدير ما يمكن اعتباره الأسعار التى تحقق التوازن الطبيعى ، وليست تلك التى تعكس القوى الاحتكارية . رابعا: قطاعات التنمية البشرية ثالثا : قطاع الصناعة : أشرنا من قبل إلى الدور المهم الذى تلعبه الصناعة فى الاقتصاديات الحديثة ، ومن ثم فى عملية التنمية من ناحية ، وفى تنامى حركة الشركات الدولية الاحتكارية وأساليب الاستعمار الحديث من ناحية أخرى0وقد كان من الطبيعى أن تتجه الدول النامية فى مستهل عهدها بالاستقلال إلى فروع تحل منتجاتها محل ما يستورد من الدول الصناعية المستعمرة ، خاصة وأنها فى حداثة عهدها بالتصنيع لا تطمع فى غزو أسواق أجنبية ، سواء كانت أسواق دول صناعية أو أسواق دول نامية تتجه إلى نفس الفروع ولا تقبل أن تحل دول نامية محل الدول الاستعمارية فى التصدير إليها . غير أن اعتماد تلك الدول على الآلات والخبرات التكنولوجية المستوردة من الدول الصناعية جعل هذه الصناعات غير قادرة على التنافس عالميا – كما حدث بالنسبة لبنك مصر فى قطاع الغزل والنسيج – ومن ثم ارتبط بقاء تلك الصناعات بالحماية الجمركية المرتفعة وباستمرار تبعيتها للصناعات المتطورة فى الخارج ، وقد دفع هذا إلى التوجه إلى أنشطة تصديرية واستطاعت بعض الدول مؤخرا أن تحقق معدلات نمو مرتفعة من خلال ارتباطها برأس المال الأجنبى الذى ساعدها على التوسع فى التصدير بحيث ساد الاعتقاد أن التصدير هو المفتاح السحرى للتقدم ، ولو صح هذا لساعد تصدير المواد الأولية على حل مشاكل النمو منذ زمن طويل ، ولما كان كما هو ثابت الطريق إلى تبعية معظم دول العالم الثالث 0 فالتصدير القائم على مستلزمات أجنبية تدخل من خلالها عابرات القوميات ، برأس المال والمعدات والمعرفة الفنية وكثير من الموارد الوسيطة المصنعة بل والتسويق ، ينتهى أمره كما انتهى فى حالة المواد الأولية إلى تبعية خارجية طالما يفتقد الروابط الداخلية التى تغذى أنشطة محلية . فالسياحة مثلا ظلت أمدا طويلا قناة تدخل من أحد طرفيها عملات أجنبية لتخرج من الطرف الآخر ، إلى أن قامت صناعات محلية تغذى النشاط السياحى بالكثير من مستلزماته . ويوضح الضرر الذى حاق مؤخرا بالاقتصاد القومى نتيجة ضرب السياحة مغزى كون النشاط التصديرى يقوم على ترابط القطاعات المحلية بالأنشطة القائدة للنمو 0 ويتضح أيضا أهمية تخطيط الأنشطة الصناعية ، لأن السوق فى مرحلة معينة لا يعكس إلا الطلب على الناتج التصديرى ، ومع محاولة توفير متطلباته يبدأ الطلب على هذه المستلزمات . ومن الأكثر جدوى أن يخطط سلفا لمراحل الإنتاج ومستلزماتها حتى ينجح التصدير فى دفع حركة التنمية الصناعية فى حلقات متعاقبة دون تعريضها إلى نزيف يسببه استيراد غالبية المستلزمات من الخارج . ولا يمضى وقت طويل حتى يتضح أن سلسلة المستلزمات لشريحة عريضة من الأنشطة تنتهى إلى طلب على منتجات الصناعات الأساسية التى تتسم بكبر الحجم وضخامة الاستثمارات وبطء العائد 0 ولذلك كان من الطبيعى أن حركة التصنيع تفرض قيام قطاع عام قوى يتولى إقامة تلك الصناعات التى لقيت اهتماما كبيرا منذ قيام مجلس الإنتاج كما سبق أن ذكرنا ، ومع محاولة دخول القطاعات المتطورة تكنولوجيا تظهر الحاجة إلى اتساع السوق ليس فقط من حيث عدد السكان بل وأيضا من حيث مستوى الدخل ، ولذلك تتأكد أهمية التكامل الإقتصادى العربى الذى لا يقف عند مجرد فتح الأسواق بل لابد فيه من تحقيق اعتماد جماعى على النفس خاصة فى توفير المعرفة التكنولوجية ورفع الكفاءة الإنتاجية حتى لا تتحول السوق إلى ستار يحجب المنتجات الأكثر كفاءة التى تنتج فى الخارج وترك الإنتاج الداخلى يعانى من ارتفاع فى تكاليفه بما يحرم دول الإقليم من موارد ضرورية للتنمية ، وهو ما أثبتته تجربة الدول الشرقية – فى الكوميكون – حيث لم يحدث اهتمام بكفاءة استخدام المواد الأولية وبالتالى تراخت جهود إدخال التكنولوجيات الحديثة التى أمكن لعلماء تلك الدول تطويرها – كقيام اليابان بتطبيق أساليب طورها الاتحاد السوفيتى فى صناعة الصلب فتفوقت عليه – ولا يجب أن ننساق إلى ما يقال من وفرة الموارد وتباين توزيعها بين الدول العربية ، فرأس المال المتاح هو تكاثر مالى وليس منتجات فى شكل آلات ومعدات ، وللحصول على هذه الأخيرة يجرى استيرادها من الدول الصناعية ، أى أنه ما لم يتطور الهيكل الإنتاجى العربى فسيظل الوطن العربى برمته معتمدا على الخارج بالنسبة لرأس المال( العينى ) والعمالة المتاحة تندر فيها الخبرات المتطورة ، فإذا انتقلت هذه الأخيرة فإنها تتسبب فى إفقار مواطنها وهو ما تتعرض له مصر فى بعض المجالات المتطورة بسبب إغراءات الأجور المرتفعة فى دول الخليج لاسيما السعودية ، وحتى يحدث اعتماد جماعى على النفس لابد من بناء قاعدة تكنولوجية عربية والنهوض بمتطلبات التنمية البشرية ، إذ أن البشر هم عماد التطور الحديث إنتاجا وإستهلاكا0 كما أنه لابد من أخذ إمكانيات ومتطلبات التعاون مع دول القارة الإفريقية فى الاعتبار لأن هذه القارة هى الامتداد الطبيعى للنطاق الإقتصادى العربى الذى يتعذر عليه أن يتوسع شمالا إلا بالشروط التى تفرضها أوروبا، أو شرقا فى مواجهة الغزوات المتتالية التى تقوم بها دول شرق وجنوب شرق آسيا ويعنى هذا أنه لابد من تخطيط على المستوى العربى ينقل التبادل العربى من حركة مال تقابل تدفقات عينية ( تجارة سلع أو انتقال عمال أو رؤوس أموال مقابل سداد نقدى لقيمة كل منهما ) إلى تشابك عضوى على نحو ما يحدث فى الاقتصاد الواحد المترابط ، وقد كان هذا هو الهدف الذى توخته إستراتيجية العمل العربى المشترك وما أوصت به من تخطيط قومى للتنمية فى مؤتمر قمة عمان فى نوفمبر 1980 فى غياب مصر وهو الهدف الذى حال دونه تسلط النزعات القطرية التى أوصلتنا إلى ما نشهده من تمزق وتردى . ومرة أخرى يجب ألا يعتبر التخطيط بديلا للسوق ، بل هو القاعدة التى يبنى عليها سلامة السوق ، وهو الأساس للسوق العربية المشتركة التى لا مناص من أن يكون التطور الصناعى هو عمادها . أصبح من المسلم به الآن أن التنمية فى جوهرها تنمية بشرية ن فهى تتم بالبشر وعائدها يعود على البشر . والتخلف الذى فرضه الاستعمار علينا هو أساسا تخلف فى البشر بالحد من قدراتهم ومن ثم تقليص العائد عليهم إلى ما دون الكفاف ، أو حتى رد غائلة المجاعة . لذلك عنيت ثورة يوليو52 بقطاعات الخدمات التى تساعد فى صحة العقل والنفس والبدن 0 ويأتى التعليم فى المقدمة ليس فقط بإتاحته مجانا بل وبالنهوض بمحتواه والوصول به إلى أرفع المستويات إذ لم تعد القضية هى مجرد محو الأمية الأبجدية ، وتطوير أساليبه حيث لم تعد الأساليب التلقينية تناسب متطلبات التقدم ، فالتلقين يعنى التأكد من أن طالب العلم استوعب ما توارثته الأجيال من معارف ، بينما التقدم فى ظل الإيقاع السريع للتطوير التكنولوجى يتطلب بناء القدرة على التخيل والابتكار والبحث فى المجهول ، ويكفى أن المولى عز وجل ذكر فى مستهل إنزال كتابه الكريم " علّم الإنسان ما لم يعلم " وهو ما يؤكد أن الوقوف عند علم السلف فيه جحود بنعمة الله على الإنسان 0 والتعليم والثقافة توأمان ، بل إن الثقافة هى الخصية الأساسية للإنسان التى ترتفع بفكره إلى التعامل المنطلق مع كل جوانب الحياة ، تهذب نفسه وترسخ فيه الفهم الصحيح لظواهر الكون وأسراره مع مفرزات الحضارة الحديثة التى اختلط فيها الغث بالثمين . وقد كانت الثقافة والنهوض بها من أهم ما انشغلت به الثورة . وخارج نطاق السوق بطبيعة الحال . وسرعان ما اتضح تعدد القضايا التى تنطوى عليها النهضة الثقافية ، ونظرا لضرورة تنقيتها من عناصر غرس مفاهيم التفاوت الطبقى وتميز النخبة أو الصفوة عن الجماهير ، والارتباط السلفى باسم التراث أو الانسلاخ التام عن الواقعين المحلى والتاريخى باسم المعاصرة ، والانعزال عن العالم بدعوى الخصوصية الوطنية ، وانحاز جمال عبد الناصر فى كل هذه القضايا إلى بناء سليم لنسق ثقافى جماهيرى يوازن بين الماضى والحاضر ، بين الداخل والخارج ، بين الشائع والمتميز ، كان يمكن لو استمر أن يصنع من الأمة العربية شعبا واحدا متماسكا ، تثريه تعددية صحية ، لا نعرات عرقية أو قبلية أو مذهبية عمياء . وكان لابد فى ذلك من مؤسسات تعززها الدولة فى غير تسلط ، وتوجهها نحو أهداف المجتمع دون فرض الوسائل التى تقتل الإبداع وتفتح مجالا لسيطرة البيروقراطية . خامسا : الخدمات الإنتاجية وبدلا من الترديد اللفظى لشعار" القضاء على الفقر والجهل والمرض " عملت ثورة يوليو52 على الحل العملى لهذه المشاكل فمضت التنمية على طريق تحمل الدولة مسئولية الرعاية الصحية وكانت العناية بالطب الوقائى موازية للسير فى الطب العلاجى مصحوبين بتطوير التعليم للمهن الطبية ولصناعة الدواء وما تحتاجه من بحوث ن بل إن الخدمات الطبية أصبحت أحد عناصر صناعة السياحة ، كما أن الخبرات التى تراكمت فيها وفى خدمات التعليم والثقافة كانت هى الرائد لنهضة الخدمات فى كثير من الدول العربية ، لاسيما فى الدول البترولية التى عنيت بإقامة دولة الرفاهية بكل ما تعنيه من خدمات رفيعة المستوى توفرها بالمجان لشعوبها ولاشك أن لإسهام خبرات مصرية وعربية أخرى فى بناء تلك الخدمات فى دول شقيقة قد خطى بالتقارب بين الشعوب العربية خطوات واسعة ، وإن كان فى الوقت نفسه قد زاد درجات الاحتكاك بما يمكن أن يفرزه من سلبيات ،ولذلك فإن التخطيط لكل هذه الخدمات يجب أن يأخذ البعد العربى فى الاعتبار ليغذيه ويستفيد منه و من جهة أخرى فغن الحصول على الخدمات يتطلب تواجد متلقيها فى موقع تقديمها وهو ما يجعل للخريطة الإقليمية وزنا هاما فى تخطيطها 0 وكانت هذه الخريطة من أول ما اهتم به مجلس الخدمات ، كما أن الوحدات المجمعة أسهمت فى حل مشكلة التوزيع الإقليمى وفى خفض تكلفة الخدمات مع ضمان ارتفاع كفاءتها وترغيب القائمين عليها فى الحياة فى الريف المصرى . وإذا كانت الرعاية الصحية ونشر الوعى الصحى بين الأمهات إلى جانب الاهتمام بالطفولة قد أسهمت فى خفض معدلات الوفيات خاصة بين الأطفال بدرجة كبيرة ، فإن هذا أدى إلى تعقيد المشكلة السكانية وفرض الاهتمام بتنظيم الأسرة ،إلا أن فاعلية هذا التنظيم تتأكد بالنهوض بالمستوى التعليمى ورفع الدخل وهو ما ينشئ الترابط الوثيق بين الأبعاد المختلفة للتنمية ويفسر إطلاق " التنمية الاقتصادية /الاجتماعية " عليها تأكيدا لذلك الترابط . وتكتمل حلقات التنمية بالاهتمام بقضايا الشباب الذين هم حملة الراية للمستقبل ، وباعتبار أنهم المستفيد الأساسى مما يجرى من تنمية الآن ، ومن ثم فهم المتضرر الأول من إيقاف التنمية ، وهو ما تشهد بخطورته حالات الانحراف التى تفشت مؤخرا فى المجتمع ، وحتى تتأكد حقيقة أن التنمية الحقيقية لا تتم إلا بالبناء السليم للمجتمع فإن العناية بالخدمات الاجتماعية تحظى بموقع متقدم ، وإذا كان هناك مجال كبير للجهد التطوعى فى هذه الأنشطة ، فإن هذا لا ينفى إخضاعها للتخطيط السليم والتوجيه الرشيد من جانب الدولة حتى تتأكد فاعلياتها وتسلم من عوامل الإهدار والتشويه والتوجه الخاطئ أو الاستغلال للسير فى طرق منحرفة دينيا و أخلاقيا وسياسيا ووطنيا وقوميا . تعتبر قطاعات البنية الإرتكازية الأساس الذى يبنى عليه صرح المجتمع والاقتصاد ، ولذا يطلق عليها أحيانا البنية الأساسية ، والمشكلة فيها أن الكثير منها لا يغل عائدا مباشرا ، ولذا لا يقبل عليه القطاع الخاص ، وما يقوم به منها يتحول إلى احتكارات تؤثر على اقتصاديات الأنشطة التى تقام عليها . كما أن إقامتها تسبق الأنشطة الإنتاجية التى تعود بدخل وتخلق منتجات تلبى احتياجات البشر ، ولذلك فإن الإنفاق عليها يتطلب تمويلا قد يصعب الحصول عليه ، كما أنه يزود المساهمين بدخول نقدية لم تتوفر بعض السلع التى تشتريها وهو ما يجعلها تتسبب فى رفع الأسعار المحلية وفى زيادة الاستيراد دون تصدير أى فى عجز ميزان المدفوعات ، ومن جهة أخرى فإن جدوى ذلك الإنفاق تتوقف على كفاءة قطاعات الإنشاء والتشييد بينما نجد أن تلك القطاعات تنتهز فرصة الرغبة فى سرعة الإنجاز لرفع أسعارها على نحو ما شهدته الخطة الخمسية الأولى ولذلك كانت السيطرة على قطاع المقاولات من الأمور الحيوية ، ولو أن هذا لم يعن تأميمه بالكامل مما سمح لمقاولى الباطن باستغلال القطاع العام نفسه مما يفرض وجود إشراف شعبى على تخطيطه وأدائه ومساهمة عمالية فى ملكيته وإدارته لضمان عدم تحول عائدات أعمال التنمية إلى أرباح تدخل فى جيوب حفنة انتهازية بأساليب مشروعة وغير مشروعة . وتزداد أهمية المرافق والبنية الإرتكازية لتحقيق توسع عمرانى كما فى المدن الجديدة التى أصبحت ضرورة حيوية . وهنا أيضا تبدو أهمية التخطيط العمرانى السابق على قيام السوق وضرورة السيطرة على اقتصاديات السوق لمنع التضخم الذى يصاحب هذه الأنشطة ، والذى يمكن أن يعصف باقتصاديات المشروعات التى تقام على أساسها . ويشغل قطاع النقل والمواصلات موقعا هاما بين هذه الخدمات باعتبار أنه الذى يصل مواطن الإنتاج بمواقع الاستخدام ، كما أنه المحدد للربط الإقتصادى بين الدول ، ولذلك شكله الاستعمار لربط الاقتصاديات المتخلفة بالمركز الاستعمارى على حساب الترابط فيما بينها ولذلك تعتبر شبكات النقل والاتصال للأفراد والسلع والمياه والكهرباء والغاز من أهم متطلبات تحقيق الترابط الداخلى والتكامل بين الدول المتجاورة ولهذا الأمر أهمية حيوية فى العالم العربى الذى اختصه الله بخمس صحارى العالم يقع جزء هام منها فى مصر ، مما يجعل من الضرورى إقرار خطة طويلة الأجل على المستويين المحلى والعربى وتحقيق تعاون فى إقامتها لاسيما وأن الدول الأقل دخلا والتى يمكن أن تسهم بمعدلات عالية للتنمية العربية لا تستطيع تحمل أعباء هذه الشبكات بمفردها . ومع قيام ما يسمى بثورة الاتصالات تزداد درجة الاعتماد على الخارج فى تنمية هذا القطاع وكذلك تزداد مخاطر الاحتواء الخارجى من خلال الغزو الثقافى والاقتصادى ، وهو ما يسمى بالمتغيرات الدولية والنظام الدولى ، وتضيف هذه الظواهر أبعادا لا تجدى فيها قواعد السوق بل إن تلك القواعد تقود إلى استلاب كامل للقدرات الوطنية وهو ما يتطلب من المخطط أدوات مناسبة للتعامل معها . وقد اتضح مما سبق أن قطاع التجارة رغم أهميته الحيوية يمكن أن يضيف إلى تكاليف التنمية ويشوه توجهاتها لاسيما فى ظل محدودية الإنتاج المحلى وتواضع الاستثمار التجارى وسهولة التخلص منه ومن مخاطره إذا جد ما يدعو لتغيير النشاط 0 ولذلك لم تلبث الثورة أن وجدت من الضرورى أن يهيمن القطاع العام على قطاع التجارة لاسيما تجارة الجملة التى تمثل مراكز التحكم فى توزيع الإنتاج أو الواردات وهو ما أوقع صغار الفلاحين فى قبضة المحتكرين وساهم فى رفع الأسعار وتوجيه النشاط نحو الاستيراد بغض النظر عن صالح الإنتاج المحلى كما أوجد مجالا للتلاعب فى حركة النقد الأجنبى . وقد أعاد الانفتاح هذه المنافذ التى وجدت فيها الفئات الطفيلية وسيلة للكسب السريع مما أعاق التنمية وأعاد تشكيل فئات المجتمع على نحو أخل بالتوازن الإقتصادى والتماسك الاجتماعى حاليا ، وتحت عنوان رفع مستوى الكفاءة الإنتاجية بفتح باب المنافسة مع المنتجات الأجنبية يتعرض الإنتاج المحلى لسيل من الواردات التى لا تخضع لرقابة تحمى المستهلك أو المنتج المصرى وتزداد خطورة هذا التوجه فى ظل تزايد النزعة للتصدير لاسيما فى الدول حديثة التصنيع ، مما يعزز الدعوة إلى تخفيض مستمر فى الأجور الحقيقية للعامل المصرى حتى يتحقق تخفيض تكلفة الإنتاج لتتم المنافسة بتدنى الأجور أكثر منه بكفاءة الإنتاج ، وعلى الجانب الآخر تتصاعد الدعوة لتخلى القطاع العام عن الدخول فى تجارة التجزئة بحجة أن حجم الوحدة التوزيعية من الصغر بحيث تتحمل عبئا ضخما بسبب طبيعة التنظيم الإدارى للقطاع العام وتتجه النية إلى إلغاء وزارة التموين ومن ثم إلغاء منافذ التوزيع وتركها للأفراد . والواقع أن تدخل الدولة يجب أن ينصب على مراقبة الأسواق والتدخل لكسر احتكار قوت الشعب والعمل على توفيره بالسعر المتناسب مع الدخل بما فى ذلك توفير الدعم وهو ما تزداد أهميته فى حالة قصور الإنتاج على أن يكون التدخل مصحوبا بإجراءات لإعادة التوازن إلى الأسواق دون استبعاد التدخل المباشر . والقطاع الآخر الذى أوضحت التجربة خطورته على التنمية هو قطاع المال الذى رأينا أن خضوعه لإدارات أجنبية جعله يعارض خطى التحرر السياسى والاقتصادى ، وهو ما انتهى به إلى إخضاعه للتأميم وعندما أعيدت البنوك الأجنبية بموجب ما يسمى بالانفتاح كانت النتيجة تسرب المدخرات إلى خارج الدولة وهو ما تتزايد احتمالاته بفعل ضغوط الأسواق المالية العالمية . وعلى الرغم من أن الانفتاح أو تفعيل قوى السوق لا يعنى التسيب بل على العكس من ذلك يفرض رقابة صارمة على عمليات الائتمان باعتبار أن الثقة هى أساس التعامل الحديث ، فإن الرغبة فى فتح فرص الإثراء السريع لتمكين الرأسمالية الطفيلية من السيطرة على الاقتصاد أدت إلى تراخى الأجهزة الرقابية وأتاحت مجالات التلاعب بالمدخرات سواء فى شكل شركات توظيف أموال أو تجار عمارات الموت أو حتى الجمعيات التعاونية التى أحالت حركة التعاون بمختلف صيغها إلى قنوات السلب والنهب ، ولا يمكن أن يصح أى إصلاح اقتصادى دون إحكام رقابة البنك المركزى على أعمال الأوعية المصرفية بل وعلى التصرفات النقدية للحكومة والقطاع العام وفقا لما تمليه القواعد الاقتصادية السليمة وما يتطلبه تحقيق الأهداف التى تحددها الخطة القومية ، وإذا اتسع نشاط القطاع الخاص بما فى ذلك نشاط المصارف الخاصة أصبحت هذه المصارف مسئولة عن توجيه الأموال إلى فروع الاستثمار والنشاط الجارى التى تتبناها الخطة وعن تطبيق معايير سلامة التصرف على الوحدات الاقتصادية التى تتعامل معها 0 ولو أن البنوك كانت على المستوى الفنى المناسب لما تعثر الكثير من وحدات القطاع الخاص التى اتضح أنها تعانى من خلل كبير فى هياكلها التمويلية ولما استطاع أفراد لا يتمتعون بجدارة ائتمانية أن يحصلوا على قروض كادت تودى ببعض البنوك ومن خلفها بأموال المودعين فيها . كذلك تشير الأحداث العديدة التى تعرض لها الاقتصاد مؤخرا إلى أهمية قطاع التـأمين . وبالتالى فإن اتساع النشاط الخاص وتزايد الاعتماد على قوى السوق تتطلب تطوير قطاع المال وتشديد الرقابة عليه وتوجيه أدواته من خلال تفاصيل تحتويها خطة التنمية التى كانت تهمل الجانب النقدى تاركة أمره إلى السلطات المشرفة على القطاع وإلى الموازنات النقدية التى تعاد صياغتها فى ضوء التطورات اليومية . |
رد: ابحاث ثورة يوليو
الجوانب التنظيمية والمؤسسية
يحتدم النقاش حاليا حول دور الدولة ، الذى يتهم توسعه بأنه السبب فى المشاكل التى يعانى منها الاقتصاد ، ويقترح فى المقابل تخلى الدولة عن الدخول فى مجالات الإنتاج والانكفاء على وظائفها التقليدية والاكتفاء بالدخول فى المجالات التى يعزف عنها القطاع الخاص 0 كذلك تعتبر السوق بديلا للتخطيط المركزى، الذى يذهب البعض إلى إلغائه كلية ، ويدعو آخرون لتحويله إلى ما يسمى بالتخطيط التأشيرى 0 وبادئ ذى بدء نؤكد على ما سبق ذكره من أن التخطيط على المستوى القومى هو بالضرورة مركزى ، غير أن هناك فرق جوهرى بين التخطيط المركزى الذى كانت تتبعه الكتلة الشرقية والذى كان ينقل الإدارة إلى المركز كبديل للقرارات على مستوى منشآت الإنتاج ( العامة ) والتخطيط المركزى التنموى الذى يهتم بالتنسيق والتطوير ويدعو إلى لا مركزية التنفيذ أى بقاء وظيفة الإدارة بيد الوحدات الإنتاجية عامة أو خاصة ، ومن ثم لم يكن التخطيط يدعو إلى تغييب السوق ، بل كان يسعى إلى تلافى ما قد تتعرض له من خلل 0 وما حدث من تدخلات فى الأسعار تم خارج نطاق التخطيط ومن أجل أهداف محددة ، وقد حدث تخلى عن أساليب التخطيط السليمة بينما فتح الاقتصاد أمام قوى السوق دون أن نأخذ بأدوات السياسة الاقتصادية التى تتعامل مع هذه القوى أى أن الذى أدى إلى انهيار الاقتصاد ليس هو كبر دور الدولة بل تراجع هذا الدور بينما ازداد حجمها وهو ما أفسح مجالا أمام ممارسات لسلطات توصف بالبيروقراطية والروتينية بينما واقع هذه الصفات أن تضع نظاما دقيقا للعمل يتبعه الموظفون العموميين يستفيد منه أصحاب المصالح وليس العكس 0 ولذلك عنيت ثورة يوليو52 بوضع نظم للعمل وإنشاء مراكز وأنشطة تدريبية بما فى ذلك التدريب على الوظائف الجديدة مثل الرقابة والتخطيط للتعرف على الأهداف وأسلوب العمل فى ظل خطة للتنمية تسعى إلى تغيير بنيان الدولة وجهازها الإنتاجى فى إطار اعتماد على النفس لا التبعية . ويحتاج الجهاز الإدارى الحالى إلى إعادة تأهيل لكى يكون قادرا على التعامل مع الأساليب الحديثة فى الإدارة والتخطيط ورسم السياسات والتوجيه المباشر وغير المباشر ، والقضاء على أسباب الانحراف . ويجب أن يكون واضحا أن الحوار القائم حول المفاضلة بين القطاع العام والقطاع الخاص هو حوار مضلل 0 فقد آمنت الثورة منذ البداية بدور هام للقطاع الخاص كما أنها عندما أقامت القطاع العام لأسباب موضوعية سبق بيانها ، عهدت إليه بقيادة التنمية لا الانفراد بها . المعيار الأساسى الذى يضع حدا لنشاط القطاع الخاص أن يتجاوزه هو معيار الاستغلال سواء للعاملين أو المستهلكين وبالتالى فإن السماح بقوى السوق لا يجب أن يتيح له الفرصة لممارسة الاحتكار والاستغلال وكما أشرنا من قبل فإن هناك قاعدتين لابد من الالتزام بهما :
وكما علّمنا عبد الناصر فإن الحل ليس فى إعلاء النزعة الفردية التى يجعل منها أنصار الليبرالية المرشد المقدس للحركة ويغذيها أنصار السلفية بدفع الفرد لضرب الدولة والمجتمع بزعم النجاة من عذاب الآخرة ، بل إن الأساس هو بناء المجتمع الذى تذوب فيه الفوارق بين الطبقات وتستقيم فيه التجمعات الشعبية التى نعبر عن المصالح الفئوية من منظور قومى تنموى ـ وتعمل على تجميع القدرات الذاتية ووضعها فى خدمة التنمية . ولعل هذا التوجه هو ما ميز الاتحاد الاشتراكى فى الماضى وما يميز التيار الناصرى الذى يعنى فى تكوينه بالتعبير عن تطلعات فئات الشعب العاملة 0 وتبدو أهمية التكوينات الشعبية بالنسبة لقيام الأجهزة المحلية من أداء دور رافد لعمل السلطة المركزية فى الامتداد بالتنمية إلى المستويات الإقليمية المختلفة ، حيث تأخذ خصوصيتها فى الاعتبار ، وتمكنها من تعبئة الإمكانيات الشعبية من أجل أداء الوظائف التنموية المختلفة سواء بالإسهام المباشر أو التخطيط أو الرقابة أو التوعية بالقضايا القومية والمحلية ، وتكتسب الجهود الشعبية أهمية خاصة للنهوض بالتكامل العربى الذى ظل حتى الآن حبيس عمل رسمى تحرص أنظمة غير شعبية على ألا يرقى للمستوى الذى يخرج شعوبها عن قبضتها ، كما حدث وقت أن كانت الجماهير العربية تستجيب للمشروع القومى . وأرجو أن أنهى كلامى حول هذه القضية بالاستشهاد بما كتبه جون بادو سفير الولايات المتحدة الأمريكية فى القاهرة خلال فترة إصدار القرارات الاشتراكية فقد ذكر فى كتابه " ذكريات الشرق الأوسط " “ The middle East Remembered” ، ما نصه : "وحينما صدرت القوانين الاشتراكية وكنت سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية فى القاهرة ، ثارت ضجة حولها فقررت تكوين فريق عمل من رجال السفارة لدراستها بدقة وانتهينا إلى أن حجم القطاع العام الجديد فى مصر أقل منه فى إسرائيل وفى الهند وفى فرنسا وفى بريطانيا بل وفى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، وانه لا يصادر القطاع الخاص أو يغلق الطريق أمامه بل على العكس سوف يحفزه ويدفعه للمنافسة فى ظل اقتصاد مختلط كما حدث فى هذه الدول . * ويقول جون بادو أن سياسة كينيدى كانت تلقى معارضة من القوى المؤيدة لإسرائيل داخل دوائر الإدارة الأمريكية ويضرب المثل على ذلك بقوله إن إيفاد المبعوث الشخصى حول موضوع صفقة الصواريخ الهوك لم يقرأ عنها شىء فى واحدة من الصحف الأمريكية . كما ظل الكثيرين من العاملين فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يتعاملون مع عبد الناصر باعتباره شيوعيا أو أداة للشيوعية ، وهكذا فإن برنامج معونة القمح لمصر والذى زاد بشكل كبير فى عهد كينيدى حتى أصبحت هى أكبر صفقة قمح أمريكية بعد صفقة الهند وجدت معارضة داخل الكونجرس والمخابرات المركزية خاصة بعد عمليات التأميم التى حدثت فى مصر فى ذلك الوقت ودعت بعض رجال الكونجرس إلى انتقاد تقديم المساعدات " للاشتراكيين والشيوعيين ـ هكذا ـ وذلك بالرغم من أن هذه الصفقة لم تكن تكلف الولايات المتحدة شيئا حيث كانت كلها مواد غذائية زائدة عن الحاجة 0 وقد أجرى بادو فى تلك الفترة دراسة دقيقة عن الاقتصاد المصرى وكانت نتيجة ما وصل إليه هو أن 18% من القوى الإنتاجية المصرية هى التى تم تأميمها ، ثم قارنت الدراسة هذه النسبة مع مثيلاتها فى بعض الدول الأخرى من حلفاء واشنطن فوجد مثلا أن القوى الإنتاجية فى إسرائيل تبلغ نحو 30% وفى الصين الوطنية نحو 25% ، ويقول السفير بادو : "على أن أفضل ما وقعت عليه أعيننا كان مثال الولايات المتحدة نفسها حيث 29% من القوى الإنتاجية تخضع للإشراف الحكومى بشكل أو بآخر " . وانتقل بعد ذلك إلى موضوع آخر أعتبره على جانب كبير من الأهمية فى مجال رؤية الرئيس جمال عبد الناصر للتنمية ألا وهو ثورة 23يوليو وبناء الصناعة المستقلة . إن الحديث عن بناء الصناعة المستقلة لا يمكن أن يتم كموضوع خاص ومنفصل دون أن نتحدث عن أهداف ثورة يوليو والأهداف التى سعت إلى تحقيقها بتفعيل إرادة التغيير للوصول إلى مجتمع الكفاية والعدل بعدما يتم القضاء على الاستعمار وسيطرة رأس المال على الحكم والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية وصولا إلى القضاء على التخلف الذى فرضه الاستعمار وإقامة جيش وطنى . وبقرار دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لإحداث التغيير المطلوب ولذلك كان القرار بإنشاء مجلس أعلى للتخطيط ثم إنشاء مجلس الإنتاج القومى ومجلس الخدمات . كان تعداد مصر فى سنة 1952 حوالى العشرين مليونا وكانت نسبة الزيادة السكانية تتم بمعدل 8ر2% سنويا وكان الاقتصاد القومى يعتمد أساسا على الزراعة وكان الإنتاج الزراعى يكفى معظم احتياجات الغذاء اللازم فى إطار أنماط استهلاك سادت تلك الفترة والتى كانت تعكس انخفاض مستوى دخل الفرد وكذلك انخفاض مستوى المعيشة للغالبية العظمى من الشعب المصرى . وكما هو معلوم كان المحصول الرئيسى هو القطن الذى يصدر منه أكثر من 80 % إلى بريطانيا بالذات والباقى يستخدم فى صناعات مبتدئة تنتج أجزاء من المنسوجات التى تستهلك محليا . وكانت المشكلة الزراعية ، وما زالت ، هى أن المساحة التى يمكن زراعتها محدودة بكميات المياه التى يوفرها نهر النيل وهى حوالى ستة ملايين فدان ، وبالتالى لم يكن هناك مجالات للتوسع عن طريق استصلاح أراض جديدة إلا فى أضيق الحدود ، نظرا لأن السد العالى لم يكن قد أقيم بعد . أما بالنسبة للصناعة فقد كان هناك عدد محدود من المصانع ، بعض مصانع للغزل والنسيج ، وبعض مصانع للسكر وعدد من معاصر الزيوت ومصنعان للأسمنت فى حلوان وطره ومصنع لسماد الفوسفات وآخر للسماد الآزوتى ، ومصانع صغيرة لإنتاج الحديد للتسليح من الخردة ثم بعض المصانع اليدوية والحرفية الصغيرة . عندما قامت ثورة يوليو كانت نسبة الإنتاج الصناعى إلى الإنتاج القومى أقل من 10% . وكانت مصر تعتمد على الاستيراد من الخارج لمعظم احتياجاتها من السلع المصنوعة . كانت مصر تستورد منتجات الألبان وزيت الطعام و القلم الذى نكتب به والورق الذى نستخدمه والسماد اللازم للزراعة والسيارات والدراجات والموتوسيكلات والبطاريات والإطارات والأفران والثلاجات ـ ولم يكن هناك ثلاجات كهربائية بل صندوق من الخشب يوضع به ألواح من الثلج وكان طول لوح الثلج حوالى متر يقسم إلى قطع ويوضع على مواسير متعرجة من الزنك تسمى " السرابانتينة " وهكذا كان يتم التبريد ـ أجهزة الراديو وحتى المنسوجات سواء كانت قطنية أو صوفية وغيرها ، كل هذا يستورد من الخارج . وإذا كانت ثورة يوليو قد نجحت فى إنتاج معظم هذه السلع فإن هذا كان يبدو بعيدا عن قدراتنا ، بل قد يكون مستحيلا ، وهى صورة حرص الاستعمار ، وما زال ، على تثبيتها فى أذهان وتصور كل الدول النامية لكن كانت مصر من أولى الدول النامية التى نجحت فى إقامة صناعة متقدمة . هذا هو باختصار صورة الوضع الاقتصادى الذى كانت تعيشه مصر حتى سنة 1952 وانعكس هذا بالطبع على مستوى المعيشة للغالبية العظمى من الشعب برغم أنه عدد السكان كان محدود نسبيا ، لكن نظرا لعدم وجود تنمية حقيقية فقد كانت فرص العمل محدودة للغاية وكان متوسط الأجور فى الصناعة لا يزيد عن قروش معدودة ، ولم تكن هناك قوانين تحمى العامل أو تؤمنه بل أن الكثيرين من خريجى الجامعة كانوا لا يجدون وظيفة إلا بصعوبة وبمرتب حوالى العشرة جنيهات شهريا ـ لقد تقاضيت أنا شخصيا أول مرتب لى عندما تخرجت من الكلية الحربية كملازم ثان فى شهر فبراير 1949عشرة جنيهات وعشرة قروش وسبعة مليمات ـ ويمكن على ضوء هذا تصور مستوى المعيشة للغالبية العظمى للشعب فى هذه الظروف . وكانت ثورة يوليو فقرارها بإحداث التغيير الشامل للمجتمع وكان الطريق الوحيد هو التنمية الشاملة ودفع عجلة الإنتاج لأقصى ما تسمح به الإمكانيات المتاحة . ولذلك كان التركيز منذ البداية فى خطط التنمية التى وضعتها الثورة لى الزراعة والصناعة . أما الزراعة فإنها تعتمد اعتمادا يكاد يكون كليا على ما نحصل عليه من مياه النيل ، وهو ما يكفى لزراعة حوالى ستة ملايين من الأفدنة ، ومع ذلك فقد كانت هناك باستمرار تكليفات بدراسات فنية وعلمية فى محاولة من الثورة لزيادة الإنتاج الزراعى بزيادة الرقعة المزروعة عن طريق توفير كميات إضافية من المياه عن طريق بناء السد العالى وهو ما سمح باستصلاح مليون فدان جديدة وفى نفس الوقت محولات لزيادة الإنتاج بزيادة إنتاجية الفدان أى بزيادة رأسية وذلك عن طريق رفع إنتاجية الأرض بوسائل مختلفة مثل تحسين الصرف وبالبذور المحسنة والتسميد وزيادة كفاءة المقاومة للآفات الزراعية . ونظرا للزيادة المضطردة للسكان ولصعوبة التوسع فى مجال الزراعة لأكثر مما وصلنا إليه أصبح أمام صانع القرار وضع يحتم عليه اتخاذ قرارات فى مجالات أخرى لتحقيق أهداف الثورة من أجل رفع مستوى المعيشة فى مصر وعلى ضوء هذه الاعتبارات كان الاتجاه نحو التصنيع الوطنى باعتباره الوجه الآخر للتنمية فهو المجال الذى يمكن أن يفتح آفاقا للنمو تعوض الإمكانيات المحدودة للنمو الزراعى من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادى الذى يمكن للثورة من السير فى طريقها لتحقيق الاستقلال السياسى وبالتالى استقلال الإرادة المصرية ، إلى جانب ما يحققه التصنيع من رفع مستوى الدخل وتوفير فر للعمل ويدعم الاقتصاد الوطنى وموازنة المدفوعات الخارجية . فى أول يوليو1956 أنشئت وزارة الصناعة وعين الدكتور عزيز صدقى كأول وزير للصناعة . وبهذه المناسبة فقد حدثت واقعة طريفة تتعلق بهذا التعيين ومن المؤكد أن أحدا لا يعرفها . فقد سلمنى الرئيس جمال عبد الناصر بحث تفصيلى عن ثلاثة أشخاص هم عزيز صدقى و مصطفى خليل وسيد مرعى على أساس أنهم مرشحين لتولى مسئوليات هامة وطلب استيفاء بعض النقاط فلما أتممت البحث وعندما كنت أعرض النتيجة على الرئيس عبد الناصر قال لى : " يا سامى أنا عايزك تروح لهم فى منازلهم لإبلاغهم بالموعد المحدد لكل منهم لمقابلتى ( الرئيس طبعا ) وعايزك فى نفس الوقت تبلغهم رسالة منى ، وهى أنه عند حلف اليمين ما حدش فيهم ينحنى أمامى . " وأول ما توجهت كان إلى منزل الدكتور عزيز صدقى حسبما كان مدون فى دليل التليفونات ووجدت نفسى أمام فيلا و على بابها يافطة نحاسية مكتوب عليها " عزيز إسماعيل صدقى " فتوقفت أمام هذا الخطأ فالعنوان الذى كان قد يترتب عليه مشكلة سياسية وتنبهت لأن معلوماتى أن الدكتور عزيز محمد صدقى لا يمت بصلة لإسماعيل صدقى وأنه لا يقيم فى فيلا ، فـأكملت باقى الزيارات وعدت إلى المكتب لأستيقن من عنوان د. عزيز صدقى وفعلا صوبت العنوان وتوجهت إليه حيث أبلغته بالموعد وبالرسالة وتم تعيين الثلاثة كوزراء فى التعديل الوزارى رقم 76 بتاريخ 28 يونيو1956 . كان الدكتور عزيز صدقى هو أول وزير للصناعة فى مصر الثورة وقد كلف بتحديد الدور الذى يجب أن تقوم به الدولة وبالتالى وزارة الصناعة فى تحقيق هدف دفع التنمية الصناعية . كانت رؤية وزارة الصناعة تتمثل فى وجوب أن يكون هناك خطة تحدد نواحى التنمية الصناعية فى شكل برنامج يتضمن المشروعات المحددة التى يجب تنفيذها زانه يجب أن يكون للدولة الصلاحية لتوجيه الاستثمار فى الصناعة بحيث تسير عملية التنمية فى حدود خطة واضحة . وبناء على ذلك فقد وضعت خطة تقوم على العناصر التالية : أولا : برنامج للصناعة على مدى سنوات خمسة مقبلة . ثانيا : إعداد قانون التنظيم الصناعى . لم يوافق الرئيس جمال عبد الناصر على المشروعين مباشرة وكانت معظم الأجهزة العاملة فى قطاع الصناعة كالشركات واتحاد الصناعات وغيرها كانت كلها تعمل فى ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القائمة حتى ذلك الوقت حيث أن اتجاهات وإنجازات الثورة نحو تحقيق أوضاع جديدة تستهدف مزيد من العدالة الاجتماعية وإبراز مسئولية الدولة فى تحقيق ذلك لم تكن قد تبلورت بعد ، وبطبيعة الحال فإن كثيرا من الآراء كانت متأثرة بالفكر السائد فى ذلك الوقت ـ من أن مصر بلد زراعى ـ وأن الصناعة هدف يصعب تحقيقه إلا فى أضيق الحدود . وكان واضحا أن الخلاف هو فى التفكير ذاته . فهل نحن نقيم مصنعا يربح فحسب ، أم نقيم قاعدة صناعية تكون منطلقا لتفعيل إرادة التغيير وننطلق إلى التقدم ؟ وهل نحن نقيم صناعة لإنتاج سلعة معينة فحسب ، أم أن ذلك يتم فى إطار أن التصنيع عامل أساسى فى إقامة مجتمع متقدم يتحقق فيه للفرد فرص للعمل ومستو للدخل والمعيشة لا تتيحه الزراعة وحدها ؟ وكان الخلاف أيضا بين أسلوب سابق يترك لصاحب رأس المال الحرية الكاملة ليحقق ما يمكنه من ربح وليس للدولة الحق فى وضع قواعد وقوانين تحكم ذلك ، سواء بالنسبة للإنتاج ، نوعه ، قيمته ، مواصفاته ، بل وحقها فى أن تحدد سعره ، وتحديد حقوق العاملين . وكان واضحا أن الثورة قد اختارت طريقها ومنذ البداية وانحازت إلى جانب الشعب والقوى العاملة . وكان يحكم هذه السياسة منذ البداية إقامة قاعدة صناعية حقيقية تفتح آفاق التنمية والإنتاج وتحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى وضعتها الثورة من البداية . شكلت لجان مختلفة ضمت أكثر من مائة وعشرون خبيرا فى الصناعة ومن رجال الأعمال والشركات الصناعية وأساتذة الجامعات وذلك من أجل المساهمة فى إعداد برنامج السنوات الخمس الأول للصناعة . وبنفس الأسلوب تم وضع مشروع قانون التنظيم الصناعى . وبعد مناقشة مستفيضة فى مجلس الوزراء تم إقرار هذين المشروعين وتحدد بذلك المسار الذى اختارته الثورة طريقا للتقدم والتنمية . وتصادف أن حدث فى تلك الفترة تطورات سياسية أثرت على مسار الأحداث فى مصر . فقد سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا عرض تمويل مشروع السد العالى . فصدر قانون تأميم شركة قناة السويس الذى أعقبه العدوان الثلاثى على مصر وانسحبت القوات المعتدية بعد فشلها فى تحقيق أهدافها فى ديسمبر 1956 وتلى ذلك تقدم الاتحاد السوفيتى بقرض لتمويل السد العالى ، كما آلت قناة السويس إلى مصر وبدأت مرحلة جديدة فى مسيرة الثورة . . مرحلة بناء شاملة . . بناء جيش وطنى ، ثم بدئ فى تنفيذ مشروع السد العالى وتنفيذ تنمية اقتصادية شاملة تضمنت البدء باستصلاح الأراضى للاستفادة من مشروع السد العالى وكذلك بدأ تنفيذ برنامج الصناعة الأول ، فقدم الاتحاد السوفيتى قرضا قيمته 700 مليون روبل أى ما يساوى 5ر62 مليون جنيه إسترلينى كما عقدت اتفاقيات لتمويل المشروعات الصناعية مع عدد من الدول التى قبلت التعاون مع وبشروط مصر كاليابان وإيطاليا وألمانيا الغربية ورومانيا وغيرها . كما تم وضع الشركات والمنشآت الفرنسية والبريطانية تحت الحراسة . كان أول اعتماد مالى فى تاريخ مصر للاستثمار فى الصناعة هو 12 مليون جنيه اعتمدت فى ميزانية الصناعة عام 1958 وسارت عجلة التنمية بقوة وتم تنفيذ مشروع السنوات الخمس الأول فى ثلاث سنوات وعلى ضوء النجاح الذى تحقق تقرر وضع الخطة الخمسية الأولى شاملة للتنمية 59 ـ 1964 . أنشئت وزارة التخطيط واعتمدت الدولة مبدأ التخطيط الشامل أسلوبا للتنمية والتقدم . كان أساس التخطيط لكل خطة هو حساب الموارد الممكن تدبيرها وتخصيصها للاستثمار فى التنمية الشاملة ، وعلى أساس برامج متكاملة لجميع القطاعات وتحديد أهداف محددة فى الخطة يجب تحقيقها فى كل قطاع . ووزعت استمارات على كل قطاع بما حققه فى الخطة وعلى مدى سنوات الخطة كان يدرج فى ميزانية الدولة ـ موزعة على الوزارات المختلفة ـ ما يخص كل منها لتنفيذ مشروعاتها سنة بعد سنة حتى يتم تنفيذ الخطة فى المدة المحددة لها . وكانت المتابعة الدورية والسنوية تتم لتحديد النتائج سواء من ناحية التنفيذ أو النتائج المحققة بالنسبة للخطة ككل لكل قطاع على حدة . لقد كانت مصر هى أول دولة فى منطقة الشرق الأوسط تبنت هذا الأسلوب ونجحت فيه وبدأت الدول الأخرى بعد ذلك تحذو حذوها . بدأت المشروعات الصناعية المدرجة فى الخطة تنفذ على أتساع الجمهورية . . فى طنطا والإسكندرية ودمنهور وميت غمر وشبين الكوم وبور سعيد وقنا وأسيوط ودمياط وغيرها . وبدأ يظهر فى ميزانية الدولة باب الاستثمارات لتنفيذ مشروعات الخطة وتزايدت أرقامها بحيث أصبحت أهم باب فى الميزانية بما تمثله من استثمارات فى تنفيذ السد العالى واستصلاح الأراضى ومشروعات الطرق والمواصلات والكهرباء وإقامة المصانع . وأصبحت الدولة الممول الأكبر لمشروعات التنمية وبالتالى المالكة لهذه المشروعات وأصبح عليها مسئولية إدارة هذه المشروعات فأنشأت المؤسسات العامة وتبعت لها الشركات الداخلة فى نوعية عملها ثم صدرت قرارات التأميم لبعض الشركات والمنشآت القائمة استكمالا لسيطرة الدولة على الإنتاج ، وهكذا ولد القطاع العام . لم تكن ثورة يوليو فى اتخاذها لهذا المسار تقليدا لنظام آخر أو تنفيذا لنظرية بذاتها بل كانت خطوات تتطور بشكل طبيعى وكل خطوة استجابة لمراحل التطور الذى استهدفته الثورة من البداية تحقيقا للمبادئ التى قامت من أجلها . ولقد حققت عملية التنمية هذه فى جميع المجالات نموا لم تشهده البلاد فى تاريخها الحديث وبرغم العدوان الثلاثى وبرغم الانفصال بين سوريا ومصر وبرغم نكسة 1967 فلم تتوقف عملية التنمية أبدا . لقد استصلحت الثورة مليون فدان فى خلال 12 عاما ، وكان معدل استصلاح الأراضى قبل الثورة أقل من 5000 فدان سنويا ، أقيم السد العالى ، أقيمت آلاف المدارس ، كما أقيمت أكبر قاعدة صناعية فى منطقة الشرق الأوسط و إفريقيا كلها . وبعد أن كنا نستورد تقريبا كل شىء أصبحنا نعتمد على أنفسنا وننتج معظم ما نحتاجه . أقمنا مصانع الحديد والصلب والألومنيوم والترسانات البحرية والسيارات واللوارى والإطارات والأسمنت والأسمدة والغزل والنسيج والورق وغيرها . ولولا هذه القاعدة الإنتاجية ما كان ممكنا أن ندخل حرب أكتوبر معتمدين على أنفسنا وإنتاجنا فلم تحدث أزمات ولم تصدر بطاقات ولم يحس الشعب بأى نقص نتيجة للحرب ، ونفس الشىء حدث فى أعقاب نكسة 67 التى ترتب عليها أن زاد التصميم على السير فى خطين متوازيين فى وقت واحد و هما إعادة بناء القوات المسلحة والاستمرار فى التنمية الشاملة . وإذا كانت الكوارث التى لا تقتل تصنع ، فإن نكسة 1967 صنعتنا مرة أخرى تماما كما فعلت دنكرك ببريطانيا وبيرل هاربور بأمريكا ووصول الألمان لضواحى موسكو بالروس ، صمدنا وكان القطاع العام هو الأرض الصلبة التى واصلنا بها السير إلى حرب الاستنزاف فنصر أكتوبر . إن الأراضى التى استصلحت وزعت على الفلاحين والمصانع التى أقيمت يملكها الشعب ولولا وجود هذه القاعدة الإنتاجية الضخمة التى أقامتها الثورة وإتاحة فرص العمل للملايين من أبناء هذا الشعب والتشريعات العمالية التى صدرت لتعيد للعامل حقوقه بتحديد ساعات العمل وحد أدنى للأجور والتأمين الصحى والتأمين الاجتماعى وإتاحة الفرصة للتعليم للغالبية العظمى من الشعب الذين كانوا محرومين منه قبل الثورة حيث كان هناك مشروعات تسمى مشروع الحفاء وغيرها من المشاريع الوهمية ، لما أمكن تحقيق العدالة الاجتماعية . ومن ثم فلا أحد يمكن أن يدعى أنه لم تكن هناك أخطاء فى كل هذه المنظومة الضخمة التى تمت ولكنها طبيعة الأشياء ـ وفى النهاية فإن الأعمال تقاس بنتائجها : أولا : أن مصر بـأبنائها وحدهم وإرادتها الحرة هى التى وضعت سياسة التصنيع وبرامجها ومشروعاتها ولم يشارك أجنبى واحد فى ذلك ، كما أن تنفيذ هذه السياسة ومشروعاتها تم بأيدى الفنيين والعمال المصريون ، ثم هم الذين تولوا إدارة هذا الإنتاج الضخم . ثانيا : أن الدولة عندما خصصت الاعتمادات الضخمة فى ميزانياتها سنة بعد سنة لتنفيذ هدف التنمية ـ برغم الظروف الصعبة التى اجتازتها البلاد اقتصاديا وسياسيا وعسكريا فإنها كانت تفعل ذلك إيمانا منها بأهمية عملية التنمية لتحقيق أهداف الثورة الكبرى . وإذا كانت إمكانيات القطاع الخاص قاصرة على الاستثمار المطلوب فى حدود ما جاء فى خطة التنمية ـ ومع السماح له بالمساهمة بكل إمكانياته فى عملية التنمية ـ فإن الدولة كان عليها أن تتولى هى مسئولية تنفيذ خطة التنمية . إن استثمارات القطاع الخاص تمت فى قطاع الصناعة طبقا لما جاء فى كتاب اتحاد الصناعات لعام 1951 ( أى قبل قيام الثورة ) وفى ظل حرية كاملة للاستثمار بلغت 1ر2 مليون جنيه . فإذا قررت الدولة تنفيذ خطة تنمية تحتاج لاستثمارات بلغت مئات الملايين من الجنيهات كل سنة ـ فقد كان واجب الدولة واضحا . ثالثا : إن التخطيط لعملية التنمية كان يستهدف إلى جانب تحقيق أهداف إنتاجية محددة ، إلا أنه استهدف والتزم بتحقيق الهداف الاجتماعية للثورة . لم يكن الربح هو العامل الوحيد فى اختيار المشروعات، بل إقامة قاعدة صناعية متكاملة تحقق الإنتاج للمجتمع وتساهم فى رفع مستواه وخفض تكاليف معيشته ، ثم المساهمة فى تحقيق مبدأ الاعتماد على الذات ، ولذلك فإن الدولة كان يمكنها أن تحقق أرباحا أكبر عن طريق رفع الأسعار وخاصة أن أسعار الإنتاج المحلى كانت دائما أرخص بكثير من السلع المستوردة ، ومع ذلك كان الاتجاه دائما إلى خفض الأسعار وخاصة بالنسبة للسلع الرئيسية والشعبية . رابعا : تأكيدا لأهداف الاستقلال الاقتصادى فقد حققنا فى آخر عام 1970 ما كنا نحاول الوصول إليه دائما وهو أن يقوم قطاع الصناعة بإحداث كل هذا الإنتاج الصناعى بحيث نكتفى ذاتيا فى الجزء الأعظم من احتياجاتنا ، وأن نصدّر فائض الإنتاج فى السلع التى يمكننا تصديرها ، وبحيث يكفى عائد التصدير كل احتياجات الصناعة من النقد الأجنبى ، وبذلك يساهم قطاع الصناعة مساهمة كاملة و فعالة فى تحقيق مبدأ الاستقلال الاقتصادى الذى استهدفته الثورة . وللأسف فإنه فى فترة ما سمى بالانفتاح ، توقفت بالكامل تقريبا عملية التنمية الصناعية وقيل أن الاستثمار الأجنبى سيحل المشكلة وهو ما لم يحدث طبعا . وعدنا من جديد إلى أن أنتجنا فى كثير من السلع أصبح لا يكفى وبالتالى عادت عملية الاستيراد من الخارج مرة أخرى . خامسا : كان التعاقد على تنفيذ المشروعات مع كل دولة قدمت لمصر التسهيلات والقروض وبالشروط التى وضعتها مصر وقبلتها وقد أدى هذا الأسلوب إلى نجاح فى الحصول على قروض واتفاقيات مع الاتحاد السوفيتى وألمانيا الشرقية وبولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا واليابان وإيطاليا وألمانيا الغربية وإنجلترا وفرنسا والدانمرك والولايات المتحدة الأمريكية . |
رد: ابحاث ثورة يوليو
وعاون الاتحاد السوفيتى فى تنفيذ مشروعات كبرى ما كان يمكن أن نستطيع تنفيذها عن طريق دول أخرى ، ومن هذه المشروعات مجمع الحديد والصلب والترسانة البحرية ومشروع الألومنيوم والكوك وبعض الصناعات الاستراتيجية والمزارع النموذجية وغيرها . كما نفذت مصر مع ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبولندا مشروعات الغزل والسكر والأسمنت والصودا وتكرير البترول والمراجل والموتوسيكلات وغيرها . وفى نفس الوقت وضعت الأسس لمشروعات مشتركة مع كل من الصين الشعبية والهند . وفى نفس الوقت نفذت مشروعات أخرى كثيرة مع الدول الغربية كمصانع السكر فى إدفو ومصانع الغزل ومصنع السردين وغيرها مع اليابان ومصانع الغزل والنسيج مع بريطانيا وسويسرا ومع إيطاليا نفذ مشروع مصانع السيارات ومصنع الصودا الكاوية ومصنع تفحيم المازوت . أما ألمانيا الغربية فقد نفذ مشروع مصانع السماد فى كل من السويس وطلخا وكيما بأسوان ومصنع اللوارى والأوتوبيسات ومؤسسات الغزل وسلسلة من محطات الكهرباء والكبارى الرئيسية والقناطر ، ومع الدانمرك مصانع الأسمنت ومع فرنسا مصانع الزيوت ومع الولايات المتحدة وألمانيا الغربية وسويسرا مصانع الأدوية ثم الجس عن البترول مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا . وبدأت عملية استخراج البترول مع الولايات المتحدة الأمريكية اعتبارا من سنة 1964 بشركات كبرى للبحث كان على رأسها شركة " اموكو" للكشف والاستخراج . وتسابقت دول الغرب على الاستثمار فى مصر لأنها كانت تثق فى نزاهة وكفاءة النظام وأنها لم تكن تريد لتترك الميدان خاليا للاتحاد السوفيتى والمعسكر الشرقى . كما تضاعفت المبادلات والعلاقات مع دول العالم الثالث لبناء جبهة اقتصادية تعزز عدم الانحياز وكان التعاون متصلا ومطردا لم يتوقف مع قلاع الصناعة الكبرى وليس مع رأسمالية المافيا أو الأموال المغسولة . ولم يفرق صاحب القرار بين الشرق أو الغرب فى اختيار المشاريع ولكن كان الفيصل هو المصلحة الوطنية الخالصة . وبهذه المناسبة فإنه يجدر بنا أن نتعرض لأسلوب التعامل مع الاتحاد السوفيتى الذى كان يعطى شروطا ميسرة للقروض عبارة عن إتمام التعاقد والتنفيذ دون دفع أى مقدم على أن يبدأ السداد بعد سنة من استكمال المشروع بفائدة 5ر2% وبأقساط على اثنتى عشر سنة ، وهذا ببساطة يعنى أننا كنا نتمكن من السداد من عائد الإنتاج . وكان نفس الأسلوب متبعا مع باقى دول المعسكر الاشتراكى . إلا أن الوضع كان مختلفا مع الدول الغربية فقد كان لابد من دفع مقدم للثمن عند التعاقد بما يساوى حوالى 20% ثم يقسط الباقى على مدد تختلف من مشروع لآخر وكانت تتراوح ما بين خمسة وعشرة سنوات وبفائدة كانت فى ذلك الوقت تتراوح بين 6و8 أو 9% مما كان يستلزم تدبير العملة الصعبة للسداد فى الوقت الذى كانت فيه مواردنا منها لا تسمح إلا بقدر احتياجاتنا ، ومع ذلك فقد سار تنفيذ المشروعات فى طريقه وحصلنا على أفضل الشروط وأجود الآلات . وبهذه المناسبة فقد تردد فى السبعينات أقوال مرسلة مفادها أننا حصلنا على معدات مستهلكة أو مستعملة ، كما قيل أننا قبلنا معدات ليست فى مستوى الجودة المطلوبة ولتصحيح هذه المقولات فقد كانت التعليمات واضحة وصريحة تمنع استيراد معدات مستخدمة من الخارج ، الشىء الذى كان يلجأ إليه القطاع الخاص فى الماضى بما يسببه ذلك فى مشاكل فى الإنتاج والحاجة إلى استيراد المزيد من قطع الغيار . سادسا : لم يقم مصنع واحد ثبت أن مصر ليست فى حاجة إلى إنتاجه ، كما لم يقم مصنع واحد كانت هناك مصاعب فى تسويق ناتجه بل العكس كان الصحيح . كانت برامج التصنيع المتتالية تحاول التوسع باستمرار فى إنتاج السلع المختلفة بحيث تتمكن المصانع من ملاحقة الزيادة المستمرة فى الإنتاج . وعندما تم تنفيذ التوسعات فى مصانع الأسمنت وزادت طاقة المصانع من مليون إلى أربعة مليون طن تردد أن هذا الإنتاج يزيد عن حاجتنا ، ولكننا لم نستورد طنا واحدا من الأسمنت قبل عصر الانفتاح بل كانت مصر هى المورد الرئيسى للأسمنت لمنطقة الخليج العربى كلها ، هذا فى الوقت الذى أوقفت فيه هذه السياسة فى قترة السبعينات لم يبن مصنع واحد للأسمنت بينما تزايد استهلاك السوق المحلية ، وقد تترتب على ذلك استيراد أسمنت بأكثر من ثمانية ملايين طن فى السنة تبلغ قيمتها حوالى 400 مليون دولار ، ونفس الشىء حدث بالنسبة لسلع كثيرة أخرى . سابعا : كان أحد الشروط الأساسية عند التعاقد مع بلاد الاتفاقيات أن يتم السداد بجزء من الإنتاج ، حدث هذا فى مصنع شبين الكوم للغزل مع ألمانيا الشرقية والألومنيوم مع الاتحاد السوفيتى ومشروع الفوسفات من أبو طرطور الذى أوقف تنفيذه فى السبعينات والثمانينات بلا مبرر ، فكانت المشروعات تنفذ ويسدد المشروع أقساطه من إنتاجه . بدأت نشأة القطاع العام بتمصير بعض المصالح الأجنبية بعد تأميم شركة قناة السويس ، ثم بدأت الدولة منذ عام 1960 بعض إجراءات التأميم ثم صدرت القرارات الأساسية للتأميم فى يوليو1961 ، وهذه الإجراءات كانت فى حدود الشرعية الكاملة وكانت محتومة ، لم تغتصب حقا أو تصادر ولكن حررت الثروة ووزعتها بالعدل على طبقات الأمة وفئاتها العاملة لبناء مجتمع الكفاية والعدل للجميع . لقد بدأ تنفيذ خطة السنوات الخمس للصناعة منذ عام 1958 وبذلك تكوّن قطاع عام من شركات آلت إليه عن طريق التأميم وأخرى أقامتها الدولة بتمويل كامل منها . ولعل الكثيرون لا يعلمون أن الجزء الذى يمثل ما أمم من أصول بالنسبة إلى القطاع العام اليوم لا يمثل أكثر من 15% أو 20% بل ليس حتى فى هذه الشركات آلة واحدة مما كان قائما وقت التأميم لأن عمليات التجديد والتوسع المستمرة طورت هذه المصانع إلى أن أصبحت على ما هى عليه اليوم . يبيعون القطاع العام . . فلمن يباع ؟ . . ولصالح من ؟ . . لقد كان نصيب القطاع العام فى سنة 1970 من الإنتاج الصناعى 75% و25% للقطاع الخاص . وبعد خمسة عشر عاما حورب فيها القطاع العام ومنعت عنه الاستثمارات خصوصا تلك اللازمة لتحديثه أو حتى توفير احتياجاته من قطع الغيار فإن نسبة القطاع العام مازالت كما هى 75% من الإنتاج الصناعى . وفى نفس الوقت فلم يقام مصنع واحد للصناعات الثقيلة وحتى العدد المحدود منها من المصانع التى أنشئت كانت نسبة مساهمة القطاع العام فى رأس مال المشروعات قامت فى فترة ما يسمى بالانفتاح 60% . إن من بديهيات آليات عملية تصنيع حقيقية تستلزم إقامة قاعدة صناعية متكاملة تشمل صناعات أساسية قد لا تكون مما يحقق ربحا كبيرا كصناعة الصلب مثلا ، وهذه لن تشجع المستثمر أن يضع أمواله فى مثل هذه المشروعات ولكن الذى يقوم بها هو القطاع العام . ومن ناحية أخرى فإن الأعمال تقاس بنتائجها ، فلقد ذهبنا إلى أبعد حد لتشجيع رؤوس الأموال الخاصة ـ فلم تقم إلا بتنفيذ بعض المشروعات الصغيرة ذات العائد السريع ـ مستغلة المزايا الضخمة التى أعطاها لها قانون الاستثمار الأجنبى ، وهى بالمناسبة ، مزايا لا يتمتع بها القطاع العام ولا القطاع الخاص الوطنى ومع ذلك وعلى سبيل المثال فإن شركة مثل " قها " أو " إدفينا " تنتج معلبات غذائية وقامت شركات استثمار أجنبية لتنتج نفس المنتج . . لو راجعنا وقارنا بين الجودة والأسعار فلن نجد هناك أى فارق ، إلا أن القطاع العام ينفذ إلى جانب تحقيق أهداف الإنتاج ، أهداف الدولة فى توفير احتياجات الشعب فى حدود إمكانياته دون اعتبار أن الربح هو العامل الأساسى فى تحديد الإنتاج وسعره ، بينما يلتزم الاستثمار الأجنبى بهذا الهدف ، ولا مانع من السماح بهذا الاستثمار الأجنبى وتشجيعه على أن تقوم الدولة بواجبها ـ والقطاع العام هو الأداة التى تحقق للدولة القدرة على كبح جماح الاستغلال وانطلاق الأسعار بلا رابط وهو فى النهاية الذى يمكننا من أن نعتمد عليه فى سد احتياجات الجماهير العريضة . إذا كانت هناك أخطاء أو قصور فى الإنتاج أو نوعيته فواجبنا أن نعالج هذه الأوضاع وأن نتيح للقطاع العام فرص متكافئة للتنافس ، ولكن الأوضاع انقلبت مع عهد الانفتاح فأصبح بدلا من أن تقوم الدولة بحماية القطاع العام والقطاع الوطنى الخاص وهو واجب وحق معمول به فى كل دول العالم ، أصبحنا نطالب الآن ببعض المساواة . إن الولايات المتحدة الأمريكية ، وهى تمثل قمة النظام الرأسمالى فى العالم ، لا تجد غضاضة فى اتخاذ كافة الإجراءات لحماية الإنتاج الوطنى ـ ولعلنا نتابع قصة الضغط على اليابان مثلا لحماية المنتج المحلى الأمريكى . إن القطاع الخاص أو الأجنبى يمتلك الحق فى أن يدير مشروعاته لأنه يملكها . فما العجب فى أن تتولى الدولة إدارة القطاع العام وهى تملكه ؟ ولا شك أن هناك الكثير مما يمكن عمله حتى يتمكن القطاع العام من القيام بدوره فى تحقيق مصلحة الجماهير وهى صاحبته والمساهمة بذلك فى تحقيق أهداف ثورة 23يوليو من القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم وتحقيق العدالة الاجتماعية . لقد نجحت ثورة 23 يوليو قد نجحت فى إقامة قاعدة صناعية خصبة ضخمة فى مصر ، بل لقد أصبحت مصر دولة صناعية زراعية تحتل الصناعة المكانة الأولى فى الإنتاج بعد أن كنا تعتمد على الزراعة فقط . وقد تم ذلك لحساب الشعب المصرى وساهم فى تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية فى مجتمع متطور . وهذه القاعدة الصناعية نجحت فى تحقيق استقلالنا الاقتصادى حتى أوائل السبعينات وهى القادرة على تحقيق ذلك حتى الآن إذا صحت الإرادة و العزيمة فى الاعتماد على الذات . إن إقامة الصناعة لم يكن أمرا سهلا بل كان الطريق صعب وغير ممهد وأمامه الكثير من العقبات ولكن أمكن النجاح فى اجتيازها . لقد استمعت فى أحد أيام شهر ديسمبر 1969 الرئيس جمال عبد الناصر وهو يقول للدكتور عزيز صدقى الذى كان يعرض على الرئيس نتائج مرحلة مرت وتوقعات المرحلة القادمة : " يا عزيز أنا قلق بالنسبة للمستقبل . . إن الطريقة التى نعيش بها الآن لن تسمح لنا بأن نعيش طويلا . . . إن ما عرضته اليوم على شىء كويس جدا ، لكن أتمنى أن ننفذ أكثر منه . . إن ما نبنيه من إنتاج فى حياتنا هو ما نضمن أن نتركه لمن بعدنا ، ولن يستطيع أحد أن يهدمه . . لكن إحنا مش عارفين مين اللى حاييجوا بعدنا أو حا يعملوا إيه ؟ ! لقد دفع الشعب ثمن التضحية بالقطاع العام بعد تقرير سياسة الانفتاح وبدلا من تثبيت مجتمع الكفاية والعدل الذى كان يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه ، فإن الانفتاح يقوم الآن ، وبعد أكثر من ربع قرن مجتمع مريض تتفاقم متناقضاته كل يوم وتتربع على قمته حفنة من أصحاب البلايين والملايين كما لم يسبق فى تاريخ مصر على حساب محيط زاخر متلاطم من محدودى الدخل والمعدمين وسكان القبور . إن حديث الأرقام هو أبلغ دليل على صحة ما سطرته حول هذا الموضوع الهام . وفيما يلى مجموعة من الجداول التى توضح تطور الانتاج الصناعى ونصيب الصناعة فى الناتج المحلى وفى العمالة وتطور قيمة الصادرات الصناعية وهى كلها مستقاة من الكتاب السنوى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وكذا تقارير المتابعة التى صدرت عن وزارة التخطيط المصرية 1985 . أوضاع القطاع الخاص المصرى سنة 1961 3/2 الاقتصاد المصرى كان بيد القطاع الخاص . الزراعة كلها قطاع خاص . 79% من التجارة قطاع خاص . 76% من شركات المقاولات قطاع خاص . 56% من الصناعة قطاع خاص . تقرير معهد التخطيط القومى 1997 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى حصاد 18 عاما من الثورة وحتى رحيل الرئيس جمال عبد الناصر حققت مصر من سنة 1970 حتى سنة 1967 أعلى معدل تنمية فى العالم الثالث ، وأعيد توزيع الرزق حتى بات الدخل القومى مناصفة بين عوائد التملك والأجراء فى مصر وهو معدل قياسى فى توزيع الدخل تراجع معه الفقر . والآن أصبح نصيب الملاك ضعف نصيب الأجراء . وبهذه المناسبة فقد جاء فى تقرير البنك الدولى رقم a870 الصادر فى واشنطن بتاريخ 5 يناير 1976 (الجزء الخاص بمصر ) ما يلى : نسبة النمو الاقتصادى فى مصر كانت بمعدل 2ر6% سنويا بالأسعار الثابتة الحقيقة ، ارتفعت فى الفترة من 1960 حتى 1965 إلى معدل وصل إلى 6ر6% . وهذا يعنى أن مصر استطاعت خلال عشرة سنوات أن تقيم تنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة السابقة عن عام 1952 . وللعلم فإن متوسط معدلات النمو فى العالم الثالث هو 5ر2 % . تطور قيمة الإنتاج الصناعى 1952 ـ 1970 بالمليون جنيه |
رد: ابحاث ثورة يوليو
1952 1969 1970 -------------------------------------------------------------- المنتجات البترولية 2ر34 2ر110 2ر133 المنتجات التعدينية 6ر3 8ر10 غير متاح المنتجات الكيماوية والدوائية 5ر20 1ر164 5ر150 المنتجات الغذائية 3ر122 2ر425 8ر482 المنتجات الهندسية والكهربائية 1ر30 2ر233 3ر232 منتجات مواد البناء والحراريات 4ر8 5ر44 0ر88 منتجات الغزل والنسيج 6ر84 9ر449 3ر470 الطاقة الكهربائية 1ر10 2ر73 9ر75 ------------------------------------------------------------ الإجمالى 8ر313 1ر1511 ------------------------------------------------------------ الإجمالى بدون المنتجات التعدينية 2ر310 3ر1500 0ر1633 نصيب الصناعة فى الناتج المحلى بالمليون جنيه ------------------------------------------------------------- 1952 69/ 1970 70/1971 ------------------------------------------------------------- الدخل المحلى الإجمالى 2ر760 8ر2552 7ر1691 الصناعة الاستخراجية 9ر2 2ر49 7ر52 الصناعة التحويلية 1ر65 8ر492 2ر559 الكهرباء 4ر2 8ر41 0ر40 ------------------------------------------------------------- إجمالى الصناعة التحويلية والكهرباء 5ر67 6ر534 2ر599 9% 21% 22% ------------------------------------------------------------- نصيب الصناعة فى العمالة بالألف ------------------------------------------------------------- 1947 69/1970 70/1971 ------------------------------------------------------------- العمالة الكلية 6477 7ر8274 0ر8365 العمالة فى الصناعة الاستخراجية 13 4ر28 9ر30 العمالة فى الصناعة التحويلية 649 7ر887 7ر915 العمالة فى صناعة الكهرباء 22 8ر22 4ر30 ------------------------------------------------------------- تطور قيمة الصادرات الصناعية بالمليون جنيه ------------------------------------------------------------- 1952 1970 1971 ------------------------------------------------------------- الصادرات نصف المصنعة 9ر3 3ر45 2ر45 الصادرات تامة الصنع 2ر3 1ر96 7ر95 ------------------------------------------------------------- إجمالى الصادرات الصناعات التحويلية 1ر7 4ر141 9ر140 الصادرات الكلية 1ر145 0ر331 1ر343 15% 43% 41% ------------------------------------------------------------- تطور الكميات المنتجة من أهم السلع الصناعية ------------------------------------------------------------ السلعة الوحدة 1952 69/1970 70/1971 ------------------------------------------------------------ غزل القطن طن مترى 55700 164328 164409 نسيج القطن طن مترى 40080 96580 103086 غزل الصوف طن مترى 2000 10365 10371 نسيج الصوف طن مترى 890 3101 3314 غزل الحرير الصناعى طن مترى 4000 11809 12453 نسيج الحرير الصناعى طن مترى 4200 8365 7249 غزل الجوت طن مترى 1700 26910 27555 نسيج الجوت طن مترى 1600 24484 25352 سكر ألف طن مترى 189 533 635 زيت بذرة قطن ألف طن 100 140 103 كسب (بذرة القطن) ألف طن 410 541 595 صلصة طماطم طن 400 427 1535 مياه غازية مليون زجاجة 156 548 617 ورق ألف طن 20 121 137 سماد سوبر فوسفات ألف طن 106 353 447 سماد نترات النشادر 31% ألف طن . . . 377 380 حامض كبريتيك ألف طن 25 22 37 صودا كاوية ألف طن 3 20 18 منظفات صناعية طن 400 13789 16658 صابون ألف طن 63 134 137 بطاريات سائلة بالألف 18 346 387 أدوية مليون جنيه 1 33 39 أسمنت ألف طن مترى 951 3500 3851 إطارات كاو تشوك خارجية بالألف . . . 411 434 أنابيب داخلية بالألف . . . 389 393 أدوات صحية طن . . . 11683 . . . طوب حرارى ألف طن 8 58 37 خزف وقيشانى طن . . . 2701 . . . مواسير ومنتجات خرسانية ألف طن 18 84 109 مواسير وألواح اسبستوس ألف طن 7 55 65 حديد تسليح ألف طن 51 212 190 ثلاجات بالألف غير متاح 68 59 غسالات بالألف " " 12 20 أفران بوتاجاز بالألف " " 74 80 سخانات بوتاجاز بالألف " " 12 12 أجهزة تكييف بالعدد " " 1275 1221 دفايات كهربائية بالعدد " " 4183 5240 أجهزة راديو بالألف " " 136 157 أجهزة تليفزيون بالألف " " 59 63 لوحات توزيع كهرباء بالعدد " " 1057 1537 دراجات بالألف " " 51 63 سيارات ركوب بالعدد " " 3139 4271 سيارات نقل بالعدد " " 1117 1201 سيارات أوتوبيس وشاسيهات بالعدد " 336 407 جرارات بالعدد " " 1071 1072 بوتاجاز ألف طن مترى 7ر3 10 9 بنزين " " " 4ر190 423 408 كيروسين " " " 5ر218 410 653 سولار " " " 120 335 587 ديزل " " " 7ر10 106 92 مازوت " " " 7ر1826 1262 2128 أسفلت " " " 4ر51 16 81 ------------------------------------------------------------- |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ثورة يوليو وحزب الوفد عادت آخر حكومة لحزب الوفد إلى الحكم سنة 1950بأغلبية كبيرة جدا لم تحصل عليها فى أى انتخابات سابقة ، ولم تكن هذه صدفةأو اعترافا بالحق من الملك أو سلطات الاحتلال البريطانى ، لكنها كانتتعبيرا عن إجماع الإرادة الوطنية المصرية على حسم المعركة مع الاحتلالالبريطانى الذى جثم على صدر الشعب المصرى والأرض المصرية لمدة سبعين عاماقهرا واستنزافا . وفى هذه المناسبة أعلن حزب الوفد أنه أصبح علىالشعب المصرى أن ينتزع حريته واستقلاله بيديه ، وأن الأسلوب التفاوضىالسلمى لا مكان له، ولم يعد هناك أمام الشعب المصرى إلا طرد المستعمربالقوة . وبعد مفاوضات ومباحثات بين القاهرة ولندن امتدت منسنة1920 إلى سنة 1951، وبلا جدوى أعلن حزب الوفد استجابته لإرادة الشعبالمصرى بإلغاء معاهدة 1936 ثـم معاهدة 1899 التى تنظم العلاقة مع السودان، وشاهدت البلاد مظاهرة شعبية كبرى لم تشهد مصر مثيلا لها منذ عام 1919. نتيجة لهذا فإنه كان من البديهى أن يقوم حزب الوفد، حزب الأغلبية الساحقة بتعبئة الجماهير وتسليحها لمواجهة قوات الاحتلال ،وبعد التعبئة الشعبية فكان لابد أن تعنى المقاومة بموقف قوات الجيشوالبوليس ، حيث كانت هاتان القوتان دائما بعيدة عن نبض الشارع المصرىومحرومة من لعب أى دور سياسى، وبالطبع كان ذلك مقصودا ومخططا من قبلالاحتلال والقصر؛ وذلك بهدف حرمان الشعب المصرى من ذراعة اليمنى وقوتهالباطشة فى معركته مع الاحتلال وفساد القصر. لهذه الأسباب كان تحديد موقفالجيش مسألة فى غاية الأهمية.. إلا أن كل الظروف كانت مؤاتية لإشراك هاتينالقوتين الأساسيتين لصالح المعركة ، بل أذهب لأبعد من هذا وأقول ضم هاتينالقوتين للمعركة ، فلأول مرة فى تاريخ مصر قام البوليس المصرى بالإضرابالعام تحت ستار مطالب فئوية ، لكنها لم تخلو من المضمون الوطنى . فى نفس الوقت الذى عاد فيه الجيش المصرى من حربفلسطين، يحمل جراح وآلام أمة بأكملها، وقد تكشفت له كل الحقائق ، وأولهاحقيقة أن المعركة الأساسية والحقيقية فى القاهرة. وفى اعتقادى أن السبب الرئيسى الذى جعله يتقاعس عنإثبات قدراته وتثبيت قوة الحزب هو أن الباشوات ساورهم قلق شديد مناحتمالات تطور الأمور ، وأن مقاومة مسلحة قد يتولد عنها ـ وهذا شىء طبيعىووارد – ثورة شعبية ، فإذا ما تحقق إجلاء المستعمر بالدماء فستتسرب السلطةوربما الثروة ـ وهذا وارد أيضا – إلى جماهير المقاومة والغلابة من الشعبالمقاتل الحقيقى . هذا إذا تذكرنا أن هذه الفترة كانت حبلى بتيارات تقدميةوصلت إلى صفوف حزب الوفد نفسه ، بقيام جناح متشدد داخله ـ الطليعة الوفديةـ وكان هؤلاء الباشوات الذين اختاروا فؤاد سراج الدين من أبناء الإقطاعالذين لا شبهة فيهم سكرتيرا عاما للحزب ودفعوه دفعا إلى هذا المنصبالمتفرد لتكون مهمته هى تأمين الحزب بالدرجة الأولى وتأمين مصالحالمتحكمين فى أموره . ولم يكن غريبا أبدا أن تنتهى المقاومة إلى كارثة وأنتحترق القاهرة فى 26يناير1952 ، وبعدها بشهور قليلة تقوم ثورة 23 يوليو 1952 . كانت زعامة الوفد - حزب الأغلبية كما كان يطلقعليه ـ أسرع الزعامات فى القبول بالأمر الواقع الجديد، وكان زعيمه مصطفىالنحاس متواجدا فى الخارج وقت أن قامت الثورة وبعد عودته من المصيف فىسويسرا فى شهر أغسطس اتجه إلى لقاء أعضاء مجلس قيادة الثورة بناء علىرغبته الشخصية، وصرح لمرافقه فى هذه الزيارة ، ـ فؤاد سراج الدين ـ وهو فىطريقه إلى اللقاء ، أنه لا يستطيع أحد أن يقف فى مواجهة الدبابة ، وكانهذا ردا على نصيحة مرافقه من أن أعضاء مجلس الثورة ما هم إلا مجموعة منالشباب الضباط صغار ولا يفقهون شيئا فى السياسة وأنه يجب أن يعاملهم زعيمالأمة من هذا المنظور . ولكن ذلك لم يكن رأى باقى القيادات فى حزب الوفد ،وفى مقدمتهم فؤاد سراج الدين ومعه بعض الذين كانوا يعبرون عن فلسفة الوفدفى صحفهم ومنهم الأخوان " أبو الفتح ". ونشير هنا إلى أنه كان قد جرى اتصال سابق بين بعضالضباط الأحرار؛ ومنهم ثروت عكاشة ووجيه أباظة وعيسى سراج الدين وأحمدأنور وآخرين - سواء مباشرة أو عن طريق بعض أقارب هؤلاء الضباط- وفؤاد سراجالدين الذى كان يهيمن على الحزب بهدف تنسيق النشاط الفدائى فى منطقة قناةالسويس فى ضوء الدفعة القوية التى وفرها إعلان النحاس باشا إلغاءمعاهدة1936 ، لكن فؤاد سراج الدين رفض التجاوب مع هذا الطلب مؤثرا عدمالدخول فى مقامرة مع الجيش تجنبا لمزيد من الصدام مع الملك الذى كان يسعىمن جانبه لفرض هيمنته على الجيش ، والتصدى لأية اتجاهات معارضة بداخله 0واعتذر فؤاد سراج الدين عن قبول العروض الوطنية لأن الوفد يؤمن بالملكيةالدستورية . وبعد قيام الثورة كان العامل الاجتماعى هو الأسرعفى نشوب الأزمة بين الثورة ومختلف القوى السياسية السابقة بما فيها الوفد، فقد مارست هذه القوى ضغوطها على رئيس الوزراء على ماهر الذى كلفتهالثورة مما جعله يتخذ موقفا معارضا لقانون الإصلاح الزراعى ويطرح بدلامنه الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية التى تفرض على من يمتلك أكثر منخمسمائة فدان، بينما كان مشروع القانون يقضى بتحديد الملكية الزراعيةبمائتي فدان إضافة إلى مائة فدان للأسرة على أن يكون للمالك حرية اختيارقطعة الأرض التى يريد الاحتفاظ بها ويتم تعويضه عما يؤخذ منه فى شكل سنداتعلى الحكومة . وجرت اتصالات مجددة مع فؤاد سراج الدين ضمن ما جرىمع باقى القوى السياسية الأخرى ، وكانت اللقاءات معه تتم بواسطة جمال عبدالناصر نفسه ، لكنه أخذ يماطل ويراوغ ويصر على أفضلية الضرائب التصاعديةوالتى لم تكن تكفى لحل المشكلة الاجتماعية والسياسية فى البلاد ، وأدركجمال عبد الناصر أنه لا مجال للتفاهم مع هذه الفئة، وأنه مجرد إقطاع يضعمصالحه ومصالح الطبقة التى ينتمى إليها فوق أى مصلحة وطنية ، وبينما كانتالاتصالات جارية كان باشاوات الوفد قد اتفقوا مع باشاوات القصر الملكىوأذناب الاحتلال وتكونت فيما بينهم "رابطة الملاّك " ، تتزعمها سيدة وفدية . . . وقادت هذه الرابطة حملة ضارية ضد قانون الإصلاح الزراعى ووصفته بأنه " شيوعية حمراء " !! ، ولم يتدخل فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد ليبدىرأيه فى الحملة أو يعمل على تطويقها 0 وصدر برنامج حزب الوفد فى أغسطس 1952 دون أن يتضمن أى إشارة إلى الإصلاح الزراعى بل كان تعبيرا عن البدائلالتى طرحها سكرتير الوفد ورفضها قائد الثورة ، مما أثبت لقادة الثورة أنملكية الأرض بالنسبة لهؤلاء السياسيين الإقطاعيين تفوق فى رأيهم حريةالوطن وكرامته. وكان أن أعفى على ماهر من رئاسة الوزارة وتولاهااللواء محمد نجيب ، وصدر قانون الإصلاح الزراعى فى التاسع من سبتمبر 1952 . وحاول الباشا فؤاد سراج الدين أن يتراجع ، ولكن الوقت كان قد فات ،وحاول البعض أن يتلمس الأعذار لتبرئة الوفد ولكن فؤاد سراج الدين لم يجرؤعلى الإنكار ، فقد كانت كل المفاوضات والحوارات مسجلة فى محاضر رسمية . كان مجال الصدام الآخر مع الثورة متمثلا فى إصرارالوفد على الاحتفاظ بنفس أفكاره وأساليبه السابقة ، والتطلع للمشاركة فىالحكم على أساسها 0 ورغم واقعية النحاس فى تفهم الوضع الجديد إلا أنه كانيتصور أن الوزارة سوف تعرض عليه ، وأن تعيين على ماهر هو مجرد تعيين مؤقت، وقد شهدت الأسابيع الأولى للثورة كما أسلفت جدلا واسعا داخل مجلس قيادةالثورة حول الأسلوب الأنسب للحكم ، وهل يثير تسليم الحكم للأحزاب بعدإجراء انتخابات نيابية وهو اتجاه كان يتبناه جمال عبد الناصر ، أم تواصلالنخبة العسكرية الجديدة ممارستها للحكم حتى يمكن تحقيق كل الأهدافالسياسية والاجتماعية التى جاءوا من أجلها ، وكان الحل الوسط الذى توصلواإليه بعد إعلان عبد الناصر انسحابه هو مطالبة الأحزاب السياسية بتطهيرصفوفها وتنقية برامجها لتتواءم مع الأوضاع الجديدة تمهيدا لدخولالانتخابات بعد فترة انتقالية قصيرة ، ومرة أخرى لم تظهر هذه الأحزاب وفىمقدمتها الوفد أى استعداد جدى لقبول التغيير وركزوا على العكس على الجوانبالشكلية والمظهرية ، وقاد ممثلهم والمعبر عنهم أحمد أبو الفتح حملة صحفيةتنادى بالتعددية السياسية والنظام الحزبى ، وتناول إنذار مجلس قيادةالثورة . . . بكثير من التجريح مما كان له أثره فى النهاية فى إقناع كلأعضاء القيادة الجديدة بمن فيهم جمال عبد الناصر باستحالة تحقيق أهدافالثورة بالتعاون مع نفس القوى التى أفسدت الحياة السياسية فى مصر على مدىالعهود السابقة . وتحولت المعركة بين سكرتير حزب الوفد وبين الثورة إلى صراع طبقى مستميت أستمر حتى يوم وفاته سنة2000 ، والكل يعلم أن سكرتير الحزب يعلن دائما أنه لايعترف بالفترة من 23يوليو1952 حتى 28سبتمبر1970 ، وأنها بالنسبة له لاتحسب ولابد أن تحذف !!! ، كما أن الوفد يرى دائما أنه الأمة ، وأن ماعداه دخلاء على هذه الأمة، ولم يحد عن هذه القاعدة منذ أول وآخر حكومةائتلافية اشترك فيها فى أواخر العشرينات . وحدث أن معظم القواعد الحزبية فى معظم الأحزاب القديمة قد انصرفت عن أحزابها بعد صدامها مع الثورة وانحازت إلى الثورة . وكان أن انسحبت القوى الحزبية تدريجيا من الحياةالسياسية أمام عاصفة التغيير التى أثارتها ثورة يوليو1952 ، وانتقلت بعضعناصرها إلى منفى اختيارى فى الخارج ، ثم قدمت نفسها أداة طيعة للقوىالاستعمارية المعادية للثورة، وأنشأت إذاعة مصر الحرة بتمويل بريطانياوإشرافها الكامل ، والتى ظلت تدس سمومها ضد النظام السياسى وقيادة جمالعبد الناصر لسنوات طويلة بعد ذلك . وبعد تأميم شركة قناة السويس واجتياح طوفان حماسجماهير الشعب كله ، حدث أن ذهب وفد من شباب الطليعة الوفدية وعلى رأسهمواحد من أبرزهم هو أبوبكرحمدى سيف النصر وطالبوا زعيم الوفد مصطفى النحاسبإعلان تأييد التأميم وإصدار بيان بذلك يمكن أن يمهد لمصالحة جديدة بينالثورة وزعيم الوفد مباشرة ، لكن النحاس أعلن أنه بصفته الشخصية يؤيدتماما قرار التأميم ، ويؤيد الثورة بوجه عام ، لكنه بصفته زعيم الوفد لابدأن يجتمع بالهيئة الوفدية لكى يصدر عنها البيان السياسى ، واتصل هؤلاءالشباب بسكرتير حزب الوفد فؤاد سراج الدين لكنهم صدموا بمعارضته للفكرةأساسا ورفضه عقد أى اجتماع، بل قام بالتعقيب بتصريحات علنية يؤكد فيها أنقرار التأميم كان خطأ وتهورا ، ولم يعد أحد من شباب الطليعة الوفدية إلىالحزب بعد هذا اللقاء . لقد كان البعد الاجتماعى هو نقطة الصدام الحقيقيةبين الثورة والوفد ومع سائر القوى الحزبية الأخرى ، ذلك أن هذه القوى كانتتستمد نفوذها السياسى من واقع سيطرتها على النسبة الكبرى من مصادر الثروةالاقتصادية فى البلاد وبخاصة الأراضى الزراعية ، وتعمل على استثمار هذاالوضع فى سبيل فرض هيمنتها على العملية السياسية بالكامل ، يؤكد ذلك نسبةمشاركة ملاك الأراضى والرأسماليين الكبار فى مجالس الوزراء والمجالسالنيابية المتعاقبة ومجالس إدارات الشركات الكبرى إلى جانب سيطرتهم علىالمواقع المهمة والحساسة فى الدولة ومع موجة التغيير التى جاءت بها الثورةوالرغبة فى إعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية بما يكفل استردادالأغلبية المسحوقة لحقوقها فى الثروة والسلطة ، فلم يكن من السهل إقامةتعايش مع هذه القوى التى تعمل فقط للمحافظة على مكتسباتها ومصالحها. ولا يفوتنى أن أنوه فى هذا المجال عن أنه لم يكنغريبا أن يكون دليل حزب الوفد "ملكى" يؤمن بالملكية وبأسرة محمد علىالكبير . وليس عجيبا أن يكون المستشار الإعلامى والسياسى للحزب صحفى قضىتسع سنوات فى السجن بتهمة الجاسوسية ، وأمضى زهرة شبابه ضد الوفد وسكرتيرهوبنى كل شهرته ومجده فى الدفاع عن الملك فاروق والقصر . كما أنه ليس عجيباأن يكون كاتب الحزب الأول مديرا سابقا لفندق قى سويسرا تملكه المخابراتالمركزية الأمريكية ومديرا سابقا لمحطة إذاعة فرنسية ضد ثورة الجزائر ،وسمسارا ومدير دعاية وترفيه لملوك وأمراء النفط . وبالمناسبة فقد كان مثلاللورد هاو هاو البريطانى الخائن الذى كان يذيع من محطة إذاعة برلين ضدوطنه خلال الحرب العالمية الثانية . فمن أين كان يصرف اللورد هاو هاوالمصرى على إذاعته وهو يقول انه عاش مع أسرته فى الخارج أيام الرئيس عبدالناصر لا يملك مالا ولا جنسية ؟ من أين كان يصرف على إذاعته ونشاطه فىأوروبا ؟ من أين كان يحصل على المال ليعيش فى أفخم فنادق أوروبا بل ويمتلك ابن شقيقته الهارب فندقا فى أسبانيا من ذوى النجوم الخمسة ؟ لم يقل لنا أحد منهم كيف تكونت ثروة أسرة أبو الفتح التى امتلك عائلها أسهما فى شركات كثيرة وساهم فى إنشاء بنك القاهرة ؟ نحن نعلم ، والجميع يعلم أن أحمد أبو الفتح بدأحياته محررا فى صحيفة الأهرام، وباع ما ورثه من أطيان قليلة ليساهم بمبلغعشرة آلاف جنيه لإنشاء جريدة " المصرى " ، وشاركه فى قيامها كريم ثابتباشا أحد خدام الملك فاروق، والصحفى محمد التابعى الذى كان من أصدقاءالملك فاروق أيضا . تكونت ثروة أبو الفتح من التجارة فى الورق فىالسوق السوداء خلال الحرب العالمية الثانية ولما اشتد عودها ساندتهاإعلانات الشركات الأمريكية والبريطانية . لقد فوجئ المصريون بالوفد يتحالف بل ويندمج معالإخوان المسلمين وداس على تاريخه. وشن الإخوان المسلمين منذ البداية حرباعلى الوفد وتحالفوا مع كل القوى السياسية ما دامت هى ضد الوفد ـ وحينمااحتج جناح داخل الإخوان المسلمين ونادى بالتعاون مع الوفد طردوا وفصلوا منالجماعة 0 ولم يكن انضمام الإخوان المسلمين إلى الوفد الجديد مجردانتهازية متبادلة فقط ولكن تعبئة لكل قوى اليمين العلمانى والدينى والسلفىفى تنظيم واحد يحمى المصالح الكبيرة والمدن الحرة ويحفظ مصر فى فلك الغربالأمريكى وممالك النفط . إن ما صنعته ثورة يوليو لم يكن وحيا إلهيا ، لكنهانقلت نبض الشعب إلى ساحة العمل الوطنى، ولم يدع لا الرئيس عبد الناصر ولاغيره من قادة الثورة أنهم هم بداية الحركات الوطنية فى مصر ، لكنهم قالوابأن الثورة هى أداة التحول التى امتلكها الشعب من خلال قواته المسلحةلتغيير واقعه 0 لعلنا كلنا نذكر أن أهم وأبرز شعار رفع قبل ثورةيوليو من جميع الأحزاب السياسية التى كانت متحكمة فى الحياة السياسية، وفىأرزاق هذا الشعب كان مقاومة الفقر والجهل والمرض، وهو ما كان حزب الوفدبصفة خاصة يطنطن به ليل نهار سواء كان يحكم أو كان خارج الحكم، وكان منأشهر الحملات التى قادها هذا الحزب أيضا ما سمى " مشروع الحفاء"، وكانأشهر الأمراض هو البلهارسيا التى تنتقل من الماء إلى الأقدام الحافية ،وكانت مصر تعتمد على محصول واحد هو القطن الذى احتكر زراعته الإقطاع – كانمعظم زعماء الوفد من الإقطاعيين- لصالح مصانع لانكشاير !!. الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها أخرجت الإنجليز الذينكانوا سيخرجون فيما بعد ، وأن الثورة أممت شركة قناة السويس، وكان عقدهاسينتهى فيما بعد سنة 1968 !!!. الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها أصدرت قانون الإصلاح الزراعى الذى كان شعارا مرفوعا من قبل الثورة ! الوفد يلعن ثورة يوليو لأنها نادت بالقوميةالعربية والنحاس باشا شارك فى تأسيس الجامعة العربية، كما نادى النحاسباشا بالحياد فى حرب كوريا فالحياد الإيجابى ليس شيئا جديدا. والقروض أيام عبدالناصر لم تتعدى مليارين منالدولارات بما فيها قروض السد العالى والتصنيع وتسليح القوات المسلحة ..كل القروض فى عهد الرئيس عبد الناصر كانت قروض لأغراض إنتاجية، ولم تكنقروض لسلع استهلاكية، وتحول الاقتصاد المصرى بناء على ذلك من اقتصاد زراعىإلى اقتصاد زراعى وصناعى 0 الوفد يرى أن السد العالى كان وبالا على مصر، وأنهلا فائدة منه طالما أننا تركنا إسرائيل تصنع القنبلة الذرية وتهدد السد ،بل إن الوفد يرى أن مصر مسئولة عن تنفيذ إسرائيل لخط أنابيب أشدود وإنجازصناعة بتروكيماوية وأسطول تجارى ، وكأن مصر وحدها هى التى تمتلك مفاتيحالسياسة العالمية، ولم يقل لنا الوفد كلمة واحدة عن حماية السد العالىلمصر سنوات طويلة من آثار الفيضانات العالية أو نقص المياه فى حالةالفيضان المنخفض مما كان يسبب كوارث فى كلتا الحالتين 0 الوفد ينظر للثورة بعين واحدة ومن زاوية واحدة،وينكر على الشعب المصرى كفاحه ضد المستعمر البريطانى وضد إسرائيل، وطموحهفى مجتمع أكثر تقدما يستطيع المواطن العادى أن يحصل على كافة حاجاتهالأساسية من تعليم وصحة ومسكن وملبس؛ مما انعكس على ارتفاع نسبة المواليد،وارتفاع مستوى الأعمار للمواطن المصرى دون ما الدخول فى تعقيداتالإحصائيات وغيرها من الكلام الكبير .. بنظرة قصيرة على إنجازات الوفدوإنجازات ثورة يوليو يمكن للفرد العادى أن يحكم على من كان يعد ولا ينفذ،ومن كان يحقق أمانى المواطن البسيط فى حياة كريمة، على أرض وطن حر قوى. إن هذه العنتريات التى تكتب الآن ليست إلا من قبيلتصفية حسابات .. لا تبدد من رصيد الرئيس عبد الناصر بقدر ما تبدد من رصيدمصر الإسلامى والعربى والإفريقى والدولى. وإن هذه العنتريات فى نظرى هىنوع من السقوط الأخلاقى يقع فيه كل من تعميهم وتغيبهم أحقادهم عن رؤيةالحقيقة، وتسول لهم أنفسهم تشويه الحقائق. والآن ليس من الصعب الحكم على من أساء إلى من ؟ هلالوفد الذى أساء لثورة يوليو ولمصر والأمة العربية أم العكس ؟ ومن الذىأساء إلى مصر وإلى التاريخ وحتى تراث الوفد نفسه ؟ |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ثورة يوليو والشيوعيون استمرت المنظمات الشيوعية المختلفة الموجودة على الساحة المصرية فى نشاطها تحت الأرض فى مصر ، وكانت المعلومات تشير إلى أن الحزب الشيوعى المصرى هو أنشط تيار، منظمة "حدتو " ( الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى ) تليه فى النشاط ، أما باقى المنظمات ، وكانت معروفة بالاسم ولا يتعدى عددها العشرة ، فكانت محترقة ولم يكن لها تأثير أو وجود على أرض الواقع بشكل مؤثر أو فعال ، وحدثت إندماجات وإنشقاقات بين التيارات الرئيسية وهى الحزب الشيوعى المصرى والحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى " حدتو " ، و التيار الثورى وهى الفروع الثلاثة النشطة إذا قلنا مجازا أن لها قواعد . وقد لوحظ فى الفترة التى أعقبت قيام الوحدة بين مصر وسوريا أى من العام 1958 حتى العام1962 زيادة النشرات التى كانت تصدر عما كان يسمى بالحزب الشيوعى المصرى ، وكان التوقيع الذى يذيّل كل منشوراته يحمل أسم " الرفيق خالد " . ولقد اهتم الرئيس جمال عبد الناصر بما يكتبه و أراد أن يعرف من هو الرفيق خالد ، وكلفت الأجهزة أن تتابع هذا الموضوع لكى تكشف من هو الرفيق خالد ، ولكن مضت مدة لم تكن قصيرة نسبيا ولم تستطع الوصول إلى نتيجة إيجابية ولكن إلى تخمينات غير مؤكدة ، مما ترتب عليه أن تدخل عبد الناصر شخصيا بمجهود ذاتى وشخصى منه للوصول إلى حقيقة هذه الشخصية، وكان قد تكون لديه انطباعات واستنتاجات عن حقيقة هذه الشخصية ، لكنه أراد أن يقطع الشك باليقين . استدعى الرئيس عبد الناصر فى أحد أيام شهر أكتوبر سنة 1964 " أحد الأشخاص " -وأرجو إعفائى من ذكر اسمه لأسباب أخلاقية ومبدئية- وكان لدى الرئيس انطباع قوى أنه يعرف من هو الرفيق خالد . قال له عبد الناصر : " يا . . . حا أسألك سؤال واحد ، وأنا واثق إنك حا تجاوبنى عليه بحكم العلاقة التى تربطنا ، وبحكم الوطنية التى تجمعنا وبحكم مصريتك ، وثق أن الغرض ليس أبدا أنى أطلب منك أن تفشى أسرار، أو أن تكشف عن شخص قد يكون عزيزا عليك . . ولكنى أرجوك أن تكون يا . . صادقا معى كما كنت طول عمرك . " إندهش الضيف وقال : " إسأل يا ريس . . إيه هو السؤال؟! سأله الرئيس : " مين هو الرفيق خالد ؟! كان السؤال مفاجئا ومباغتا، ولكن بعد تفكير قصير لم تطل مدته أكثر من دقيقة من الزمن قال للرئيس أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى . كان الرئيس عبد الناصر قبل أن يستدعى هذا الضيف قد ظل حوالى شهرين يحلل ويقرأ كتبا وأبحاثا ودراسات لخمسة أشخاص بعينهم ، الدكتور فؤاد مرسى واحد منهم، ووصل إلى شبه قناعة شخصية أن الرفيق خالد قد يكون هو الدكتور فؤاد مرسى ، ولكنه أراد أن يقطع الشك باليقين، ويؤكد هذا الاستنتاج من شخص يعلم تماما أنه يعرف من هو الرفيق خالد ، وصدق ظنه واستنتاجه من أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى . وقبل أن يغادر الضيف بيت الرئيس قال له الرئيس عبد الناصر : " ثق أن هذه المقابلة لن يعلم بها أحد ، فأنت كما كنت دائما شريفا وصادقا ولم تراوغ" . وعقب هذه المقابلة كلفنى الرئيس بالاتصال بالدكتور فؤاد مرسى ومقابلته ، كما كلف السيد على صبرى بنفس الشيء . وتمت مقابلات مع الدكتور فؤاد مرسى، وفى أول لقاء سألته لماذا يتواجد باستمرار فى الإسكندرية، فقال لى لو تحبوا ترونى فأنا موجود، وخلقت نوع من الاتصال المباشر معه، وأبلغته بأن الرئيس مهتم بما يكتب . وحدث نفس الشيء مع السيد على صبرى؛ حيث تناقشا فى إطار الخطة الخمسية، والعمل السياسى والتنظيمات السياسية والاتحاد الاشتراكى، ووجهة نظره فى التنظيمات الحالية وأسلوب العمل الجماهيرى..... الخ، كما طلب منه طرح اقتراحاته وآراؤه فى تطوير العمل . وفى لقاء آخر معى وكنت قد طلبت منه إبداء رأيه فى نقد التجربة والأوضاع الاقتصادية؛ فقدم الرجل دراسة أبدى فيها رأيه بوضوح وبصراحة ، وفى نهاية اللقاء طلب مقابلة الرئيس عبد الناصر الذى حدد له موعد بعدها بأقل من أسبوع . فى لقائه مع الرئيس عبد الناصر كاشفه قائلا له أنه كان يعلم أن الرفيق خالد هو نفس الدكتور فؤاد مرسى، وحسب ما دار فى الحديث فقد أبدى الدكتور فؤاد مرسى اندهاشا واستغرابا . ولم ينكر الرجل ولكنه طلب أن يسأل سؤالا واحدا هو : هل الأجهزة هى التى اكتشفت هذه الحقيقة ؟ فقال له الرئيس : لا ، أنا من تتبعى وقراءاتى لما كتبته أنت والآخرين استنتجت أنك الرفيق خالد، وبناء على ذلك تم الاتصال بك . وقال له الرئيس : أنا كنت شاكك فيك إنت أو الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله . وفى هذا اللقاء أيضا قال له الرئيس : " أننا نمر بمرحلة تعاد فيها صياغة المجتمع ، وهناك ضوابط بالنسبة للمجتمع المصرى وبالنسبة للتطبيق الاشتراكى ، ولا يمكن أن نطبق الماركسية فى مصر ؛ لأن لدينا ما يحول دون ذلك ، ومن ناحية المبدأ نحن لا نأخذ أقوالا ونطبقها ؛ لأن الذى يطبق النظم هم البشر ، ولا أستطيع أن أضع البشر الذين يصوغون التجربة عمليا فى قوالب جامدة ، فلنا تجربتنا الخاصة المختلفة والمتميزة والفوارق جوهرية بين النظرية الماركسية والتطبيق الذى نمارسه لاشتراكيتنا وهو على سبيل التحديد كما يلى : إن اشتراكيتنا تستند فى أساسها وتطبيقاتها على القيم الروحية ، وتلتزم بما نادت به رسالات السماء ، وعلى سبيل المثال تأخذ اشتراكيتنا بنظام الإرث ، وهو ما ترفضه الماركسية . إن اشتراكيتنا تؤمن بتذويب الفوارق بين الطبقات سلميا ، ولا تأخذ بأسلوب الصراع والعنف ، فهى تصفى امتيازات ونفوذ الإقطاع والرأسمالية المستغلة ، ولا تصفى الإنسان إنما تحرره من الاستغلال . إن اشتراكيتنا تحترم إنسانية الإنسان ، وتتيح له فرصة الحياة الكريمة ، ولا تنظر إليه كترس فى آلة ، وإنما ما عليه من واجبات، وهى فى الوقت نفسه ترفض الأخذ بالماركسية التى تضحى بأجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة . إن اشتراكيتنا تؤمن بسيطرة الشعب على وسائل الإنتاج والهياكل الرئيسية له ، وفى الوقت نفسه تتيح قدرا من المشاركة لنشاط القطاع الخاص تحت الرقابة الشعبية ، فلا تأخذ بالتأميم فى كل جزئيات الإنتاج كما هو الحال فى النظم الشيوعية. الرأسمالية الغير مستغلة جزء أساسى من تحالف قوى الشعب العامل . إن اشتراكيتنا تعطى القيادة ديموقراطيا لتحالف قوى الشعب العامل ( العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية غير المستغلة ) ، وترفض أن تقوم سلطة الدولة على ديكتاتورية البروليتاريا ( الطبقة العاملة ) . إن اشتراكيتنا فى التوزيع تقوم على مبدأ كل بقدر إنتاجه وعمله ، وليس بقدر حاجته، وفى هذا تكريم للعمل وإثارة لحوافز الإنتاج، بعكس الماركسية التى تطبق مبدأ لكل حسب حاجته . إن اشتراكيتنا لم تأخذ بتأميم ملكية الأرض ، وإنما آمنت بالملكية الخاصة فى قطاع الزراعة ، وبما لا يسمح بالاستغلال عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة بمقتضى قوانين الإصلاح الزراعى، وزيادة عدد الملاك من صغار المعدمين من الفلاحين . إن اشتراكيتنا هى بيت سعيد لكل أسرة يقوم على القادرين أى المهيئين للعمل رجالا ونساء ، مجتمع الرفاهية ، مجتمع تكافوء الفرص ، مجتمع العدالة الاجتماعية . إن اشتراكيتنا هدفها مجتمع الكفاية فى الإنتاج والعدالة فى التوزيع ، مجتمع الكفاية والعدل نحن نؤمن بالله وكتبه ورسله ، وديننا واضح ، ونحن نتمسك بهذا الدين. ثم قام الرئيس بشرح الفروق فى التطبيق وبين ما يحدث فى الكتلة الشرقية . كان الدكتور فؤاد مرسى واضحا وصريحا فى رد فعله على كلام الرئيس عبد الناصر ، فقال (وأنا أذكر تماما نص كلامه ) : " يا سيادة الريس أنت بإصدارك القوانين الاشتراكية تجاوزت كل ما كنا نطمع فى تحقيقه، ولو تلاحظ سيادتك أننا فى النشرات الأخيرة حاولنا أن نواكب التجربة التى تطبقها؛ لأن نظرتنا كانت قاصرة منذ سنة 1952 حتى صدور القوانين الاشتراكية سنة1961 ، وما واكبها وصاحبها من تطبيق ، الحقيقة يا ريس كان على عيوننا منظار أسود ، كنا متأثرين بأن الحكم العسكرى لن يستطيع أن يحقق التحول الاجتماعى فى مصر بالأسلوب الذى تقوم به وتعلن عنه " . ورد عليه الرئيس قائلا أنه يرى أن القوة القادرة على إحداث التغيير فى المجتمع من أجل مصر يجب أن تضع أيديها معا فى ظل الشرعية ، وفى ظل إطار قانونى ، وفى ظل مبادئ يسلمون بها، وفى ظل قواعد متفق عليها ، ومن المصلحة أن تلتقى كل الآراء من أجل الوصول إلى التغيير . وأضاف الرئيس عبد الناصر بقوله : " يا دكتور فؤاد أنا بأطرح عليك رأيا لتفكر فيه ، وهو غير ملزم ، كل ما أطلبه منك إنك تفكر ، وعندما تصل إلى قناعة أو إلى قرار ، فإن بابى مفتوح لك لنتناقش فيما وصلت إليه؛ والموضوع باختصار شديد هو أن تنضم العناصر اليسارية فى الساحة المصرية إلى تحالف قوى الشعب العامل بشكل أو بآخر . . فكروا . . وقدموا مقترحاتكم.. ". وانتهى اللقاء عند هذا الحد من الحديث . وبعد هذا اللقاء أصدر الرئيس جمال عبد الناصر تعليماته لى لكى أبلغها للسيد على صبرى الأمين العام للاتحاد الاشتراكى العربى والسيد شعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم للاتحاد الاشتراكى ولباقى الأجهزة بما دار من حديث ليكونوا على علم بالتطورات الجديدة ، كما أبلغت اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة أيضا بما استجد؛ حيث كان الرئيس قد طلب أن تكف الأجهزة المعنية بالبحث عن الرفيق خالد لأننا عرفنا من هو. اتصل الدكتور فؤاد مرسى بعد ذلك وأبلغنى ، كما أبلغ السيد على صبرى أيضا أنه قد تم بحث الأفكار التى طرحها الرئيس فى لقائه الأخير معه، وهم يرحبون بالمساهمة فى الاتحاد الاشتراكى، ولو أن هناك مشكلة أن البعض يريد أن يكون لهم وضع خاص. كان رد الرئيس عبد الناصر قاطعا صريحا وواضحا لا لبس فيه؛ وهو أن من يريد أن يشارك فى العمل العام يدخل كفرد عادى ولا يمثل إلا نفسه فقط . . وكل واحد عاوز ينضم عليه أن يتقدم بطلب للعضوية، ويأخذ موقعه فى محل سكنه جغرافيا أو مهنيا فى مكان عمله . وبدأت بعد ذلك لقاءات مع السيد على صبرى حول هذا الأمر، وعندما تم الاتفاق أصدرت قيادة الحزب الشيوعى المصرى تعميما داخليا للأعضاء بأن الأمور قد سويت، وأنه يمكن للأعضاء أن يمارسوا النشاط ضمن تشكيلات الاتحاد الاشتراكى كأفراد و لا يمثلون إلا أنفسهم . و فى هذه المرحلة كان قد تم اتصال من السيد محمد حسنين هيكل مع الدكتور فؤاد مرسى بالاتفاق مع الرئيس عبد الناصر ؛ حيث لعب دورا فى تصفية بعض العقبات على المستويات الشخصية، وليس من ناحية المبدأ، و شارك معه كل من لطفى الخولى ومحمد سيد أحمد بشكل أساسى . وكانت نتيجة كل هذه الاتصالات واللقاءات فى بداية سنة 1965 أن تم الاتفاق ، دون أى ضغط، على إصدار بيان من الحزب الشيوعى المصرى يعلن فيه حل نفسه ، وأن من يريد مباشرة أو المشاركة فى العمل السياسى فأبواب الاتحاد الاشتراكى مفتوحة على مصراعيها للجميع ، كما تم الاتفاق على أن يتم رفع العزل السياسى عن أعضاء الحزب، واصبح كل واحد منهم مثل أى مواطن عادى ليس له انتماء حزبى، وليس هناك تسلسل قيادى ولا تعليمات ولا تعميمات، وهكذا بدأ أعضاء التنظيمات الشيوعية يدخلون فى وحدات الاتحاد الاشتراكى كأفراد ، وكانوا لا يزيدون عن 950 شخصا . إن إعلان الحزب الشيوعى المصرى لأول مرة فى التاريخ بنفسه وبإرادته حل كافة تنظيماته سابقة قبل سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتى، وإعلان الأحزاب الشيوعية فى الكتلة الشرقية حل نفسها . عقد بعد ذلك أكثر من لقاء بينى وبين الدكتور فؤاد مرسى وحضرها الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله، وقد تم فى هذه اللقاءات على وجه التحديد بحث قضية كيفية التعامل مع الأرض المستصلحة الجديدة، وأعدا فعلا دراسة تم بحثها فى لقاء مع الرئيس عبد الناصر وهذه الدراسة محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى . وبهذه المناسبة فإنى أجد لزاما علىّ أن أتعرض لفرية ترددت بصوت عال فى السبعينات متواكبة مع الحملات التى بدأت مع الارتداد عن خط ثورة يوليو1952 ، وعن تجربة الرئيس عبد الناصر، وبالذات عقب الإفراج الصحى عن مصطفى أمين ، بالإدعاء أن الشيوعيين كانوا مسيطرين على الإعلام المصرى، وأقول لهؤلاء . . اللى إختشوا ماتوا ! وتعالوا نضع النقاط فوق الحروف : رؤساء أجهزة الإعلام والثقافة فى مصر تولاها كل من صلاح سالم، ومحمد عبد القادر حاتم، وأمين هو يدى، ومحمد فائق، ومحمد حسنين هيكل، وبدر الدين أبو غازى، وثروت عكاشة، وسليمان حزين، وفتحى رضوان . والمؤسسات الصحفية سواء الأهرام أو أخبار اليوم أو الجمهورية أو روز اليوسف أو دار الهلال أو وكالة أنباء الشرق الأوسط أو الشعب أو الإذاعة أو التليفزيون أو مصلحة الاستعلامات فقد تولى قيادتها كل من محمد حسنين هيكل، ومصطفى أمين، وعلى أمين، ومحمد التابعى، وروزاليوسف، و إحسان عبد القدوس، وأنيس منصور، وإبراهيم سعدة، وجلال الحمامصى، ومحمد زكى عبد القادر، وكامل الشناوى، وأحمد بهاء الدين، وكمال الدين رفعت، وكمال الدين الحناوى، ومصطفى المستكاوى، ومحمد عودة، وموسى صبرى، وأنور السادات، وصلاح سالم، وحلمى سلام، وسعيد سنبل، ومحسن محمد، وسامى جوهر، وسعد عفرة، وأحمد عصمت عبد المجيد، وفتحى غانم، وكامل زهيرى، ومحمد أمين حماد، وفكرى أباظة، و مكرم محمد أحمد، وصلاح الدين حافظ، وصلاح منتصر، ومحمود المراغى، وعبد الله إمام، وسلامة أحمد سلامة، ومحمد عروق، وفاروق شوشة، وجلال معوض، وحمدى قنديل، وأحمد فراج، وهمت مصطفى، وتماضر توفيق، ومحمد محمود شعبان ( بابا شارو ) وصفية المهندس، وسلوى حجازى.. وغيرهم ؟ قولوا لنا من منهم شيوعى ؟ ! . لقد تولى الأستاذ محمود أمين العالم ، وهو مفكر يسارى محترم وشريف ، المسئولية لفترة بسيطة فى دار أخبار اليوم ثم نقل إلى موقع آخر . ونفس الشىء ينطبق على السيد أحمد فؤاد فى مؤسسة روز اليوسف ،وقتها، ولم يكن هو المسيطر على التحرير؛ بل كانت روزاليوسف مؤسسة ومدرسة صحفية مشتعلة نشاطا، وكنا نقول عنها أنها تصدر فى كل أسبوع منشورات وليس جريدة قومية. ثم بعد ذلك يقول شيوعيوا حدتو وهم فصيل من التيار الشيوعي فى مصر أن الضباط وبعض المدنيين فى هذا الفصيل هم الذين قاموا أو بمعنى أصح هم الذين صنعوا ثورة يوليو، وأنهم هم الذين أقنعوا خالد محى الدين بأن الرئيس عبد الناصر حقيقة ذو اتجاه مضاد للاستعمار ، وأن هنرى كورييل ـ اليهودى ـ أحد قادة حدتو والمبعد فى باريس من قبل قيام الثورة هو الذى قاد هذا الرأى . ويقول قادة هذا الفصيل أن استقرار ثورة يوليو كان ثمنه أربعة آلاف جنيه دفعها جمال عبد الناصر الذى دبر أيضا عدد من الانفجارات لإثارة مخاوف الناس من الاندفاع نحو طريق الديموقراطية ، وأن بعض الدول الغربية ـ وتلميحا الولايات المتحدة الأمريكية ـ قررت مساندته فى ذلك . أما جماهير الشعب المصرى التى لا دخل لها ولا دور لها إلا أن تنقاد لهؤلاء الذين قبضوا الأربعة آلاف جنيه .. ممن وكيف ؟! إن هذا الإدعاء أقل ما يوصف به أنه يمثل قمة الاستهزاء بعقلية وإرادة الجماهير التى هبت بالملايين فى كافة أنحاء البلاد تدعم الثورة وتساندها، وتحمى ظهرها فى الداخل. لقد كنا فى هذه الفترة نعمل فى القسم الخاص بالمخابرات العامة ، القسم المسئول عن الشئون الداخلية بمختلف مناحيها بالتنسيق مع إدارة المباحث العامة ، وعلى وجه التحديد كل من : محى الدين أبو العز ومحمد وفاء حجازى ـ السفير فيما بعد ـ وسامى شرف وصلاح الدسوقى أركان حرب وزارة الداخلية ـ المحافظ والسفير فيما بعد ـ ويوسف القفاص والسيد إبراهيم وحسن طلعت وأحمد صالح داود من ضباط المباحث العامة ، نتابع التطورات لحظة بلحظة ؛ سواء على الصعيد العسكرى أو على صعيد الشارع المدنى، وكانت هناك غرفة عمليات تعمل ليل نهار، ولم نر أو نسمع أو نعلم أن أموالا دفعت أو وزعت من أجل تثبيت الثورة ، بل الذى أقطع به أن تحركات كافة القطاعات كانت تلقائية، ومن موقع تقدير المسئولية . ولقد تعرضت بالتفصيل لهذه القضية فى فصل أزمة مارس 1954 فى مكان آخر من هذه الشهادة. وإضافة إلى فرى الشيوعيين ضد ثورة يوليو ما يشيعونه بأن الثورة كانت تعمل ضد الديموقراطية.. من الممكن أن يقبل ذلك الحديث من أى أحد إلا الشيوعيين؛ فتاريخ الشيوعية ينضح بكافة الممارسات التى تتنافى تماما مع مبدأ الديمقراطية!! ثم أن من يحاول الترويج لهذه الفرية؛ سواء من الشيوعيين أو غيرهم لم يحددوا لنا أى ديموقراطية يقصدونها بالضبط؛ هل يقصدون ديمقرطية " ستالين " أم ديموقراطية " العم سام"؟!! إذا ما كانوا يقصدوا أى منهما فأنا معهم.. نعم ثورة يوليو لم تكن مع هذا أو ذاك، وشرف لها أن تكون كذلك؛ لأنها ثورة أسمى من أن تبطش بشعبها أو تزيف وعيهم، وتستخف بعقولهم بكلمات براقة ليس فيها من الحقيقة شئ. قائد ثورة 23 يوليو أدرك أن لكل مجتمع تقاليده ومورثاته وتجربته السياسية التى قد تتفق فى بعض جوانبها مع تجارب الآخرين، إلا أنها أيضا تختلف فى جوانب أخرى بما تتميز به من خصوصية- فلكل مجتمع خصوصية تميزه عما سواه – بما يعنى أن استيراد أنماط جاهزة مستقاة من تجارب سياسية أخرى تختلف عنا اختلافا جذريا لتطبق لدينا – كما يروج البعض الآن من مشاريع الشرق الأوسط الكبير وغيره- كان كفيلا بأن يحكم بالفشل على تجربتنا من البداية.. أدرك الرئيس عبد الناصر ذلك، وكان مبدأه أن نستفيد من تجارب الآخرين .. نقاط القوة فيها، ونأخذ منها ما يناسب خصوصية مجتمعنا، ويتوافق مع أهدافنا، وظروفنا السياسية، والتحديات التى كانت تواجهها الثورة فى الداخل والخارج). وهنا لدى سؤال؛ هل كان الدكتور عبد الرزاق السنهورى، وفتحى رضوان، والدكتور سيد صبرى، كما يقول هؤلاء الشيوعيون يشجعون العسكر على الاتجاه ضد الديموقراطية ؟ وأسأل مرة ثانية هل عندما تولوا مسئولية جريدة " المساء " التى كانت تصدرها مؤسسة دار التحرير التى يرأسها الرئيس جمال عبد الناصر ، وتتبنى اتجاهات الثورة .. لماذا قبلوا تولى المسئولية ما دامت الثورة لم تكن تطبق الديموقراطية كما يدعون ؟ بل كانوا يكتبون فيها ما يشاءون !! كل هذا ولم تكن هناك ديموقراطية ! عجبى ! . ثم يقولون بعد ذلك أن هزيمة يونيو 67 كانت بسبب أزمة الديموقراطية ! نحن نفهم طبعا ما هى الديموقراطية، ولا نقلل من أهميتها وإن اختلفنا فى تحديد المفاهيم وفى تشخيص ما إذا كان نظام الرئيس عبد الناصر يعانى من أزمة ديموقراطية أم لا . لقد كان الاتحاد السوفيتى يدعى أنه نظام ديموقراطى، وكانت حدتو وغيرها من الفصائل الشيوعية تؤيده، وتتلقى الأوامر منه ومن توابعه فى بلغاريا مثلا . . ومع ذلك فقد انهار هذا النظام بصورة مهينة لقاء حفنة من الدولارات، وإلقاء محاضرات، وعقد لقاءات تليفزيونية فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، وفيلا سكنية فى إيطاليا . وفرنسا أم الحرية والديموقراطية والأحزاب ذات الصوت العالى ، اكتسحتها جحافل النازية فى لمح البصر وسقط النظام سقوطا كاملا . وقمة الديموقراطية الولايات المتحدة الأمريكية -كما تدعى لنفسها- نسف أسطولها وطيرانها بالكامل فى لحظات فى بيرل هاربور ، ولم تشفع لها الديموقراطية ولا حقوق الإنسان . إن قضية الديموقراطية هى بلا شك من قضية هامة ، ولكنها أيضا ذريعة ، وباسمها ترتكب الجرائم والخطايا؛ فالديموقراطية مثلا هى الشعار الذى ترفعه الرأسمالية والإمبريالية الجديدة فى حربها ضد الثورة الوطنية والاجتماعية فى العالم الثالث ، وضد الاشتراكية فى المعسكر الاشتراكى ، فهى تزعم أن معركة العصر هى معركة بين الديموقراطية وبين الشمولية، وليست بين الرأسمالية والامبريالية. والديموقراطية التى تعترف بها وتريد تطبيقها كنموذج يحتذى للعالم الثالث هى ديموقراطية فورموزا بقيادة تشيانج كاى شيك ، أو ديموقراطية كوريا الجنوبية وأخيرا ديموقراطية إسرائيل . ولكن النظم الأخرى ، نظم عبد الناصر فى مصر، وسوكارنو فى اندونيسيا، وسيكوتورى فى غينيا فهى نظم ديكتاتورية شمولية شيوعية لابد من مقاومتها من أجل الديموقراطية . والديموقراطية كانت الذريعة التى انشقت بها الحركة الاشتراكية الدولية بمساهمة القوى الرأسمالية والاستعمارية ، وانقسمت إلى أحزاب اشتراكية ديموقراطية تهاجم الأحزاب الاشتراكية اليسارية، والأحزاب الاشتراكية الماركسية؛ بحجة واحدة هى افتقادها وعدوانها على الديموقراطية. إن الديموقراطية فى البلاد التى عانت من الاستعمار والاستغلال الأجنبى لابد أن تبدأ أولا بالديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية، وهدم النظام القديم بكل كياناته وعلاقاته. فلا يمكن أن تقوم ديموقراطية فى ظل الأمية أو الجوع أو المرض أو البطالة تظلل أغلبية سحقها الاستبداد والاستغلال . لا أعنى بذلك بالطبع أننا كنا مثاليين؛ كانت هناك تجاوزات لن ننكرها، واعترف بها الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه بها أكثر من مرة فى أقوى وأجرأ نقد ذاتى للتجربة – إن هذه التجاوزات موجودة فى أقدم ديمقراطيات العالم ولدى كل من يدعى أنه ديموقراطى، ولنا فيما حدث للعرب والمسلمين فى بريطانيا و الولايات المتحدة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وما تفعله الولايات المتحدة مع الشعب العراقى، وكذلك ذنبها الكيان الصهيونى مع شعب فلسطين ما يؤكد صدق ما أقول- ، ولم يكن هدم المجتمع القديم ليتم بالحوار والإقناع بل كان لابد من التشدد مع طبقة قهرت وأذلت الشعب طويلا . ومهما كانت التجاوزات فى التطبيق فإنها لا تبرر اتخاذ البعض لها ذريعة للتنديد بالثورة . وإن تجاوز الشرعية قد صاحب كل الثورات فى العالم شرقه وغربه بلا استثناء ( أمريكا ـ فرنسا ـ روسيا ) ، والثورة ليست حفلة وإنما صراع قوى وهائل. وما حدث فى مصر من تجاوزات لا يقارن فى شىء بما حدث فى ثورات أخرى غربية أو اشتراكية أو عربية ، لا يقاس فى شىء بما حدث فى الثورة الأمريكية أو الفرنسية والروسية وفى الثورة الجزائرية والعراقية . إن ما حدث من تجاوزات ينبغى ألا يؤخذ وسيلة لإنكار كل ما حققته الثورة أو تكئة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء . والإقطاع والرأسمالية المصرية حكمت مصر طويلا وتمخض عن حكمهم أن 99.5% من الشعب فى أدنى درجات الإنسانية وتجاوزات القانون والشرعية تعنى أول ما تعنى البحث عن أفضل شكل لديموقراطية اشتراكية لا تنفصل فيها الديموقراطية السياسية عن الديموقراطية الاقتصادية أو الديموقراطية الثقافية، وهى لا تعنى أبدا إعادة الديموقراطية الرأسمالية الغربية أو سيادة قوانينها . وإن ما حدث من تجاوزات كان حالات واستثناءات لم يكن القانون، ولم يعلن الإرهاب العام ولكن انحرافات وشذوذ ومن الافتراء الاستناد إليها للقول بأنها –الثورة- سحقت مصر والمصريين، ولا يجوز إطلاقا أن يشوه عظمة التجربة، ونبل أهدافها ومبادئها، وقوة انجازاتها؛ . طبعا كلامى هذا ليس تقليلا أو ينال من الإيمان بضرورة تطبيق الديموقراطية التى سعت الثورة بكل طاقاتها فى محاولات لتطبيقها التطبيق السليم لتستند على أساس تطوير المجتمع .. مجتمع الكفاية والعدل، وليس مجتمع النصف فى المائة . هناك سؤال يطرح نفسه على أى سياسى مصرى وهو : لمن كانت ستمنح الحرية السياسية والديموقراطية فى بدايات الثورة ؟ هل كانت ستتاح للباشوات والبكوات والإقطاعيون ومجتمع النصف فى المائة ؟ أم كان من المفروض أن يقودها الفلاح والعامل والفقير الذين طحنوا قرونا طويلة تحت سيطرة الاستعمار وأعوانه وعملائه ؟ وإذا سلمنا بأن الديموقراطية حق لابد من انتزاعه ، فمن كان سينتزعه ؟ شعبا يعانى الفقر والجهل والمرض . الديموقراطية حق لا يمنح ، بل ستظل دائما وأبدا معركة الشعب المستمرة من أجل المشاركة الفعلية فى الحكم، ومن أجل حرية الكلمة، وحرية النقد والمعارضة، وممارسة النقد الذاتى . وإذا كانت الديموقراطية فى زمن الرئيس عبد الناصر طبقت بمفهوم حق المواطن فى التعليم المجانى والعمل والعلاج المجانى، وإتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع بدون أى استثناء، وكانت تعنى على الجانب الآخر حق العمال فى المشاركة فى إدارة مصانعهم وشركاتهم، وحق الفلاح فى امتلاك الأرض ، وحق المشاركة فى عضوية المجالس والمؤسسات السياسية والنيابية بنسبة تمثل حقيقة حجمهم فى المجتمع . لقد سلمنا عبد الناصر الأمانة لنكمل نحن المسيرة بعد الوصول إلى مرحلة النضج السياسى والاجتماعى بمفهوم التعددية السياسية ، كما نادى بها هو قبل رحيله فى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى يوم3 أغسطس سنة 1967 . فهل نحن قادرون على تحقيق هذا الهدف أم سنظل نتباكى على الديموقراطية المفقودة ظلما ؟. وإذا كان نظام عبد الناصر هو السبب فى تعطيل مسيرة الديمقراطية، فماذا عطلها بعد رحيله؟!! إن الحرية طريق لا نهاية له ، ولسوف يظل جمال عبد الناصر رمزا حيا للكبرياء الإنسانى والكرامة.. ليس فى مصر فقط بل فى الوطن العربى قاطبة ، إن لم يكن فى العالم الثالث كله . وإنى أحب أن أضع تحت أنظار القارئ الكريم ورقتين أنهى بهما بهذه الشهادة : الأولى: هى تقدير للموقف بخط يد الرئيس جمال عبدالناصر عن الشيوعية فى الجمهورية العربية المتحدة . والثانية: هى صورة فوتوغرافية للخطاب الذى تسلمه الرئيس جمال عبد الناصر، والذى يقرر فيه قادة التنظيمات الشيوعية المصرية بخط يدهم وبإرادتهم الحرة حل كافة تنظيماتهم فى الجمهورية العربية المتحدة ، والذى سلمونى إياه فى مكتبى بمنشية البكرى . 24 والبرقية المرفقة بهذه الرسالة تشمل أيضا مشاركة باقى قادة التنظيمات الشيوعية الذين حالت ظروفهم من أن يوقعوا بأنفسهم على الرسالة ، وناب عنهم السيد محمد كمال عبد الحليم. ( ويقول "جون بادو" سفير الولايات المتحدة الأمريكية فى مصر : " أن كينيدى كان يعلم كما كان هو يعلم تماما أن عبد الناصر لم يكن شيوعيا، وإنما كان ثوريا عمليا " ، بل ويذهب بادو إلى القول بأن الولايات المتحدة كانت تسعى فى ذلك الوقت لإنجاح تجربة عبد الناصر والتى أسماها "الاشتراكية البراجماتية " للدولة بدلا من أن تندفع مصر فى طريق الشيوعية السوفيتية ، وقد كان يطمئنهم فى ذلك أن ناصر لم يكن أيديولوجيا ، فقد كان يأخذ بعض الأشياء من النظم الاشتراكية ، لكنه كان أيضا يأخذ أشياء أخرى من النظم الرأسمالية كلما وجد أن فى هذا أو ذاك مصلحة عملية لاقتصاد بلاده 0 (وبالمناسبة فإنى أقرر هنا أنه حدث تجاوز تلقائى تم بمعرفة إثنين من ضباط البوليس الحربى؛ وهما أحمد أنور، وحسين عرفة اللذين توجها إلى مجلس الدولة فى محاولة للاعتداء على الدكتور عبدالرزاق السنهورى بتصرف شخصى وفردى منهما وبدون الرجوع لأى مسئول كبير من أعضاء مجلس قيادة الثورة ، وذلك عقب وصول إشاعة لهما تفيد بأن مجلس الدولة سيصدر فتوى قانونية ضد الثورة ، ولقد حال الرئيس جمال عبد الناصر دون إتمام هذه المحاولة عندما بلغه ما هما مقدمان عليه فى اللحظة الأخيرة، وتم الاعتذار للدكتور السنهورى بواسطة الرئيس عبد الناصر . وأحب أن أؤكد هنا أنه لو كانت هناك تعليمات للقيام بمثل هذه الاعتداءات لكان قد تم الاعتداء على نقابة المحامين التى كانت قد أصدرت فعلا فى ذلك الوقت بيانا ضد الثورة ، أو كان تم الاعتداء على جريدة المصرى التى كانت بوقا ضد الثورة!! (الولايات المتحدة الأمريكية تتدخل فى الشئون الداخلية للدول، وتغير أنظمة دول من أجل خدمة مصالحها الخاصة تحت ذريعة نشر الديمقراطية، وما فكرة مبادرة الشرق الأوسط الكبير التى تروج لها الآن فى الوطن العربى إلا ذريعة من جانب الولايات المتحدة للتحكم فى المنطقة، وتغيرها لصالح الكيان الصهيونى |
رد: ابحاث ثورة يوليو
واجهت جماعة الإخوان المسلمون على مدى تاريخها إشكالية كبرى ، لقد قامت فى البداية كجماعة دينية تعمل فى مجال الدعوة وتخليص الإسلام من البدع الدخيلة عليه وترسيخ المفاهيم الصحيحة للدين بين أفراد المجتمع ، ولا ننكر أنها بذلك كسبت أرضية واسعة فى المجتمع ، ولكنها فى الوقت نفسه أبدت طموحا سياسيا كبيرا للعب دور مؤثر على المسرح السياسى ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى كله مستغلة فى ذلك حالة الفوران السياسى التى أعقبت ثورة سنة 1919 وانتشار الاستعمار الأوروبى فى المنطقة ومن ثم تصاعد حركة المقاومة . خالد محمد خالدوالأمر المنطقى أن ينصب الشق السياسى فى نشاط الإخوان المسلمين على مقاومة المحتل الأجنبى والتصدى لألوان الفساد فى الداخل ، لكن ما حدث بالفعل هو سعى قادة الجماعة -وفى مرحلة مبكرة جدا- إلى دخول المعترك السياسى كتيار صالح للاستخدام من جانب الملك وأحياناً من جانب البريطانيين أنفسهم لضرب تيارات أخرى وفى مقدمتها حزب الأغلبية ، واقدم هؤلاء القادة على بعض التصرفات لخدمة هذا الهدف ، لكنها أثارت ردود فعل معاكسة لأجنحة اخرى داخل الجماعة . وقد تمثل أول هذه التصرفات عندما قبل الشيخ حسن البنا تبرع الشركة الفرنسية التى كانت تدير قناة السويس وقتئذ بمبلغ خمسمائة جنيه لبناء أول مقر للجماعة فى مدينة الإسماعيلية مما أثار اعتراض بعض الأعضاء المؤسسين باعتبار أنها شركة استعمارية لا يهمها الإسلام فى شئ ، لكن الشيخ كان مهتما فى المقام الول بتدبير التمويل اللازم لجماعته الوليد ، والأهم من ذلك هو طمأنة القائمين على الشركة ومن ورائهم الأجانب المنتشرين فى منطقة قناة السويس إلى اقتصار مقاصده على الجوانب الدينية فقط حتى يتمكن من ترسيخ قواعد جماعته فى هدوء . وفى هذا السياق ارتبطت الجماعة بعلاقات متنامية مع الملك فاروق الذى رأى فيها عونا كبيرا له باعتبارها تنظيما يقاوم النشاط الشيوعى ، وكان الملك فاروق فى نفس الوقت يعمل على دعم وتمويل الجماعة لمواجهة حزب الوفد ، و يعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين هى الجماعة الوحيدة التى تحتكم إلى قواعد شعبية تستطيع أن تنافس الوفد فى شعبيته ، ومن الصدف العجيبة أنه فى تاريخنا القريب جدا كان أنور السادات يتبع نفس الأسلوب الملكى ، ولكن بخلاف بسيط ؛ هو أنه أستخدم هذه الجماعة لمواجهة الناصريين مع انقلاب مايو 1971 ومما يؤكد العلاقة الوطيدة بين الملك فاروق وجماعة الإخوان المسلمين أنه فى أكثر من مرة عندما كان حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان المسلمين-وهو فى نفس الوقت زوج شقيقة مراد باشا محسن ناظر الخاصة الملكية - يقابل الملك فاروق كان يخرج من كل مقابلة ليصرح بقوله :" زيارة كريمة لملك كريم " . وبعد معاهدة1936 ظهرت جماعة الإخوان المسلمين على المسرح السياسى عندما اشتد الصراع بين الملك والوفد ، وكان على ماهر باشا رئيس الديوان الملكى والرجل القريب جدا من فكر وقلب الملك والمستشار الأكثر قربا وتأثيرا على القصر على علاقة طيبة بالشيخ حسن البنا المرشد العام للجماعة وبعض أفراد الجماعة، واعترض بعض أعضاء الجماعة رافضين هذه العلاقة ووجهوا إنذارا للمرشد العام للجماعة مطالبين فيه بقطع هذه العلاقة ، ولكن حسن البنا رفض هذا الإنذار، وطرد هؤلاء الرافضين، وقد كتب أحدهم مقالا يشرح فيه أسباب الانقسام، وذكر فيه " أنهم خرجوا؛ لأن الجماعة موالية للقصر الملكى ، كما أورد أسبابا أخرى تفيد التلاعب فى الأموال ، وبعض التصرفات غير الأخلاقية " . ولقد خصص المؤتمر الرابع للجماعة للاحتفال باعتلاء الملك فاروق عرش مصر ، كما كانوا يقفون فى ساحة قصر عابدين فى المناسبات هاتفين : " نهبك بيعتنا ، وولاءنا على كتاب الله وسنّة رسوله ". وقد ورد فى جريدة " البلاغ " فى 20ديسمبر 1937 ما يلى : عندما اختلف النحاس باشا مع القصر خرجت الجماهير تهتف : " الشعب مع النحاس " فسيّر حسن البنا رجاله هاتفين : " الله مع الملك ". وكتب أحمد حسين فى جريدة " مصر الفتاة " فى 17يوليو1946 مايلى :"إن حسن البنا أداة فى يد الرجعية ، وفى يد الرأسمالية اليهودية، وفى يد الإنجليز وصدقى باشا" . وبمناسبة صدقى باشا ، فإنه عندما تولى رئاسة الوزارة سنة 1946 كان أول ما قام به هو زيارته للمركز العام للإخوان المسلمين فى الحلمية الجديدة ، ووقف أحد أصدقاءه من الإخوان المسلمين يهنئه بتوليه الوزارة قائلا :" واذكر فى الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد ، وكان رسولا نبيا". وعندما شكل الطلبة والعمال اللجنة الوطنية ، انشق الإخوان المسلمين وشكلوا بالاتفاق مع إسماعيل صدقى رئيس الوزراء ومع الملك ما سمى " باللجنة القومية "، وإذا رجعنا إلى مذكرات كريم ثابت - المستشار الصحفى للملك فاروق ورئيس تحرير جريدة الزمان - والتى نشرت فى جريدة الجمهورية فى شهر يوليو1955 وجاء فيها متعلقا بجماعة الإخوان المسلمين أنه أى كريم ثابت تدخل لدى النقراشى باشا رئيس الوزراء لإيقاف قرار حل ومصادرة ممتلكات الجماعة باعتبارها عونا كبيرا للملك فاروق وللعرش فى مقاومة الشيوعية ، وأن الملك فاروق كان يعتبر أنهم الهيئة الوحيدة التى يمكنها أن تنافس الوفد، وتشجيعها يؤدى إلى انقسام معسكر القوى الوطنية وبالتالى إضعافه . ويروى أحمد مرتضى المراغى وزير الداخلية الأسبق فى مذكراته التى نشرت فى مجلة "أكتوبر " أنه عندما كان مديرا للأمن العام ذهب إليه فى منزله فى حلوان الشيخ حسن البنا وطلب منه إبلاغ الملك الرسالة التالية – وكان فى هذا الوقت يرأس الحكومة النقراشى باشا ، وكان يعادى الإخوان المسلمين الرسالة هى :" الإخوان المسلمين لا يريدون به شرا وأننا لا ننبذ تصرفاته ، إنه يذهب إلى نادى السيارات للعب الورق فليذهب!! ، وإلى النوادى الليلية ليسهر ، فليسهر! نحن لسنا قوامين عليه". وفى سنة1950 حصل حزب الوفد على الأغلبية فى الانتخابات وسقط الأمر العسكرى بحل جماعة الإخوان المسلمين وانتخب المستشار حسن الهضيبى مرشدا عاما للجماعة . وتقول جريدة اللواء الجديد فى 30يناير1950 : " إن مزراحى باشا محامى الخاصة الملكية كان له دور فى تحسين العلاقات بين الملك والإخوان المسلمين، وأن الصحف البريطانية أظهرت ترحيبا شديدا باختيار الهضيبى مرشدا عاما الذى يؤيده الملك فاروق لقرابته بمراد باشا محسن – زوج شقيقته – كما أنه وطيد الصلة بعائلات ثرية قريبة من السراى ، وكان الملك فاروق عندما يقابل المرشد العام يرسل له سيارة ملكية خاصة لإحضاره.. " . وفى عام 1951 عقب إلغاء معاهدة 1936 وإعلان الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية فى منطقة قناة السويس صرح حسن الهضيبى لجريدة الجمهور المصرى فى 19أكتوبر 1951 بقوله: "وهل تظن أن أعمال العنف تخرج الإنجليز من البلاد ، إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان من تربية الشعب . . وذلك هو الطريق لإخراج الإنجليز " . كما خطب المرشد العام فى شباب الجماعة قائلا : " اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن الكريم " . وقد رد عليه خالد محمد خالد – الكاتب الإسلامى فى مجلة " روز اليوسف" بمقالة عنوانها "أبشر بطول سلامة يا جورج " ، وجاء فى المقال :" إن الإخوان المسلمين كانوا أملا من آمالنا ، ولم يتحركوا ، ولم يقذفوا فى سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام فى عشرة آلاف شاب قال لهم :" اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن الكريم " . . وسمعت مصر المسكينة هذا التوجيه فقذفت صدرها بيدها وصاحت . . آه يا كبدى . . . أفى مثل هذه الأيام يدعى الشباب للعكوف على تلاوة القرآن الكريم، ومرشد الإخوان يعلم أو لا يعلم أن رسول الله وخيار أصحابه معه تركوا صلاة الظهر والعصر من أجل المعركة ، ويعلم أو يجب أن يعلم أن رسول الله نظر إلى أصحابه فى سفره فإذا بعضهم راقد وقد أعياه الصوم ، وبعضهم مفطر قام بنصب الخيام فابتسم إليهم ابتسامة حانية راضية وقال : "ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله، فلقد وجد الوطن فى التاريخ قبل أن يوجد الدين ، وكل ولاء للدين لا يسبقه ولاء للوطن فهو ولاء زائف ليس من روح الله". والوطن عماد الدين وسنده ولن تجدوا ديننا عزيزا مهيبا إلا إذا كان فى وطن عزيز مهيب، وإذا لم تبادروا بطرد الإنجليز فلن تجدوا المصاحف التى تتلون فيها كلام ربكم . . . أتسألون لماذا؟ لأن الإنجليز سيجمعونها ويتمخطون فيها كما حدث فى ثورة فلسطين سنـة1937 ، وإذا حسبتمونى مبالغا فراجعوا الكتاب المصور الذى أصدره المركز العام عن تلك الثورات لتروا صورة الضباط الإنجليز وهم يدوسون المصاحف ويتمخطون فى أوراقها . إن فى مصر قوى شعبية ضخمة تستطيع رغم ظروفها أن تردم القناة بجثث الإنجليز ، ولكن هذه القوى محتكرة . . . تحتكرها الهيئات والجماعات لصالح من ؟ وإلى متى ؟ " . الإخوان بعملون فى الصفوف الخلفية: كما كتب إحسان عبد القدوس مقالا فى " روزاليوسف " بتاريخ 27نوفمبر 1951 بعنوان "الإخوان . . إلى أين ؟ وكيف . . ؟ ينعى عليهم عدم مشاركتهم فى معركة القناة، ويقول: "إن هذه الأيام أيام الامتحان الأول للإخوان عقب محنتهم ، فإما أن يكونوا أقوياء بإيمانهم ، وإما فقدتهم مصر " . وفى شهر يوليو1952 نشرت جريدة المصرى - التى تتبنى أفكار حزب الوفد - خبرا جاء فيه أنه كان قد تم الاتفاق بين الإخوان المسلمين والوفد على أن تشترك كتائب من الإخوان مع الوفد فى معركة القناة، وأن حكومة الوفد ستسلم الإخوان 2000 بندقية و50 رشاشا ومليون طلقة ، وأنه كان قد تحدد يوم 26يناير سنة1952 لتسليم هذه الأسلحة ، ولكن الملك فاروق حدد يوم 26يناير1952 لإقالة حكومة الوفد ، كما نشرت جريدة المصرى تصريحا للمرشد العام عقب مقابلته للملك فاروق جاء فيه إن الملك قال له: "أنه خائف على البلد من اللى بيعمله المصريين فى الإسماعيلية والسويس، وأنه يجب ألا يشترك الإخوان معهم فى هذه الأعمال؛ لأن الحركة دى حا تجر على البلد مصايب " . وفى مذكرات اللواء فؤاد علام مفتش النشاط الدينى بمباحث أمن الدولة الأسبق والمنشورة بجريدة عالم اليوم فى 20 أغسطس 1995 قال : " أن السفير الأمريكى جيفرسون كافرى قدم تقريرا عن اجتماع مع أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين -لم يذكر اسمه-ووصفه بأنه ابن أحد مشايخ الأزهر، وقدم عضو الإخوان المسلمين المعلومات التالية عن موقف الإخوان : قرر أن الثورة أبلغت الإخوان بأنها سوف تحارب القوات البريطانية فى الوقت المناسب، وأنهم يعتقدون بأن الثورة جادة فى شن حرب فى منطقة القنال .. وأن الإخوان سيلتزمون بالمشاركة فى مثل هذه الحرب من الناحية الأدبية فقط . أشار إلى وجود مخازن سلاح سرية يمكن الاستيلاء عليها، ولا تعرف الثورة عنها شيئا، وهى عبارة عن أسلحة أوتوماتيكية متنوعة بدلا من النوعيات التى عفى عنها الزمن، وأنه شخصيا عاين أكثر من 100 قطعة سلاح، لكنه تهرب أكثر من مرة من تحديد موعد هذه الحرب. قرر أكثر من مرة بأن صداما سوف يحدث قبل أكتوبر 1953، سواء ضد الثورة أو الإنجليز، وأكد أن شعورا عاما بالاستياء سوف يعم المواطنين. وأشار إلى أن الإخوان الذين اعتقلتهم الثورة ليسوا فى الحقيقة إخوانا، وإنما شيوعيون تستروا بالإخوان كغطاء لإخفاء نشاطهم. وفى صباح 23 يوليو استدعى حسن عشماوى لمبنى القيادة العامة للقاء عبد الناصر ، الذى طلب منه تأييدهم للثورة ، ورفض المرشد العام إصدار البيان ـ وكان فى المصيف بالإسكندرية - ولم يصدر بيان التأييد المقتضب إلا فى ساعة متأخرة من يوم 27يوليو1952 وبعد طرد الملك فاروق من مصر . ويقول فضيلة الشيخ المرحوم أحمد حسن الباقورى عن خلافه مع جماعة الإخوان، وبين عبد الناصر والإخوان : " إن العملية كلها منذ جاء المرحوم على باشا ماهر ، وتحرك جماعة من الإخوان مثل الأستاذ عبد الحكيم عابدين وآخرين دون علمى لمقابلته؛ وأنا عضو فى مكتب الإخوان العام، ولابد أن يكون لى وجهة نظر معينة إذا ما أراد الواحد منهم أن يلتقى برئيس الوزراء، ثم التقوا لقاء غريب بالإنجليز .. أنا شعرت أن هذه العملية لعب، وأنهم يلعبون بنا .. وجمال عبدالناصر رحمة الله عليه كان زعلان منهم؛ لأنه فى ليلة القيام بثورة 23 يوليو كان قد اتفق مع بعض الإخوان المسلمين أن يشاركوا.. والذى حدث أنهم لم يحضروا فى الموعد المحدد ورفضوا التحرك ولم يتعاونوا – كما يزعمون - ، واعتبر عبدالناصر موقفهم هذا هروبا ربما يكون قد فكر فى أكثر من الهروب .. بالخيانة مثلاً، ولكن لم يقل شيئاً سوى أنهم خذلوه..!!. وأعتقد أنه بعد ما ذكر يمكن أن يتفهم القارئ الكريم الأسباب التى أدت بمجلس قيادة الثورة إلى اتخاذ القرار بحل جماعة الإخوان المسلمين 14يناير1954 : التقاعس فى تأييد المرشد العام للإخوان المسلمين للثورة إلا بعد خروج الملك فاروق من مصر. عدم تأييد الجماعة لقانون الإصلاح الزراعى ، والمطالبة برفع الحد الأقصى للملكية الزراعية فى حالة تطبيق القانون إلى خمسمائة فدان . محاولة الجماعة فرض الوصاية على الثورة بعد حل الأحزاب السياسية القديمة . اتخاذ موقف المعارضة من هيئة التحرير ( التنظيم السياسى ) . بدء التسرب إلى الجيش والبوليس وقيام الجماعة بتشكيل خلايا سرية تحت إشراف المرشد العام للجماعة مباشرة ( المسئولين العسكريين كانوا أبو المكارم عبد الحى وعبد المنعم عبد الرؤوف وحسين حمودة وصلاح شادى ). تشكيل جهاز سرى جديد بعد حل الجهاز السرى القديم الذى كان يشرف عليه عبد الرحمن السندى منذ أيام حسن البنا ، والمعروف أن السندى كان على اتصال بالرئيس جمال عبد الناصر من قبل الثورة عندما كان عبد الناصر على علاقة بشكل ما أو بآخر بأغلب التنظيمات السياسية فى مصر هو وبعض الضباط الأحرار الآخرين . تم اتصال عن طريق د . محمد سالم الموظف فى شركة النقل والهندسة بين المستر إيفانز المستشار الشرقى فى السفارة البريطانية بالقاهرة فى خلال شهر مايو سنة1953 مع كل من منير دلة وصالح أبو رقيق ثم مع حسن الهضيبى بعد ذلك، واعتراض مجلس الثورة وقتها على هذه الاتصالات ولكنهم استمروا فيها وقد تم رصد هذه الاتصالات فى حينه، وتم تسجيل أغلبها بمعرفة أجهزة الأمن المعنية ( المخابرات العامة والمباحث العامة ). زيارة حسن عشماوى يوم الأحد 10يناير1954 للمستر كروزويل الوزير المفوض بالسفارة البريطانية بالقاهرة مرتين فى نفس اليوم ، الأولى الساعة الرابعة والثانية فى الساعة الحادية عشر مساء. عبد الناصر والاخوان قبل الثورة وبعدها : ولنقرأ ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر فى نوفمبر1965 بالنص حول علاقة الثورة بالإخوان المسلمين : " أنا قبل الثورة كنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة فى البلد ، يعنى كنت أعرف الشيخ حسن البنا ، ولكن ماكنتش عضو فى الإخوان المسلمين 0 كنت أعرف ناس فى الوفد وكنت أعرف ناس من الشيوعيين ، وأنا أشتغل فى السياسة أيام ما كنت فى ثالثة ثانوى ، وفى الثانوى اتحبست مرتين أول ما اشتركت فى مصر الفتاة وده يمكن اللى دخلنى فى السياسة، وبعدين حصلت خلافات وسبت مصر الفتاة ، ورحت انضميت للوفد ، وطبعا أنا الأفكار اللى كانت فى راسى بدأت تتطور، وحصل نوع من خيبة الأمل بالنسبة لمصر الفتاة ، ورحت الوفد وبعدين حصل نفس الشىء بالنسبة للوفد ، وبعدين دخلت الجيش . . . وبعدين ابتدينا نتصل فى الجيش بكل الحركات السياسية ولكن ماكناّش أبدا فى يوم من الإخوان المسلمين كأعضاء أبدا ، ولكن الإخوان المسلمين حاولوا يستغلونا فكانت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار موجودة فى هذا الوقت، وكان معانا عبد المنعم عبد الرؤوف وكان فى اللجنة التأسيسية ، وجه فى يوم وضع اقتراح قال إننا يجب أن نضم حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين . . . أنا سألته ليه ؟ قال : " إن دى حركة قومية إذا إتقبض على حد منا تستطيع هذه الحركة أنها تصرف على ولاده وتؤمن مستقبله " . ولكن مش ممكن نسلم حركة الضباط الأحرار علشان مواضيع شخصية بهذا الشكل ، وحصل اختلاف كبير. . صمم عبد المنعم عبد الرؤوف على ضم حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين وإحنا رفضنا ـ كان طبعا فى هذا الوقت الشيخ حسن البنا الله يرحمه مات، وأنا كان لى به علاقة قوية ولكن علاقة صداقة ومعرفة.. زى ما قلت لكم ما كنتش أبدا عضو فى الإخوان المسلمين، وأنا لوحدى يمكن اللى كان ليه علاقة بحسن البنا وإخواننا كلهم مالهومش ، ولكن كنت بأقول لهم على الكلام اللى يحصل معاه . . . نتج عن هذا إن عبد المنعم عبد الرؤوف استقال وده قبل الثورة بستة شهور ، استقال عبد المنعم عبد الرؤوف وأنا كانت لى علاقة ببعض الناس من الإخوان المسلمين كعلاقة صداقة . . . وكان لهم تنظيم داخل الجيش، وكان يرأس هذا التنظيم ضابط اسمه أبو المكارم عبدالحى . . وقامت الثورة . . فى أول يوم من قيام الثورة جالى بالليل عبد الرؤوف ومعاه أبو المكارم عبدالحى، وطلبوا إننا نديهم أسلحة علشان الإخوان يقفوا جنبا إلى جنب مع الثورة . . أنا رفضت إن إحنا نديهم سلاح ، وقلت لهم إن إحنا مستعدين نتعاون . . وبدأ التعاون بيننا وبين الإخوان المسلمين وقلت لهم يشتركوا فى الوزارة بعد كده، ورشحوا عدد من الناس للاشتراك فى الوزارة ، ولكن جه بعد كده تصادم.. اتحلت الأحزاب كلها ، وما حليناش الإخوان المسلمين " . وفى اليوم التاسع والعشرين من يوليو1952 تم لقاء بناء على طلب المرشد العام للإخوان المسلمين فى منزل صالح أبو رقيق ، حضره الرئيس جمال عبد الناصر والمرشد العام الذى طلب أن تطبق الثورة أحكام القرآن الكريم ، وأجابه الرئيس عبد الناصر بأن الثورة قامت حربا على الظلم والاستبداد السياسى والاجتماعى والاستعمار البريطانى ، وهى بذلك ليست إلا تطبيقا لأحكام القرآن الكريم . فطلب المرشد أن يصدر قرار بفرض الحجاب حتى لا تخرج النساء سافرات ، وأن تغلق دور السينما والمسارح . . فرد الرئيس عبد الناصر - بعدما حسب الأمر – أنت تطلب منى طلبا لا طاقة لى به . . فأصر المرشد على طلبه . . فقال الرئيس عبد الناصر : " اسمح لى نتكلم بصراحة وبوضوح . . انت لك بنت فى كلية الطب . . هل بنتك اللى فى كلية الطب بتروح الكلية لابسة حجاب ؟ ! أنا أعرف بأنها بتروح الكلية بدون حجاب ، فإذا كنت فى بيتكم مش قادر تخللى بنتك تطلع فى الشارع حاطة الحجاب ، حاتخللينى أنا أطالب الناس كلهم وأقول لهم حطوا حجاب 000 وبعدين هل بنتك بتروح السينما وإلا ما بتروحش ؟ بتروح السينما.. طيب إذا كان الراجل فى بيته مش قادر يخللى أولاده أو بنته ما تروحش السينما ليه.. السينما إحنا علينا واجب أن نعمل رقابة عليها وعلى المسارح كمان حتى نحمى الأخلاق ، ونحن سوف نمنع من يقل عمره عن 21 سنة من إرتياد الملاهى . لم يعجب المرشد هذا الكلام وطالب بمنع الناس كلها ، فرد عليه الرئيس عبد الناصر قائلا : "ولماذا لم تتكلم أيام فاروق ؟!! وكانت الإباحة مطلقة وكنتم تقولون " أن الأمر لولىّ الأمر". ودار حوار طويل وبدا أن المرشد العام حدد موقفه من الثورة برفض التعاون ورفض الثورة ، وهذا ما سيتضح فيما بعد ، لكن عبد الناصر كان يتبع سياسة النفس الطويل ، ولا يريد أن يبدأ بالصدام بل فضل أن تتفاعل الأحداث . وفى الثامن من أغسطس سنة 1952 ، كتب سيد قطب أحد أقطاب الإخوان المسلمين ، مقالا فى جريدة الأخبار فى شكل رسالة للواء محمد نجيب قال فيها : " إن الدستور الذى لم يسمح بكل ما وقع من فساد الملك وحاشيته فحسب، ولكن فساد الأحزاب ورجال السياسة وما تحمل صحائفهم من أوزار . إن هذا الدستور لا يستطيع حمايتنا من عودة الفساد إن لم تحققوا أنتم فى التطهير الشامل الكامل الذى يحرم الملوثين من كل نشاط دستورى، ولا يبيح الحرية السياسية إلا للشرفاء . . . لقد احتمل هذا الشعب ديكتاتورية طاغية باغية شريرة مريضة على مدى خمسة عشر عاما أو تزيد أفلا يحتمل ديكتاتورية عادلة نظيفة ستة شهور ، على فرض قيامكم بحركة التطهير يعتبر ديكتاتورية بأى وجه من الوجوه ؟" . وفى شهر أكتوبر 1952 صدر قرار بالإفراج عن 934 مسجونا ومعتقلا معظمهم من الإخوان المسلمين . وعند تشكيل وزارة محمد نجيب بعد وزارة على ماهر اشترك اثنان من الإخوان المسلمين - الشيخ أحمد حسن الباقورى كوزير للأوقاف والمستشار أحمد حسنى كوزير للعدل- وذلك بعد اتصال تم بين عبد الحكيم عامر والمرشد العام الذى رشح له هذين الاسمين . . إلا أن الرئيس جمال عبد الناصر فوجئ بزيارة محمد حسن عشماوى ومنير دلّة اللذين أبلغاه أن مكتب الإرشاد قد رفض ترشيحهما هما الاثنين للوزارة، وأن ترشيح الباقورى وأحمد حسنى كان تصرفا شخصيا من المرشد العام ، وقد قوبل هذا المطلب باستغراب حيث أن الباقورى وأحمد حسنى كانا سيحضران فى نفس الوقت تقريبا لحلف اليمين الدستورية ، واتصل الرئيس عبد الناصر بالمرشد العام لاستيضاح الأمر، فقال المرشد العام أنه سيجمع مكتب الإرشاد ويرد على مجلس قيادة الثورة، ولكنه لم يتصل ، فأعاد الرئيس عبد الناصر الاتصال به مرة ثانية ، فقال له المرشد العام أن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك فى الوزارة، وفصلوا الباقورى عضو مكتب الإرشاد من الجماعة . استثنيت الجماعة بعد ذلك من قانون حل الأحزاب ، كما شارك ثلاثة من أعضائها فى لجنة الدستور هم صالح عشماوى وحسن عشماوى وعبدالقادر عودة . وتسجل هذه الفترة سبعة لقاءات تمت بين جماعة الإخوان المسلمين والسفارة البريطانية فى القاهرة ، وكانت هذه الاتصالات مرصودة من جهازين فى الدولة ، الأول إدارة المباحث العامة والثانى القسم الخاص بالمخابرات العامة ، الذى كان هو نواة هيئة الأمن القومى فى المخابرات العامة بعد ذلك ـ كان التنسيق والتعاون كاملا بين هاتين الإدارتين فى متابعة النشاط الداخلى شكلا وموضوعا لدرجة أن القسم الخاص كانت مكاتبه فى نفس مقر المباحث العامة لكى يكون الاتصال الشخصى أيضا ميسر وسهل دون إضاعة للوقت . تم لقاءين من هذه اللقاءات مع السفارة البريطانية فى منزل الدكتور محمد سالم بالمعادى وحضرهما من جماعة الإخوان المسلمين كل من منير دلة وصالح أبو رقيق ومن الجانب البريطانى المستر إيفانز المستشار الشرقى بالسفارة البريطانية بالقاهرة فى ذلك الوقت. كما تمت مقابلتين فى منزل إيفانز حضرهما منير دلة وصالح أبو رقيق لتناول الشاى ، ثم مقابلة خاصة فى منزل المرشد العام حضرها الهضيبى ومنير دلة وحسن عشماوى وإيفانز. وفى مذكرات اللواء فؤاد علام مفتش النشاط الدينى بمباحث أمن الدولة الأسبق والمنشورة بجريدة عالم اليوم فى 20 أغسطس 1995 قال : " أنه فى 27 يوليو 1953 عقد اجتماع لمدة ثلاثة ساعات بين حسن الهضيبى ومستر التنج السكرتير السياسى للسفارة الأمريكية بالقاهرة.. وتحدث فيه الهضيبى عن موقف الإخوان المسلمين من مجلس قيادة الثورة، مشيرا إلى أن الإخوان يعلمون أن النظام حسن النية، وأنهم كإخوان ضد تحديد ملكية الأراضى الزراعية، ويسعدهم إزالتها، وأنهم يرغبون فى إزاحة بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة مثل ناصر، وأنهم يخططون لعزل العسكريين من السلطة، وإحلال مجموعة مختارة محلهم من الأحزاب، وأن على المعارضة أن تنسق جهودها لتتعامل بالقوة مع الظروف إذا ما سقط النظام. وأكد الهضيبى أن حكومة الثورة سوف تسقط فى وقت قريب؛ لأنها تبنت أحلاما كبيرة لن تستطيع أن تحققها مثل إخراج الإنجليز من القنال، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية. وقال أن مجلس قيادة الثورة أرتكب خطأ فاحشا بتبنيه رسميا للعمليات العسكرية ضد الإنجليز؛ فقد كان واجبهم أن يتركوا آخرين يفعلوا ذلك !!، وأن يتوقفوا عن التصريحات الرسمية التى جعلتهم فى فوهة المدفع .. كان يمكن للحكومة أن تعمل بشكل سرى ضد الإنجليز دون التورط الرسمى. هذه عينة من التقارير التى تتضمن اتصالات الإخوان بالأمريكان مثل الصدام المباشر بينها وبين الثورة فى مصر، تؤكد أن المعلومات التى قدمها الإخوان للأمريكان فى مختلف الشئون السياسية والعسكرية والاقتصادية تخضع لوصف الخيانة العظمى فى قانون أى دولة، ولم يجد الهضيبى وأعوانه أى غضاضة فى عقد اجتماعات سرية مع السفراء الأجانب، والعاملين بالسفارات الأجنبية فى مصر؛ فالإخوان كانوا يلعبون على كل الأحبال؛ تارة يعمقون علاقاتهم بالسراى، وتارة يتعاونون مع الإنجليز، ثم يتصلون بالأمريكان من وراء ظهر حكومتهم، وكان هدفهم الرئيسى هو الوصول إلى الحكم، وكانوا يخاطبون كل جهة من هذه الجهات حسب هواها.. والأغرب من ذلك أنهم طلبوا تسوية سلمية مع إسرائيل .. وهنا يثور أكثر من تساؤل حول علاقة الإخوان باليهود؛ وقد اعترف على عبده عشماوى العضو القيادى فى جماعة الإخوان المسلمين بوجود علاقة بين الإخوان واليهود منذ نشأة الإخوان، وكان الإخوان يتصورون أن اللواء محمد نجيب مستعد لعقد اتفاقية سرية مع اليهود، ولكن العقبة كانت جمال عبد الناصر. ثم عقد لقاءين آخرين فى شهر يناير سنة 1954 بين حسن عشماوى والمستر كروزويل الوزير المفوض بالسفارة البريطانية بالقاهرة ، وهاتين المقابلتين تمتا على فترتين ، الفترة الأولى من السابعة صباحا حتى الظهر ، والثانية فى نفس اليوم من الرابعة بعد الظهر حتى الحادية عشر مساء . تمت هذه المقابلات السبعة فى الفترة من مارس1953 ، وخلال أشهر أبريل ومايو 1953 ويناير1954 ، وكانت الموضوعات التى أثيرت فى هذه اللقاءات هى مناقشة موقف جماعة الإخوان المسلمين من ثورة 23يوليو ، والقضية الوطنية ، والمفاوضات مع الإنجليز حول جلاء القوات البريطانية عن مصر 0 وكان رأى الإخوان المسلمين أن عودة الإنجليز إلى القاعدة فى القناة يكون بناء على رأى لجنة مشتركة مصرية بريطانية ، وأن الذى يقرر خطر الحرب هى الأمم المتحدة، وهو الرأى الذى تمسك به الإنجليز طوال مراحل المفاوضات، وهو فى نفس الوقت الشىء الذى لم تقبله ثورة 23يوليو1952 ، التى كان مطلبها واضحا ومحددا فى الجلاء الكامل والسيادة الكاملة على الأراضى المصرية ، وأن يكون القرار نابعا من ثورة 23يوليو فيما يتعلق بجميع شئون مصر ، وقد تم التحقيق فى هذا كله خلال محاكمات الإخوان المسلمين أمام محكمة الشعب(. هذا علاوة على ما اكتشف فى هذه الفترة من اتصال عبد المنعم عبد الرؤوف بالسفارة الأمريكية بالقاهرة؛ حيث أبلغهم أنه يتحدث باسم الإخوان المسلمين وأنهم يسعون لقلب نظام الحكم، وأنهم أى الإخوان المسلمين على استعداد للاشتراك فى حلف عسكرى ضد الشيوعية، وأن هذا الحلف لن يتحقق ما دام جمال عبد الناصر على قيد الحياة . متوازيا مع هذه الأنشطة والمواقف فقد كان نشاط الإخوان المسلمين فى أوساط الجيش والبوليس مستمر، ولم يتوقف منذ أن ترك عبد المنعم عبد الرؤوف الجمعية التأسيسية للضباط الأحرار قبل قيام الثورة بستة شهور ، وكان المسئول عن الجهاز العسكرى مع أبو المكارم عبد الحى ، كما كان المسئول عن البوليس الصاغ صلاح شادى ، وكان الأب الروحى لهم محمود لبيب – ضابط سابق - ، هذا علاوة عن تنظيم عسكرى ثالث كان عماده الصولات وضباط الصف ، وكان تجنيد هذا القطاع يعتمد على إقناعهم بأنهم هم الأحق بالقيادة فى مجال القوات المسلحة والبوليس باعتبارهم عصب العمل فى هذه المؤسسات الحيوية . ولما ظهر هذا النشاط الأخير على السطح استدعى الرئيس عبد الناصر ، حسن عشماوى وقابله فى مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، وقال له أن لدينا معلومات بنشاط لكم فى أوساط الجيش والبوليس وصارحه بالتفاصيل ، فلم يرد حسن عشماوى ولكنه وعد بأن يبلغ المرشد العام بالأمر ، ولما سأله الرئيس جمال عبد الناصر عن معلوماته هو عن هذا النشاط – باعتبار أن هناك علاقة شخصية بين عبد الناصر وبينه تسمح بأن يسأله مثل هذا السؤال خارج الإطار الرسمى ، فنفى حسن عشماوى علمه بأى شىء عن هذا النشاط السرى العسكرى . |
رد: ابحاث ثورة يوليو
واستمر النشاط ، بل اتسع أيضا فى مجال طلبة الجامعات فى جامعتى القاهرة والإسكندرية، وفى يوم ذكرى الشهداء أقيم احتفال فى جامعة القاهرة، وبرز بشكل واضح نشاط الجماعة بقيادة حسن دوح، وكان المسئول عن التنظيمات الشبابية والنشاط الجامعى عبد الحكيم عابدين ، صهر حسن البنا والسكرتير العام للإخوان المسلمين، واستمر التبليغ عنه من الأجهزة المعنية فى المباحث العامة والقسم الخاص بالمخابرات العامة ، وقد حضرت مع زغلول كامل مدير مكتب رئيس المخابرات العامة ورئيس الخدمة السرية فيما بعد وآخرين ، بعض لقاءات ضباط الجيش والبوليس، و كان أغلبها يتم فى منزل أحد ضباط البوليس ( كمال صقر ) فى مصر الجديدة، وتم الإبلاغ عن تفاصيل ما كان يدور فى هذه اللقاءات وأسماء المشاركين، ومحاولات تجنيد بعض الحضور ممن يظهر منهم تجاوب مع ما كان يدعون إليه، وكانت العملية تبدأ بالدعوة للصلاة جماعة ثم تتدرج المناقشات إلى الدخول فى الأوضاع العامة وهكذا إلى أن يتم نوع من أنواع غسيل المخ ثم التجنيد لصالح ما يريدون تنفيذه من أنشطة 0 واستدعى الرئيس عبد الناصر حسن عشماوى للمرة الثانية وسأله ماذا فعل ؟ وهل أبلغ المرشد العام ؟ وماذا كان رد المرشد ؟ فرد بأنه أبلغ الدكتور خميس حميدة نائب المرشد العام . محاولة الاغتيال : وتطور هذا النشاط بعد ذلك إلى قيام مظاهرات يناير1954 بجامعة القاهرة ، وحدث احتكاك بين الطلبة والبوليس ، وكانت المفاجأة أن ظهرت فى هذه المظاهرات كرابيج وسلاسل حديدية وعصى ، وتبادل إطلاق النار وتم اعتقال حوالى خمسمائة شخص . وكان الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية يزور مصر فى ذلك الوقت وتوسط لدى مجلس قيادة الثورة ، ولدى الرئيس جمال عبد الناصر للإفراج عن المعتقلين ، وتم بالفعل الإفراج عنهم فى مقابل تعهدهم بعدم القيام بأى نشاط سياسى وسط الطلاب والجامعات ، ولكنهم بعد الإفراج عنهم لم يلتزموا بشرط الإفراج ، بل أصدروا منشورا هاجموا فيه الرئيس جمال عبد الناصر مدعين أنه يعمل لحساب نورى السعيد رئيس وزراء العراق فى ذلك الوقت وزاهدى فى إيران ، وطالبوا بالتخلص من جمال ونورى وزاهدى – وتم بعد ذلك توقيع اتفاقية الجلاء – ولقد رصدت أجهزة الأمن فى هذه الفترة اختفاء حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان المسلمين من القاهرة من بداية شهر أكتوبر 1954 ، وتمت محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية ، وقبض على محمود عبد اللطيف الذى كان قد كلف بعملية الاغتيال، وشكلت محكمة لمحاكمة الإخوان المسلمين المتهمين فى عملية الاغتيال ، وثبت من خلال التحقيقات والاعترافات فى محاكمة العناصر الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين العناصر الرئيسية التالية وسأتناولها باختصار: أولا : كان هناك جهازا سريا مهمته القيام بعمليات اغتيالات سياسية . ثانيا : كانت هناك مخازن للأسلحة والمتفجرات . ثالثا : كان هناك تمويل من الخارج . رابعا : اعترف محمود عبد اللطيف المتهم الأول والذى قام بإطلاق الرصاص على الرئيس عبد الناصر ، كتابة بأن هنداوى دوير المحامى سلمه الطبنجة التى استخدمت فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر بميدان المنشية بالإسكندرية ، وتم التسليم فى مكتب عبد القادر عودة وبعلمه ، وكان المفروض أن تنفذ عملية اغتيال عبد الناصر فى ميدان الجمهورية بالقاهرة ، ثم استبدلت الخطة لتتم عملية الاغتيال فى ميدان المنشية بالإسكندرية . واعترف محمود عبد اللطيف كتابة وبخط يده بأن هنداوى دوير قال له فى بيعة خاصة ما يلى : " إن الله يحب أن يرى هذا الدم الساخن فى سبيل الله " . خامسا : أن هنداوى دوير سلم نفسه للسلطات واعترف بمحض إرادته ومن تلقاء نفسه بالآتى: 1- أن التعليمات التى تلقاها باغتيال جمال عبد الناصر مكتوبة وأن عليه تكليف محمود عبد اللطيف بتنفيذ هذه العملية. 2- أنه سلم محمود عبد اللطيف الطبنجة التى نفذت بها محاولة الاغتيال بحضور عبد القادر عودة فى مكتبه. 3- أن التعليمات المكتوبة كانت تقضى أيضا باغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة فيما عدا محمد نجيب ، على أن تنفذ باقى الاغتيالات بعد اغتيال جمال عبد الناصر. 4- التعليمات المكتوبة تتضمن أيضا التخلص من أكثر من مائة وخمسين ضابطا إما بالاغتيال أو بالخطف من منازلهم. 5- بعد تنفيذ الاغتيالات والخطف تقوم جماعات من الإخوان المسلمين بالسيطرة على مرافق الدولة. 6- يعقب ذلك تشكيل مجلس يتولى إدارة شئون البلاد – بديلا لمجلس الثورة – من بين أعضائه عبد الرحمن عزام باشا ومحمد العشماوى باشا – والد حسن العشماوى . كان هناك تكليف آخر مشابه لتكليف محمود عبد اللطيف ، وقد عهد به إلى محمد نصيرى الطالب بكلية الحقوق لاغتيال جمال عبد الناصر فى أى وقت أو أى مكان يراه هو مناسبا . سادسا : تقوم جماعات منتقاه من الجهاز السرى للجماعة بنسف وتدمير منشآت إستراتيجية فى القاهرة والإسكندرية وبعض المحافظات فى نفس الوقت . سابعا : وضعت خطة بديلة فى حالة فشل اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بإطلاق النار عليه ، حيث يكلف أحد الإخوان المسلمين بالقيام بعملية انتحارية؛ وذلك بارتداء حزام ناسف من المتفجرات، ويندس بين المواطنين إما فى مجلس قيادة الثورة أو فى مجلس الوزراء ويقوم الشخص المكلف باحتضان الرئيس جمال عبد الناصر فينفجر فيهما الحزام الناسف، ولقد تمت تجربة الحزام الناسف هذا فى أحد أعضاء الجهاز السرى للإخوان المسلمين سنة1953 وهو المهندس فايز عبد اللطيف ، وأعضاء الجهاز السرى يعرفون تفاصيل هذه العملية وأسبابها. ثامنا : دبّر أبوالمكارم عبدالحى - وكان ضابطا فى الجيش وأحد المسئولين عن الجهاز السرى للإخوان المسلمين فى الجيش – مؤامرة لنسف الطائرة التى قد يستقلها الرئيس جمال عبد الناصر فى تنقلاته . تاسعا : أعيد تنظيم الجهاز السرى للإخوان المسلمين سنة1953 ، وتولى قيادته يوسف طلعت الذى كان له الفضل الأكبر فى انتخاب حسن الهضيبى مرشدا عاما للإخوان المسلمين ، كما كان أحد المدبرين الرئيسيين لعملية اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية . وكان ثابتا لدينا فى هذه الفترة أن المسئولية بالنسبة للجهاز السرى للإخوان المسلمين تقع على عاتق لجنة الإشراف المكونة من : (يوسف طلعت - إبراهيم الطيب ، مسئول القاهرة – أحمد حسن ، مسئول الأقاليم - صلاح شادى ، مسئول البوليس -أبو المكارم عبدالحى ، مسئول الجيش – وشكلت لجنة عليا للجهاز تمثل سلطته العليا من كل من : الشيخ سيد سابق – الدكتور محمد خميس حميدة – محمود الصباغ – الشيخ محمد فرغلى – أحمد زكى ) . أعود بالأحداث للفترة التى أعقبت محاولة الاغتيال ، فقد سارعت قيادات الإخوان المسلمين إلى محاولة تبرئة نفسها فى أعقاب محاولة الاغتيال، وتصوير الحادث على أنه تصرف فردى قام به أحد عناصر الإخوان المسلمين دون أن يكون لمكتب الإرشاد أو لهذه القيادات أى دور فى تدبيره . وكان أن قام حسن الهضيبى المرشد العام للجماعة وقتها بإرسال خطاب إلى الرئيس جمال عبد الناصر يسعى فيه إلى استرضائه ، ويستنكر الحادث ويطالب بتجاوزه ، ونفى التورط فى تدبيره ، وكان نص الخطاب كما يلى: " السيد جمال عبد الناصر رئيس مجلس الوزراء . السلام عليكم ورحمة الله . . أحمد الله إليكم ، الله تعالى ( كذلك فى النص )، وأصلى وأسلم على رسوله الكريم . وبعد - فقد وجدت نفسى أثناء قدومى من الإسكندرية أمس محوطا بمظاهر توحى بأن الحكومة تتوقع قيام الإخوان المسلمين بحركة ، ربما كانت لأخذى عنوة ، ولو أن الحكومة أعلنت رغبتها فى مجيئى لبادرت والله بالمجىء أسعى إليها من تلقاء نفسى دون أن يحرسنى حارس . على أن هذه المظاهر قد أورثتنى حسرة وجعلتنى أتمنى لو وهبت البلد حياتى فى سبيل جمع الكلمة وصفاء النفوس 0 فأحببت أن أبادر بالكتابة إليك أرجو أن يتسع صدرك للقائى بضع دقائق أشير عليك فيها بما يحقق أمانيك ، وأمانىّ ، وأنا أعلم أنك قد تكون راغبا عن هذا اللقاء، ولذا تركت أمر تدبير الجماعة من نحو خمسة أشهر إلى غيرى ، فلم يصلوا معك إلى شىء ، وأريد الوصول إلى شىء حتى تتجه البلد كلها اتجاها واحدا ، ثم لا يجدنى أحد فى مكانى الذى أنا فيه من الإخوان . وأبادر فأقول لك : إن ما سمى اختفاء قد أدهشنى . . . وأن ينسب إلىّ تدبير جرائم ، فهذا كان مفاجأة لى ، وأقسم بالله العظيم وكتابه الكريم أنى ما علمت بوقوع جريمة الاعتداء عليك إلا فى الساعة التاسعة من صباح اليوم التالى ، ولا كان لى بها علم، وقد وقعت من نفسى موقع الصاعقة؛ لأننى ممن يعتقدون أن الاغتيالات يؤخر حركة الإخوان، ويؤخر الإسلام والمسلمين ويؤخر مصر ، وقد كنا بحثنا هذه المسألة "الاغتيالات " فى الجماعة منذ زمن بعيد وأستقر رأينا على ذلك ، وأخذنا نوجه الشباب إلى هذه الحقيقة ، حتى لقد مضى على وجودى بينهم ثلاث سنوات لم يقع فيها شىء من العنف، ولست أجد سببا لذلك بنعمة الله ، ولا اختلفنا على كثير وإنما حسم الخلاف أنه لم يسمح لى بإدلاء رأيى . فأما المعاهدة فأنى كنت أخبرتكم أن الإخوان لا يوافقون على معاهدات وأعداؤهم فى داخل البلاد، ولكنهم يصرحون أن هذه المعاهدات قد قربت من أمانيهم قربا كبيرا ، ونلح فى استكمال الباقى حتى لا يطمع الإنجليز فينا ، وهذا هو محصل رأيك أنت فى المسألة . وأما مسألة الحملة التى شنها عليك الإخوان فى سوريا فإنى لا أعلم بها ولا بتفاصيلها، فإن عبد الحكيم عابدين ( عضو مكتب الإرشاد ) ودعنا فى المطار يوم 3يونيو ولم أره إلى الآن ، ولم يكن بينى وبينه أى نوع من الاتصال ، وحين عدت بعد عيد الأضحى وجدته ذهب لأداء فريضة الحج، ومن هناك إلى دمشق ، ويجب أن نتحقق عما إذا كان قد اشترك فى هذه الحملة وحضر اجتماعاتها ، وقد بلغنى أنه رماك بأنك قابلت رجلا من إسرائيل فى أثناء سياحتك فى البحر . . وهذه على وجه الخصوص إذا كان قالها فإن أحدا لا يقره عليها بل يستنكره كل الاستنكار ، وفوق ذلك فإنها واقعة قول عبد الحكيم عابدين بذلك ، حصلت أيام اعتكافى . وأما هذا الاعتكاف فقد أشار علىّ به بعض الإخوان لسبب ما ، ولقد كنت أخبرت الإخوان بأن أضع استقالتى تحت تصرفهم إذا وجدوا فى وجودى ما يعطل الاتفاق بينهم وبين الحكومة ، و أكدت ذلك لهم بخطاب أرسلته لهم من هناك ، تركت لهم التصرف فى شئونهم من تلقاء أنفسهم. هذا وقد يكون فى المشافهة خير كثير – إن شاء الله – وقد يكون فى نفسك أشياء تحب أن تسجلها . ولا أنكر التحقيق الذى يجرى ، فإنى متحمل كل ما يمس شخصى ، وسأدفعه بإذن الله بما يريح نفسك إلى الحق الذى هو بغية الجميع ، هذا وأسأل الله تعالى ، أن يوفقكم ويوفق البلاد كلها للخير والحرص على الوئام ، والسلام عليكم ورحمة الله المخلص حسن الهضيبى" أما خطاب عبد القادر عودة فلم يكتفى بنفس الخطوط التى تضمنها خطاب الهضيبى، بل زاد عليه بإعلان مبادرة شاملة لتسوية الموقف بين الإخوان المسلمين والثورة، كما انطوى على اعتراف صريح بوجود تنظيم عسكرى فى صفوف الإخوان المسلمين، وهو ما ظلت قيادة الإخوان تنفيه لسنوات عديدة قبل ذلك . . وكان نص خطابه : " الأخ الكريم جمال عبد الناصر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد . فأهنئك وأهنئ نفسى بنجاتك من تلك المحاولة الآثمة، وهنيئا لك رعاية الله التى تظللك وتحوطك وإنها لخير ما يهنأ به الإنسان . . ولقد سمعت أن الشخص الذى حاول الاعتداء عليك يتمرن فى مكتبى، فإن صح هذا فأرجو ألا تكون نسيت آرائى ، وكل ما أستطيع أن أقوله لك مخلصا أنى لا أعلم شيئا عن هذه الجريمة، ولست أرضاها لأى إنسان ولا من أى إنسان ، وإذا ثبت يا أخى أن لى أى صلة بهذا الموضوع فأنا أحل لك دمى . ولقد استطعت يا أخى بما منحك الله من حكمة وسعة أفق أن تضع حدا لعداء دام بيننا وبين الإنجليز أكثر من سبعين عاما ، وأن تمهد لجو من المودة، وأنه لأولى بك بعد ذلك أن تضع حدا للخصومة القائمة بين الإخوان ورجال الجيش ، وهى بنت عام واحد ، تلك الخصومات التى تأكل مستقبل هذا البلد الذى وضع الله بين يديك مصائره ، وإن فيك من سعة الصدر وسعة الأفق والتسامح ما يجعلك قادرا على أن تهيئ جو مودة وتعاون بين رجال هذا البلد وهيئاته وبين الحاكمين والمحكومين ، ولقد رأيتك فعلا تشرع فى هذا ، فتمد يدك إلى الجميع ، ولكنى أحب أن أطمئن إلى أن حادث الإسكندرية لن يكون عقبة فى سبيل ما وعدت ، وأحب أن تثابر على هذه الدعوة وترصد لها من وقتك وجهدك ما يتفق مع جلالها وما ينتظر من خيرها . وإنى أحب أن تعلم أن هذا الحادث الأليم قد حفزنى إلى أن أعمل على إنهاء النزاع القائم بين الإخوان وبينكم حفظا للمصلحة العامة ، وضنا بالجهود أن تصرف فيما يعود على البلد بالضرر، وإنى أقترح فى هذا السبيل من الحلول ما يذهب بالشكوك ويطمئن النفوس ويعيد الثقة ، وإذا عادت الثقة فقد انتهى كل شىء ، وانطوى الماضى بما فيه فى طى النسيان . وقد ترى فى اقتراحى نقصا أو قصورا ، وأرجو ألا يمنعك ذلك من أن تنبهنى إلى النقص والقصور ، فإنى والله لن أقف فى وجه طلب معقول . أما اقتراحاتى فقد بنيتها على ما أعلم من آرائك فى مقابلاتنا السابقة ، وما كنت أحس أنه أساس النزاع ومثار الشكوك والظنون ، ولا زلت أذكر اقتراحاتك بحل تشكيلات الإخوان فى الجيش والبوليس وتشكيلة النظام الخاص ، ولعل مشكلة الجيش والبوليس قد انتهت ، ولذلك فلن أعمل لها حسابا فى اقتراحاتى على أن هذا لا يمنع معالجة ذيولها – إن كان لها ذيول – معالجة تريحك ، وتشعر بأننا مخلصون فيما نقول وفيما نفعل . وعلى هذا الأساس أقترح ما يأتى : أولا :نقدم من ناحيتنا : أ- يحل النظام الخاص ويسلم ما قد يكون لديه من أسلحة وذخائر فى مدة تتراوح بين عشرة أيام أو أسبوعين من بدء اليوم الذى توافقون فيه على هذه المقترحات . ب- تبتعد الجماعة عن السياسة المحلية ، وتصرف همها إلى الدعوة الإسلامية والتربية – على الأقل – حتى تنتهى فترة الانتقال ، ويكفى الجماعة الاشتغال بالسياسة الإسلامية العامة 000 على أن يتم تنظيم الجماعة على هذا الأساس فى ظرف أسبوعين أيضا . ج- تعمل الجماعة على وقف حملات الإخوان فى الخارج فى ظرف أسبوعين ولو اقتضى الأمر إرسال مندوبين للخارج لتنفيذ هذا التعهد . ثانيا : نرجو أن تقوموا من ناحيتكم بما يأتى : أ- إصدار قانون بوقف عمل قانون الأسلحة والذخائر لمدة أسبوعين ، ليمكن تسليم ما قد يكون موجودا من الأسلحة والذخائر دون خشية المحاكمة . . ولذلك سوابق كثيرة . ب- إطلاق سراح جميع الإخوان المعتقلين بمجرد تنفيذ التعهد الأول ، ثم النظر بعد ذلك فى محو آثار الماضى . . . حتى نفتح عهدا جديدا خاليا من الشوائب . ج- السماح لى بأن أجتمع بالإخوان الموجودين فى السجن الحربى وسجن القلعة لأخذ موافقتهم على هذه المقترحات ، والسماح بعقد اجتماعات فى الخارج للموافقة على هذه المقترحات وتنفيذها ثم الموافقة من ناحيتكم على وقف حركة القبض والإعتقالات بتاتا لمدة تنفيذ الاتفاق – وهى أسبوعان – حتى يساعد ذلك على التنفيذ. هذه هى الاقتراحات الرئيسية من وجهة نظرى ، وأحب أن أعرف وجهة نظركم إن كانت مخالفة، فإن كانت موافقة فأرجو أن تتفضلوا بإخبارى . ونستطيع بعد أن ننظر فى كل ما يوطد العلاقة بين الطرفين ويعيد الصداقة القديمة والله أسأل أن يوفقك إلى الخير وأن يهدينا جميعا سواء السبيل . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 28/10/1954 عبد القادر عودة" وبدأت التحقيقات في القضية... استمع احمد راضي رئيس النيابة إلى أقوال شهود الإثبات وهم اليوزباشي محمد جمال النادي وعبد الحميد محمد حبيب حرب العامل بمديرية التحرير وخميس محمد الشيخ الموظف بالموانئ وعبد السلام الشاذلي الجندي بحكمدارية مطافئ الإسكندرية والأومباشي محمد حسنين واحمد عبدالله. وقال اليوزباشي محمد جمال النادي أنه شاهد محمود عبد اللطيف يصوب المسدس نحو الشرفة التي كان يقف بها الرئيس.. ولم يكن قد أطلق الرصاص بعد. وقال الشاهد الثاني أنه احتضنه بطريقة لا شعورية وحاول منعه من الضرب، وبعد أن أطلق عدة رصاصات ضربه محمود عبد اللطيف بقبضة المسدس وبعد ذلك أطلق عدة أعيرة. وفي القاهرة.. بدأ عطية إسماعيل المحامي العام ومصطفى الهلباوي رئيس نيابة أمن الدولة وفخري عبد النبي وكيل أول نيابة أمن الدولة التحقيق تحت إشراف حافظ سابق النائب العام. كان الحادث قد أشعل النار في جماعة الإخوان، وكانت التحقيقات تجرى حتى ساعة متأخرة من الليل، وكان الكل متلهفا على كشف أسرار محاولة الاغتيال الفاشلة. وكانت كل أصابع الاتهام تشير إلى الإخوان، وفي صباح يوم الجمعة 29 أكتوبر 1954 صدرت صحيفة "الأخبار" وهي تقول في المانشيت الرئيسي "اعترافات الجاني".. أما بقية العناوين فكانت: "حاولت اغتيال جمال عبد الناصر في مؤتمر الموظفين وفشلت!" "الإخوان قدموا لي المسدس والطلقات!" "وقالوا: اقتل عبد الناصر !" وقالت "الأخبار" : "اعترف الجاني محمود عبد اللطيف بأن الإخوان هم الذي أصدروا إليه الأمر بقتل الرئيس جمال عبد الناصر، وأنهم دربوه ستة أسابيع على إطلاق الرصاص، وأنه أجاد إصابة الهدف على مسافات طويلة، وبعد نجاحه في التدريب صدر إليه الأمر "اقتل جمال عبد الناصر" .. حاول الجاني أن يقتل الرئيس جمال عبد الناصر يوم الخميس 21 أكتوبر في احتفال الموظفين في ميدان الجمهورية.. ذهب الجاني إلى الاحتفال، وهو يحمل المسدس لكنه لم يستطيع ارتكاب الجريمة فانصرف ليستعد لقتل الرئيس في مكان آخر" . واعترف محمود عبد اللطيف بأنه عضو في خلية بالإخوان، وأن الخلية قدمت له المسدس والطلقات، وأن الخلية دفعت له جنيهين ليسافر إلى الإسكندرية. واعترف بأن الرصاصة الأولى انطلقت على بعد 3 مليمترات من الرئيس جمال عبد الناصر، وأن عاملا أمسك به فاهتزت بقية الرصاصات وطاشت فاختل التصويب. وفي نفس اليوم.. كشفت الصحف أن عمليات القبض على الإخوان قد بدأت على نطاق واسع وفي كافة أنحاء أقاليم مصر. وصدرت الصحف في نفس اليوم وهي تحمل عنوانا مثيرا يقول: "ضبط مدافع ومفرقعات عند الإخوان". وقالت الصحف: توصل البوليس إلى مخبأ سري للإخوان في بورسعيد.. المخبأ داخل حائط في متجر موبيليات، صاحب المتجر من الإخوان.. فتح البوليس المخبأ السري، وضبط عددا من القنابل شديدة الانفجار، وعددا آخر من القنابل الحارقة، وكمية من رصاص المسدسات، وأسلحة نارية أوتوماتيكية، وأسلحة بيضاء وقطع غيار لكل الأسلحة. وضع الإخوان في المخبأ أيضا محطة إرسال لاسلكية.. المخبأ يحتوي أيضا على درج خفي خشبي مليء بمنشورات طبعها الإخوان لترويج الإشاعات وبلبلة الأفكار، وقد تولت النيابة التحقيق. وفي نفس اليوم كشفت الصحف أيضا عن ضبط بعض أوكار التنظيم السري للإخوان في القاهرة، وقالت: " وضع بوليس محافظة مصر يده أمس على أخطر خطة دبرها الجهاز السري لتنظيم الإخوان.. فقد ضبط لدى أفراد هذا الجهاز خرائط وخططا تبين ما يلزمه الفاعلون في حالتي النجاح أو الفشل. كما عثر على صندوق ضخم مليء بالأسلحة، وقنابل لم يتحمل المهندس الذي عاينها مسؤولية نقلها نظرا لخطورتها الشديدة". وعثر البوليس على كتب خطية في فن التكتيك والهجوم على البلاد، وقوائم كاملة بأسماء الضباط المراد القبض عليهم، وأرسل طالب بالزقازيق إلى أحد أفراد الجهاز يخبره باستعداده للهجوم. ولما سيق المتهمون إلى النيابة ووجدوا أنفسهم في مواجهة بعضهم البعض اعترفوا بما لديهم، وكان القائم مقام صديق فريد مأمور الضبط بحكمدارية بوليس القاهرة قد تلقى تقريرا من اليوزباشية عبد الفتاح رياض وحمدي الشقنقيري وفتحي الغمري جاء فيه أن بعض أفراد الجهاز السري لجماعة الإخوان التي تهدف إلى قلب نظام الحكم الحاضر بواسطة استعمال وسائل العنف يخفون في منازلهم بدائرة حلوان قنابل محرقة وأسلحة ومنشورات. وبعد أن ناقش المأمور الضباط الثلاثة في تقريرهم رفعه إلى اللواء عبد العزيز علي حكمدار البوليس الذي كلفه بالقيام بحملة على منازل أفراد هذه الجماعة ومخابئهم. وفي الساعة الثالثة من صباح أمس قام مأمور الضبط ومعه الضباط الثلاثة على رأس قوة كبيرة من البوليس، وحاصروا العزبة البحرية والغربية والقبلية بقسم حلوان. وعثروا في غرفة أحدهم على 30 قنبلة محرقة ومسدس وكتب في التكتيك الحربي وأخرى في تركيب القنابل، وضبطوا لدى آخر بندقية وطلقات ومنشورات ولدى شخصين آخرين منشورات وخرائط عن المواقع الحربية المهمة بحلوان. كما ضبط البوليس قوائم بأسماء الضباط والشخصيات التي سيقبضون عليها في حال نجاح خطتهم. وخرائط أخرى تبين طريق هروبهم إلى الجبل بالصحراء الشرقية في حال فشلهم، وعثروا على خطاب من طالب يقول "نفذنا التعليمات ونحن على أتم الاستعداد". وقد اعترف جميع المتهمين بانضمامهم إلى جماعة الإخوان وبملكيتهم للمضبوطات وأمر المحقق بإيداعهم السجن. فتح حادث المنشية وإطلاق الرصاص على الرئيس جمال عبد الناصر النار على الإخوان في كل مكان من مصر، وبدأ الإخوان يتساقطون في كل مكان. وفي فجر يوم السبت 30 أكتوبر 1954 داهم القائم مقام يوسف القناص رئيس مباحث القاهرة والبكباشي حسن طلعت بيت أحد أفراد الإخوان في إمبابة، وضبطا لديه لغما خطيرا ضد الأفراد وحزاما من الدمور بداخله 10 أصابع "جلجانيت" صالح للاستعمال ومهيأ للانفجار من خلال دائرة كهربائية، كما عثرا لديه على ملابس عسكرية وجرابندات لحمل الذخيرة! وفي مؤتمر صحافي وقف الصاغ صلاح سالم ليذيع بعض اعترافات المتهمين في حادث إطلاق الرصاص على الرئيس جمال عبد الناصر. وقالت الصحف: إن الصاغ صلاح سالم صرح بأن الأمر بقتل جمال عبد الناصر صدر من رئاسة التنظيم السري للإخوان، وأنه كان إشارة أولية لتنفيذ مؤامرة دموية تبدأ بقتل جميع أعضاء مجلس الثورة ما عدا محمد نجيب، والتخلص من 160 ضابطا بالقتل أو الخطف. وقال صلاح سالم: "إن الإخوان كانوا يدبرون لحركة شعبية تعقب هذه الاغتيالات، ثم يقومون بتكليف محمد عشماوي وزير المعارف الأسبق وعبد الرحمن عزام الأمين العام السابق للجامعة العربية ليحلا محل مجلس قيادة الثورة". وأضاف صلاح سالم: "إن محمود عبد اللطيف اعترف بأنه تلقى الأمر بالقتل من هنداوي دوير المحامي الذي يعمل بمكتب عبد القادر عودة عضو مكتب الإرشاد للإخوان، وأن هنداوي اعترف بأن هذه هي أوامر التنظيم السري، وأنه خشي عدم تنفيذها، واعترف بأنه سلم محمود عبد اللطيف طبنجة ورصاصا ليقتل الرئيس جمال عبد الناصر، وأن الطبنجة كانت صغيرة فلم يستطع محمود عبد اللطيف استخدامها في قتل الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر الموظفين فسلمه طبنجة اكبر ليقتله في الإسكندرية. وكشف صلاح سالم انه كان هناك شخص آخر مكلف بقتل جمال عبد الناصر فقال: أنه صدر أمر ثان لقتل الرئيس جمال عبد الناصر إلى محمد نصيري الطالب بالحقوق وأن البوليس قبض عليه بعد اعتراف هنداوي، وأن هذا الطالب اعترف. أما قيادة التنظيم السري للإخوان فهي تتكون من البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف ضابط الجيش بالمعاش والصاغ صلاح شادي ضابط البوليس بالمعاش، وأن هنداوي دوير المحامي كان ينفذ أوامر التنظيم السري في منطقته وهي إمبابة، وأنه جمع الأسلحة الخاصة بمنطقة إمبابة وأودعها لدى عبد الحميد البنا الذي يقطن بوراق العرب؛ ومنها مدفعان و15 قنبلة و60 قالب نسف وتوصيلات كهربائية للنسف. وأضاف صلاح سالم في المؤتمر الصحافي الذي عقده برئاسة الوزراء: "عقب القبض على الجاني محمود عبد اللطيف اعترف انه تلقى تعليمات من الأستاذ هنداوي دوير المحامي الذي يعمل بمكتبه الأستاذ عبد القادر عودة عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر وقد استلم محمود عبد اللطيف من هنداوي دوير طبنجة ورصاصات وترك له حرية اختيار الزمان والمكان للقيام بالاغتيال. وقد اعترف محمود عبد اللطيف بأنه حاول اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر الموظفين في ميدان الجمهورية لكن الطبنجة كانت صغيرة والمسافة بينه وبين الرئيس كانت بعيدة فأجل العملية إلى مناسبة أخرى. وفي مساء الاثنين الماضي في الليلة السابقة للحادث ذهب محمود عبد اللطيف إلى هنداوي دوير واستلم منه طبنجة اكبر وأقوى وأخبره بأنه سيسافر إلى الاسكندرية لتنفيذ المأمورية في الاحتفال الذي سيعقد في ميدان المنشية. وبعد أن اعترف محمود عبد اللطيف بكل ذلك، صدرت أوامر للبوليس بالقبض على المحامي هنداوي دوير. وداهم البوليس منزله صباح يوم الأربعاء لكنهم لم يجدوه في المنزل، وتبين أنه غادر المنزل مع عائلته قبل حضور البوليس. لكن في الساعة الثانية من ظهر نفس اليوم سلم هنداوي دوير نفسه إلى مأمور بندر شرطة إمبابة وقال له انه يطلب مقابلة المسؤولين للإدلاء بما عنده من أمور خطيرة ليرضي ضميره. وقال هنداوي دوير للمحققين انه عندما سمع من الإذاعة بخبر الاعتداء على الرئيس جمال عبد الناصر ذهب إلى منزله في إمبابه وأخذ زوجته إلى عائلتها في المنيا وعاد إلى القاهرة في اليوم التالي حيث سلم نفسه للشرطة وفي التحقيقات مع هنداوي بدأت تتكشف أسرار خطيرة فقد اعترف بكل شيء، وأصبح الإخوان يواجهون أصعب موقف في تاريخهم؛ خاصة أنه في نفس اليوم تم القبض على مرشدهم العام الأستاذ حسن الهضيبي! في تلك الأيام كانت دار "أخبار اليوم" الصحافية مليئة بالعشرات من نجوم الصحافة والكتابة في مصر، وكانت حادثة المنشية وإطلاق الرصاص على الرئيس جمال عبد الناصر مناسبة لهذه الأسماء اللامعة في بلاط صاحبة الجلالة لكي ترصد الحدث وتسجل تفاصيله المثيرة. وصباح يوم 30 أكتوبر 1954 صدرت جريدة “أخبار اليوم” الأسبوعية بمانشيت رئيسي يقول " الجاني يتكلم". أما قصة المانشيت فقد كتبها على الصفحة الأولى الكاتب الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل، وكان في هذه الفترة أحد نجوم "أخبار اليوم". استطاع محمد حسنين هيكل أن يدخل إلى زنزانة الجاني في السجن الحربي ويمكث معه ساعتين كاملتين، وروى الجاني لماذا أطلق الرصاص على “جمال عبد الناصر؟ وماذا كان شعوره وهو يسمعه يتكلم. وماذا شعر بعد أن نجا جمال عبد الناصر، من هم الذين حرضوه؟ ماذا قالوا له عن جمال؟ كيف يبدو المجرم؟ كيف يفكر؟ هل ندم على جريمته أم لا يزال مصرا عليها؟ هل أراد أن يقتل جمال؟ ما هو شعوره عندما رأى الشعب يستنكر جريمته؟ إن محمد حسنين هيكل يأخذك معه إلى الزنزانة لترى الجاني وتسمع حديثه! هكذا قدمت "أخبار اليوم" للحديث الذي أجراه هيكل مع محمود عبد اللطيف الذي حاول قتل الرئيس جمال عبد الناصر. فماذا كتب هيكل في هذا الحديث؟ |
رد: ابحاث ثورة يوليو
تم تشكيل محكمة مخصوصة برئاسة قائد الجناح جمال سالم وعضوية القائمقام أنور السادات والبكباشي حسين الشافعي لمحاكمة المتهمين بخيانة الوطن والعمل على قلب نظام الحكم الحاضر وأسس الثورة. والعقوبات التي تطبقها المحكمة هي كل العقوبات من الإعدام إلى الحبس. ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من 48 ساعة للضرورة القصوى ولمرة واحدة.. على أن يحضر المتهم شخصيا أمام المحكمة وتنطق المحكمة بأحكامها في جلسات علنية، ويجوز لمجلس قيادة الثورة تخفيفها. وكان مجلس قيادة الثورة قد أصدر أمرا بتشكيل محكمة الشعب يقول: "تشكيل محكمة مخصوصة وإجراءاتها.. بعد الاطلاع على المادة 7 من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة: مادة (1) تشكل محكمة على الوجه الآتي.. قائد الجناح جمال مصطفى سالم عضو مجلس القيادة (رئيسا) قائمقام أنور السادات عضو مجلس القيادة (عضوا) بكباشي أركان حرب حسين الشافعي عضو مجلس القيادة (عضوا). وتنعقد المحكمة بمقر قيادة الثورة بالجزيرة بمدينة القاهرة أو في المكان الذي يعينه رئيسها وفي اليوم والساعة اللذين يحددهما. مادة (2) تختص هذه المحكمة بالنظر في الأفعال التي تعتبر خيانة للوطن أو ضد سلامته في الداخل والخارج. وكذلك الأفعال التي تعتبر موجهة ضد نظام الحكم الحاضر. أو ضد الأسس التي قامت عليها الثورة. ولو كانت قد وقعت قبل هذا الأمر. كما تختص المحكمة بمحاكمة كل من أخفى بنفسه أو بواسطة غيره متهما بارتكاب الأفعال المنصوص عليها في الفقرة السابقة وتطلبه المحكمة. وكذلك كل من أعان بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء. كما تختص هذه المحكمة بالنظر فيما يرى مجلس قيادة الثورة عرضه عليها من القضايا أيا كان نوعها حتى ولو كانت منظورة أمام المحاكم العادية، أو غيرها من جهات التقاضي الأخرى مادام لم يصدر فيها حكم. وتعتبر هذه المحاكم أو الجهات متخلية عن القضية؛ فتحال إلى المحكمة المخصوصة بمجرد صدور الأمر من مجلس قيادة الثورة بذلك. مادة (3) يعاقب على الأفعال التي تعرض على المحكمة بعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بالسجن أو بالحبس، المدة التي تقدرها المحكمة أو أي عقوبات أخرى تراها المحكمة. مادة (4) ينشأ بمقر قيادة الثورة مكتب للتحقيق والادعاء يلحق به نواب عسكريون وأعضاء من النيابة العامة يتولى رئاسته البكباشي أركان حرب زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة. وعضوية كل من البكباشي محمد التابعي نائب أحكام والبكباشي إبراهيم سامي جاد الحق نائب أحكام. والبكباشي سيد سيد جاد نائب أحكام والأستاذ عبدالرحمن صالح عضو النيابة. ويتولون التحقيق ورفع الدعوى بالادعاء بالجلسة. في الأفعال التي تختص هذه المحكمة بنظرها. ولهم حق الأمر بالقبض على المتهمين وحبسهم احتياطيا، ولا يجوز المعارضة في هذا الأمر. مادة (5) يخطر المتهم بالتهم، ويوم الجلسة بمعرفة المدعي قبل ميعادها بأربع وعشرين ساعة على الأقل. ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من مرة واحدة، ولمدة لا تزيد على 48 ساعة للضرورة القصوى. ويجب على المتهم أن يحضر بنفسه أمام المحكمة وإذا تخلف جاز القبض عليه وحبسه. مادة (6) للمحكمة أن تتبع من الإجراءات ما تراه لازما لسير الدعوى، ولا يجوز المعارضة في هيئة المحكمة أو أحد أعضائها. مادة (7) تجري المحاكمة أمام هذه المحكمة بطريقة علنية إلا إذا قررت جعل الجلسة سرية لأسباب تراها، ويصور الحكم ويتلى في جلسة علنية ويصدق عليه مجلس قيادة الثورة ويجور له تخفيف الحكم إلى الحد الذي يراه. مادة (8) أحكام هذه المحكمة نهائية ولا تقبل الطعن بأي طريقة من الطرق أو أمام أي جهة من الجهات. وكذلك لا يجوز الطعن في إجراءات المحاكمة أو التنفيذ. مادة (9) يعمل بهذا الأمر من تاريخ صدوره. القاهرة في أول نوفمبر 1954. ولم تكن هذه القضية وحدها التي تقرر أن تنظرها المحكمة، بل كان هناك أربع قضايا أخرى تخص الإخوان؛ الأولى هي قضية الأسلحة التي ضبطت في عزبة عشماوي بالشرقية، والمتهم فيها حسن العشماوي وابنه محمد حسن العشماوي، والثانية قضية تجمهر أول مارس 1954 والمتهم فيها عبدالقادر عودة واثنان آخران بالتجمهر والتظاهر في ميدان الجمهورية ومحاولة قلب نظام الحكم؛ مما أدى إلى وفاة بعض الأشخاص نتيجة الاحتكاكات بين البوليس وبينهم. والقضية الثالثة قضية العمل على قلب نظام الحكم المتهم فيها إسماعيل الهضيبي وحسن دوح و11 آخرون اتهموا بالتجمهر، والدعوة لقلب نظام الحكم في مسجد الروضة والاعتداء على رجال البوليس. أما القضية الرابعة فكانت قضية مسجد طنطا المتهم فيها خطيب مسجد عزيز فهمي بالتحريض على قلب نظام الحكم. وكان من أخطر الاعترافات التي أدلى بها المتهمون ونشرتها الصحف؛ اعتراف المحامي هنداوي دوير التي أدت إلى كشف شخصية الضابط السابق البكباشي عبدالمنعم عبدالرؤوف وتورطه مع الإخوان والجهاز السري. وقال هنداوي دوير في هذه الاعترافات: "جاءني الضابط السابق عبدالمنعم عبدالرؤوف وهو أحد زعماء الجهاز السري ومكث عندي ثلاثة أيام، وقال إن الجهاز السري وضع خطة الاغتيال جمال عبدالناصر بطريقة النسف!" ، وطلب مني عبدالمنعم عبدالرؤوف البحث عن فدائي ليتولى هذه العملية. وهذه الطريقة هي تجهيز حزام مواد ناسفة وديناميت متصل بسلك كهربائي وبطارية، ويرتدي الفدائي هذا الحزام تحت ملابسه، ثم يتقدم ويعانق الرئيس جمال عبدالناصر ويضغط على السلك، وهنا ينفجر الديناميت في الرئيس والفدائي! وقد عرضت على محمود عبداللطيف قبل قيامه بمحاولة اغتيال جمال عبدالناصر أن ينفذ هذه العملية بالحزام الناسف لكنه رفض أن يعرض نفسه للنسف، وقال إنه يفضل اغتيال جمال عبدالناصر بإطلاق الرصاص عليه! فعرضت على محمود نصيري الطالب بكلية الحقوق أن يتولى هذه العملية الفدائية فرفض كذلك، لكنه وافق على أن ينفذ عملية الاغتيال بإطلاق الرصاص!. هكذا اعترف هنداوي دوير أن هذا الحزام الناسف موجود في منزل عبدالحميد البنا وهو أحد أعضاء الجهاز السري، فانطلق رجال البوليس إلى منزل البنا في منطقة وراق العرب حيث عثروا على الحزام، وداخله الديناميت وقبضوا على عبد الحميد البنا. وفي نفس اليوم تم الإعلان عن ضبط مخبأ جديد للإخوان يحوي كميات هائلة من المفرقعات تكفي لنسف القاهرة والإسكندرية معا! وكان الكشف عن هذا المخبأ عملية مثيرة. فقد وصلت معلومات إلى البكباشي حسين حتاتة قائد مخابرات السواحل في الإسكندرية أن عصابة لها اتصال بجهة سياسية ستدخل كمية من المفرقعات إلى مدينة الإسكندرية لاستخدامها في أغراض خطيرة بعد توزيعها على أعضاء العصابة، وبالفعل وصلت سيارة كبيرة تحمل المفرقعات، وخبئت هذه المفرقعات في قبو تحت الأرض بجوار مطار الدخيلة. لكن رجال المخابرات أسرعوا إلى المكان وأخرجوا المفرقعات، والتي كانت عبارة عن 590 صفيحة كبيرة، بها 554 قطعة جلجانيت، وعشرة جوالات بها قطع ديناميت وبندقيتين و40 طلقة رصاص، وتم الإعلان عن أن المحاكمات سوف تبدأ بعد يومين. وتقرر أن تكون القضية الأولى التي تنظر هي قضية محمود عبداللطيف وحده، على أن يحاكم شركاؤه في جلسات أخرى. وفى يوم المحاكمة سمع صوت حارس الجلسة الصول عبد الرحمن الحفناوي يعطي تعليماته بصرامة.. ويلقي أوامره إلى الجنود الذين يعاونونه في مهمته.. وفي هذا الجو جلسنا.. وفي الساعة العاشرة إلا خمس دقائق دخل المتهم محمود عبداللطيف قاعة الجلسة! وواصل الصحافي محمد لطفي حسونة نقل الصورة المثيرة قائلا: "كان محمود عبداللطيف يجر قدميه، وينتقل ببصره في كل اتجاه بقميصه الأزرق ذي الخطوط البيضاء وبنطلونه الرمادي.. واتجهت إليه كل الأنظار وكل العدسات.. وهي تمعن في ذلك المخلوق الذي اختار لنفسه هذا المصير حين أسلم قياده إلى فئة ضالة مضللة.. تحركه فيتحرك، وتأمر فيأتمر، وتدفعه إلى أبشع جريمة فيسافر إليها أميالا طويلة ليرتكبها في استهتار!". وجلس محمود عبداللطيف وإلى يساره حارسه اليوزباشي محمود محمد محمود الضابط بالبوليس الحربي، وإلى يمينه حارس آخر.. وظل بصره ينتقل في أرجاء القاعة؛ تارة يبصر إلى الخلف متمعنا في وجوه المتفرجين وكأنه يبحث عن أحد بينهم، وتارة ينظر إلى علم التحرير، ويثبت بصره على عبارة "الثورة.. محكمة الشعب" ، وتارة ينظر إلى المصورين الذين ركزوا عدساتهم عليه. وبعد دقائق تهيأ جو المحكمة لدخول قضاة الشعب.. وتحول بصر محمود عبداللطيف إلى الباب الذي سيدخلون منه. وظل هكذا حتى صاح حارس المحكمة بصوت مرتفع: محكمة! ودخلت هيئة المحكمة.. قائد الجناح جمال سالم، والقائمقام أنور السادات، والبكباشي حسين الشافعي، وممثلا الادعاء البكباشي محمد التابعي، والأستاذ مصطفى الهلباوي، ووقف كل من في القاعة.. ثم جلسوا عندما جلست هيئة القضاة. ثم فتح قائد الجناح جمال سالم رئيس المحكمة الجلسة! قائد الجناح جمال سالم "رئيس المحكمة": فتحت الجلسة.. أولى جلسات محكمة الشعب .. المتهم موجود؟ ممثل الادعاء البكباشي محمد التابعي : المتهم موجود والقضية جاهزة. رئيس المحكمة: المتهم محمود عبداللطيف؟ .....وقف محمود عبداللطيف من مكانه..... المتهم: أفندم. رئيس المحكمة: أنت متهم بأنك في يوم 26 أكتوبر 1954 وما قبله في مدينتي القاهرة والإسكندرية أولا بالاشتراك مع آخرين في تنفيذ اتفاق جنائي. الغرض منه إحداث فتنة دامية لقلب نظام الحكم. وذلك بإنشاء نظام خاص سري مسلح للقيام باغتيالات واسعة النطاق، وارتكاب عمليات تدمير بالغة الخطورة وتخريب شامل في جميع أرجاء البلاد تمهيدا لاستيلاء الجماعة التي تنتمي إليها على مقاعد الحكم بالقوة. وثانيا بالشروع في قتل البكباشي أركان حرب جمال عبدالناصر رئيس الحكومة تنفيذا للاتفاق الجنائي المشار إليه في الفقرة الأولى.. مذنب أم غير مذنب؟ ....لم يرد المتهم محمود عبداللطيف... قال رئيس المحكمة: سمعت الادعاءات اللي قلتها.. فاهم الادعاء اللي عليك؟ المتهم: أيوه. رئيس المحكمة: مذنب ولا غير مذنب؟ المتهم: مذنب! المدعي العام: المتهم لما أعلناه بالادعاءات سألنا إذا كان له محام فقال معندهوش محام. وقانون تشكيل المحكمة لا يستلزم وجود محام مع المتهم، والقضية جاهزة ونطلب نظرها. رئيس المحكمة: المتهم عايز حد يدافع عنه؟ المتهم: عايز. رئيس المحكمة: عايز مين؟ المتهم: محمود سليمان الغنام. رئيس المحكمة: مين؟ المتهم: محمود سليمان الغنام المحامي. رئيس المحكمة: وإذا كان سليمان غنام ما يرضاش؟ المتهم: فتحي سلامة. رئيس المحكمة: وإذا كان سلامة ما يرضاش؟ المتهم : مكرم عبيد. رئيس المحكمة: وإذا كان سلامة ما يرضاش؟ المتهم: يبقي أي واحد! رئيس المحكمة: أي واحد؟ طيب.. الادعاء يتصل بالمحامين اللي قال عنهم المتهم بحسب ترتيبهم فإذا رفضوا ينتدب له محام للدفاع عنه.. وتتأجل القضية 48 ساعة لجلسة الخميس 11 نوفمبر الساعة العاشرة صباحا.. رفعت الجلسة! ورفض كل من محمود سليمان غنام، وفتحى سلامة، ومكرم عبيد الدفاع عن المتهم؛ لأنهم جميعا استنكروا الجريمة التى أقدم عليها، وقال الأستاذ مكرم عبيد : "أنها جريمة موجهة إلى قلب الوطن؛ فمن المستحيل أن أدافع عنه .. مستحيل!". وفى صباح يوم الخميس 11 نوفمبر 1954 وقف المحامي هنداوي دوير أمام محكمة الشعب ليدلي بأخطر اعترافاته. ولأول مرة في قضية محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر يظهر اسم الرئيس محمد نجيب على لسان أحد المتهمين "كمتورط" مع جماعة الإخوان. هنداوي دوير: أبلغني إبراهيم الطيب رئيس الجهاز السري أن الإخوان على اتفاق مع اللواء محمد نجيب أن "يمشي معنا" بعد قتل جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس الثورة، وأن هناك اتصالا بمحمد نجيب، على أن يتولى تهدئة البلاد بعد الاغتيالات! وتأكدت من هذا عندما كنت في بيت المرشد العام للإخوان حسن الهضيبي يوم عودته من سوريا، واتصل محمد نجيب بالتليفون الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وطلب أن يتحدث إلى الهضيبي.. إن الهضيبي كان من رأيه أن تتولى الحكم حكومة تتجه بالبلاد نحو الاتجاه الإسلامي ولا تكون حكومة إخوان مسلمين؛ لأن البلاد غير مستعدة الآن لتقبل النظم الإسلامية بأكملها. وأضاف هنداوي؛ أنه سأل قبل أن يسلم محمود عبد اللطيف المسدس هل الهضيبي موافق على اغتيال جمال عبد الناصر؟؛ فقال له إبراهيم الطيب رئيس الجهاز السري إن الهضيبي وافق على هذا، وبناء على ذلك أمر محمود عبد اللطيف بتنفيذ الخطة، وقال دوير انه صدرت إليه الأوامر بدراسة منزل القائم مقام أنور السادات ومقر عمله تمهيدا لقتله، وقد نفذ هذه الأوامر. وكشفت أقوال هنداوي دوير أمام المحكمة أن القرار باغتيال جمال عبد الناصر كان يقضي بقتله بثلاث طرق؛ أولا بالمسدس وقد كلف اثنان بذلك، وثانيا بأن يرتدي أحد الفدائيين حزام ديناميت ويعانقه فينسفه وينسف معه، ثالثا بعمل كمين له وقتله بالمدافع وهو في الطريق إلى بيته. عقدت محكمة الشعب جلستها الثانية في الساعة العاشرة صباحا لاستئناف محاكمة المتهم محمود عبد اللطيف. وقد جيء بالمتهم في حراسة البوليس الحربي، ولزم مكانه في مقعد الاتهام، وجلس إلى يساره محاميه الأستاذ حمادة الناحل. عقدت المحكمة جلستين الأولى صباحية، والثانية مسائية بدأت في السادسة مساء وانتهت قرابة منتصف الليل. رئيس المحكمة: فتحت الجلسة.. المتهم موجود؟ ..جاهزين؟. المدعي: جاهزين . رئيس المحكمة: سمعت الادعاء اللي عليك. وقلت انك مذنب أيه أقوالك؟ السيد حمادة الناحل رايح يترافع عنك.. وأحب أقول إن المحكمة تشكره على تطوعه للدفاع عنك. المحامي حمادة الناحل: وأنا بدوري أشكر المحكمة على هذه الثقة وأدعو الله أن يوفقني في مهمتي. رئيس المحكمة للمتهم محمود عبد اللطيف: اتفضل قول للمحكمة ايه أقوالك.. تتكلم انت أو السيد المحامي يتكلم؟ المتهم: السيد المحامي. رئيس المحكمة: بس يقول إيه أقواله؟ المحامي حمادة الناحل: يقول وبرضه نناقشه تاني! المتهم: أنا في الإخوان من سنة 1942 ومن مدة 4 شهور بس.. انضميت للمنظمة السرية، ودي مكونة من 3 أشخاص محمود عبد اللطيف وهنداوي دوير المحامي وسعد حجاج. رئيس الحكمة: على صوتك شويه وإتكلم على مهلك.. وخليك هادي. المتهم: وكنا احنا الثلاثة نجتمع كل أسبوع يوم الاثنين من نصف ساعة إلى ساعة في بيت هنداوي دوير لحفظ القرآن ودراسة السيرة والجهاد في سبيل الله، وقبل الحادث بأسبوع واحد هنداوي قال لنا على حكاية اتفاقية الجلاء. وإن الرئيس وقعها وإن دي خيانة في حق البلد ولازم نقتل الرئيس جمال، واتفقنا احنا الثلاثة إن اللي تتاح له فرصة ينفذ الاغتيال. وقبل الحادث بيومين هنداوي جاب لي المسدس، وقال لي مسدس سعد ماجاش نفذ انت الخطة. وقبل الحادث بيوم قرأت في جريدة القاهرة إن الرئيس مسافر إلى الإسكندرية لحضور المهرجانات.. فرحت لهنداوي وقلت له إني رايح إسكندرية.. فقال على بركة الله! والصبح جاني سعد وقلت له، فأبدى تأسفه لأن سلاحه لم يكن موجودا، وتوكلت ومشيت على الإسكندرية.. رحت المحطة ركبت قطار الساعة التاسعة صباحا، ووصلت هناك الساعة 12 ومشيت في شارع محرم بك، واتغديت ورحت لوكاندة دار السعادة، وأخذت حجرة خاصة وغيرت ملابسي، ورحت المحطة وبعدين رحت ميدان المنشية. ولما وصلت وقفت لغاية ما جه الرئيس وهو بيلقي كلمة ألقيت عليه طلقات من المسدس. والناس قبضوا عليّ.. ورحت البوليس الحربي في الإسكندرية وقلت كل الأقوال على يد النائب العام وهو اللي كتب المحضر. ينظر جمال سالم رئيس المحكمة إلى البكباشي محمد التابعي المدعي في القضية ويقول له: عايز تسأله؟ المدعي: أيوه.. ما دور المنظمة السرية للجماعة؟. المتهم: محاربة أعداء الإسلام والدعوة الإسلامية .. الإنجليز واليهود واللي يقف في سبيل الدعوة، وقبل الحادث بأسبوع اجتمعنا احنا الثلاثة ودرسنا اتفاقية الجلاء، وقررنا أنها أعطت الإنجليز حقوقاً في البلد وخيانة وطنية. المدعي: قرأت الاتفاقية؟ محمود عبد اللطيف: قرأت.. وقرأت بعض الملاحق، وقرأت في الجرائد أنها استبدلت 500 مليون جنيه الديون بتاع مصر بمبلغ 33 مليون جنيه. رئيس المحكمة: يعني ده اللي كان مزعلك من الاتفاقية؟!! ..يسكت محمود عبد اللطيف ولا يرد.. رئيس المحكمة: ده بس اللي مزعلك.. والا فيه حاجة تانية؟ المتهم: فيه حاجه تانية.. هي أنه مش ضروري الاتفاقية.. وهم سنة 1956 كانوا رايحين يرحلوا؛ لأنهم يبقوا قاعدين غير شرعيين، وهم رايحين يطلعوا ويفرقوا قواتهم من القنال خوفا من القنابل الذرية. رئيس المحكمة: يعني انت كمان جنرال تعرف في الشؤون العسكرية كويس؟ المدعي الآخر مصطفى الهلباوي: إذا لم تعمل الاتفاقية.. كان الإنجليز حايخرجوا ازاي؟.. إيه رأيك كأخ مواطن؟ المتهم: خروجهم يحتاج لجهاد، والجهاد جربناه قبل كده لما راحت كتائب الجامعة للقنال، وانزعج الإنجليز وقالوا انهم مستعدون للجلاء بس نوقف حرب العصابات.. ومعاهدة 1936 دي كانت تعطي للإنجليز كل حق في البلد بالثمن.. التموين المواصلات بالفلوس.. وعشان كده ترتبت ديون لمصر على إنجلترا. رئيس المحكمة: تفتكر مافيش داعي للمناقشة في المعاهدات المدعي: ثقافتك ايه؟ المتهم: درست أربع سنين في قسم ليلي بعد الابتدائية! المدعى: ماذا درست؟ المتهم: الجهاد في سبيل الله ودراسة القرآن والسيرة. المدعى: الجهاز السري كان بيشتغل لحساب مين؟ المتهم: الإخوان .. الإخوان المسلمين. رئيس المحكمة: يعني كنتم تحاربوا أعداء الإسلام عشان الإخوان المسلمين يتريسوا، والحكومة يعني عدوة الإسلام، وعشان كده رحت تقتل رئيسها، والا فهموك أن الرئيس بس هو اللي عدو الإسلام؟ المتهم: فهمونا إن الرئيس هو عدو الإسلام. رئيس المحكمة: لوحده؟ المتهم: آه. رئيس المحكمة: ده اللي فهموه لك؟ المتهم: أيوه. رئيس المحكمة: وجهازكم كان لحساب الإخوان المسلمين؟ المتهم: لا.. بس اعرف أن رئيسنا هنداوي.. لكن الرئيس العمومي معرفهوش. رئيس المحكمة: هل بينك وبين الرئيس جمال حاجة؟. المتهم: لا رئيس المحكمة: كلمته؟ المتهم: لا. رئيس المحكمة: سلمت عليه؟ المتهم: لا . رئيس المحكمة: آمال ايه اللى خلاك تحاول تقتله؟ المتهم: فهموني إن الاتفاقية خيانة رئيس المحكمة: مين اللي فهمك؟ المتهم: هنداوي دوير. رئيس المحكمة: طيب.. اطلبوا هنداوي دوير نسمع كلامه. لكن قبل استدعاء هنداوي دوير لسماع أقواله يستكمل المدعي محمد التابعي سؤال محمود عبد اللطيف، ويقول له: هل سبق أن طلب منك لبس حزام وتنسف به الرئيس؟ المتهم: هنداوي عرض علي الساعة 12 مساء ليلة الحادث؛ وقال لي فيه عندنا حزام تلسبه.. وتعانق الرئيس ينفجر وينسف الرئيس وينسفك ..رفضت. رئيس المحكمة: مارضيتش له؟ ..لا يرد محمود عبد اللطيف.. رئيس المحكمة: خفت على نفسك؟ المتهم: لا.. ماخفتش على نفسي. رئيس المحكمة: ليه.. دي أضمن من المسدس؟ ..لا يرد محمود عبد اللطيف.. رئيس المحكمة: اتكلم.. حد ماسكك؟ ما تخافش المتهم: أنا قلت له ما ينفعش عشان الزحمة! المحامي حمادة الناحل: ويمكن ما يرضاش الرئيس يحضنه! رئيس المحكمة : ايه معلوماتك الدينية؟ المتهم: جزء من سورة البقرة! رئيس المحكمة: وايه تاني. المتهم: بعض آيات! رئيس المحكمة: تقدر تقول شوية منها؟ المتهم: سورة يس وثلاثة ارباع آل عمران. * جمال سالم: بس؟ المتهم: وسورة صغيرة. في محكمة الشعب أطاحت اعترافات الإخوان باللواء محمد نجيب، وبرغم أن هذه الاعترافات كانت بمثابة صدمة عامة للمصريين الذين كان كثير منهم يعجبون بمحمد نجيب، فهو رئيس الجمهورية، وهو الرجل الأكبر سنا والأكثر حكمة بين الضباط الأحرار الذين صنعوا الثورة. برغم كل ذلك فقد وضعت هذه الاعترافات فصل النهاية لوجود محمد نجيب على رأس الثورة.. وعلى رأس الحكومة المصرية، وصدرت الجرائد في صباح يوم 15 نوفمبر 1954تحمل الأخبار الأكثر إثارة: "إعفاء نجيب" .. "مجلس الثورة يقرر بقاء منصب رئيس الجمهورية خالياً " تولى اللواء عبدالحكيم عامر القائد العام ووزير الحربية، وقائد الجناح حسن إبراهيم وزير القصر إبلاغ هذا القرار لمحمد نجيب في الساعة الحادية عشرة في قصر عابدين، وغادر محمد نجيب القصر بعد إبلاغه القرار. واجتمع مجلس الوزراء وأحيط بقرار مجلس قيادة الثورة، وأقام اللواء محمد نجيب مع أسرته في قصر المرج، وهو القصر الذي كانت تملكه السيدة زينب الوكيل زوجة مصطفى النحاس باشا. وصرح الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية عقب الاجتماع بأن الرئيس جمال عبدالناصر رئيس مجلس الوزراء كلفه بإبلاغ قرارات مجلس قيادة الثورة إلى جميع السفارات والمفوضيات المصرية في الخارج، وقال الدكتور محمود فوزي أنه سيجتمع في وزارة الخارجية باللواء علي نجيب سفير مصر في سوريا لاطلاعه على تفاصيل الموقف في سوريا. وكان البوليس في فجر اليوم السابق قد ألقى القبض على إبراهيم الطيب رئيس الجهاز السري للإخوان، وبمجرد القبض عليه سالت اعترافاته الخطيرة، وكانت أكثرها خطورة هي اعترافاته على اللواء محمد نجيب؛ فقد اعترف إبراهيم الطيب بأن محمد نجيب كان على صلة سرية بالإخوان من شهر أبريل بنفس العام، وأنه قبل أن يلعب دورا هاما في انقلاب الإخوان الدموي، وأن محمد نجيب أفهم الإخوان أنه يستطيع أن يسيطر على الموقف بعد اغتيال جمال عبدالناصر. واعترف إبراهيم الطيب بأن حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان وفي بعض الأحوال عبدالقادر عودة أو صلاح شادي كانوا صلة الاتصال السري بين الإخوان واللواء محمد نجيب، وأحيانا تكون الصلة أشخاصا آخرين من المتصلين بالهضيبي. وتوالت اعترافات إبراهيم الطيب.. فقد اعترف بأن المجلس العالي للجهاز السري هو الذي وضع خطة الاغتيالات والانقلاب، وأن هذه الخطة لا علاقة لها باتفاقية الجلاء، وإنما وضعت للتخلص من النظام الحاكم، وأن المرشد العام حسن الهضيبي أقر هذه الخطة وصدق عليها. وقال ابراهيم الطيب لقد كنت مستمرا في تنظيم باقي الإخوان الذين لم يعتقلوا، وكنت أبذل محاولة نهائية لتنفيذ خطة الانقلاب؛ كانت الخطة تتلخص في إعداد الإخوان وتعبئتهم وتدريبهم، والقيام بحوادث اغتيالات للجهاز الحكومي كله من رئيس الوزراء جمال عبدالناصر إلى كل معاونيه وعدد من ضباط الجيش، وقد تقرر في الخطة أن نقتل جمال عبدالناصر بأي شكل في منزله أو في مكتبه أو في الشارع؛ لأننا كنا نعتبره المسؤول عن الجهاز الحكومي. وبعد اغتيال جمال عبدالناصر نقوم بحركة شعبية ومسلحة، وأن يتم تأمين الجيش بواسطة محمد نجيب، وفي الوقت نفسه يقوم الإخوان بمظاهرات شعبية مسلحة، ومن أجل هذا جمعنا السلاح لاستعماله في هذه المظاهرات، وقد أبلغت يوسف طلعت هذه الخطة وأبلغني أن المجلس العالي هو الذي وضعها، وأنه عرضها على المرشد العام الأستاذ الهضيبي فصدّق عليها، وكان المتفق عليه بعد الاغتيالات وقيام المظاهرات المسلحة أن يتولى محمد نجيب تأمين الثورة الجديدة، وإلقاء بيان للتهدئة؛ فإذا حصلت مقاومة بعد ذلك تحدث اغتيالات جديدة. ويضيف إبراهيم الطيب أنه عندما تلقى هذه التعليمات من يوسف طلعت أبلغها إلى جميع قادة الفصائل لتنفيذها، وأن القصد من اغتيال جمال عبدالناصر ألا يقع صدام بين الشعب وبعضه، وأن محمد نجيب أفهمهم أنه يستطيع أن يسيطر على الموقف. ويقول الطيب : " وكنا نظن أن الذين سينجون من الاغتيالات سوف يسلمون أنفسهم حقنا للدماء؛ وخصوصا عندما يرون أن رئيس الجمهورية محمد نجيب هو القائم على رأس الوضع الجديد، والخطة ليس لها أية علاقة باتفاقية الجلاء، ولكن السبب في وضعها هو التخلص من الوضع الحالي.. وعندما فشل حادث اغتيال جمال عبدالناصر لم أيأس! وكنت أحاول من مخبأي إعادة تنظيم الفصائل التي بقيت بعد الإعتقالات لنحاول أن نقوم بالخطة التي وضعها المجلس العالي، وكنت أستعين ببعض الأخوات المسلمات في نقل التعليمات إلى أعضاء الفصائل. وكان محمد نجيب قد وعدنا في شهر أبريل بأن الجيش معه، فلما تبين أن هذا غير صحيح رأينا أن نستعيض عن الجيش بالمظاهرات الشعبية المسلحة" . ولم يكن هذا فقط هو كل ما اعترف به ابراهيم الطيب؛ فقد قال فيما بعد أمام محكمة الشعب: " أن اللواء محمد نجيب كان يكتب المنشورات ويكلف الإخوان بطبعها وتوزيعها! وأن عبدالقادر عودة سلمه منشورا مكتوبا بالقلم الرصاص ليس بخطه وبتوقيع محمد نجيب يهاجم فيه اتفاقية الجلاء، وأن الجهاز السري أعد خطة الاغتيالات بعد أن تم التفاهم مع محمد نجيب، وأنهم قرروا اغتيال كل من يقف ضد ثورتهم المسلحة". وقال إبراهيم الطيب أيضا: " إن حزام الديناميت كان معدا لتفجيره في الرئيس جمال عبدالناصر وزكريا محيي الدين وزير الداخلية". ومن اغرب ما قاله أنه قرر قتل جمال عبدالناصر رغم انه لم يقرأ اتفاقية الجلاء، واكتفى بما قاله له عبدالقادر عودة بأنها تنص على عودة الإنجليز إلى القنال في حالة خطر الحرب، وهذا معناه أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر لأن خطر الحرب قائم. وفي محكمة الشعب.. كشف جمال سالم رئيس المحكمة عن أسرار خطيرة، فقال إن الإخوان طلبوا من مجلس قيادة الثورة خلال شهري يوليو وأغسطس سنة 1952 -أي فور قيام الثورة- إقامة حكم عسكري مطلق دون دستور أو برلمان لمدة عشر سنوات ليكون الحكم تحت وصاية الإخوان! وقال جمال سالم: إن مجلس قيادة الثورة رفض هذا العرض وطلب من الأحزاب تطهير نفسها تمهيدا لإعادة الحياة النيابية لكنها لم تفعل! ولم تكن الاعترافات فقط هي التي قدمها إبراهيم الطيب.. لكن أيضا فور القبض عليه أرشد عن مخبأ يوسف طلعت رئيس الجهاز السري الهارب. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت عن مكافأة قدرها ألفا جنيه لمن يرشد عن يوسف طلعت، وكان رجال البوليس يعملون ليل نهار في البحث عنه.. لكن إبراهيم الطيب بعد القبض عليه وفي الساعات الأولى أرشد عن الأماكن التي يتردد عليها يوسف طلعت، ومن هذه الأماكن شقة في مصر الجديدة، وأسرع رجال البوليس إلى هذه الشقة وحطموا بابها ودخلوا ليجدوا يوسف طلعت جالسا بالبيجامة حليق الذقن يقرأ في جريدة " أخبار اليوم "، وكان بجوار يوسف طلعت مدفع معد للاستخدام في أية لحظة.. لكنه بمجرد أن وجد رجال البوليس في الشقة يحيطون به استسلم ورفع يديه إلى أعلى. وعثر رجال البوليس في الشقة التي كانت تقع بالطابق الرابع في العمارة رقم 9 بشارع الوالي على مدفع "تومي جن" ومدفعين "برن" وخمسة مدافع "استن" وتسع بنادق "لي انفيلد"، وماسورة مدفع عيار 11 ومدفع "فيكرز" و23 قايش بندقية مشحون بالرصاص، و19 خزانة مدفع، وصندوق كبير مليء بالمتفجرات والمواد الناسفة والقنابل، وماكينة طبع "رونيو" لطبع المنشورات. ولم يكتف رجال البوليس بالصيد الثمين وهو القبض على يوسف طلعت؛ فقد حملوه بعيدا وأصلحوا باب الشقة وظلوا داخلها وانتظروا وصول زواره من رجال الإخوان، ثم قبضوا عليهم جميعا. وبدأت بقية رموز الإخوان الكبيرة تتساقط، وكان من بين الذين تم القبض عليهم سيد قطب، ونشرت "أخبار اليوم" بعضا من اعترافاته فقالت: اعترف الأستاذ سيد قطب أحد زعماء الإخوان اعترافات خطيرة. اعترف بأنه زار المرشد العام حسن الهضيبي عقب عودته من سوريا وأبلغه الأستاذ الهضيبي بأنه سيحدث انقلابا في الحكم قريبا، وأن هذا الانقلاب سيتم مع بقاء محمد نجيب رئيسا للجمهورية. وقال سيد قطب للهضيبي: خلي بالكم شوية واعملوا احتياطات من الناحية الدولية؛ لأن منطقة الشرق الأوسط منطقة حساسة وقد تتدخل بعض الدول. المرشد العام حسن الهضيبي: لقد اتخذت احتياطيات دولية والإخوان قاموا بالاتصالات في هذا الشأن حتى تعترف الدول بانقلاب الإخوان. واعترف سيد قطب بأنه كان يصدر نشرة سرية للإخوان بعنوان "هذه المعاهدة لن تمر" ، ونشرة أخرى بعنوان " لماذا أكافح "؟! صدم الشعب فى جماعة الإخوان الذين كانوا –كعادتهم دائما- يتسترون بعباءة الدين للوصول إلى أهدافهم فى السيطرة على الحكم فى مصر، وبدأ الناس يشعرون بكراهية شديدة للإرهابيين من جماعة الإخوان للأعمال الإجرامية التي ارتكبوها، واخذوا يساعدون رجال البوليس في الكشف عنهم وعن مخابئ ذخيرتهم؛ فكان بعد أن انتهت صلاة الجمعة في مسجد الظاهر أن شعر الناس بأن الأستاذ صالح عشماوي كان يؤدي الصلاة بين المصلين فظنوه حسن عشماوي المطلوب القبض عليه، فقاموا بالقبض عليه وساقوه إلى قسم الظاهر ولكن رجال البوليس أخلوا سبيله! لكن اخطر ما حدث كان القبض على بعض عناصر الإخوان في الجيش، وكشف هؤلاء عن أنه كانت توجد خطة لنسف طائرة جمال عبدالناصر. فقد اعترف الضابط طيار محمد علي الشناوي بأنه تلقى أمرا من البكباشي أبو المكارم عبدالحي قائد الجهاز السري للإخوان في الجيش بأن ينسف طائرة الرئيس جمال عبدالناصر التي سافر بها الى أسوان، وانه كلف الأونباشي فاروق حسن المسيري والأونباشي سعيد ندا من قوة الطيران بوضع قنبلة زمنية داخل محرك طائرة جمال عبدالناصر! وكان على الطائرة مع الرئيس جمال عبدالناصر جمال سالم وصلاح سالم والدكتور احمد حسن الباقوري وزير الأوقاف ونور الدين طراف وزير الصحة والشرباصي وزير الأشغال وحسن مرعي وزير التجارة وحسني فهمي رئيس مجلس الإنتاج، والبكباشي احمد أنور قائد البوليس الحربي، وأمين حشاد قائد اللواء الجوي وسعد رفعت قائد السرب، وعبداللطيف الجيار سكرتير الرئيس، وكان معهم أيضا الكاتب الصحافي الأستاذ محمد حسنين هيكل. واعترف الأونباشي سعيد ندا من سرب المواصلات بأن الطيار الشناوي كلفه بوضع قنبلة في طائرة الرئيس جمال عبدالناصر؛ فسأله لماذا نقتل جمال عبدالناصر، قال له الطيار الشناوي لأنه عدو للإسلام ويحل دمه. قال له الأونباشي: ما دام الأمر كذلك فلنقتل جمال عبدالناصر، ولكن ما ذنب زملائه الذين سيكونون في الطائرة؟ فأفتى له البكباشي أبو المكارم بأنهم سيكونون شهداء! وقال أنهم سيدخلون الجنة. وعاد الطيار الشناوي ليبلغ هذه الفتوى للأونباشي سعيد ندا، لكن الأخير لم يستطع وضع القنبلة في طائرة الرئيس جمال عبدالناصر لأسباب خارجة عن إرادته. لم تكن هذه القصة مثيرة فقط لكنها كانت أيضا خطيرة، لأنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن عناصر للإخوان داخل الجيش المصري غير الضابط الهارب السابق عبدالمنعم عبدالرؤوف، ولم تكن الشرطة العادية هي التي كشفت هذه القضية بل البوليس الحربي، وكان قائد البوليس الحربي هو احمد أنور، والذي كان مفروضا أن يقتل في نفس الطائرة مع جمال عبدالناصر. وبالعودة إلى المحاكمات، تحولت شهادة حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين في القضية المتهم فيها محمود عبداللطيف الذي حاول قتل الرئيس جمال عبدالناصر واطلق عليه ثماني رصاصات في ميدان المنشية بالإسكندرية إلى ما يشبه المحاكمة العلنية للجهاز السري للإخوان ولجماعة الإخوان وأفكارها وأعمالها. وكان مشهد الهضيبي داخل قاعة محكمة الشعب يدعو للرثاء، وهو يقول أمام القضاة والشهود بأنه لم يكن على علم بما يفعله الجهاز السري، وأنه كان مجرد " واجهة لا اكثر ولا اقل للإخوان"؛ كل مهمته السفر وتوقيع الأوراق كل شهر.. والتحدث إلى الصحافيين! وكان الهضيبي يتحدث عن لقائه بيوسف طلعت رئيس الجهاز السري في مخبئه بالإسكندرية، وكيف أنه لم يسمح إلا بالمظاهرات، وطالب بأن تشترك عناصر الأمة في هذه المظاهرات. وواصل حمادة الناحل محامي محمود عبداللطيف سؤال المرشد العام للإخوان.. وسأله عن نتيجة التصادم الذي سيحدث في المظاهرات بين الناس والحكومة. - فقال الهضيبي: نتيجة سيئة! المحامي حمادة الناحل: هل يمكن أن تكون مذبحة؟ الهضيبي: ممكن! المحامى: ماذا قلت ليوسف طلعت بهذا الشأن؟ الهضيبي: أنا ما قلتش ليوسف طلعت إلا الكلام اللي قلته. المحامي: هل تؤمن بالحديث الذي يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. الخ"؟ - الهضيبي: أيوه. جمال سالم"رئيس المحكمة": لا تتدخل في إيمان الشاهد؛ لأن هذا بينه وبين ربه. رئيس المحكمة: ما فيش حد من اللي هنا كان عايز يقعد القعدة دي.. لا احنا ولا الحاضرين.. ولا كنا عايزين ده كله.. ولكن نعمل ايه؟ امرنا لله.. هل اتصل بك الرئيس جمال عبدالناصر على يد أعضاء مكتب الإرشاد وطالبك بحل الجهاز السري ونشاط الإخوان في الجيش والبوليس؟ الهضيبي: حصل! رئيس المحكمة: ماذا عملت لتنفيذ ذلك؟ الهضيبي: الأول هو طلب ألا يكون لنا تنظيمات في الجيش، فأنا قلت أنى لا اعلم انه فيه تنظيمات في الجيش.. يجوز فيه ناس قابلين الدعوة بس، وقلت إن الضابط محمود لبيب جاني في الفترة اللي كنت فيها رافض تولى رياسة الإخوان، وعرض عليّ أسماء ضباط في الجيش منضمين للإخوان، وأنا اعتذرت له عن معرفتهم لأني ماكنتش قبلت الرياسة.. وأنا قلت الكلام ده لجمال عبدالناصر. رئيس المحكمة: وماذا عملت بالنسبة للجهاز السري المدني الذي طلب منك رئيس الحكومة حله. وطلب ذلك منك مباشرة وبواسطة أعضاء الجماعة.. وطلب منك تسليم أسلحتهم؟ - الهضيبي: لا.. أنا ماكنتش أعرف إن فيه أسلحة أو إن الجهاز فيه منه خطر. كان الإرهاق قد بدأ يظهر واضحا على حسن الهضيبي.. جمال سالم "رئيس المحكمة": انت تعبان من الوقوف؟ الهضيبي: أيوه. نظر جمال سالم إلى احد الجنود في القاعة.. وقال له: هات له كرسي من فضلك! لكن الهضيبي قال: لا معلهش رئيس المحكمة: إذن نأخذ راحة إلى أن تستريح.. توقف الجلسة ربع ساعة. كانت هذه أجزاء من وقائع محاكمات المتآمرين من جماعة الإخوان على قلب نظام الحكم أمام محكمة الشعب. وهذه هى التمثيلية التى يدعون أن الرئيس عبد الناصر قد دبرها ، وبعد ذلك فالزعم بأن حادث محاولة الاعتداء على الرئيس جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية سنة 1954 هو حادث مدبر من الرئيس عبد الناصر ، لا يقول به إلا أحد اثنين : الرئيس : جميعا وبلا استثناء ، ولكن هل تعرف عدد المعتقلين ؟ إما أن يكون هو نفسه شريكا فى تدبير الاعتداء . أو أن يكون من الذين يحرصون على أن يقذفوا بالغيب من مكان بعيد . لقد قال الشيخ أحمد حسن الباقورى حول هذا الحادث ما يلى : " إن الذى يصر على أن ما حدث فى المنشية كان مفتعل من جانب الرئيس جمال عبدالناصر فهو مخطئ؛ فقد كنت أجلس فى شرفة هيئة التحرير بميدان المنشية، وكنت أجلس بالقرب من الرئيس ، وبجوارى الأستاذ ميرغنى حمزة وزير الزراعة السودانى.. ورفع يده بعد إطلاق الرصاص، وإذ بيده غارقة فى الدماء نتيجة تناثر شظايا الزجاج فى يده .. هذه واحدة، أما الأخرى ؛ كان هناك سكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية وأصيب برصاصة فى بطنه ونقل إلى المستشفى، وذهبنا لزيارته مع جمال عبد الناصر فى اليوم التالى .. هل هذا كله تلفيق". ومن واقع حديث لجمال عبد الناصر مع رئيس تحرير الجمهورية كامل الشناوى يوم30مايو1956 جاء فيه : "الشناوى : لقد قررتم رفع الرقابة على الصحف نهائيا ، فهل سيتبع ذلك اتخاذ قرار بتخفيض قيود الأحكام العرفية ؟ الرئيس : إن الأحكام العرفية استمرار لقرار آخر برلمان فى 26يناير1952 مع فارق أنها كانت تستخدم ضد المواطنين ، أما الثورة فقد استخدمتها ضد أعداء الوطن ، وسأعلن وجهة نظرى فى نهاية الأسبوع . الشناوى : والمعتقلون ؟ الرئيس : لقد قررنا الإفراج عنهم . الشناوى : جميعا ؟ الشناوى : ليس عندى معلومات أكيدة من عددهم، ولكن كل ما أعلم أن كثيرين ممن اعتقلوا أو ممن صدرت ضدهم أحكام قضائية ونشرت قوائم بأسمائهم قد تم الإفراج عنهم فى صمت ولست أعرف الحكمة من كتمان هذه الأنباء . مؤامرة 1965:الرئيس : سأذيع خلال أيام قليلة بيانا عن من تم اعتقالهم ومن أفرجنا عنهم، وسيفاجأ الرأى العام حين يعلم أن حملات التضليل قد ضربت الرقم الحقيقى للمعتقلين فى عشرة أو عشرين ، وسيعلم الرأى العام أيضا أننا لم نؤذ معتقلا فى رزقه لم نهمل شأنه أو شأن أحدا ممن يعولهم ، وأن الاعتقال كان إجراء تحفظيا لسلامة الدولة وحماية مصلحتها العليا، وأن الاعتقال بالنسبة إلى كثيرين من المتعقلين لم يكن عقوبة بل كان علاجا ووقاية . الشناوى : هل أستطيع أن أعرف عددهم ؟ الرئيس : إن عدد المعتقلين الآن 571 معتقلا سيفرج عنهم جميعا قبل يوم22يونيو". وبعد يومين من هذا الحديث أعلن الرئيس عبد الناصر ضمن الحملة الإعلامية لإعلان الدستور سنة1956 ما يلى: "إ ن أكبر عدد للمعتقلين طوال هذه الأيام بلغ فى 24 أكتوبر 1954 عدد 942 معتقلا بعد اكتشاف القنابل ومخازن السلاح والمنظمات السرية وكلكم تعلمون الفترة التى مررنا بها 0 وقبل هذا الوقت وهذه الحوادث كان أكبر عدد للمعتقلين فى أكتوبر 1954 وكان عددهم فى عامى 1952 و1953 حوالى 237 شخص فقط ، ولما قامت الحوادث المؤسفة باسم الدين قام بعض الناس ممن خدعوا وغرر بهم ودفعوا دفعا لمقاومة هذه الثورة ورغم هذا كله فإن عدد المعتقلين وصل إلى 2943 وفى سنة 1948 و1949 لم تكن البلاد تحكم أحكاما استثنائيا وصل عدد المعتقلين إلى خمسة آلاف شخص وأنتم تعلمون أن هذه الأرقام مع فارق واحد هو أن المعتقلين فى الماضى كانوا الذين يعملون من اجل الوطن والحرية وتحقيق الآمال والمعتقلين الذين اعتقلوا فى الثورة كانوا وبالا على الشعب وآماله وأهدافه وكانوا يمثلون خطرا على مستقبل هذا الوطن وكيانه الذى يسعى إلى التحرر من الاستعمار وأعوانه". ثم شرح الأسباب التى دفعت للاعتقال قائلا : " فإن علينا أن نفكر فى الأسباب والدوافع قبل الحكم على قرار ما حتى نستطيع أن نحكم عليه حكما سليما. إنه فى السنوات الماضية أقيمت محاكم عسكرية وحكمت على الأشخاص الذين كانوا يقاومون هذه الثورة والذين كنا نعتبر أن أى نجاح لهم يعد انتكاسا لهذه الثورة، وأن أى نجاح قد يثبت الاستعمار وأعوانه ، المحاكم العسكرية حكمت على 254 فردا بأحكام متفاوتة وعلى ما أعتقد أحكاما لا يتجاوز أقصاها 8 سنوات. كما أقيمت محاكم الشعب التى حاكمت الجهاز السرى والتنظيمات المسلحة التى كانت موجودة فى مصر والفصائل التى كانت موجودة فى شبرا ومصر القديمة وفى إمبابة وفى كل مكان ، التنظيم المسلح والتنظيم العسكرى ولم يكن المقصود به جمال عبد الناصر أبدا كان المقصود به أنتم ، كان المقصود به حريتكم . وبعد أن انتهت معركة الجهاز السرى ، ولم تكن خسائر هذه المعركة كبيرة ـ حكمت محاكم الشعب على 867عضوا فى الجهاز السرى البالغ عددهم حوالى أربعة آلاف أو خمسة آلاف موجودين فى شعب وخلايا مسلحة يمثلون فصائل وجماعات ومناطق ، جيش حر فى داخل البلاد . فى المحاكم العسكرية حكم على 254 وفى محاكم الشعب حكم على 867 ولو قارنا هذه الثورة بثورات العالم أجمع نجد أنه ما من ثورة قامت فى العالم واستطاعت أن تثبت أقدامها وتقاوم الرجعية والانتهازية والسيطرة والتحكم إلا ببحر من الدماء . محكمة الثورة كانت درسا سمعتم ما كان فيها وعرفتم ماذا كان يجرى فى الماضى وراء الستار وعرفتم كيف كانت تحكم مصر ومن أين كانت تحكم 00 كان يحكمها الخدم والشماشرجية . هذا هو الدرس الذى أخذناه من محكمة الثورة ، أما من حكم عليهم من محكمة الثورة فقد أفرج عنهم جميعا تقريبا ، ولم يكن الغرض انتقاما ولم يكن الغرض حقدا ، ولم يكن هناك أى عامل شخصى " . هذا ما حدث سنة 1956؛ أما ما حدث سنة 1965 فكانت الصورة أعنف وأشد ضراوة من جانب الجهاز السرى للإخوان المسلمين ـ وهى قصة أخرى ـ وكانت الإعتقالات حوالى خمسة آلاف فرد أخذا بالأحوط؛ لأن الصورة كانت غير واضحة من حيث نوايا وقدرات المتآمرين، وخصوصا أن هذه المؤامرة أكتشفت بواسطة التنظيم الطليعى وليس بواسطة أجهزة الأمن . لم يكن أسلوب الرئيس عبد الناصر هو تصفية الحسابات مع خصومة، ولكنه كان يرفض وبإصرار تصفية البشر عزوفا منه عن سفك الدماء باسم الثورة أو حتى طلبا لحمايتها. وكان فى نفس الوقت يتصرف كإنسان، يخطئ ويصيب، ومن أول يوم للثورة وقف ضد إعدام الملك فاروق، ورفض منذ البداية الديكتاتورية العسكرية . وفى عام 1960 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بالإفراج أيضا عن كل المسجونين من الذين كانت قد صدرت ضدهم أحكام من الإخوان المسلمين، وتم صرف جميع مستحقاتهم بأثر رجعى بموجب قانون جرى استصداره من مجلس الأمة ينص على أن تعاد لجميع المفرج عنهم حقوقهم كاملة، وأن يعودوا إلى وظائفهم بمن فيهم أساتذة الجامعات الذين يملكون حرية الاتصال والتوجيه للنشء الجديد... هذا هو جمال عبدالناصر الإنسان والقائد والزعيم. خرج الإخوان المسلمين من السجون بفكر إرهابي مبنى على تكفير الحكم ، وضعه سيد قطب فى كتابه "معالم على الطريق " ، وأمكن بواسطته أن يجذب إليه العديد من العناصر التى كانت بالسجن معه ، كما وجدوا فى انتظارهم مجموعة موازية على قدر عال من التنظيم ويعملون على نشر فكر الجماعة فى مختلف المحافظات؛ وخاصة فى الدقهلية والإسكندرية والبحيرة ودمياط ، وكان على رأس هؤلاء على عشماوى وعبدالفتاح إسماعيل وعوض عبدالعال ومحمد عبدالفتاح شريف وغيرهم . وتوفر لهم تمويل خارجى كان الشيخ عشماوى سليمان هو حلقة الاتصال المسئول عن توصيل هذا التمويل إلى الداخل . والتفت المجموعات المختلفة من الإخوان حول فكرة واحدة هى تكفير الرئيس عبد الناصر ومن ثم استباحة اغتياله ، كما اتضح فيما بعد كما كان مقررا أن تشمل عملية الاغتيالات عدد كبير من رجال الدولة والكتاب والأدباء والصحفيين والفنانين وأساتذة فى الجامعات وغيرهم رجالا ونساء ، وبيان تفاصيل هذا الأمر محفوظ فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى ، وأرشيف المباحث العامة وأرشيف المخابرات الحربية . خطط هؤلاء على إدخال بعض عناصرهم كضباط فى القوات المسلحة عن طريق الالتحاق بالكلية الحربية كما حاولوا اختراق الشرطة أيضا بنفس الأسلوب ، يضاف إلى ذلك تجنيد عدد لا بأس به من شباب الجامعات خاصة فى الكليات العملية، وبالذات كليتى العلوم والهندسة التى يمكن لعناصرهم فيها أن يتمكنوا من إعداد المتفجرات بأيسر الطرق ، كما كان داخل التنظيم قسم لتجميع المعلومات يتولى مسئوليته أحمد عبد المجيد الموظف بإدارة كاتم أسرار حربية بوزارة الحربية 0 كما أجمعت قيادات التنظيم على اختيار سيد قطب لتولى رئاسة هذا التنظيم الجديد ، وتم الاتصال به داخل السجن وأعرب عن موافقته، وقدم لهم كتابه " معالم على الطريق "، ونشط فى بناء التنظيم وتوسيع بنائه وقواعده بعد خروجه من السجن . فى 7 أغسطس1965 كان الرئيس جمال عبد الناصر يتحدث إلى الطلبة العرب فى موسكو خلال زيارة كان يقوم بها للاتحاد السوفيتى، وأعلن فى هذا الحديث عن ضبط مؤامرة جديدة للإخوان المسلمين فقال : " بعد أن رفعنا الأحكام العرفية منذ سنة وصفينا المعتقلات ، وأصدرنا قانونا لكى يعودوا إلى أعمالهم نضبط مؤامرة وسلاحا وأموالا وصلت إليهم من الخارج، وهذا دليل على أن الاستعمار والرجعية بيشتغلوا من الداخل " . وتوالى بعد ذلك كشف تفاصيل المؤامرة ... كانت نقطة البداية فى الكشف عن التنظيم الإخوانى هى رصد بعض مجموعات التنظيم الطليعى فى محافظة الدقهلية نشاطا لعناصر من الإخوان أخذ شكل جمع تبرعات قيل أنها لعائلات الغير قادرين منهم ، لكن اتضح أن هذه التبرعات بعد متابعة هذا النشاط كانت تستهدف تجنيد عناصر جديدة ليس لها تاريخ سابق فى جماعة الإخوان المسلمين أو فى سجلات أجهزة الأمن ، وتبين بعد ذلك أن هذا النشاط لا يقتصر على محافظة الدقهلية وحدها ، بل تبعه إلى عدد من المحافظات الأخرى . والحقيقة أن الرئيس عبد الناصر عندما تلقى معلومات التنظيم الطليعى ، طلب تأكيدها عن طريق أجهزة الأمن التى لم يكن لديها بعد مؤشرات عن هذا النشاط، وبناء على ذلك شكلت مجموعة عمل خاصة من شعراوى جمعة وسامى شرف وحسن طلعت لتلقى المعلومات وتحليلها كما تم التنسيق مع شمس بدران فيما يتعلق بالقوات المسلحة . وبعد إجراءات التنسيق التى تولت المتابعة بشكل جدى ودقيق ورصد كل تفصيلاته، وكان كتاب سيد قطب " معالم على الطريق " قد صدر ، لكن مشيخة الأزهر الشريف طلبت مصادرة الكتاب لما يحويه من أفكار جديدة مستوردة ومستوحاة من تعاليم أبو الأعلى المودودى الباكستانى، وبعبارات مختصرة فقد قام فكره على تكفير الحاكم والمجتمع وتغريبه بما يشمل استباحة التخلص من الأنظمة التى لا تتماشى فى الحكم مع هذه التعاليم والمبادئ ، وبعد إطلاع الرئيس عبد الناصر على الكتاب طلب السماح بطبعه وتداوله فى سوق الكتاب مع المتابعة بالنسبة لتوزيعه ، وقد ثبت أن الكتاب قد أعيد طبعه فى أربع طبعات على مدى قصير وبدون إعلان أو دعاية للكتاب ، وعندما قدم التقرير إلى الرئيس كان قراره وتحليله أنه مع تزايد التوزيع وإعادة الطباعة فهذا يعنى شىء واحد فقط هو أنه هناك تنظيم وراء هذا العمل، وبدأت أجهزة الأمن تتابع هذا النشاط بالنسبة للمشترين والموزعين ومن يحصلون على الكتاب .. الخ، وكان هناك أيضا وفى نفس الوقت تكليفات للتنظيم الطليعى بمتابعة هذا الموضوع جماهيريا وسياسيا، وكانت كل البيانات تجمع وتعرض على اللجنة الخاصة التى تولت تحليلها. وحدث أنه أثناء قيام الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة الجامع الأزهر فى شهر أغسطس 1965 أن اكتشف وجود شخص يحمل مسدس ويندس بين صفوف المصلين، وكان ذلك قبل وصول الرئيس فقبض عليه وبدأ التحقيق معه . كذلك أفادت المعلومات عن نشاط مكثف يقوم به سعيد رمضان وهو من قادة الإخوان المسلمين، وكان هاربا ومقيما فى ألمانيا ، وأنه دائم التنقل بين مقر إقامته وبيروت وجدة و طهران – إيران الشاه – وبعض العواصم الأوروبية الأخرى، وكان وقتها يحمل جواز سفر دبلوماسى أردنى . وكانت جماعة مصر الحرة التى يقودها أحمد أبو الفتح – من زعماء حزب الوفد فى مصر والذى كان يقيم متنقلا بين سويسرا وفرنسا – قد حصلت على مبلغ مائتان وخمسون ألف جنيها إسترلينيا من الملك سعود ووقع خلاف بين هذه الجماعة من جانب ، وبين سعيد رمضان من جانب آخر على أسلوب اقتسام هذا المبلغ بعد أن كان الطرفان قد شكلا جبهة عمل واحدة للعمل ضد نظام ثورة يوليو1952 و الرئيس جمال عبد الناصر بالذات. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://img136.imageshack.us/img136/8...6skopieem2.jpghttp://aljazeera.net/mritems/images/...802046_1_3.jpg هيكل.. لحظة الثورة الحقيقية تاريخ الحلقة: 29/5/2008 - لحظة الثورة الحقيقية - مخاطر الأفكار المسبقة - عندما تتضح الصورة محمد حسنين هيكل لحظة الثورة الحقيقية محمد حسنين هيكل: مساء الخير. أظن أن جريدة الأوبسيرفر كانت صادقة بأكثر مما تصورت ربما عندما وصفت سنة 1956بأنها السنة التي غيرت العالم، 1956 السنة التي غيرت العالم، وكانت الأوبسيرفر تتحدث في واقع الأمر عن حرب السويس وفي الحقيقة وعندما نأخذ بحساب الأيام فإن هذه الأيام وهي أيام محددة عشرة أيام غيرت العالم كله في واقع الأمر بادئة من قناة السويس منتهية إلى ما لا حدود، ووضعت في هذه الفترة أظن وُضعت قواعد للتعامل ظهرت حدود للقوة ظهرت حدود للنفوذ ظهرت حدود للتصورات والأحلام والآمال ولكن هذه الفترة العشرة الأيام فعلا تغير العالم كله وتغيرت قواعد التعامل فيه كلها وانفتح الباب إلى آفاق لا يتصورها أحد، وأظن أنه إذا تذكرنا أن السنة التالية لها مباشرة الاتحاد السوفياتي أطلق أول قمر اصطناعي في الفضاء إيذانا بأن هناك عصرا جديدا، أظن أنه سنة 1956 كانت العتبة التي وقف عليها العالم أمام عصر جديد تماما بقواعده بأصوله بتصوراته بأحلامه بآماله إلى ما لا نهاية. بالنسبة لمصر وللعالم العربي أنا أعتقد أن هذه الأيام العشرة لم تغير العالم العربي فقط لكن أنا مستعد أقول إنه هنا السويس كانت ثورة 23 يوليو الحقيقية اليوم الحقيقي للثورة أو الأيام الحقيقية للثورة وليس 23 يوليو سنة 1952. ممكن قوي أنه في ناس يثوروا وفي ناس يغضبوا وفي ناس يمسكوا أمور السلطة بأيديهم وفي قوة تظهر وفي آمال تعبر عن نفسها لكن أنا أعتقد أن الثورة لها شروط علمية ولها شروط عملية ولها شروط تاريخية أيضا تتحقق بها الثورة حقيقة عندما يدرك شعب من الشعوب أن آماله في متناول إرادته وأنه قادر على الإمساك بمصائره هو، مش رئيس ومش زعيم ومش ملك ومش قائد، هو نفسه على استعداد لأن يأخذ آماله في أيديه وأن يحققها بإرادته وأن يكون مستعدا لملاقاة المصاعب إلى نهايتها ومواجهة كل المخاطر وكل التحديات لأن آماله واضحة أمامه، تصوراته أحلامه قابلة للتحقيق في خياله، إرادته قادرة على أن تمسك بهذا كله وأن تحوله إلى قوة فعل، هذه في اعتقادي هي الثورة الحقيقية. أما أنه في ظواهر ثورة في بوادر ثورة في التغييرات في بيانات في كلام بيتقال في تصورات في أحلام في خطط هذا كله ممكن قوي يبقى مقدمات للثورة، ممكن جدا يبقى تعبير عن حالة ثورية. لكن لو أنا راجعت تاريخ الثورات في العالم الحديث على أي حال في العصر الحديث وأخذت ابتداء من الثورة الأميركية إلى الثورة الفرنسية إلى الثورة السوفياتية إلى الثورة الصينية إلى الثورة الإسلامية أي ثورة عاوزين نأخذها، وهذه المرحلة القرنين دول شهدوا ثورات مهولة في تاريخ الإنسانية، الثورة ليست اليوم عادة ليست اليوم الذي تبدو فيه أنه في تغيير مش هو ده، الثورة الأميركية لم تبدأ بالبيانات لم تبدأ بفرض الضرائب لم تبدأ بأنه الثورة على الملك تشارلز الثاني ولا جورج الثالث، ولكن الثورة حقيقة مش أنه غضب، الثورة بدأت في أميركا يوم وقف جورج واشنطن تحت شجرة في بوسطن قدام جامعة هارفارد دلوقت وطلب إلى المواطنين الأميركان أن يحملوا السلاح دفاعا عن وطنهم واستجاب له الناس وخرج الناس وحين حمل الناس سلاحهم بأيديهم وخرجوا للدفاع عن وطن أميركي هنا حدث شيء هنا ممكن يقال إنه ثورة. في الثورة الفرنساوية على سبيل المثال إذا قيل لي إنه والله دعوة.. وفي مؤرخين كثير قوي يقولون دعوة الـ Estates المجالس التمثيلية المجلس اللي كان يمثل النبلاء والمجلس الثاني اللي كان يمثل الكهنة أو بيمثل الكنيسة والمجلس الثالث اللي كان بيمثل الشعب عندما دُعوا هؤلاء جميعا إلى فرساي لأنهم عندهم طلبات ضد الملك لويس السادس عشر وعندهم ضيق بتصرفات ماري أنطوانيت امرأته وعندهم ضيق من الاستغلال والإقطاع والهوان اللي وصل إليه الشعب الفرنساوي إلى درجة الجوع، مش هو ده الثورة مش الاجتماع بتاع فرساي، ولكن يوم أن صاح أحد بعدها بكثير قوي ولا حتى.. يعني أنا مستعد أقول إنه مع أني مهتم جدا بالمناقشات اللي جرت خلال سنتين أو ثلاثة أثناء انعقاد.. لأنه Third Estate زي ما بيسموها الدائرة أو المجلس الثالث الممثل لجماهير الشعب مش النبلاء ومش الكنيسة في الثورة الفرنسية جاء يوم من الأيام أنه تحول من Estate من مجرد دائرة إلى أنه هو ده المجلس الوطني ووقف في مواجهة الملك في فرساي وبدأ يملي شروطه، لكن مش هو ده اليوم. اليوم الحقيقي الذي جرت فيه الثورة يوم أدرك المواطنون أن هناك جيوشا غازية تتكأكأ على الوطن الفرنساوي وخائفة من الأفكار التي تقال في فرنسا وأنهم هنا ظهرت صيحة أوزار موزان "إلى السلاح أيها المواطنون" هنا في هذه اللحظة فيما أتصور حدثت الثورة الفرنسية. لو قست على هذا كله وأخذته ورجعت للثورة الإنجليزية وحتى الثورة السوفياتية والشيوعية، حتى ثورة الصين وأنا بأعتقد أنها من أهم المشاهد. ثورة الصين قبل أن يقال الحركة الثورية في الصين تفعل يمكن من الثلاثينات وحتى لو أخذت صن يات سن قبل كده ومن العشرينات ومن أوائل القرن، ولكن متى حدثت الثورة؟ عندما أمسك المواطنون سلاحهم وقادوا حربا مزدوجة ضد شيانج كاي شك وضد الأميركان وفي 1948 أمكن أن نقول جميعا أن هناك ثورة في الصين. لو أخذت كل الثورات هناك باستمرار فارق زمني يتبدى بين بوادر أو بشائر عمل يمكن أن يسمى بالثورة وما بين تحقق هذا العمل أو هذا المتوقع بالفعل الحقيقي وبالإرادة للشعب. " بعد صدور قرار مجلس الأمن والاتفاق على موعد التفاوض في جنيف بين مصر وفرنسا وإنجلترا بدأ يشيع الاطمئنان لدرجة أن جريدة الأهرام قالت إن أزمة السويس وضعت على الرف " محمد حسنين هيكل: أنا مستعد أقول إن هذه الأيام العشرة التي وقعت في شهر أكتوبر ابتداء من 27 أكتوبر سنة 1956 إلى 7 نوفمبر نفس السنة وهي مساحة عشرة أيام، هذه هي الفترة الحقيقية، أيام ثار فيها الشعب المصري أكد فيها الشعب المصري قيامه بثورة وهذه هي الثورة الحقيقية وأكد فيها الشعب المصري أن ثورته ثورة قومية متخطية لحدوده وأكدت فيها الأمة العربية استعدادها فعلا هنا تبينت آمالها هنا لاحت أمامها أهدافها هنا كانت قادرة على أن تقف وأن تعلي إرادتها وكانت مستعدة أن تعطي في سبيل تحقيق إرادتها مستعدة أن تعطي حياتها وما هواش الإعلانات والبيانات والخطب والكلام ده كله، هنا كان في حاجة ثانية، هي دي اللي غيرت في اعتقادي يعني. وأنا حقيقة لما أرجع وأقرأ وثائق بلا حدود وأقرأ أوراق شخصية وأوراق عامة وأوراق دول بما فيها الإسرائيلي والإنجليزي والعربي وأرفع رأسي وأطل على ما يجري حولنا الآن يخطر ببالي كم أن الفرق بين الأمس مع الأسف الشديد لأنه عندما تجد الأمم أن أمسها أنها تتطلع بحنين إلى أمسها وأنها تتذكر فيه أكثر مما تراه في يومها إذاً هي في خطر، لأن هذا معناه أنه في فرص ضاعت وفي أشياء تبددت وفي أحلام تاهت في الطريق.. ولكن على أي حال أنا بأقول إن هذه الأيام العشرة ما بين أكتوبر 1956 وأوائل نوفمبر 1956 هذه أيام هي أيام الثورة الحقيقية في العالم العربي وهي أيام الفعل القومي والإرادة القومية حقيقة في هذا العالم العربي، وهي الأيام التي أمسك الشعب فيها بدون أن يأمره أحد أمسك بسلاحه. أنا فاكر أنه وقتها وأنا لا يزال المشهد عالق في ذهني فاكر أنه قدام نادي الجزيرة كان في الشباب المتطوعين والرجال والبنادق والسلاح بيوزع على الناس والشعب في تحققه من إرادته في رغبته في إعمال هذه الإرادة في استعداده.. أهم حاجة في اعتقادي كان عنده وضوح في هدفه عنده ثقة في إرادته عنده.. قيادته في هذا الوقت كانت تعبيرا عنه وليس إملاء عليه وهذا فارق كبير جدا. على أي حال أنا قد أكون استطردت في هذا المدخل إلى أبعد مما قصدت ولكن يعني مرات ونحن ننظر إلى ما جرى ونقارنه بما يجري ونقارنه بالآمال والتطلعات المطلوبة لهذه الأمة كي تنهض ولكي تصبح فاعلة في التاريخ بدلا من ألعوبة في التاريخ أحيانا يأخذنا مرات، خصوصا في عمر متقدم، يأخذنا مرات الأسى أو شيء من الأسى على ما جرى. على أي حال، حأرجع ثاني للسياق الطبيعي للحوادث في ذلك الوقت، حأرجع وحأستأذن في رواية شخصية أن أروي من وجهة نظري ما رأيت لأنه أنا بأعتقد أن الظروف كانت أتاحت لي في ذلك الوقت أن أكون في قلب الحوادث وفي بؤرة الفعل. أنا حكيت أن 28 أكتوبر كان واقع الأمر هو اليوم اللي كنا بندور فيه على الأميركان بيعملوا إيه، ولكن يوم 29 كان يوما غريبا جدا. يوم 29 أكتوبر أنا فاكر أنه أنا كان عندي.. كنت مدعوا على العشاء في فندق مينا هاوس واللي داعيني هو ديمتري لامينوس وهو في ذلك الوقت سفير اليونان في القاهرة وكان عندنا إحنا عندنا باستمرار وهذا ضاع لسوء الحظ عندنا علاقات خاصة مع اليونان ليس مبعثها مسألة زيارات ومسألة رحلات وإلى آخره ولكن كان مبعثها رؤيا لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تنظر إلى شماله في اليونان في الشرق يعني تنظر إلى شماله تنظر إلى جزره الثلاث المهمة وخصوصا رودس وخصوصا قبرص، مالطة حاجة ثانية ولكنها مهمة أيضا، تنظر إلى شاطئه إلى شواطئه الجنوبية والشرقية وتدرك أنه هنا في ملعب أو مجال إستراتيجي مهم. على أي حال يومها يوم 29 بالليل كان عندي عشاء مع أخونا لامينوس سفير اليونان في ذلك الوقت وكان في رغبة، كان هو حاطط حتى تقريبا جدول أعمال وقتها أنا طول النهار كنت بأشتغل شغلي الطبيعي العادي في أخبار اليوم وأتابع الأزمة ولكن الغريبة جدا أنه في ذلك اليوم بدا لي أن بؤر التوتر كلها.. في بؤرة توتر موجودة في سوريا بسبب الرغبة أو كان في محاولة.. أو معلش يغفر لنا بعض أصحابنا يعني كان في مؤامرة لإحداث انقلاب في دمشق اللي هو الانقلاب بتاع ميخائيليان وعَامْلاه الـ (إم.آي.***) وعاملاه الـ (سي.آي.إيه) ووثائقه كلها موجودة ولكن معلش ده ما كانش مؤامرة كان نزهة، وبعدين كان في توتر في الأردن بسبب بقايا الغارة على قلقيلية والأردن مولع وبعدين في آثار خطف الزعماء الجزائريين في الجزائر والمغرب العربي مشتعل، والسفير اليوناني طالب يقابلني لأن بعض الناس في الجالية اليونانية في القاهرة ومنهم.. الجالية اليونانية في القاهرة كانت مهمة، بننسى إحنا مرات أن نصف زعماء اليونان في ذلك الوقت كانوا موجودين في مصر، كارامانليس رئيس الوزارة في ذلك الوقت ورئيس الجمهورية فيما بعد قال لي أنا مولود في كفر الزيات، أفيروف وزير الدفاع كان مولود في طنطا، رئيس الحزب الاشتراكي مولود في المحلة الكبرى، كل من كانوا في اليونان أو معظم القيادات اللي كانت في اليونان كانت موجودة والمصالح المترابطة بين شرقي البحر الأبيض شماله وجنوبه مسألة مهمة بالنسبة لنا جدا من ناحية Strategically مهمة خصوصا بعد قيام إسرائيل، مسألة حيوية بالنسبة لنا. فالسفير وأنا رايح أقابل السفير عارف أن بعض الناس في الجالية اليونانية عندهم قلق شوية وخصوصا عائلة بيراكوس وبعض العائلات الثانية كانوا بيملكوا وقتها جاناكليس وكانوا خايفين من قانون الإصلاح الزراعي.. وعندنا الجالية اليونانية مهمة في ذلك الوقت قوي، فأنا على أي حال السفير اليوناني طلب يقابلني، الرئيس عبد الناصر ما كانش موجودا في القاهرة الرئيس عبد الناصر كان موجودا في القناطر لأنه بعد انتهاء مناقشات مجلس الأمن وصدور قرار مجلس الأمن واتفاق على موعد التفاوض في جنيف بين مصر وفرنسا وإنجلترا على البقايا المعلقة من مشروع القرار القديم بدأ يبقى في إحساس بالإطمئنان يعني إلى درجة أن جريدة الأهرام يومها طلعت قالت إن أزمة السويس وضعت على الرف. أنا كنت معتقد أنها لم توضع على الرف لهذه الدرجة لكن تحديد موعد المفاوضات وبدا أن الموقف هادئ أكثر مما كان وبدا أن الأمور في المجال الدبلوماسي حيأخذ طريقه وفي أزمات مشتعلة سواء في سوريا زي ما كنت بأقول أو في الأردن أو في المغرب ولكن في برضه التوتر مع إسرائيل لأن إسرائيل عندها قضية أخرى ثانية كان حاصل التواطؤ في سيفر كان حاصل، ولكن عايز أقول إنه ما كانش عندنا علم به ولا أظن أن أحدا غير الأميركان في اعتقادي كان قادر يتابع، وحتى متابعة الأميركان، كان قادر يتابع الوقائع من الداخل، الأطراف أطراف التآمر كانوا هم عارفين بيعملوا إيه أو على أي حال بيعملوا اللي بيعملوه سواء أكانوا عارفين نتائجه أو مش عارفين نتائجه. لكن الصورة لم تكن واضحة بالنسبة للآخرين ولكن على أي حال ساد بشكل ما في أربعة خمسة أيام كده بعد قرار مجلس الأمن ساد نوع من الهدوء وبدأت المسائل تبدو على السطح ساكنة، وقرر جمال عبد الناصر والأزمة كانت مرهقة جدا بالنسبة له من ساعة التأميم إلى هذه اللحظة فقرر يروح القناطر يقعد ثلاثة أربعة أيام في القناطر وفعلا راح، وبالتالي أنا وحاولت مع غيري كمان أنه في هذه الفترة بقدر ما يمكن ما حدش يضايقه كثير ما حدش يزعجه كثير قوي، على أي حال أنا ما حاولتش أتصل به كثيرا أبدا يمكن اتصلت مرة واحدة. هو كان معه مجموعة من بعض مجلس الثورة وهم كانوا بيروحوا مرات القناطر ويعملوا نوع من الـ Camp، أنا ما كنتش متحمس له قوي، نوع من المعسكر كده بيقعدوا يتكلموا على حاجات زمان والجيش والخدمة في منقبات ومش عارف الخرطوم حواديت الضباط الطبيعيين يعني كده، وأنا ما كنتش أو كنت أروح زائرا وأقعد كنت أروح في مثل هذه المناسبات أقعد ساعة وأمشي أو أقعد ساعتين وأمشي، لكن دي كانت رفاق على أي حال هم دول كانوا رفقة طويلة بيعرفوا بعض خلفية متسقة ثقافيا وعمليا ووظيفيا إلى آخره وكانوا بيحبوا يقعدوا مع بعض في ذلك الوقت ودي كانت حاجة ظريفة على أي حال. ولكن الثلاثة أيام دول جمال عبد الناصر ما كانش موجود، أخونا السفير كلمني عزمني أنا وزوجتي وهو وزوجته وتقابلنا الساعة سبعة في مينا هاوس، وأنا عارف أن جمال عبد الناصر راجع بعض الظهر راجع في نفس اليوم بعد الظهر، ده كان يوم الاثنين، لكن أنا رايح في معاد مع السفير اليوناني، أخلص شغلي في الأخبار ورايح العشاء ده وعشاء مبكر. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
مخاطر الأفكار المسبقة " إذا ظهرت إنجلترا وفرنسا فلا بد أن تختفي إسرائيل لأن إنجلتر وفرنسا لا يمكنهما تحمل شراكة إسرائيل، والعمل المشترك بين الثلاثة لا تتحمله مصالح الأطراف الرئيسية وخاصة في البترول " محمد حسنين هيكل: أنا قاعد، قاعدين على العشاء في مينا هاوس وفوجئت بأن مدير اللوكندة أو مساعد مدير اللوكندة الفندق جاي لي في القاعة، وقتها كان في القاعة الشرقية محل مطعم عملوه هم دلوقت في مينا هاوس، لكن القاعة الشرقية كانت حلوة قوي كانت وقتها في ذلك الوقت كانت حلوة قوي، فمساعد مدير اللوكندة أو مدير الفندق جاي بيقول لي إنه في مكالمة مهمة جدا لي وأنه مع الأسف الشديد مضطر يقاطعني لكن وشوش علي جه جنبي كده ووشوش علي كده وقال لي ده في رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزارة حاجة كده وحضرتك مطلوب لازم تروح تتكلم عاوزينك على طول، رحت معه ولكن حتى ما رضيش يوديني على الاستقبال أو على أوضة التليفون وداني على مكتبه لأنه هو استشعر أن دي مكالمة مهمة، دخلت لقيت فعلا على التليفون الصاغ محمود فهيم من الرئاسة بيقول لي إن الرئيس عبد الناصر عاوز يكلمني، أنا مستغرب لأنه أنا متوقع أن الرئيس عبد الناصر راجع من القناطر عنده عيد ميلاد ابنه الثاني عبد الحميد وهو حاضر في عيد ميلاد ابنه وما فيش.. والأمور هادئة تبدو على السطح هادئة وهو راجع من الإجازة فهو بيكلمني وبيجيبوني من مينا هاوس وهو بيقول لي إنه حصل دلوقت من شوية من ساعة يعني أن الإسرائيليين دخلوا في خط الحدود المصرية وأن.. الساعة كانت حوالي سبعة ونصف، ثمانية إلا ربع في هذه الحدود كنا في بداية العشاء، وأنهم دخلوا وهو رايح على كوبري القبة على قيادة القوات المسلحة في مكتب عبد الحكيم عامر في كوبري القبة وعاوزني ألحق به هناك، رجعت للسفير اليوناني واستأذنت منه وأنه يعني مش حأقدر أبقى وأن الموضوعات اللي بيننا مؤجلة وأنا حأضطر أرجع القاهرة ونزلت فعلا على القاهرة، رحت على كوبري القبة، الرئيس عبد الناصر كان وصل لأنه كان ده قريب قوي من بيته وقتها، وأول ما دخلت هو بيقول لي إيه؟ بيقول لي.. هو الآخر ما كانش مستعد أنا مستعد أقول إنه ما كانش متحسب لأنه في حاجة حتحصل دلوقت لأنه في قرار مجلس أمن صادر في موعد محدد للتفاوض في يوم أو اثنين، المسألة في الأمم المتحدة ما حدش يقدر يطلع بهذه البساطة أو كما يبدو لأي أحد يقدر يطلع بهذه البساطة ويخش في عمليات حربية في هذا الوقت، ولكن هو، اللي ما كنتش أعرفه أنا واللي عرفته منه في ذلك الوقت، أن السفير الأميركي ريموند هير في ذلك الوقت اتصل بالرئاسة الساعة 12 ظهرا، أنا ما كنتش أعرف، وأنه طلب مقابلة عاجلة مع الرئيس، قالوا له إن الرئيس بعيد ولكن هو حيحدد له على أي حالة معاد الساعة اثنين ونصف لأن السفير الأميركي قال إن هذا الموضوع لا يحتمل الإرجاء، وبعدين السفير الأميركي راح بالفعل قابله الساعة اثنين ونصف وإذا به بيقول له بيبلغه أن الحكومة الأميركية اتخذت قرارا بإجلاء الرعايا الأميركان من مصر ومن العالم العربي كله. الرئيس عبد الناصر كما روى لي بدا مندهشا من القرار بيقول له ليه؟ يعني في توتر في المنطقة وفي بؤر ملتهبة ممكن قوي ولكن مش شايف حاجة عاجلة تدعو الحكومة الأميركية إلى قرار سحب الرعايا الأميركان أو إجلاء الرعايا الأميركان من مصر ومن بقية بعض العواصم العربية في المشرق وأنه يبدو أنه.. يعني في إيه؟ السفير الأميركاني ما بيقولش حاجة ولكن بيقول إن المشاعر مستفزة في العالم العربي خصوصا بعد عملية خطف الزعماء الجزائريين من الجو بالطريقة اللي حصل فيها بن بيللا وخيضر والباقيين وأن التوتر في سوريا، طبعا عارفين أنه كان في محاولة انقلاب في اليوم التالي في سوريا بتاعة ميخائيليان وأن بيروت فيها مظاهرات وفيها.. تضامنا مع سوريا. النهارده لما نشوف إيه اللي بيحصل مشكلة يعني. وبشكل ما الأميركان متخوفين من عواقب بعض التظاهرات الموجودة ومن الحالة السياسية القلقة وخصوصا في الأردن كمان وبالتالي ففي قرار من الحكومة الأميركية بسحب الرعايا وأنه هو أحب.. جاءت له تعليمات أن يبلغ هذا القرار للحكومة المصرية على أعلى المستويات، وأنه هو أحب أن يبلغ الرئيس بنفسه هذا الموضوع. الرئيس لما هو بيحكي لي الكلام ده وأظن بيحكيه لغيري لأن إحنا كنا موجودين في ذلك الوقت وأنا فاكر كويس قوي أن إحنا كنا موجودين في مكتب مساعد رئيس أركان حرب وهو حافظ إسماعيل في ذلك الوقت وكان عبد الحكيم عامر موجودا هناك فعلا في مكتب مساعد القائد، مساعد رئيس أركان حرب، لأن الخرائط كانت موجودة في هذه الأوضة وكان في بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة وكان في بعض الوزراء كلمهم برضه أحد كلمهم ولكن بقى في رغبة إلى عملية تشاور بشكل أو آخر بهذا الوقت. جمال عبد الناصر بيحكي السفير الأميركاني قال إيه وهو قال له إيه، وبعدين بتطرح مناقشة لإيه الموضوع، لأنه نمرة واحد بدا أن هنا في إيه؟ في مرات يسود عند بعض القوى السياسية اللي ممكن بيسمى Concept وأنا أشرت إلى هذا مرة، الاعتقاد المسبق بأنه في تصور معين سابق للحوادث، في رؤيا لها وفي تحسب لسيناريوهات معينة، لكن مرات إحنا لا نكتشف أو لا نغامر مرات نخرج خارج في بعض المرات لا بد على من يعمل في السياسة وحتى في غير السياسة أن يراجع المألوف والمعروف والموصوف حتى وأنه يخرج بره هذه الأطر وأن يراجعها ولكن مرات الناس تستنيم على تصورات معينة ويعتقدون بصحتها وتبقى صحيحة في الغالب ولكن ما بنأخدش بالنا مرات أن الظرف بيتغير دون أن نلتفت وأنه في ممكن سواء على العلن أو في الخفاء تحصل تطورات قد لا نلتفت إليها بالقدر الكافي ثم نفاجأ بعكس ما كنا نتصوره، مش إحنا بس اللي وقعنا في خطأ الـ Concept وقتها إحنا كانت عندنا Concept أن إسرائيل في هذا الوقت مش حتتحرك، موجود عند جمال عبد الناصر كان عنده اعتقاد أنه، واحد، إذا ظهرت إنجلترا وفرنسا فإسرائيل لا بد أن تختفي لأن إنجلترا وفرنسا لا يمكن أن يتحملوا شراكة من إسرائيل بسبب الخوف على الهاشميين والسعوديين وهذا يقين استقر عنده تقريبا وعنده وعند غيره، كل الناس كانت معتقدة أنه إذا ظهرت إنجلترا وفرنسا يبقى إسرائيل مش موجودة، إذا ظهرت إسرائيل إذاً إنجلترا وفرنسا مش موجودين لأنه ببساطة كده العمل المشترك بين الثلاثة أكثر مما تستطيع أن تتحمله مصالح الأطراف الرئيسية خصوصا في البترول، خصوصا في المواقع التقليدية في العالم العربي. فبشكل ما في تصور في Concept سابق في اعتقاد راسخ رسخته تجارب وتصورات وأيام وظروف إلى آخره ولكن في هذه اللحظة هذا الـ Concept حاكم، إسرائيل بتعمل إيه؟ التساؤل اللي كان مطروح إيه ده، لأنه بدا على طول في التلخيص اللي عمله حافظ إسماعيل وهو وقتها اللواء حافظ إسماعيل وهو مساعد رئيس أركان حرب وهو رجل متعلم في إنجلترا وعسكري محترف يعني فبيقول إيه؟ بيقول إن الرئيس عبد الناصر كان قال لي كلمة وهو بيكلمني في التليفون وأنا في مينا هاوس بيقول في قوات إسرائيلية دخلت واستعمل تعبير بتعفر رمل في الصحراء، وأنا ما فهمتش التعبير ده، رجع كرره حافظ إسماعيل بيقول إيه حافظ إسماعيل، إن هو شكل التحرك الإسرائيلي غريب لأنه ما هواش غارة لأنه إذا كانت هناك غارة Reprisal عملية انتقام أو عملية تخويف أو عملية ردع فهذه لا بد أن تكون في مواقع يوجد فيها بشر أو توجد فيها قوات أو توجد فيها مصالح بحيث يكون الإضرار بالبشر أو بالقوات أو بالمصالح هو ده موضوع الفعل لكن المشكلة أن القوات الإسرائيلية تتحرك حتى هذه اللحظة في مواقع خالية تماما. بيحكي هو ويومها بالليل وأنا هنا يعني بأحاول تلخيص اللي هو قاله، بيحكي لنا وكانت واضحة قدامنا قدام كثير مننا على أقل حال، حتى أنا وأنا مدني من بعيد ما ليش دعوة بالموضوع العسكري كثير قوي يعني المسألة واضحة حصل في عمل إسرائيلي موجود داخل الحدود المصرية في أحد داخل في بعض المواقع خصوصا قرب الكونتيلا مناطق الكونتيلا والصابحة وأحد بيعمل تحركات ويعمل تحركات فعلا في مناطق رملية ليس فيها شيء ولا يبدو القصد منها واضح. أوضاع القوات في ذلك الوقت حصل وكانت باينة في شرح حافظ إسماعيل وحتى موجودة يعني ما فيهاش سر يعني، أوضاع القوات في سيناء تعرضت في ذلك الوقت لمتغيرات شديدة جدا طبقا أو مراعاة أو مجاراة لما كان يحدث في مجال السياسة، بمعنى أنه في الوقت اللي كنا فيه بنتفاوض فيه مع الإنجليز سنة 1954، 1955 وعند توقيع اتفاقية الجلاء وفي خطر أن الإنجليز ييأسوا من المفاوضات وينقضوا على مصر بالخطة روديو ويخشوا يحتلوا الدلتا كان واضحا وقتها أن القوات.. انسحب كل معظم القوات طلعت من سيناء، قبلها قبل وقت المفاوضات كان في قوات موجودة كافية في سيناء ولكن وجود الإنجليز على قناة السويس كان دائما رادعا يمنع تعزيز قوات سيناء بأكثر من أحد معين، فباستمرار التقليد أن سيناء يبقى فيها فرقة أو فرقتين من الجيش المصري، لما حصل أنه وإحنا بنتفاوض مع الإنجليز وفي خطر أن يتدخلوا سحبوا قوات وكانت هذه هي الفترة مدير الـ (إم.آي.***) الإنجليزي في ذلك الوقت سينكلير لفت نظر الإسرائيليين وقال لهم حاجة غريبة قوي أنتم مش واخدين بالكم دي سيناء فاضية وهذه فرصة لكم، ولكن وقتها الإسرائيليون ما عملوش حاجة، ده كان قبل صفقة السلاح. لكن حصل سيناء كان فيها أوضاع قوات طبيعية قبل المفاوضات، وقت المفاوضات وقت تأزم المفاوضات وبقى في عدد Skeleton Forces قوات هيكلية تقريبا،أشكال قيادات أو قواعد قيادات ولكن ما فيش قوات كثيرة قوي. لكن على أي حال لما بدأت الأزمة مع الإنجليز وبعد تأميم قناة السويس وبقى في الإنجليز والفرنساويين تأميم قناة السويس بيحركهم إلى فعل عسكري وبدا في فعلا احتمال غزو حصل أنه رغبة.. ما هم دول حييجوا ينزلوا فين الإنجليز والفرنساويين؟ حينزلوا في بور سعيد أو حينزلوا في الإسكندرية وعلى أي حال هدفهم هو احتلال منطقة قناة السويس، فوجود قوات كبيرة في سيناء مع احتمال قطع الطريق بينها وبين الوطن الأم في الدلتا وفي الصعيد معناه أن هذه القوات تبقى معزولة، فوقت اشتداد الأزمة واحتمالات الغزو مع الإنجليز ومع الفرنساويين خففت القوات بحيث أنه بقى في في سيناء كلها بدل مما هو العادة فرقتين أو فرقة كاملة لغاية الشرق لغاية المضائق بدأ يبقى في ست كتائب فقط في سيناء. في كتيبتين وأنا هنا قدامي الخرائط اللي كانت معتمدة والخطط اللي كانت موجودة ولكن خطط كان موجودة على أساس إيه؟ على أساس في ذلك الوقت الخطر الرئيسي الذي يتهددنا هو على قناة السويس وإذا بقيت قوات كبيرة في شرق قناة السويس فهذه القوات معرضة للقطع في حالة هجوم إنجليزي فرنساوي وبما أنه بمقتضى الـ Concept إسرائيل مش حتشترك مع الإنجليز والفرنساويين لأن ده غير مرغوب فيه من جانبهم فيبقى هنا إلى حد ما نستطيع في سيناء نحتفظ بقوات قليلة لمواجهة أي طوارئ ولكن الجزء الرئيسي من قوات الجيش المصري تبقى... عايز أقول إن إحنا مش أول ناس مش إحنا الوحيدين بس اللي وقعنا في مشكلة الـ Concept المسبق، نفتكر الإسرائيليين نفسهم وقعوا في هذا الخطر سنة 1973، الإسرائيليون كان عندهم Concept مسبق بيقول إن مصر لن تحارب في هذه الفترة لأنه تنقصها طائرة الردع التي كان يطلبها الرئيس السادات من الاتحاد السوفياتي. أنا شفت في القضايا اللي بتتقال في إسرائيل النهارده وفي المحاكمات وفي الجلسات اللي بتتعمل شفت صور لوثائق أنا أعلم أنها خارجة من ملفاتنا، ما عنديش شك ما أعرفش مين وداها وما بأتهمش أحد أبدا، ولكن أنا شفت صورة المحضر محضر من المحاضر والورقة الأصلية فيه تقريبا وأنا عارفها كويس قوي واللي بيقول فيها الرئيس السادات للزعماء السوفيات في مارس سنة 1971 أنتم بدون طائرة الردع تمنعوني من أن أحارب تمنعوني من أن أحرر وطني، شفتها وشفتها متكررة وأعرف أن جنرال زامير مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية كان مصمما وبقي مصمما للحظة الأخيرة يقول فيه إن مصر لن تحارب دون طائرة الردع والرئيس السادات لن يغامر بحرب لسببين، أولا غياب طائرات الردع والحاجة الثانية أنه لم ينسق ما فيش تنسيق مع سوريا وأنه في ثقة منعدمة بينه وبين الرئيس حافظ الأسد، وإسرائيل ظلت سنتين أو ثلاثة غير واثقة في فعل الجبهة الشرقية سوريا بالتحديد وغير واثقة أن مصر تقدر تغامر بحرب، الرئيس السادات يقدر يتخذ قرار حرب دون طائرة الردع. ولذلك هنا الأزمة اللي حصلت لهم لما أبلِغوا، ما أعرفش مين أبلغهم برضه يعني، لما أبلِغوا أن هناك في ظرف 24 ساعة في عمل عسكري سوف تقوم فيه مصر وسوف يجري هذا العمل على جبهتين هذه كانت مش بس صدمة معلومات ولكنها صدمة لـ Concept ترسخ في العقل وفي التفكير وفي التخطيط الإسرائيلي. إحنا أيضا كان عندنا في السويس عندنا أيضا Concept أنه لا يمكن صعب قوي الثلاثة يجتمعوا، فاجتمعوا الثلاثة فعلا في سيفر وإحنا ماكناش عارفين، ولكن اجتمعوا قبل الحركة بخمسة أيام وبرضه ما كانش أحد يعرف. عندما تتضح الصورة محمد حسنين هيكل: يومها بقى بالليل القوات الموجودة بدا أن إسرائيل بتتحرك، القوات الموجودة هي ست كتائب، دي ست كتائب كانت موجودة لمجرد حفظ هيكل قيادة وهيكل لقوات تذهب لعمليات إذا ما اقتضى الأمر، في كتيبتين في العريش، في كتيبتين في أم عجيلة، في كتيبتين في المنطقة القريبة من تميد. ولو أشوف حركة القوات، لو أبص على الخرائط وأشوف اللي بيسموه إيه؟ اللي بيسموه الفيض ثم النزول Fluctuation التأرجح، قوات تحتشد في مرحلة قبل المفاوضات، تنسحب في مرحلة بعد المفاوضات وفشل المفاوضات، تعود بعد خطر تهديد، لكن هنا كان الوضع في سيناء كان في التغيرات اللي في العسكرية حشد القوات أو تواجد القوات مرتهن في التطورات الجارية في الموقف السياسي لأن الوضع اللي كان فيه، اللي نحن كنا فيه وضع فعلا شديد الحرج، لأنه ببساطة كده، إذا وضعت قوات في سيناء كبيرة قوي ونزلوا الإنجليز والفرنساويين في قناة السويس انعزلت هذه القوات، والخطر ده موجود في المفاوضات موجود في بعد التأميم إذاً نحن فعلا في موقف حرج. بيحكي حافظ اسماعيل بيقول إيه، يومها بقول إيه؟ أولا حكى الدخول في مناطق ما فيهاش حاجة، ما فيهاش أهداف، يأخذها الإسرائيليون أو يعملوا منها إضرار سواء كغارة أو كإلحاق خسائر أو كردع، ماشيين في الرمل بعدين بيخشوا في مواقع بيلفوا بيدوروا حوالين مواقع لا يبدو منها ما هو اتجاه نواياهم، ما حدش في الوقت ده متصور أن الإسرائيليين مستنيين حاجة ثانية لكن يُنظر إلى التحركات الإسرائيلية في حد ذاتها كما تتبدى لصانعي القرار اللي هم قدامنا كانوا موجودين في القاعة بيسمعوا الـ Briefing بتاعة السيد حافظ إسماعيل، ومعه السيد نور الدين قره بيكملوا المعلومات وقتها، بعدين الاثنين بقوا وزراء يعني دخلوا في مناصب سياسية. لكن الهدف مش واضح والأمر بيصدر.. لكن على بال بالليل الساعة عشرة كده فيه معلومات بتيجي، بدأت تيجي عشرة، أحد عشر، عشرة ونص، عشرة إلا ربع، بدؤوا معلومتين يجوا غيروا بشكل ما الصورة، الحاجة الأولانية أنه بدا في طيارات إنزال، طيارات كبيرة قوي عند منطقة المضائق رُصدت، والحاجة الثانية أنه فيه عربية تابعة لشركة بترول مصرية كانت متقدمة إلى ناحية المضائق، فإذا في ضرب عليها، في ضرب عليها مش ضرب خطأ مصري ولا ضرب خطأ حدود مصري، ولكن واضح أنه في ضرب عليها فبدأت ترجع وتبلغ، وحينئذ بدا أن العمليات في سيناء بتجهز لشيء ما، في تحركات على الحدود لا يبدو هدفها، لكن داخل سيناء في حركة أخرى تستغل هذا الفراغ الموجود وأنه في شيء يجب أن يراقب. في هذه الفترة الغريبة قوي بدأ يتضح أنه في حاجات كثيرة قوي بتجري، بيتصل.. وهنا القيمة القومية، بيتصل الرئيس شكري القوتلي من دمشق بيقول لجمال عبد الناصر بيقول له أنا بكرة كنت مسافر لروسيا أشوف الزعماء السوفيات لكن أنا حأؤجل سفري بالطريقة دي لأنني أنا قلق من الأخبار اللي جاي لنا نحن كنا بقى في منتصف الليل في دمشق تقريبا، الرئيس عبد الناصر قال له لا بقى سافر بالعكس وجودك هناك قد يكون مفيدا ونحن لسه على أي حال المواقف بتأخذ شكل لكن الأمور مش باينة مش واضحة بالتحديد. الملك حسين بيتكلم في التليفون والملك حسين في ذلك الوقت كان شديد العرفان وأنا شايف قدامي جواب أنا ناشره فيما سبق بيقول للرئيس عبد الناصر، وهم في الأزمة اللي مع الإسرائيليين والقلق الموجود هذا التضامن، هذا الحس اللي كان بيجتاز يجتاح العالم العربي كله خصوصا بعد غلوب في الأردن والأردن موجود في الساحة القومية إلى آخره، الملك حسين بيبعث جواب لجمال عبد الناصر في ذلك الوقت يعني بيقول له أمتنا العظيمة تنشد الحرية والمجد وتبتغي السيادة، والكلام ده كله، العرب يملكون القوة ونحن خط الدفاع الأول وأنا شديد العرفان وأنا أرى الطائرات التي أرسلتها مصر إلى الطيران الأردني، لأنه نحن في ذلك الوقت جمال عبد الناصر قال ونحن منجدد الطيران، اتخِذ قرار أن الأردن في الخطر الذي يواجهه جزء من الطيران المصري الموجود اللي كان عندنا من إنجلترا زي هوكر هانترز وبعض الطائرات وسبيد فايرز والحاجات دي كلها أنه نحن ندي الأردن هدية طائرات وإديناهم بالفعل 32 طائرة هدية لسلاح الطيران الأردني، والملك حسين هنا بيقول شعر على.. لكن الملك حسين بيتكلم نعمل إيه والريس عبد الناصر بيقول له من فضلك ما تعملش حاجة لأنه نحن بصدد استجلاء الصورة كلها، إيه اللي جاري بالضبط وتحديده. ولكن واضح أنه في عمليات، واضح أنه في عمل إسرائيلي لكن حتى هذه اللحظة لا الملك حسين ولا شكري القوتلي ولا أحد عندنا كان بيقول إن ده جزء، هذا العمل الإسرائيلي مقدمة لشيء ما سيجري في الساعات القادمة يعني. لكن في ذلك الوقت صدرت أوامر الست كتائب الموجودة في سيناء، ست كتائب الكتيبة 800 عسكري، ست كتائب بنتكلم عنا حاجة بتاعة.. وأنا هنا لأن هذه الست كتائب تحت قيادة سعد الدين متولي، في اعتقادي عملت معجزة بكل المعايير، بعض الناس وأنا حزين والله العظيم لها بيحزنني جدا أنه في ناس كثير قوي يعملوا أعمال بطولية وهائلة وفي قوات تحارب وتقاتل وفي جيش يوقف ويموت دفاعا عن التراب وعن الأرض ومع ذلك هذا كله يؤخذ ببساطة كده يعني، ويُقلل من شأنها. في عندي ست كتائب، يومها بالليل اتُخذ قرار، الفرقة الرابعة المدرعة سوف تدخل إلى سيناء، هنا في استبعاد للإنجليز والفرنساويين، الفرقة المدرعة المصرية الرابعة حتدخل سيناء ومعها مجموعة قوات خاصة ومجموعة قوات ميكانيكية، وهناك معركة سوف تدور في منطقة بئر روض سالم وهي المعركة الحاسمة أو على الأقل هي المواجهة الأساسية وأن اللي بيعملوه الإسرائيليون ده في ست كتائب موجودة لمواجهتم في سيناء تحت قيادة سعد الدين متولي، والست كتائب مطلوب منها أن تقف في مواقعها وأن تتمسك بمواقعها لمدة 48 ساعة، وهناك تقدير إذا عملت هذا تبقى معجزة، لكن القوات عليها أن تقف 48 وبعد 48 ساعة حتكون الفرقة الرابعة وبقية القوات دخلوا إلى قلب سيناء، دخلوا إليها واحتشدوا في منطقة المقدرة المعركة وهي منطقة بئر روض سالم وعندها تستطيع القوات أن تتفرق وأن يذهب كل رجل إلى حال سبيله، يتفكوا يمشوا، لأن المعركة حتبقى انتقلت في مكان آخر، وإذا استطاعت هذه الكتائب الست أن تقف لهجمة الجيش الإسرائيلي كلها وقد بدأت تتضح العمليات بعد التعفير بدأ في تحركات واضحة، إذاً فهذا شيء بديع. بالليل قرب الفجر في نفس اليوم بدأت الفرقة الرابعة تتقدم وبدأت الكتائب الست تواجه، أنا قاعد وأنا قدامي أهو عارضها الوثائق الإسرائيلية وثائق جنرال سمحوني وهي وثائق بعثها الملك الحسين لأن طائرة أهم الجنرالات في ذلك الوقت وقعت في الأردن والملك حسين لم كل الوثائق العبري اللي كانت معه وبعثها إلى القاهرة، ولكن قدامي كل حاجة، قدامنا كل حاجة النهارده. في ست كتائب واقفة واخدة الـ Brunt، واخدة قوة الهجمة الإسرائيلية اللي بدأت عند الفجر بدأت تبان أو بدأت تتضح، وفي قوات متقدمة وست كتائب مطلوب منها أن تموت تقريبا في مواقعها وأن تتمسك بمواقعها لغاية ما الفرقة الرابعة تخش والقوات المصاحبة لها تتخذ مواقعا ويبقى في استعداد لمعركة. الموقف بدأ عالفجر وما حدش نام يومها، الموقف عالفجر بدأ يتضح. هنا بيهمني أبص بصة على الوثائق الأميركية لأنه أنا بأعتقد أنه في هذا الوقت مهمة جدا، الوثائق الأميركية في ذلك الوقت بتقول لي عجب على ما يجري، نمرة واحد قدامي ناس قدامي الرئيس الأميركي بيعقد اجتماعا لمجلس الأمن القومي، وقدامي واضح أنهم شايفين كل اللي جاري متوقعين آثاره، بدأ في رصد واستطلاع وإلى آخره بدأ يبقى باين قدامهم أن في معركة قادمة، إسرائيل داخلة وهم هنا بيكتشفوا أو يتأكدوا يقينا من أن إسرائيل هنا مقدمة لشيء ما سوف يجري، عارفين هم، وبعدين آيزنهاور يبتدي آيزنهاور يسأل في اجتماع لمجلس الأمن القومي ويبتدي دالاس كمان حتى يسأل أخوه مدير المخابرات آلان دالاس، جون فوستر دالاس وزير الخارجية بيسأل أخوه، بيقول له الله! هو ده كان ممكن يبقى موجه للأردن، بيقول له لا مش موجه للأردن ده كله رايح على مصر، حشد القوات قد إيه؟ بيقول له حشد القوات قد إيه، بيقولوا حشد القوات قد إيه بيتابعوا، وأنا شرحت، بيتابعوا أكثر بقى بعد بداية العملية عارفين وطلبوا إجلاء الرعايا، يعني ما هو عارفين كل شيء وطلبوا إجلاء الرعايا. الحاجة الغريبة قوي أنهم يعملوا حاجتين في هذا الوقت، في تصرفين يبقوا واضحين في هذا الوقت، التصرف الأول هو التحريض في المجر، أنت في هنا غزو على مصر وأنت مفروض مبدئيا تقول لهم لا ده وقت مش مناسب وتتظاهر مبدئيا أنك أنت واقف مع الحق والعدل وآيزنهاور يعلن يقول إن أميركا سوف تقف باستمرار مع المبادئ، تصريح علني، المبادئ التي تعهدت بها طول الوقت وإنها سوف تقف ضد أي عدوان وسوف تقف ضد أي محاولة لاعتراض طريق الأمم المتحدة عن الوصول إلى حل، لكن أنت في هذه اللحظة وأنت تتخذ هذه المواقف التي قد تبدو مبدئية أنت بتعمل حاجة غريبة قوي، أنت واحد بتحرض في المجر، في ذلك الوقت أخونا فرانك وزنر المسؤول عن أوروبا الشرقية وهو الرجل الثالث في الـ (سي.آي.إيه) وهو على فكرة ابنه كان سفير عندنا هنا بعد كده، وهو طُلب إليه وهو غير مقتنع أن التحريض يزيد في هذا الوقت، ألاقي في رسالة على سبيل المثال ودي في الوثائق السوفياتية مش في الوثائق الأميركية، بيقولوا هم عارفين إنه في مشاكل موجودة بسبب وجود الجيش السوفياتي وبسبب النفوذ السوفياتي في بلاد متقدمة زي المجر وزي بولندا وبيحاولوا يصلوا إلى حلول وسط، ثم يفاجَؤوا يوم 29 اللي هو اليوم اللي نحن نتكلم فيه ده أن الحملة متصاعدة أكثر مما ينبغي وأن عملية التحريض التي يقودها فرانك وزنر من على الحدود من بره وخصوصا من فرانكفورت من إذاعة فرانكفورت بتحرض على الثورة وبتحرض على حركة، حركة يعلموا أن الناس المجريين مش مستعدين لها، ولأنهم مش مستعدين لها أول حاجة أشاروا بها أن يخشوا على السجون ويفتحوا ويكسروا أبواب السجون في بودابست ويطلّعوا حتى مجرمين يسلحوهم لكي يضربوا على الجيش السوفياتي ولكي يخطفوا بعض المتعاونين معه. هنا الحركة دي قد كده كانت مبتسرة، قد كده كانت غير ناضجة، قد كده كان فيها مفتعل، آه في حركة تحرر وطن حقيقية في رغبة في الاستقلال حقيقي ولكن هناك فارق كبير جدا بين أن تكون حركة ناضجة بالفعل وبين أن تكون هذه الحركة مدفوعة دفعا وباعتبارات صناعية لا يمكن أن تقوم لتحقيق تاريخ حقيقي يعني، وحتى الرجل فرانك وزنر الأب نفسه وأنا قلت أن ده فرانك وزنر هو الرجل اللي هارب أبو ساركوزي الرئيس الفرنساوي من المجر طلّعه معه لأنه كان واحدا من المتعاونين معه، لكن فرانك وزنر نفسه رجع أميركا بعد فشل الثورة وبعد أن الروس تنبهوا وحصل تغيير، طلّعوا مجرمين ومقاومة ضاربة عليهم إلى آخره في موقف نشأ، أزمة تقصد إلى إلهاء الاتحاد السوفياتي في المجر. طيب الأميركان عاوزين الاتحاد السوفيات في هذا الوقت وهو نصير مهم جدا لمصر أو على الأقل ممكن يبقى طرف دولي في التوازن، أنت بتلهيه بالمجر وبعدين جاي تقول لي إنك أنت واقف مع العدل ومع... إلى آخره، هنا الرجل حتى اللي استعمل في التحريض فرانك وزنر الرجل الثالث في الـ (سي.آي.إيه) سنة 1964 ضميره كان قلقا وكانت أعصابه منهارة إلى درجة أنه أخذ مسدس ابنه اللي كان سفير عندنا فرانك وزنر وقتل نفسه واعتبرت هذه فضيحة بكل المعايير. لكن على أي حال في ذلك الوقت تحريض أميركا اللي بتقول لي حأقف مع المبادئ هي بتحرض في المجر لإلهاء الاتحاد السوفياتي وتسهيل المهام تقريبا لما هو قادم رغم تظاهرها بالوقوف مبدئيا مع حاجة ثانية، مع العالم الحر مع الشعوب المستضعفة مع الشعوب الثائرة مع الحقوق المغتصبة إلى آخره، الحاجة الثانية اللي بتعملها بيعملها الرئيس الأميركي أنه بيدي أمر بتعبئة القوات الأميركية، ألاقي في الأمر بتعبئة القوات الأميركية ألاقي فيه إشارة غريبة جدا، في محضر Chiefs of Staff في محضر رؤساء هيئة أركان حرب، رؤساء هيئة أركان حرب بيعملوا حالة تعبئة في البحر الأبيض، بيعملوا حالة استنفار قوات، بيعملوا حالة طوارئ، وألاقي في آخر التقرير اللي هم مطلّعينه واللي أقصد هم باعتينه للرئيس الأميركي بيقولوا له عملنا كذا وعملنا كذا وفي قوة بالأسطول السادس متجهة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لأننا نريد أن نراقب عن كثب ما يجري، يقولوا له إيه؟ يقولوا في ثلاث خطوات اتُخذت، في قوات تقدمت وراحت شرق البحر الأبيض في عمليات قوات جاهزة Amphibious عمليات إنزال والحاجة الثانية أنه نحن قررنا تحميل طائرات بأسلحة نووية لكي نكون مستعدين لكل الاحتمالات. مساء يوم 27 أكتوبر وهو اليوم أول الأيام اللي أنا بأقول إنها غيرت عام.. 28 أكتوبر ثاني الأيام اللي غيرت مجرى العالم وغيرت الشرق الأوسط وغيرت العالم العربي تقريبا، العالم كله تقريبا محبوس الأنفاس ينتظر ما سوف يجري، والتحركات الظاهرة والتحركات الخفية تمسك بأعصاب الجميع وفي اعتقادي أن واحدة من أهم اللحظات في تاريخ مصر وفي تاريخ العالم العربي كانت بتأخذ شكل آخر أنا بأعتقد أنه مثل فرصة هائلة في التاريخ العربي الحديث، تصبحوا على خير. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ثورة 23 يوليو وتجدد الفكر القومي* *محاضرة في 23 تموز في منتدى القومي العربي في طرابلس زياد حافظ** **كاتب وباحث وأستاذ جامعي أيها الإخوة والأخوات، نحتفل اليوم بذكرى محطة فاصلة في تاريخ أمتنا العربية ألا وهي قيام ثورة 23 يوليو عام 1952. وتأخذ هذه الذكرى معنى خاصا وكنا احتفلنا منذ أيام قليلة بتحرير أسير عملية جمال عبد الناصر بطلها المناضل سمير القنطار. هذه الثورة، ولدت من رحم النهضة العربية في منتصف القرن التاسع عشر ومن تجربة قائدها التاريخي جمال عبد الناصر في مقاومة العدو الصهيوني. فمنذ ستين سنة، أي عام 1948، كانت معركة الفالوجا جنوب فلسطين وبالأمس القريب أي عام 2004 كانت معركة الفالوجا في العراق. معركة واحدة وعنوان واحد لتكريس في الوجدان والوعي العربي ثقافة المقاومة. فمعركة الفالوجا الأولى خلقت في نفس القائد الراحل ضرورة المقاومة وضرورة التغيير. وهذا التغيير تجسّد بالثورة التي ما زالت عناوينها ومبادئها حيّة حتى الآن. لن أكرّس هذه المحاضرة لاستعراض تقليدي لإنجازات ثورة 23 يوليو. فلست من دعاة الوقوف على الأطلال والبكاء على زمن عزّ قد يتخيّل البعض أنه قد ولى، علما أن اليوم نسترجع كرامة الأمة برمتها رغم تحالف العالم ضدّنا. أترك ذلك الاستذكار للشعراء وللأدباء لما لهم من موهبة في استرجاع الذاكرة والعاطفة التي ترافقها. أما أنا فمن الذين يعتبرون واجبهم استذكار الحاضر والمستقبل إذا جاز الكلام. نحن أمام مهام وتحديات ضخمة لبناء المستقبل على قاعدة ما ورثناه من ثقافة نهضوية وحدوية جسدتها ثورة 23 يوليو. إن ما أريد أن أبرزه اليوم هو العلاقة بين إنجازات الثورة والفكر القومي العربي الذي يتعرّض منذ ذلك الحين إلى أشرس الحملات والمؤامرات. فهذه الثورة عبّرت عن فكر تجسّد بعمل. وهذا الفكر هو أساس مشروع نهضتنا الوحدوية العربية التي نناضل من أجلها اليوم. ومضامين هذا المشروع موجودة في إنجازات ثورة يوليو. فالإصلاح الزراعي وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي وإقامة القاعدة الصناعية جميعها عوامل لتحرير الإنسان من أغلال التخلّف والفقر. أما اليوم فنتكلم في مشروعنا العربي الوحدوي عن التنمية المستقلة وعن الانتقال من الاقتصاد الريعي الذي يكبّل طاقات هذه الأمة إلى اقتصاد إنتاجي يعبّء هذه الطاقات البشرية ويفرض ثقافة المسائلة والمحاسبة المغيبة في الاقتصاد الريعي. من جهة أخرى إن تحرير الأرض ومقاومة الاحتلال تتطلّب خطة دفاعية وإستراتيجية للتحرير. فلما كانت أحد أهداف ثورة 23 يوليو، كما عبّر عنها القائد الراحل في "فلسفة الثورة" عام 1954، إعادة تأهيل الجيش المصري وجعل القرار العسكري خاضعا للقرار السياسي الوطني القومي المستقل عن إملاءات المستعمر القديم والقوى المهيمنة آنذاك، كان يمهّد لما نسمية اليوم بالخطة الدفاعية وإستراتيجية التحرير. وما كان العدوان الثلاثي عام 1956 ومن بعده حرب 1967 إلاّ محاولة لكسر إرادة الثورة وشعبها في رفض التحالفات التي لا تصبّ في مصلحة الشعوب. كما أن العدوان كان لمنع إقامة قواعد الاستقلال الحقيقي وقوة الجيش التي تحميه ولمنع أيضا أي محاولة من ممارسة السيادة الفعلية على مقدرات الوطن آنذاك كتأميم القناة وكسر احتكار الدول الغربية لبيع السلاح . بعد ذلك كان الشعار والموقف الإستراتيجي تلخّص في "محو آثار العدوان" بعد نكسة 1967 وحرب الاستنزاف ومن ثمة عبور القناة. وهو الدليل القاطع على استيعاب القائد الراحل للدروس الناتجة عن تحليل أسباب الهزيمة عبّر عنها في بيان 30 مارس 1968. ولولا القرارات والاجتهادات الملتبسة للقيادات السياسية خلال حرب أكتوبر 1973 لكان النصر كاملا بتحرير الأرض المحتلة دون الخضوع إلى إملاءات العدو وحليفه الإستراتيجي أي الولايات المتحدة. أما اليوم، فنقول أن المقاومة التي نحن أهلها هي الموقع المتقدم للمشروع العربي النهضوي الوريث الشرعي لنهج ثورة 23 يوليو. لذلك نرى مرة أخرى قوى تحالف الاستعمار الجديد القديم مع الصهيونية وأنظمة الاستبداد تتآمر لضرب المقاومة وما تأتي به من ثقافة الممانعة المبنية على قوى ذاتية وطنية تحمي السيادة الحقيقية. هذه الثورة مهدّت لثقافة المقاومة فكان الدعم المطلق للثورة الفلسطينية التي وجدت لتبقى وستبقى بإذن الله حتى التحرير. والمقاومة الوطنية في لبنان ولدت من رحم هذه الثورتين كما أن المقاومة القائمة اليوم في العراق وفلسطين المحتلة تتكامل مع المقاومة في لبنان في محور ممانع للاحتلال ومشاريع الهيمنة والتفتيت. فحرية الأرض والمواطن مشروع متكامل أسست له ثورة 23 يوليو. فالحرية المنبثقة من وجدان وتراث هذه الأمة تعني حرية الآرض من المحتل القديم الجديد وحرية الإنسان الذي يتحوّل إلى مواطن متحرر من أغلال الفقر والتخلّف. فإذا كانت التنمية المستقلة المستديمة الوسيلة لتحقيق ذلك فإن قاعدتها هي المعرفة الناتجة عن العلم. من هنا كانت إنجازات الثورة في فتح الجامعات والمدارس لأبناء الشعب الكادح. وهذه المعرفة تؤسس إلى فكر إنساني حيّ هو يقين فكرنا القومي. في هذا السياق استوقفتني منذ بضعة أشهر استضافة دمشق لمؤتمر حول تجديد الفكر القومي. ولا بد من الترحيب بأي مبادرة تهدف إلى التجديد المنشود وإن كان لديّ اعتراض على عنوان المؤتمر. فالفكر القومي العربي لم يكن في يوم من الأيام متحجرا في الشكل أو المضمون بل كان ومازال وسيستمرّ في التطوّر لأنه فكر إنساني بامتياز نابع من وجدان الأمة ومن وقائعها الموضوعية والذاتية سواء على مستوى الجغرافيا والتاريخ أو على مستوى اللغة والدين والمصير المشترك ناهيك عن الإرادة والمصلحة المشتركتين في بناء مستقبل لأبناء هذه الأمة في الحرية والكرامة والاكتفاء والاعتزاز بالنفس. ولمن يريد أن يتأكد من غزارة الفكر القومي بكافة نواحيه فهو مدعو لمراجعة مكتبة مركز دراسات الوحدة العربية الذي يشكّل الإطار المؤسسي لإنتاج وترويج ذلك الفكر عبر منشوراته وإصداراته الفكرية. فهناك أكثر من 800 عنوان لكتب عن كافة نواحي الفكر أصدرت خلال أكثر من ثلاثين سنة كما أن عنواين المقالات لمجلة الصادرة عن المركز أي "المستقبل العربي" تشير بوضوح إلى حيوية ذلك الفكر القومي. وألفت الإنتباه إلى أن المركز يصدر أيضا منشورات دورية عن العلوم السياسية والبحوث الاقتصادية والاجتماعية لتجعل من هذا المركز أكبر وأهم مخزن فكري لهذه الأمة. ومنشورات المركز متواجدة في كل مكتبات الجامعات العربية ولا يمكن أن يصدر بحث عن أي قضية عربية إلا وكانت معظم مراجعها إصدرات المركز. أعتقد أنه من المفيد التأكيد على الثوابت الفكرية التي تغيظ أعداء هذه الأمة. فما زالت أهداف المؤامرات الخارجية الرامية إلى غزوها ثم احتلالها ثم تجزئتها بل تفتيتها إلى مناطق وإلى طوائف وإلى قبائل وإلى عشائر وإلى عرقيات واثنيات ليصبح الأخ عدوا لأخيه حتى في داخل البيت الواحد. و من هنا نفهم أيضا التعرض لكل من يقف ضد مشاريع الاحتلال والتقسيم والتفتيت. كل ذلك مع التناسي أو التجاهل للاحتلال سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان ناهيك عن الصومال أو ما يحاك للسودان. وإذا كنا اعترضنا في آماكن عديدة عن محاولات اغتيال الرأي في أي قطر عربي مهما كانت الظروف فإن لصق تهمة الفكر القومي بالشوفينية (وهذا مصطلح جديد غير موجود في اللسان العربي) واتهام ذلك الفكر القومي بتوليد الاستبداد والقمع- كل ذلك يدّل على التعصّب العنصري الموجود أساسا وأكثر حدة في الهويات الفئوية سواء كانت طائفية أو مذهبية أو قبلية أو مناطقية أو حتى قطاعية. كما أن مقاومة الاستبداد لن تكون بديلا عن تحرير الأرض المحتلة (فالاحتلال يطّول عمر الاستبداد) ولا مبررة للتغيير السياسي عبر الدبابات الغربية ولا منظرة لنكر الذات بحجة الاعتراف ب"الآخر"! غير أن أنجازات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق خلقت حالة من الإرباك عند النخب العربية التي تبنـّت "إستراتيجية السلام" و"ثقافة الحياة". هذا الإرباك في صفوف "النخبة" من المثقفين "العدميين" كما يصفهم الدكتور عزمي بشارة أتاح الفرصة لإعداد مجددا هجمة مركزة على القومية العربية والفكر القومي برمّته على صفحات الجرائد وعبر الفضائيات العربية. والهدف من تلك الهجمة المركّزة هو كسر الوعي القومي الذي ما زال راسخا في الوجدان العربي رغم كل الانتكاسات التي مرّت بها الأمة العربية على مدى الخمسين السنة الماضية. فالعلاقة واضحة بين الوعي والثقافة إذ أن الوعي يولد الفكر والفكر يولد الموقف السياسي (أي المواجهة والمقاومة مثلا) والموقف السياسي يولد الثقافة وخاصة ثقافة المواجهة وهذه الأخيرة تعزّز مجددا الوجدان. ذلك هو المعنى الحقيقي والفعلي للمطلب الأميركي لتغيير الثقافة والبرامج التعليمية بحجة إدخال "القيّم الديمقراطية الكابحة للنزعات الإرهابية" التي تولدها الثقافة العربية الحالية، على حد زعمهم. غير أن الواقع مخالف كلياّ لتوجهات المسئولين الأميركيين وحلفائهم في المنطقة كما جاء في استطلاع للرأي العام العربي أعدّته مؤسسة أميركية في خريف 2002 ليؤكد أن المقوّم الأساسي الأكثر ذكرا لهوية المواطن العربي في معظم الأقطار الممسوحة في ذلك الاستطلاع هو انتماؤه للعروبة وذلك قبل المقوّم أو الهوية الدينية أو القطرية. والجدير بالذكر أيضا ما أفاد به وزير الكيان الصهيوني شاوول موفاز عندما كان رئيسا للأركان في مقابلة ملفتة لإحدى الصحف الإسرائيلية أن هدف الهجوم عل مدن الضفة الغربية لم يكن لتدمير "البنية التحتية للإرهاب" كما كانوا يزعمون بل "لكسر وعي الإنسان الفلسطيني" الذي يجب عليه أن لا يفكّر في يوم من الأياّم أن بإمكانه قيام مواجهة ناجحة مع الكيان الصهيوني. فما رأيكم أيها الإخوة والأخوات بالنصر الذي تحقق في لبنان وفلسطين؟ تلك الإنجازات تدّل بوضوح أنه لا يمكن "كسر وعي الإنسان" سواء كان لبنانيا أو فلسطينيا أو من أي قطر عربي. والملفت للنظر أن رغم الأموال الطائلة التي أنفقت في شراء الذمم والضمائر للنخب المثقفة لتروّج ثقافة الهزيمة و"الواقعية" ونبذ "اللغة الخشبية" أو "الظاهرة الصوتية" التي تشكلها القومية العربية غير أنها لم تستطع أن تغيّر أي شيء في نفوس الجماهير رغم القمع والاستبداد وملاحقة أصحاب الرأي الحر. هذه النتيجة تؤكد أن المقاومة والممانعة ما زالتا في صميم وجدان واهتمام الجماهير العربية. و تتركز الهجمات على إعلان وفاة القومية العربية على صفحات الجرائد و على الفضائيات لتغييّب الخطاب القومي العربي من الوعي العربي. ويستثمر غلاة " الواقعية" أو " العقلانية" المرتبطة بالتياّر العولمة الليبرالي ودوائر القرار الأميركي سقوط بغداد واستمرار الاحتلال واضطهاد وقمع الشعب الفلسطيني ومحاصرة وتجويع غزّة من قبل قواّت الكيان الصهيوني وسط صمت عربي رسمي مدوّي، كبرهان ساطع عن وفاة القومية العربية و نهاية الفكر القومي. و هذه الطبقة من المثقفين العدميين كما يصفهم الدكتور عزمي بشارة هي، وفقا للكاتب الأردني إبراهيم غرابية "، من فلول اليسار والحركات والشخصيات المهزومة شعبيا وسياسيا وثقافيا، والتي تملك في الوقت نفسه مداخل العمل الثقافي والإعلامي وإمكانيات مالية كبيرة تواجه حقيقة أنها مرفوضة تماما". ويضيف الكاتب أن " فهم ثقافة السلام الجديدة قائم على ملاحظة صياغة العالم في ديمقراطية لا تتيح لغير النخبة الليبرالية الوصول إلى مواقع النفوذ، وبالمقابل حرمان وتجاهل ومطاردة وربما اغتيال وتصفية للآخرين الممانعين". فالمشروع القومي والفكر القومي على حد زعمهم ارتبط بالاستبداد وشخص الطاغي وبالتالي نهاية الاستبداد أو الطاغي تعني نهاية المشروع القومي الذي لم يوّلد إلاّ المآسي والويلات لشعوب المنطقة. ومن الطبيعي أنه لا يمكن اختزال المشروع القومي بنظام أو بمؤسسة و لا الفكر بشخص كما يحاولون تشخيص الواقع القومي. أريد أن أقف بعض الشيء على هذه النقاط. إن ما حصل في العراق كان هجوما مركزا لتدمير هوية العراق العربية وتحويله إلى تجمعات طائفية ومذهبية وعرقية وعشائرية تتقاتل مع بعضها بعض لمنع توحيدها في إطار وطن هويته عربية. وأذكر أن حلفاء أميركا في الوطن هي أنظمة استبدادية بامتياز ويتمّ السكوت عنها من قبل "العدميين" أو "الواقعيين" أو "الحداثويين" أو أخصام "اللغة الخشبية" أو أرباب "ثقافة الحياة"! لقد تبيّن أن الدولة القطرية، وإن رفعت يافطة القومية، لا تستطيع حماية حدودها، كما أنها لا تستطيع تأمين اقتصادها وتحقيق تنمية مجتمعها سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإنساني أو الثقافي. كما أن الدولة القطرية وفقا لتركيبتها السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ونهج سلوكها ونظام حكمها السائد لم تستطع إيجاد آلية للتحديث والتغيّير في مجتمعها رغم تجربة (أي الدولة القطرية) استمرّت أكثر من خمسين عام في معظم الأقطار. ألم يحن الآن إعطاء الفرصة لدولة الوحدة أو على الأقل إعادة صياغة الدولة القطرية بشكل يلغي أو يحيّد التناقض بين الكيان القطري والدولة القومية ؟ أليس إنشاء دولة الوحدة أو المباشرة الحقيقية لبنائها الرد الاستراتيجي عل جميع أشكال العدوان التي تتعرض إليها أمتنا العربية؟ وهل من الصحيح أن فقدان الديمقراطية في كافة الأقطار العربية كما يدّعى الليبراليون الجدد هو السبب الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، في إلحاق الهزيمة؟ السؤال لا يعني التشكيك في إقرار الإشكالية للمسألة الديمقراطية بل محاولة لوضعها في سياقها التاريخي وفقا للمعطيات السائدة في الحقبة الزمنية التي ارتبطت فكرة المشروع القومي بهذا النظام أو ذاك. ولا بد من تخصيص الحقبة الناصرية التي شكلّت المرتكز للمشروع القومي والتي تشكّل اليوم محور الهجوم عل كل من المشروع والفكر القومي. فالحقيقة أنه لم تغب عن بال عبد الناصر قضية الديمقراطية وقد حاول معالجتها وفقا للظروف التي كانت تحيط بثورة يوليو وعلى الأرضية المعرفية السائدة آنذاك. وكانت مشكلة عبد الناصر أنه لم يستطع تجاوز عقدة تعدد الأحزاب لما كانت عليها قبل الثورة (وربما كان محقا في ذلك) والتي لم تكن تمثل الشرائح الواسعة للمجتمع المصري والتي كان ينخرها الفساد. وبالتالي لم تستطع تلك الديمقراطية المزيّفة منع الهزيمة ونكبة فلسطين! إضافة إلى ذلك كان الاجتهاد آنذاك أن الأولوية للديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية كخطوة لا بد منها قبل بناء الديمقراطية السليمة كما أسهب شرحها في " الميثاق" فإن التطورات والأحداث وخاصة هزيمة 1967 أتت لتضرب الإنجازات التي حققتها الثورة . فلا يجب أن يغفل عن البال أن النمو الاقتصادي الذي تمّ تحقيقه في الجمهورية العربية المتحدة خلال فترة 1954-1966 وخاصة في القطاعات الإنتاجية الحقيقية (صناعة وكهرباء، وبناء و تشيّيد) تجاوز الستة بالمائة سنويا. بالمقابل يقوم أعداء الحقبة الناصرية بحملة ثقافية منظمة لإعادة تلميع صورة ما قبل الثورة عبر مسلسلات تلفزيونية كمسلسل "فاروق" الذي أطّل على المشاهدين العرب في رمضان 2007. وهذه الخطوة حلقة من حلقات عديدة تريد محو ذاكرة المواطن العربي من أي مفهوم مقاوم لسيطرة الاستعمار والقرار الخارجي عبر "إنصاف" من اتهمتهم الثورة الناصرية بمسببي النكبة في فلسطين الذي احتفل بها الرئيس بوش في مؤخرا وسط "ترحيب" و"استقبال" عربي معيب! ليست مهمتي اليوم الغرق في الردّ على الهجوم المغرض على التياّر القومي العربي وفكره كما لست في إطار ممارسة المراجعة الفكرية التي بدأت بالفعل منذ الستينات مع عبد الناصر بالذات وما زالت مستمرة. إن المهمة التي تقع على عاتق المفكرين القوميين العرب هي استكمال العمل التجدّدي الذي بدأ في مؤتمر قبرص في أواخر شهر تشرين الثاني سنة 1983 تحت إشراف ومبادرة من مركز دراسات الوحدة العربية والذي يسعى إلى استكماله مؤتمر دمشق الأخير. وبات واضحا من وثائق ووقائع المؤتمر آنذاك ومؤخرا أن الخطاب القومي أدخل بشكل مكثف مفهوم الديمقراطية في أدبياته وإن كان ذلك غير مستغربا لأن" لكل من مصطلحات الديمقراطية والاشتراكية والعلمانية والوحدة والعقلانية واليقظة والنهضة البرلمانية جذورا راسخة في ذاكرة أبناء النصف الأول من القرن العشرين" . و بالتالي لا أساس لتهمة الفكر القومي بأنه يولد الاستبداد أو العنصرية أو حتى اللاسامية. لا بد من أشددّ على أن طرح مسألة الديمقراطية هو كلام صحيح يراد به باطل. فالديمقراطية هي أداة وليست هدفا قائما بحد ذاته. فهي الوسيلة لتحقيق أهداف المشروع العربي الوحدوي النهضوي. وهذا المشروع هو الصيغة المتقدمة لتحرير الوطن والمواطن من وطأة الاستعمار وجحيم التخلف والفقر واللامساواة. إن هدف تحقيق العدالة الاجتماعية ومجتمع الكفاية والعدل (وهو من إنتاج ثورة 23 يوليو) هو جوهر المشروع العربي النهضوي. إن الكلام عن تسييس الهويات الطائفية كبديل للطرح القومي هو يقين العدمية المبنية على تجاهل الطرح القومي واستبداله بالهويات الفئوية سواء كانت طائفية أو مذهبية أو عرقية أو قبلية أو عشائرية أو مناطقية أو قطاعية - مجتمعة أو منفردة- فهي الطريق الحتمي للهلاك وإلى العدم عبر الاقتتال الدائم الذي يستنزف الأجساد والأرواح ويكرّس هيمنة القرار الخارجي. هذا هو منطق "العدمية" العربية واللبنانية الذي نشهده عبر الفضاء الإعلامي المرئي والمكتوب وحتى في بعض المرافق الدينية – تلك العدمية التي يريدونها أن تسيطر على العقل والوجدان العربي وعلى ذاكرته وتراثه بشكل عام وفي لبنان وبيروت وطرابلس بشكل خاص. هذه هي الخدمة المجانية للمشروع الأميركي الصهيوني التي يقدمها أولئك الذين يخلطون النقد الذاتي بجلد الذات وبا"الحداثة" و"الانفتاح على الآخر" وسائر من المقولات التي أفرغت من أي مضمون بل "طنّتها ورنتّها" الصوتية تريد ان توحي ب"عمق" في الفكر و"عقلانية" وترويج ل"ثقافة" الحياة وإن كانت غائبة بالفعل عن عقل وسلوك مروّجي تلك اللغة الخشبية الجديدة. وختاما أريد أن أحدثكم بعض الشيء عن آفاق هذا الفكر القومي الذي جسّدته ثورة 23 يوليو. السؤال الذي يمكن طرحه هو هل من مستقبل للفكر القومي العربي و لماذا؟ الإجابة هي نعم و ذلك لعدة أسباب. أولا، إن الفكر القومي غنّي و قابل للتطوّر لأنه يسدّ حاجة في الوعي العربي كما تدّل مختلف الوثائق و النصوص الفكرية التي تمّ مراجعتها. ]فالمرحلة الأولى للفكر القومي و التي امتدت طيلة القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى كانت تهدف لمواجهة الاستبداد العثماني و الانفصال عن الدولة العثمانية كرد فعل على تتريك الدولة. أما في المرحلة الثانية التي امتدت من الحرب العالمية الأولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية فكانت لمكافحة الاستعمار و الحصول على الاستقلال و تميّزت ببلورة المضمون النظري للفكر القومي. أما المرحلة الثالثة التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أواخر الستينات فكانت مرحلة التأييد الشعبي والالتزام بالبرامج الراديكالية. أما المرحلة الرابعة التي بدأت منذ أوائل السبعينات و ما زالت مستمرّة فهي مرحلة إدخال الديمقراطية إلى قاموس الخطاب القومي العربي و البحث عن المشروع السياسي للمرحلة الراهنة و المستقبلية لأن ذلك هو المطلب الذي يتجاوب مع منطق الضرورة وإلاّ لفقد الفكر القومي العربي دوره الوظيفي في تغذية الوعي العربي . و الجدير بالذكر أن تلك المرحلة شهدت ابتعاد القيادات و النخب القومية عن مفاصل الفكر القومي العربي و الانحراف في السلوك بسبب فقدان الآلية التي كان يمكن استخدامها في المشروع القومي العربي. هذه الآلية تمثّلت في الحزب و الجيش و الآفاق المسدودة التي آلت إليها.[ أما السبب الثاني الذي يدّل عن مستقبل مشرق للفكر القومي العربي فهو مناعة ذلك الفكر في مواجهة الاضمحلال بعد الهزائم و النكسات. لقد أشرت سابقا إلى إصرار أعداء الأمة على إعلان وفاة الفكر و المشروع القوميين بشكل دوري مما يدّل عن حيوية و ومناعة لا يتحملانها أعداء هذه الأمة. لقد كانت المسألة المسيطرة على اهتمامات المثقفين القوميين العرب لفترة طويلة من الزمن البحث عن النظرية التي" تمنح الحركة القومية شخصيتها المميّزة وتضمن تقدمّها المطرد نحو تحقيق الغايات الكبرى". وبات واضحا من بعد مراجعة النصوص الأساسية للفكر القومي العربي أن التركيز كان على مسألتين أساسيتين في الفكر ألا وهما قضية الوحدة وكيفية تحقيقها وقضية الديمقراطية وأهمية توفرها كمبدأ أساسي في النهضة العربية الحديثة. والظروف الراهنة تفرض إضافة محور ثالث وهو استعادة التراث في الفكر القومي الذي تمّ التخلّي عنه بعض الشيء ويشكّل ذلك محورا أساسيا في حوارات التيار القومي مع التيار الديني. وهنا لا بد من لفت الانتباه أن التياّر القومي ليس حكرا على فئة بل يشمل كافة التيارات السياسية والدينية التي تعمل من أجل الأمة. فالمؤتمر القومي العربي الذي سيحتفل في السنة القادمة عامه العشرين يضّم روافد متعددة من القوميين التاريخيين كالناصريين والبعثييّن والحركييّن القومييّن العرب إضافة إلى التيار الديني والتيار الماركسي والتياّر الليبرالي. فكل ما يساهم في تنمية الفكر العربي هو قومي بالفعل. هذه هي قيمة المنبر الذي يشكّله المؤتمر القومي العربي. ففي ذلك السياق أعتقد أن آفاق الفكر القومي العربي تكمن أولا في تطوّر الفكر العربي عامة؛ وثانيا في الارتباط بمشروع سياسي يؤدي إلى بناء دولة الوحدة في أحسن الأحوال أو الموقف المشترك في أسوأها على أسس توفّر الحرية للفرد وللمجتمع؛ وثانيا مشروع اقتصادي يمكّن التنمية والفرص للجميع؛ وثالثا رؤية اجتماعية تنصف كافة شرائح المجتمع وتمكّن المرأة؛ ورابعا منظومة ثقافية لا تمسخ التراث ولا تقف عائقا أمام التجدد الحضاري؛ أي مشروع واضح المعالم و المفاصل سمته المرونة ليشكل دليلا للعمل؛ وأخيرا، في إيجاد الآلية أو الآليات التي تكفل تنفيذ المشروع وتحوّله إلى واقع سياسي وثقافي يغذّي الوعي والمعرفة والوجدان العربي ولا تلغيه التطورات السياسية أو الأمنية الخارجية. أيها الأخوة والأخوات، هكذا أستذكر ثورة 23 يوليو. فهي مستمرّة بفكرنا ومجهودنا وهي طريقنا لتحقيق التحرير أوّلا ثم الوحدة والحرية ومجتمع الكفاية والعدل. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
عبد الناصر وفلسطين "د. صلاح عودة الله ** تمر علينا الذكرى السادسة والخمسون لذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة "ثورة الضباط الأحرار" وامتنا العربية من المحيط الى الخليج تعيش حالة من التشرذم لم يسبق لها مثيلا.. حالة من التمزق وانحسار الحس الوطني.. حالة انقسامات عربية-عربية وكذلك داخلية، وخير دليل على ذلك ما حدث في وطننا الغالي"فلسطين"..فلسطين التي احبها ودافع عنها القائد العملاق عبد الناصربالجسد والروح ورحل وهو يدافع عنها. في ذكرى ثورة 23 يوليو تحية لقائدها لزعيم الامة لباني نهضة مصر الحديثة لنصير الامة من المحيط الى الخليج..ولا شك ان عبد الناصر الذي كان اول زعيم مصري يحكم مصر على مر عصور التاريخ منذ العهد الاول للفراعنة، خلق من المقومات ما سيمكن مصر من ولادة الف ناصر. . لكن تبعاً لخلاصات التجربة الناصرية فإن الطريق إلى التكامل العربي أو الاتحاد بين البلدان العربية لا يتحقّق من خلال الفرض أو القوّة بل (كما قال ناصر) "إنّ اشتراط الدعوة السلمية واشتراط الإجماع الشعبي ليس مجرّد تمسّك بأسلوبٍ مثالي في العمل الوطني، وإنّما هو فوق ذلك، ومعه، ضرورة لازمة للحفاظ على الوحدة الوطنية للشعوب العربية. كذلك، وضع جمال عبد الناصر منهاجاً واضحاً على صعيد مواجهة التحدّي الصهيوني، خاصّةً بعد حرب عام 1967، يقوم على بناء جبهةٍ داخليةٍ متينة لا تستنزفها صراعات طائفية أو عرقية ولا تلهيها معارك فئوية ثانوية، ويقوم أيضاً على وقف الصراعات العربية/العربية، وبناء تضامنٍ عربي فعّال يضع الخطوط الحمراء لمنع انزلاق أيّ طرفٍ عربي في تسويةٍ ناقصة ومنفردة، كما يؤمّن هذا التضامن العربي الدعم السياسي والمالي والعسكري اللازم في معارك المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي. هذه الخلاصات الفكرية والسياسية هي ما تحتاجه الأمّة العربية في مواجهة تحدياتها الراهنة، ومن أجل مستقبل أفضل لأوطانها وشعوبها. وهي أفكار وسياسات سارت عليها تجربة "ثورة يوليو" ونجحت في تأصيلها، لكن المسيرة توقفت، وانحرفت أحياناً، بعدما غاب قائدها. "لا يمكن أن نقبل السلام بمعنى الاستسلام. نحن نسعى للسلام من أجل السلام ونحن لا نريد الحرب لمجرد الحرب ولكن السلام له طريق واحد هو طريق انتصار المبادئ مهما تنوعت الوسائل ومهما زادت الأعباء والتضحيات نحن نريد السلام والسلام بعيد ونحن لا نريد الحرب و لكن الحرب من حولنا وسوف نخوض المخاطر مهما تنوعت دفاعاً عن الحق و العدل"..."جمال عبد الناصر". . في هذه الذكرى سأتطرق الى موقف عبد الناصر من القضية الفلسطينية: . لقد زاد من حدة التناقص بين الأمة العربية والاستعمار ظهور الحركة التقدمية العربية الأمر الذي دفع الاستعمار إلى مغامرات عنيفة ومخيفة عبرت عن نفسها عام1967 والتي عرفت بحرب الأيام الستة والتي هي مقدمة لحرب ما تنته بعد. ومن هذا يتضح لنا كيف أن عبد الناصر أدرك طبيعة الصراع العربي- الصهيوني وهي أن هذا الصراع صراع مصيري وقومي وحضاري ومن هذه القناعة تعامل عبد الناصر من هذا الصراع وتفاعل مع أحداثه. بعد عام 1948 حاول الاستعمار أن يستغل المأساة التي حلت بالأمة العربية في حرب فلسطين ليبث في قلوب العرب روح الضعف والهزيمة ولكن القومية العربية النابضة في قلب كل عربي كانت لهم بالمرصاد. وان كان الأعداء قد انتصروا في حرب 1948 على شعب فلسطين فان القومية العربية أيضاً انتصرت لأن كل عربي أخذ يشعر في قرارة نفسه أنه لا بد من أن يتحد مع أخيه العربي حتى يحافظ على أمته من الزوال والتفتت والضياع. كانت مأساة فلسطين نصراً للعرب لأنها أشعلن نار القومية العربية في الصدور. كان جمال عبد الناصر يرى أن الاستعمار قد أقان في قلب الوطن العربي للقضاء على القومية العربي ولضرب هذه الأمة ومنعها من بناء نفسها اجتماعيا واقتصاديا ودبلوماسيا. ولكن هل نجحوا؟ إن إصرار شعبنا على إزالة الاحتلال من جزء من الوطن العربي وهو فلسطين هو تعميم على تصفية جيب من أخطر جيوب العدوان الانتقادي ضد نضال الشعوب. كان جمال عبد الناصر يرى أن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي تتمثل في استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ثم في استعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وفي تجميد الخطر الإسرائيلي في حدود قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 باعتبار أن مواجهة الوجود الإسرائيلي هي عملية الأجل الطويل. وكان بعد نكسة حزيران خرج الشعب الفلسطيني ليأخذ بنفسه زمام المبادرة ويدافع عن قضيته بنفسه. وانطلق حركة المقاومة الفلسطينية واستطاعت بنضالها أن تحول الشعب الفلسطيني من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين واستطاع العمل الفلسطيني أن يفرض نفسه على العالم. كان لعبد الناصر دوره في دعم المقاومة الفلسطينية فهو يقول: "لا يستطيع أحد أن ينكر دور جماهير الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويضيف ليس هناك معيار أو في أدق من الموقف الذي يتخذه أي فرد أو أي جماعة أو حكومة من قضية المقاومة الفلسطينية وأنباء الشعب الفلسطيني. ونرى الآن محاولات العدو وعدوانه للوقيعة بين رفاق المعركة الواحدة الشركاء في الواقع الواحد والمصير الواحد، ونرى ضرورة هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات الموقف أعمق وأشمل مما نتصور، ولهم القدرة على تطويق كل هذه المحاولات وحصرها". إن واجب الأمانة يتطلب منا أن نحدد موقفنا على النحو التالي: ولقد كان ذلك موقفنا دائماً إن المقاومة الفلسطينية تعتبر من أهم الظواهر الصحية في نضالنا العربي، وهي التجسيد العملي للتحول الكبير الذي طرأ على الشعب الفلسطيني تحت ضغوط القهر وحوله من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين". كان جمال عبد الناصر يرى أن ليس أمامنا جميعاً بديل عن القتال من أجل الحق الذي نطلبه والسلام الذي نسعى إليه. كان دائماً يفرق بين القتال وبيت الاقتتال فيقول: "الاقتتال رصاص طائش يعرض الأخ لسلاح أخيه والقتال شرف.. الاقتتال جريمة...! . تختلف وتتباين وجهات النظر حول جمال عبد الناصر، وأفكاره وسلوكه، وتأثيره على التاريخ العربي المعاصر، إذ يعتقد العديد أن العرب بحاجة الآن لقائد مثل جمال عبد الناصر لقربه من تطلعات الجماهير وآمالها في قراراته، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الأولى في العالم العربي، وهي القضية الفلسطينية.. بينما يعتقد آخرون أن من أسباب التخلف والفشل العربي الفكر الناصري والقومي، وأن آثار أفكار جمال عبد الناصر لا تزال موجودة لليوم، وتؤثر بشكل سلبي، ويستند المناهضون لجمال عبد الناصر لأسباب هزيمة 1967، ولسياسة جمال عبد الناصر بالتعامل مع الأحزاب والجماعات الإسلامية في مصر أثناء حكمه، وسياسة التأميم للممتلكات التي تبناها. مما لا شك فيه أن جمال عبد الناصر كان وسيبقى شخصية محورية في التاريخ العربي المعاصر، ودوره في صنع تاريخ المنطقة وأجزاء أخرى من العالم خلال سنوات حكمه، والأثر والأفكار التي تركها، لا يمكن نكرانها. ولكن القدر لم يمهل الرئيس جمال عبد الناصر ليشهد تحرير الأرض ففي 28 ايلول عام 1970 رحل جمال عبد الناصر عن اثنين وخمسين عاماً. رحل وهو يحاول إيقاف نزيف الدم بين الأشقاء في الأردن، وكانت هذه آخر إنجازات الزعيم جمال عبد الناصر على الصعيد العربي. وفي هذا الصدد خصص نزار قباني احد مقاطع قصيدته في رثاء عبد الناصر لمحاولة تعقيل الحدث الصدمي. وهذا التعقيل يتم عادة باسترجاع الملابسات والظروف التي تسببت بالصدمة في محاولة للإقتناع بأنها كانت النتيجة الطبيعية لهذه الملابسات والظروف. وهذا التعقيل يهدف في الغالب لمواجهة الميل إلى عدم تصديق الحدث. ومن هذا المقطع: . رميناك في نار عمان... حتى احترقت/ أريناك غدر العروبة حتى كفرت..! . رحل عبد الناصرتاركاً خلفه قضايا وصراعات وإنجازات لم تحسم بعد. وفي جنازته سار عدة ملايين من أبناء الشعب المصري والعربي وقد أذهلت الجنازة الأعداء والأصدقاء على حد سواء. خرج الشعب المصري بالملايين لينعى نفسه قبل نعي عبد الناصر فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر بكل ما له وما عليه حلماً لم يكتمل ومشروعاً قومياً عظيماً لم يكتمل أيضاً. كانت جنازته تعبيراً جياشاً عن حجم الكارثة التي ستحدث في الأيام المقبلة. بكى الشعب المصري جمال عبد الناصر بمرارة وبكاه العرب والعالم المتحضر أجمع. بكاه العالم وسنظل نبكيه كلما عظمت الخطوب واشتدت المحن وبلغت القلوب الحناجر.لم تفقد مصر وحدها بل فقدت الامه العربيه بأكملها زعيما من الصعب بل من المستحيل ان يأتي مثله. معارك قاصمة خاضها هذا العملاق الأسمر المنحوت من طمي النيل حتي وجد نفسه حزينا.. فمات بالسكتة السياسية قبل أن يموت بالسكتة القلبية.. ولم يهدأ الأعداء بموته.. فقد راحوا يمثلون بسمعته.. وبدأت عملية الاغتيال الثاني له.. الاغتيال المعنوي لإزالة كل ما آمن به.. وما سعي جاهدا لتحقيقه.. ومنذ أن توفي وحتي الآن ومحاولات تحطيم شخصته مستمرة.. فالزهور التي تنبت في الصخور يجب أن تسحق كاملة. كم نحن بحاجة اليك يا ابا خالد، لقد كنت خالدا في حياتك، وستبقى خالدا في قلب كل عربي حر وشريف الى يوم يبعثون..في ذكرى ثورة الضباط الأحرار..ثورة عبد الناصر, لن ننثني يا سنوات الجمر, وانا حتما لمنتصرون..! د. صلاح عودة الله القدس المحتلة" |
رد: ابحاث ثورة يوليو
بقلم : يوسف أحمد/كاتب فلسطيني- لبنان نعيش اليوم في رحاب ذكرى ثورة 23 يوليو التي قادها الرئيس الراحل والكبير جمال عبد الناصر، وهنا قد يختلف البعض في عملية التوصيف لهذه المرحلة، حيث يعتبرها البعض بأنها واحدة من الثورات الكبرى في تاريخ مصر والأمة العربية، وبعض آخر يعتبرها ظاهرة أو تجربة إختزنت الكثير من الإيجابيات والسلبيات. ولعل أبرز الأخطاء أوالسلبيات التي يسجلها البعض على ثورة 23 يوليو أنها كانت تفتقد الى الديمقراطية والتعددية الحزبية والنقابية والسياسية، وإعتبار ذلك الخطأ بأنه شكل الحلقة الأضعف في التجربة الناصرية. ولكن لا بد من القول، أن هناك ضرورة للتمييز بين تجربة ودور الرئيس عبد الناصر ومشروعه النهضوي وانجازاته الكبرى وبين الحلقة الغائبة وهي " الديمقراطية ". وفي مقابل ذلك فقد كان الرئيس عبد الناصر يرفض رفضاً قاطعاً أعتبار 23 يوليو تجربة أو ظاهرة، بل كان يراها ثورة ومسارها يتواصل ومصيرها مضيىء، وأن غياب الديمقراطية في محطة من المحطات أو ظرف من الظروف كانت تفرضه مصلحة الثورة التي كانت تواجه الكثير من المؤامرات التي تستهدف إفشالها . وبعيداً عن التوصيف والتشخيص، فإننا نستطيع القول أن تاريخ 23 يوليو هو تاريخ محفور في أذهان الملايين من أبناء الوطن العربي، ويمكننا القول أيضاً أن هذه التجربة وهذه الحقبة شهدت أنضج نهضة فكرية وثقافية وسياسية بعد النكبة الفلسطينية، كما قادت هذه الثورة سلسلة كبيرة من التحولات في النضال الوطني المصري والقومي والإجتماعي والطبقي نحو مشروع نهضوي تناول كل جوانب الحياة، السياسية، والاقتصادية والفكرية والطبقية .... وبالتالي لا يمكن لأي إمرىء أن يتطرق الى هذه التجربة ويقفز على إيجابياتها والتحولات التي أحدتثها على الصعيد المصري والعربي، حتى وإن تعرضت هذه الثورة بعد رحيل الرئيس عبد الناصر عام 1970 الى انتكاسات عدة وتوقفت عن الحياة بعد مرور ثمانية عشر عاماً على تفجرها. ومما لا شك فيه أن ثورة 23 يوليو التي جاءت رداً على واقع التبعية والتخلف والإنحطاط الذي إمتد مئات السنين، قد فتحت على الإستقلال الناجز والتحولات الإجتماعية الكبرى، حيث كانت المنطقة العربية تعيش حالة من التباينات والتناقضات والإختلافات في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصاية....، فبعض هذه الدول كان قد استقل حديثاً، والبعض الآخر كان ما يزال واقعاً تحت الإحتلال المباشر، والبعض الآخر كان أيضا لا يزال نظامه السياسي تحت الوصاية والتبعية، كل ذلك وكان الجرح الفلسطيني ينزف بفعل النكبة الكبرى وإغتصاب فلسطين من قبل الكيان الصهيوني. وقد إعتبر الرئيس عبد الناصر في إحدى خطبه الشهيرة عام 53 " أن ضياع فلسطين هو نتاج تفكك وتخاذل الأنظمة الرسمية العربية التي لم تفعل شيئاً لفلسطين سوى الكلام الخطابي والشعارات الفارغة التي حاولو فيها خداع وتظليل الشعوب العربية". كما إعتبر الرئيس عبد الناصر" أن ضياع فلسطين يهدد جميع الدول العربية ولا يقتصر الأمر على فلسطين فحسب، لأن المشروع الإستعماري الصهيوني التوسعي يستهدف المنطقة العربية بأكملها ولا يوجد دولة عربية بمنئى من خطر هذا الكيان العنصري الإستعماري، وفي هذا السياق خاطب الرئيس عبد الناصر العرب قائلاً " أن العملية ليست عملية فلسطين، إنما هى عملية العرب، وعندما طعنت فلسطين طعن كل منا فى شعوره ووطنه وعروبته ". وفي هذا المجال أيضاً، لا ننسى دعم الرئيس عبد الناصر لمقاومة وكفاح الشعب الفلسطيني وحقه في استرجاع أراضيه، ونذكر صيحته الشهيرة التي كانت تدوي دائماً " ان المقاومة الفلسطينية أنبل ظاهرة أنجبتها الأمة العربية، ولدت لتعيش إلى أن ينجز شعب فلسطين حقوقه الوطنية". ثماني وثلاثون عاماً مضت على رحيل هذا الفارس والقائد الكبير، لكن صورته ومبادىء الثورة الكبرى التي قادها لا زالت تتجسد اليوم في صورة الأمل وفي طموح الشعوب لتحقيق المشروع النهضوي العربي الذي عمل من أجله الرئيس عبد الناصر، والذي تصدت له الكثير من قوى الإستعمار وحاولت إفشاله بكل الوسائل والطرق بما فيها شن الحروب العسكرية الشاملة والمدمرة ولعل أبرزها العدوان الثلاثي 1956، وحرب 5 حزيران 1967، ومن ثم حرب تشرين/أكتوبر1973، التي مني بها العدو الإسرائيلي بهزيمة كبرى. واليوم فنحن لا نزال نواجه ذات التحديات وإن تغيرت المسميات والأسباب التي تتذرع بها الدول الإستعمارية لشن حروبها العدوانية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فنحن لا نزال نعيش تداعيات حرب الخليج الأولى والثانية واستمرار العدوان الاسرائيلي على شعبنا الفلسطيني واحتلاله للارض الفلسطينية، بالاضافة الى الإحتلال الامريكي للعراق والحالة التي وصل اليها بعد الحرب التي شنت عليه بذريعة مواجهة أسلحة الدمار الشامل!، وقد تبث وإنكشف للعالم أجمع زيف هذا الإدعاء وهذه المبررات، وإنكشف الهدف الأساسي لإحتلال العراق الذي هدف الى تقسيم المنطقة العربية وإشعال الحروب الاهلية والطائفية داخلها وإستغلالها لبسط النفوذ الأمريكي من أجل السيطرة على ثرواتها ولا سيما الثروة النفطية. ذكرى 23 يوليو، محطة لا بد لكن مواطن عربي أن يتوقف عندها، ويسأل نفسه، هل أصبح مشروع الوحدة العربية حلم مستحيل، وهل التبعية والرضوخ قدر لا يمكن مواجهته والتغلب عليه. إن الجواب على هذه التساؤلات وغيرها من الأسئلة التي تجول في خاطر المواطن العربي لها جواب واضح ووحيد، وهو أن تغيير هذا الواقع العربي الضعيف مسؤولية ينبغي القيام بها من كل قوى وحركات التحرر العربية والاحزاب الوطنية وقوى المجتمع المدني، التي ينبغي عليها أن تستنهض دورها وتخرج من حالة الإحباط وتحمل مشروعاً تغييرياً وبرامج عملية وأن تحتل موقعاً جماهيرياً متقدماً بعيداً عن التبعية والإحباط. فعلى الرغم من الوضع الرسمي العربي الذي نعيشه والميؤوس منه، إلا أن ذلك لا يعني بأن شعوب المنطقة التي تختزن الكثير من قوى المقاومة وسجلت الكثير من الإنتصارات والبطولات، قد أصبحت عقيمة ولا تنتج ثورات بحجم ثورة 23 يوليو. وبالتالي فإنه بإمكان شعوبنا أن تلعب دوراً مؤثراً في عملية التغيير والإنتقال بالأمة العربية من واقع التجزئة والضياع، الى التوحد والنهوض والقدرة على حماية مصالح الشعوب وثرواث المنطقة ومواجهة كل المخاطر والتهديدات والأعمال العدوانية التي تمارس بحق شعوبنا العربية ولا سيما في فلسطين ولبنان واستمرار احتلال الجولان.. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
http://www.albayan.ae/servlet/Satell...&ssbinary=true بقلم :حسين العودات ستبقى ثورة يوليو 1952 مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وربما كان ما كتب أو قيل عن هذه الثورة خلال نصف القرن الماضي، يساوي بحق أضعاف ما كتب عن غيرها من أمثالها. ذلك لأنها شكلت منعطفاً بنيوياً، ليس في تاريخ مصر والعرب الحديث فحسب، بل أيضاً كان لها تأثير واسع جداً في تاريخ بلدان أفريقيا وبلدان أمريكا اللاتينية وآسيا. وسواء كان المراقب أو الدارس معجبا بهذه الثورة أم كان ضدها، فلا بد له من الاعتراف بأنها كانت تشكل موجة جديدة من مساهمة الشعب المصري العظيم في تاريخ العالم، ومن دوره الفعال في رسم تاريخ المنطقة وتأسيس نهضتها وتحديث دولها ومجتمعاتها وتهيئة الشروط الموضوعية لذلك. وقد قام الشعب المصري في الواقع بأداء هذا الدور منذ آلاف السنين وما زال، سواء بحضارته الغنية أو بثقافته المبكرة، أم بمواجهاته السياسية والعسكرية مع الإمبراطوريات التي كانت تقوم وتختفي من عصر إلى عصر شمال المتوسط وشرقه. حقاً إن ثورة يوليو لم تكن نتيجة نضال حزب أو مجموعة أحزاب لها برنامج شامل متكامل واضح، قام بدراسة واقع الشعب المصري ومجتمعه وظروفه ودوره الإقليمي والدولي، ووضع الحلول المناسبة للانتقال إلى مرحلة جديدة، إنما هي حصيلة انقلاب عسكري تقليدي قام بها تنظيم الضباط المصريين الأحرار، الذين أقلقهم واستفزهم وأثارهم واقع شعبهم ودولتهم، فقاموا بانقلابهم رداً على مفاسد النظام الملكي ومباذله واستهتاره، وهزيمة الجيش المصري في حرب عام 1948 بسبب تزويده بالأسلحة الفاسدة والامتناع عن تأهيله تسليحاً وتنظيماً وتدريباً. وإصرار النظام الملكي على اختيار قيادته من الضباط المترهلين الموالين له من أبناء الفئات الإقطاعية والأرستقراطية، واستسلام النظام للرغبات البريطانية وعجزه عن ترحيل القوات العسكرية البريطانية عن أرض مصر، هذا إضافة إلى تحكم فئة قليلة بخيرات مصر ومقدراتها دون شعبها، وإهمال مصالح الناس المعيشية والتعليمية والصحية وغيرها. ورغم أن الضباط الأحرار لم يكونوا يملكون تصوراً أو خطة أو برنامجاً عما سيفعلونه، إلا أن ممارستهم للسلطة وإرادتهم السياسية وشعورهم الوطني العميق وتقديرهم لمسؤولياتهم، قادتهم إلى تبني سياسة داخلية وعربية ودولية واضحة وشاملة، استكملوها خلال فتر قصيرة من تسلمهم السلطة، وتوجهوا إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فأقروا مجانية التعليم لكل أبناء الشعب، وفتحوا للجميع باب الانتساب للجيش ومراكز الدولة العليا الإدارية والسياسية، وباشروا تطبيق الإصلاح الزراعي، وكانت تجربتهم في هذا المجال تجربة مبكرة في بلدان العالم الثالث، وأقاموا المشاريع الكبرى (كالسد العالي مثلاً) وصنّعوا البلاد، ثم أمموا قناة السويس وألزموا بريطانيا بترحيل قواتها العسكرية من مصر، وفتحوا أبواب التنمية الشاملة أمام الشعب المصري وحاولوا أن يتيحوا الفرصة له للمشاركة في تقرير مصيره. وهذا ما أتاح تسمية انقلابهم ثورة، لأنه تحول إلى ثورة بالفعل، بغض النظر عن أدواتها شعبية كانت أم عسكرية. من مآثر ثورة يوليو أنها جددت دور مصر الإقليمي والعالمي. وتؤكد لنا أحداث التاريخ أمرين، أولهما أن المجال الحيوي لمصر كان يمتد إلى بلاد الشام والسودان وغرب ليبيا والأطراف الغربية للجزيرة العربية واليمن، فقد خاض الحكام الفراعنة معارك عنيفة مع الحثيين وغيرهم في بلاد الشام لتأمين المجال الحيوي المصـري، ومثلهم فعل الفاطميون قبل أكثر من ألف عام. أما محمد علي باشا فقد أدرك أهمية دور مصر وضرورته، فوصلت جيوشه إلى تركيا (الحالية) واليمن وغرب الجزيرة العربية وغيرها، وكادت مصر أيامه أن تصل إلى ما تستحقه من لعب دورها كدولة إقليمية كبرى. والأمر الثاني الذي تؤكده أحداث التاريخ، هو القدرة الخلاقة للشعب المصري والمسؤولية الكبرى التي تقع على عاتقه في توحيد العرب والوقوف في وجه موجات الغزو الخارجي، وهذا ما آمن به الضباط الأحرار وساروا في تطبيقه شوطاً بعيداً. إن هذه السياسة الداخلية والخارجية التي تبناها الضباط الأحرار لاقت (كما هو متوقع) رفضاً ومعاداة من قوى الاستعمار القديم (البريطاني والفرنسي)، وبطبيعة الحال من قادة الدولة الصهيونية. فشهدت مصر العدوان الثلاثي عام 1956 وعدوان يونيو 1967، وحصاراً اقتصادياً ورفض تسليح للجيش المصري، فضلاً عن حملات إعلانية شرسة. ومع ذلك كان لسياسة الثورة المصرية الدور الأساسي في انهيار الاستعمار القديم البريطاني والفرنسي، واشتعال أفكار حركات التحرر (العربية والأفريقية خاصة)، ونمو التيار القومي ورسوخ أسس النهضة العربية الحديثة، واحتلال مصر دورها الطبيعي في قيادة المنطقة. يأخذ البعض على ثورة يوليو أنها أهملت تبني معايير الدولة الحديثة ووسائلها، وخاصة معايير الحرية والديمقراطية وتداول السلطة واحترم حقوق الإنسان، وسيطرة البيروقراطية (الإدارية والعسكرية) على الثورة، وتهميش الجماهير الشعبية ومنعها من إقامة منظماتها المدنية والسياسية، وتوسيع القبضة الأمنية. ولعل معظم هذه التهم صحيحة، لكنها لا تلغي ما قامت به الثورة من قلب البنى المجتمعية وإشعال روح التحرر ونمو المشاعر القومية وتأكيد ضرورة الوحدة العربية، وقبل ذلك وبعده أنها أعادت لمصر وللشعب المصري العظيم ما يستحقانه من لعب الدور الأساسي في قيادة المنطقة وتحريرها وتطويرها. لاحظنا خلال العقود الأربعة الماضية ردة وهجوماً من أعداء ثورة يوليو يمارسه البعض دون كلل، ومحاولات ظالمة لإلقاء خيبات الأمة العربية وفشلها في تحقيق أهدافها على عاتق ثورة يوليو، وخاصة على عاتق قائدها جمال عبد الناصر، ولم يعد يتذكر أعداء الثورة سوى سلبياتها، وتناسوا وما زالوا يتناسون إنجازاتها الهائلة ومآثرها الكبيرة. وخاصة منها تغيير البنية الداخلية لاقتصاد مصر وثقافتها وقواها السياسية ودور شعبها التاريخي، وإطلاق حركة التحرر العربية والمساهمة في إنهاء الاستعمار القديم، وتغيير واقع المنطقة تغييراً لم يعد بالإمكان التراجع عنه كلياً، رغم ما جرى وما يجري في مصر. كاتب سوري |
رد: ابحاث ثورة يوليو
شقيق عبد الناصر يكتب للشروق:
هناك ترابط بين الثورتين الجزائرية والمصرية 2008.07.25 د / عادل عبد الناصر حسين في مثل هذه الأيام من أكثر من خمسين عام انفجرت في مصر ثورة تنظيم الضباط الأحرار بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر لتطيح بالملكية الفاسدة وأسرة محمد علي التي حكمت مصر أكثر من مائة عام مسنودة على الاستعمار البريطاني.
|
رد: ابحاث ثورة يوليو
في ذكرى ثورة ناصر [7/24/2008]? البديلسوسن البرغوثي: http://www.albadell.net/imgs/11/abdonasser.jpg إن ما يميّز ثورة 23 يوليو في مصر عن الحركات الثورية الأخرى والحركات الانقلابية التي عمّت بعض الدول العربية في ذلك الوقت، أنها قامت علىأسس قومية أولاً تنتمي إلى محيطها العربي وأسس وطنية لمعالجة وضع مصر الداخلي، وكانت شرارة الإصرار على انطلاقتها كثورة قومية وطنية، الأحداث التي اجتاحت فلسطين في العام 1948 وتخاذل جيوش الأنظمة العربية، والأسلحة الفاسدة، وواقعة الفالوجا التي شهدها الضابط جمال عبد الناصر قريباً من الأحداث ومن أسباب الهزيمة، وبالتالي نكبة فلسطين. تضافرت جهود الضباط الأحرار في الجيش المصري، وانطلقت الثورة تعلن قوميتها الجمعية، ولعل خروج الملك من مصر بمراسم رسمية وإطلاق تحيات التوديع، وعدم محاكمة بطانته الفاسدة، ودون إراقة دماء، إثبات على أنها ثورة بيضاء، تلك الرؤية والفكر القومي العروبي الذي تميز به الرئيس جمال عبد الناصر. بطبيعة الحال كان من الأهمية بمكان ترتيب البيت المصري داخلياً كي تستطيع أن تقوم لاحقاً بالأعباء القومية، ومؤهّلة لقيادة نضال الشعوب العربية لمساعي تحرير فلسطين، ولمّ الشمل العربي، وإبداء صورة العرب الحقيقية أمام العالم. ومن أهم إنجازات ثورة يوليو إقامة الوحدة بين سورية ومصر بإطار الجمهورية العربية المتحدة، ومن المؤسف أن تتخلى مصر بعد رحيل القائد جمال عبد الناصر عن تلك التسمية وتحمل الاسم القطري "جمهورية مصر العربية" تكريساً لشعار ضيّق الأفق وقطري يتمثّل بمقولة إن "مصر للمصريين". إن التجربة الثورية للحكم في مصر انطلقت من معايير قومية، إلى جانب العمل لبناء دولة مؤسسات تنشط لتفعيل التنمية. وقد بدأ الرئيس عبد الناصر بإشراك أصحاب الاختصاصات والمفكرين لحشد طاقاتهم للتوجّه إلى وضع سياسة داخلية متميّزة وإصلاح واقع مصر، بما في ذلك أهمية تنفيذ برنامج اقتصادي سياسي اجتماعي، يقود إلى إنجاز مرحلة التغيير بإطلاق الثورة الديمقراطية. إلا أن ما صعّب مسيرة البناء، عوامل عديدة داخلية، أهمها أن الضباط الأحرار لم يكونوا على تواصل أو تحالف مع الأحزاب الوطنية قبل الثورة، والجبهة الداخلية غير متبلورة اجتماعياً ووطنياً، ومجموعة الضباط لا تحمل معايير الخبرة الكافية لتحقيق التغيير المطلوب وسط مفاهيم القطرية والانتماء الأفريقي. أما معوقات تسريع خطوات العمل الثوري الخارجية لانطلاق المفاهيم الثورية العربية الجديدة، تمثّلت في التآمر الخارجي ومعاداة الإمبريالية والصهيونية العالمية والأنظمة العربية الرجعية لثورة يوليو وتوجهها القومي الأصيل، مما فرض على قيادتها التصدي للأزمات الوافدة من الخارج، وهذا أيضاً كان على حسب تحقيق التنمية بشكل متسارع في الشأن المصري الداخلي. ورغم كل تلك المعوقات والمؤامرات السرية العربية والدولية التي خفّضت من وتيرة العمل لبناء الدولة والتنمية، فقد استطاعت القيادة في مصر بناء أسس دولة مصر الحديثة وفق معايير العدالة والمساواة والقانون. لا شك في أن أهم فاصل بين مرحلة الثورة ومرحلة برنامج بناء الدولة، كان في تأميم قناة السويس، بعد رفض البنك الدولي تقديم قرض لمشروع بناء السد العالي، في الوقت الذي كان الاتهام للرئيس جمال عبد الناصر من بعض الأنظمة والقوى السياسية بأن الثورة قريبة أو صنيعة المعسكر الغربي والسياسة الأمريكية، وجاء تأميم القناة دليل نفي تسبب في إعلان الغرب وأمريكا العداء العلني، مما أدى إلى انفتاح السياسة المصرية على المعسكر الاشتراكي "الاتحاد السوفييتي" للحصول على الأسلحة والدعم الفني والتقني والسياسي، مما أثار حفيظة الإمبرياليين وإعلان حرب مفتوحة على مصر تشكلت بعدوان ثلاثي ركائزه إنكلترا وفرنسا و "إسرائيل". لقد فشل العدوان في تحقيق أهدافه مما ضخّ زخماً في عروق ثورة يوليو للمضي في عملية التطوير والتنمية الداخلية في إطار تنظيم متماسك - الاتحاد الاشتراكي العربي-، أفرز ثورة الإصلاح الزراعي، والاشتراكية، وتطوير مشاريع صناعية كبرى كمصنع الحديد والصلب والصناعات العسكرية، وغير ذلك من المشاريع التي وفّرت فرص عمل لشعب مصر، واقتصاد يتوجه إلى الاستقلالية والمتانة. لكن الاهتمامات القومية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، والإيمان بأن الطريق الأهم والأفضل يتمثّل في تحقيق وحدة متكاملة عربية، كل هذه الأمور كانت حاضرة في ضمير الرئيس جمال عبد الناصر، الداعم والمساند لكثير من الحركات التحررية العربية، والعمل على تقوية الجيش المصري وتسليحه بالسلاح المتطور استعداداً لمعركة التحرير الكبرى في فلسطين. لست هنا في معرض تلبيس الثورة ثوب الكمال، ولكل تجربة إيجابياتها وسلبياتها، وما قام به مجموعة من الضباط الأحرار الشباب متطلعين بكل أمل لتطوير مصر والالتفات إلى المحيط العربي والإسلامي والعالمي، ومن يعمل على تلك الأهداف، لا بد أن يتعرّض لبعض الإخفاقات في بعض التوجهات، وعداء الإمبرياليين والأنظمة العربية الرجعية كانت دائماً بالمرصاد لنجاحات الثورة. أخيراً.. إن ثورة يوليو بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والضباط الأحرار حققت لمصر وللأمة العربية ما لم يحققه أي نظام عربي، واستطاعت أن تستقطب رضا الجماهير العربية قاطبة، وما خروج الجماهير في كل عواصم ومدن العالم العربي يوم هزيمة حزيران واستقالة عبد الناصر، محمّلاً نفسه بشجاعة مسؤولية الهزيمة، برفض استقالته والإلحاح على بقائه قائداً لمسيرة النضال العربي، لأكبر شاهد ودليل على صدق توجهاته القومية وإخلاصه لقضايا الأمة. لقد استطاع الرئيس جمال عبد الناصر أن يحقق مكانة وقيمة وحضوراً لمصر وللأمة العربية على المستوى العالمي، واستطاع أن يكون القائد لتطلعات وأمنيات شعوب الوطن العربي من خلال مواقفه الوطنية والقومية، وكان بكل الأوقات مستهدفاً من قبل أعداء الأمة، ومن العقول التي تخشى التغيير والإصلاح. إن الحركات الثورية العربية المتناغمة مع فكر ثورة يوليو، ما زالت تقدم كل أسباب الدعم للمقاومة العربية، وهذا متوارث من فكر الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان وسيبقى حاضراً في أقوال وأفعال الشعوب المتطلعة إلى حريتها وتحررها. رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر في يوم ذكرى الثورة 23 يوليو، ويبقى الأمل معقوداً على شعب مصر الحر والقادر على النهوض واستعادة موقعه الريادي. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ثورة 23 يوليوالمجد العربي الذي ضاع ..ويجب أن يسترد [7/21/2008]? بقلم /م.سميح خلف : http://albadell.net/imgs/11/abdonasser.jpg مضى 56 عاما على فجر ثورة يوليو ، وأمه تبكي على واقعها ، أمة تتعرض للمكائد من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ، أمة كانت تقول لبيك عبد الناصر ِ . ثورة 23 يوليو التي كانت نقطة انطلاقة وانتفاضة على واقع ونتائج الحرب العالمية الثانية وما رافقها من تواطؤ من أنظمة تجاوزت شعوبها لتخرج من الاستعمار العثماني إلى الطموحات النازية إلى الامبراطوريات التي غابت عنها الشمس الامبراطورية البريطانية ولتدخل من جديد تحت فكي القوى العظمى سواء كتلة شرقية أو كتلة غربية وليقع بها الحال مؤخرا ً تحت براثم البربرية الأمريكية والصهيونية اللتان مازالت أطماعهما في احتواء كل الوطن العربي . ثورة يوليو التي كانت حافزا ً لكل حركات التحرر في الوطن العربي من اليمن بجنوبه بشماله إلى الجزائر إلى ليبيا إلى سوريا إلى الصومال على طريق تحقيق وطن عربي واحد تجمعه كل أواصر الوحدة التاريخية والحضارية وان افتقر واقع الأمة العربية إلى العمق في النظام الرسمي العربي الذي حارب فكرة الوحدة وحارب عبد الناصر وتآمر على مصر قلعة الشموخ العربي فكان الانفصال بين الوحدة القائمة بين سوريا ومصر في أوائل الستينات وكان الفشل لكل دعوات الوحدة العربية التي ارتأت فيها الدول الرجعية خطرا محدق على أنظمتها ومصالحها ومن هنا فشلت الوحدة الثلاثية أيضا ً بين مصر وسوريا وليبيا . عندما نتذكر ثورة يوليو نتذكر القضاء على الاقطاع المتوارث عبر زمن من الاستعمار والأنظمة العفنة ونتذكر ثورة العمال والفلاحين المقهورين في المجتمع العربي المصري ، ونتذكر مصانع الحديد والصلب ونتذكر السد العالي الخالد الذي كان معجزه في وقته ونتذكر مصانع النسيج والاسمدة ، انجازات في زمن قصير حققتها ثورة يوليو وزعيمها الخالد جمال عبد الناصر ، إنها بحق ثورة المقهورين والمظلومين في الأمة العربية سواء في دلتا مصر أو في قبلي مصر وأينما تواجد الانسان العربي المظلوم والمقهور . هذه هي ثورة يوليو التي افتقدتها الجماهير والشعوب العربية ، لقد ضاعت الانجازات عبر أنظمة الخصخصة وتوجهاتها التي تصب في مفهوم الفرز للشعوب ولتتحكم فئة 5 % في مصير 95 % ، ثورة يوليو التي عملت حثيثا ً على توفير وتأمين العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري كخطوة أولى لتوفير العدالة الاجتماعية في المجتمع العربي . لقد آمنت ثورة يوليو بأن طريق الحرية هو أولا لتحقيق منظومة اشتراكية واحدة على طريق الوحدة بالتالي لقد آمنت بتلك المنطلقات حركات التحرر الوليدة في المجتمع العربي ما بعد ثورة يوليو سواء في العراق الأشم أو قلعة الصمود سوريا أو في قلعة المبادئ والفكر التي قادتها ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا وبرغم أن ثورة يوليو قد لعبت دورا هاما في اسقاط حلف بغداد وفي انجاح توجهات ثورة الجزائر وتحقيق استقلالها نحو نفس التوجهات لثورة يوليو الأم إلا انها تلقت صدمة بالإنقلاب الذي حدث على الزعيم بن بلا ولكن لم تخرج الجزائر من البوتقة العربية المساندة لحركات التحرر الوطني . ثورة يوليو التي تعرضت لأكبر هجمة من الدوائر الامبريالية والرجعية في المنطقة العربية والتي على أثرها كانت نكسة 67 والتي كان من أهدافها اجهاظ البرنامج الاقتصادي المصري وعجلة الانتاج المصرية التي غزت الأسواق الأفريقية وأوروبا الشرقية والتي كانت بمثابة منافس شديد لشركات الاحتكار الامبريالية في تلك المناطق والهدف الأساسي الآخر اجهاظ التوجهات القومية ومبادئ وأهداف ثورة يوليو السياسية باعتبار أن الكيان الصهيوني على أرض فلسطين كيان شاذ يجب ان ينتهي ولن تحقق الوحدة العربية إلا بانتهاء هذا الكيان المغتصب للأرض الفلسطينية ومن هنا كانت الأزمة التي مرت بها ثورة يوليو بقيادة زعيمها الخالد جمال عبد الناصر . لقد لعبت ثورة يوليو دور كبير في النهضة الفكرة والوطنية عند المواطن العربي والمواطن الفلسطيني تحديدا ً وإن كان هناك من فضل أساسي لظهور النخبة الثورية في فلسطين فيرجع الفضل لعبد الناصر وثورة يوليو الذي قال عن الثورة الفلسطينية "وجدت الثورة الفلسطينية لكي تبقى " وقال أبو عمار " لتنتصر " ولكن أين نحن من هذه المقولة ؟ في عمق الازمة في الصراع فقدت الامة العربية زعيمها وقائدها عام1970، وفتح الباب واسعا لنكسات متتالية من خلال انقلابات رجعية من داخل مجلس قيادة الثورة وتسلم السادات الحكم في مصر مدعوما من امريكا ويوجه السادات ضربة قاسية لثورة يوليو وتوجهاتها ولحلفائها من الروس وتبلورت هذه الضربة باخراج الخبراء الروس من مصر وليدخل السادات في حرب تحريكية مع الكيان الصهيوني وبسيناريو معد امريكيا لاجهاظ مخططات عبد الناصر بخصوص المواجهة مع اسرائيل واستثمار ما اعده عبد الناصر في الجبهة الداخلية اوجبهة المواجهة مع الكيان الصهيوني بما اعده من خطط عسكرية لاقتحام خط بارليف واعداد متقن للجيسش المصري من قادة وجنود واستغلال تلك الكفاءات في حرب محدودة سقفها ونتائجها الاعتراف والتطبيع ووضع سيناء كمنطقة معزولة وتزويد الكيان الصهيوني بالبترول والغاز بثمن بخس انقلاب رجعي لم يجد له الا طريق زيارة القدس والبرلمان الصهيوني وكامب ديفيد ، وخرجت مصر من الصراع وكبل الشعب العربي في مصر، وأصبحت مصر بدلا من أن تكون طرفا في المواجهة مع الكيان الصهيوني مجرد وسيط بين أطراف الصراع بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني . لقد كان لفقدان الامة العربية ثورة يوليو وأركانها تأثيرا ً كبيرا ً على حركة المقاومة الفلسطينية فمثلما حدث الانقلاب الرجعي على ثورة يوليو حدثت انقلابات متتالية متدرجة في داخل اطر الثورة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح نفس السيناريو مكرر وبآليات مختلفة وسيطر التيار الرجعي في داخل حركة فتح على منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة حركة فتح وكان الطريق أيضا ً إلى أوسلو وملحقاتها والتقى التياران الرجعيان في المصالح وكان للتيار الرجعي في مصر دور واضح في دعم التيار الرجعي في منظمة التحرير الفلسطينية ، هذا التيار الذي يفاوض العدو الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية بل أقر وجود اسم هذا الكيان ضمن خططه ومخططاته التفاوضية بوجود هذا الكيان على 82% من أرض فلسطين التاريخية وكان لهذا التيار الذي حارب وأتلف مقومات الانتفاضة وأهدافها الاولى والثانية في الشعب الفلسطيني هو نفس التيار الذي حول الثورة الفلسطينية من ثورة مسلحة تقود حركة تحرر إلى ثورة من أجل الراتب وتكدس الملفات الوظيفية التي تنتظر موازنتها من الأنظمة الامبريالية والرجعية العربية . والحديث يطول في هذا الملف ولكن ما يهمنا الآن مثلما تعرضت ثورة يوليو للتآمر والاجهاظ تعرضت باقي حركات التحرر الوطني بنفس السيناريو في العراق وكان نتاج هذا التآمر هو اغتيال الزعيم القومي صدام حسين وانقلابات سياسية في الجزائر ومن نفس أعضاء مجلس قيادة الثورة ، أما ثورة الفاتح من سبتمبر التي مازالت على معدنها وأصالتها بقيادة الزعيم القومي معمر القذافي الذي تمرس في حنكته السياسية والدبلوماسية واستطاع أن يعرف من أين يبدأ في الصراع مع القوى الامبريالية وأين ينتهي لقد حافظ على جوهر الثورة وأصالتها وبرغم تعرضها لعشرات من التآمر من الداخل والخارج. في الذكرى 56 لثورة يوليو نستطيع أن نقول أن حركات التحرر الوطني قادها فرسان بحق أنهم قادة لأمة ولكن لم تستطع حركات التحرر الوطني أن تحافظ على وجودها وذاتيتها بعد رحيل قادتها بسبب أنها لم تستطع بناء كادر يدافع عنها ويحافظ على انجازاتها وهذا ما حدث في مصر وفي اكثر من دولة عربية وهذه من الأسباب الهامة التي دعت إلى ضياع الانجازات لثورة يوليو وأعتقد لباقي الثورات الأخرى إلا أن الاخوة والرفاق في العراق في حزب البعث العربي الاشتراكي كانوا أكثر اعدادا فكريا ً وسياسيا ونضاليا للكادر البعثي من حركة القوميين أو الاتحاد الاشتراكي العربي الذي اعد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ليكون بمثابة حزب وأطر تحافظ على الثورة ومنجزاتها فعل تعي باقي حركات التحرر الوطني والقومي من هذا الفشل وأن تعد كدرا ً يستطيع السير وتوجيه الشراع لإستمرارية الثورة ومنطلقاتها القومية بعد انتهاء قادتها سؤال ستجيب عنه السنوات القادمة . واخيرا هل نستطيع القول أن فكر القومية العربية انتهى ممارسة وتطبيق نستطيع القول ان الفكر القومي مازال قائما في كل مكونات ومسامات المواطن العربي وفرز القيادات الموجهة يجب ان تكون من صميم عمل القوى القومية والتقدمية في الوطن العربي لكي يخوض هذا الفكر معركة الصدام والصراع مع البرنامج الأمريكي والصهيوني الذي يتغلغل في احشاء الامة العربية يوما بعد الأخر . وتبقى ثورة يوليو المجد العربي الذي ضاع ويجب أن يسترد . |
رد: ابحاث ثورة يوليو
لينا عودة
ان شاء الله لتكملة الموضوع |
رد: ابحاث ثورة يوليو
ر ووووووووعة
ننتظرك غاليتى مرمر قمة الجمال ومعلومات قيمة دعواتى لك بالصحة والعافية |
رد: ابحاث ثورة يوليو
معلومات قيمه ومتابعين معاك يا قمر مجهود راائع ومميز لروحك كل الود |
رد: ابحاث ثورة يوليو
تسلموا
نور اميرة وشكرا على التشجيع نكمل |
رد: ابحاث ثورة يوليو
في الذكرى السنوية لثورة 23 يوليو تموز شهر الثورات والانتصارات بقلم: زياد شليوط لم يكن الـ 16 من تموز، يوما لاستعادة حرية الأسرى اللبنانيين وفي مقدمتهم عميد الأسرى، سمير القنطار ويوما لاستعادة مئات جثامين الشهداء وفي مقدمتهم الشهيدة الفلسطينية، دلال المغربي فحسب، انما كان يوما وطنيا لبنانيا بامتياز، بل يوما قوميا للعرب خفقت فيه قلوب وتحركت مشاعر ملايين العرب، على عكس مشاعر زعماء غالبية دولهم. جاء هذا النصر الجديد ، الذي رسخ نتيجة حرب تموز قبل عامين، في ظل انجازات لبنانية رائعة، تمثلت في الاتفاق الوطني الداخلي، الذي تم بجهود عربية في قطر، وتشكيل حكومة وفاق وطني، وانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان يواصل طريق سلفه، وهذا ترجم في حضور جميع القوى اللبنانية وقادة الأحزاب وفي مقدمتهم سعد الحريري ووليد جنبلاط من قوى ما كان يسمى الأغلبية، فلم تعد في لبنان أغلبية أو أقلية، بل بقيت هناك قوى هامشية، أخذت حيزا أكثر مما تستحق غابت في هذه الاحتفالات، تتمثل في المأجور المعروف سمير جعجع ومن هم على شاكلته من العملاء الساقطين. صدق من قال سابقا أن تموز هو شهر الثورات، حيث شهد عدة ثورات هامة على صعيد العالم، وفي عالمنا العربي كانت أهم وأبرز ثورة ، ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 التي قادها القائد التاريخي، جمال عبد الناصر على رأس تنظيم "الضباط الأحرار" الذي حقق لمصر فجرا جديدا، تمثل في انتقال الحكم إلى أياد مصرية وطنية، وعادت الثروة القومية لأبناء الشعب، والأرض للفلاحين المصريين، والأهم أنها زرعت الكرامة ورفعت رأس العرب في كل أصقاع العالم. ويأتي تموز ليسجل نصرا عسكريا نادرا على القوة العسكرية الأولى في منطقتنا، اسرائيل ومن ورائها أمريكا. وحقق هذا النصر مقاتلو حزب صغير في لبنان، حزب الله، بقيادة القائد التاريخي، السيد حسن نصرالله. هذه القوة العظيمة التي رفع يديه عن قتالها الرئيس المصري السابق سيء الصيت، أنور السادات، الذي قال أنه لن يقاتل اسرائيل لأنه سيقاتل امريكا من ورائها وهو غير قادر على ذلك. هذا ما قاله رئيس أكبر دولة عربية، لديها أكبر وأقوى جيش في ذلك الوقت، وكان قد خرج منتصرا من حرب أكتوبر 1973 على اسرائيل وأمريكا من ورائها، لكن السادات الذي كان على تنسيق مع وزير الخارجية الأمريكية، هنري كيسنجر أجهض نتائج الحرب العسكرية بخطوته السياسية المشبوهة، وباع القضية والوطن والنصر بأبخس الأثمان لأمريكا واسرائيل. وانتظرنا كل تلك السنوات الطويلة إلى أن ظهر القائد حسن نصرالله، الذسي يتمتع يالنظر الثاقب، والإرادة والتصميم والعزم الذي لا يلين، وحقق ضربات موجعة للجيش الاسرائيلي "الذي لا يقهر" وحطم تلك الأسطورة وجاء النصر الثاني الذي عزز النصر الأول، في تموز 2008 في عملية تحرير الأسرى ورفات الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين مقابل جثتي جنديين اسرائيليين. وكما أكد السيد حسن نصرالله نفسه، وبأريحية عالية ووطنية سامية، أن ما أنجزته المقاومة اللبنانية هو استمرار للمقاومات السابقة في الوطن العربي وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية على اختلاف فصائلها وانتماءاتها، وأن هذه عملية مستمرة ومتواصلة فجيل يسلم الراية لجيل بعده، ومن يتعب أو يتقاعد يسلم القيادة لمن يمكنه مواصلة طريق المقاومة. ألم يفعل ذلك قائدنا العظيم، جمال عبد الناصر من قبل؟ ألم يتحمل بكل شجاعة وإباء مسؤولية نكسة 1967، ولم يكن هو المسؤول المباشر عنها، وأعلن تنازله عن الحكم وتسليم الراية لمن بمقدوره مواصلة المسيرة، لكن الشعب المصري العظيم ومعه الشعوب العربية الحية، هبت بوقفة واحدة تعلن أن المشوار لن يتم ولم يستمر إلا بقيادة عبد الناصر نفسه، لأن الجماهير وبحسها الفطري أدركت أن لا قائد ولا رئيس آخر يمكنه أن يقود مسيرة الإصلاح والمقاومة وتحرير الأرض سوى عبد الناصر. ألم يعلن معلمنا عبد الناصر من قبل أن القومية العربية وجدت قبل عبد الناصر وستبقى بعد عبد الناصر، وأن الأمة العربية هي خصم الاستعمار وليس عبد الناصر، ألم يصدق في ذلك، ألم تثبت الأيام والسنون أن ما قاله المعلم كان صحيحا. واليوم أكثر من أي وقت يثبت لنا مدى مصداقية ذلك الكلام وتلك المواقف، مع قيادة حسن نصرالله التي تمثل نفس المدرسة التي تخرج منها عبد الناصر وإن اختلفت الأساليب والاجتهادات، فلكل حقبة ظروفها المختلفة، ولكل موقع امكانياته المختلفة، لكن الرسالة واحدة وخالدة وباقية. .. وكذلك الطريق الدبلوماسي آمن عبد الناصر بالطريق الدبلوماسي أيضا، بشرط عدم التنازل عن المواقف الأساسية والثوابت الوطنية، وهذا كان موقفه عندما وافق على "مبادرة روجرز"، التي أساء الكثيرون فهم مقصد عبد الناصر من ورائها، وأثبت التاريخ أن موقفه كان صائبا وعقلانيا ويصب في مصلحة الدفاع عن الأراضي المصرية وحمايتها من الغارات الاسرائيلية، والاستعداد للحرب التحريرية التي تحقق جزء منها في حرب 1973، وهكذا يواصل السيد حسن نصرالله تلك الطريق، فالى جانب طريق المقاومة بالسلاح والحرب، يعمل بالطرق الدبلوماسية لتحرير الأسرى وجثامين الشهداء، فالطريق الدبلوماسي تأتي خدمة واستمرارا لطريق المقاومة وليس العكس. ويسير على هذه الطريق الرئيس السوري، الدكتور بشار الأسد الذي سجل نصرا دبلوماسيا مؤخرا، دون أن يتنازل عن مواقفه السياسية المعروفة. وتمثل ذلك في توجيه الرئيس الفرنسي، ساركوزي دعوة له لحضور مؤتمر المتوسط في احتفالات الثورة الفرنسية، وحضور الأسد فعلا وسط دهشة العالم. وهنا لا نعلن موقفا من هذا المؤتمر فيحق للمهعارض والمنتقد اعلان رأيه، لكن ذلك لا ينقص من أهمية ظهور الأسد ومعاني حضوره. فكلنا يذكر الحملة الأمريكية والغربية، والتي شارك فيها الرئيس الفرنسي السابق على سوريا في أعقاب مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، تلك الحملة الظالمة على سوريا لأنها تنتهج خطا معارضا للسياسة الأمريكية في المنطقة. وفشلت الحملة بكل أبواقها الغربية و"العربية" ولم تتراجع سوريا عن مواقفها، لم تقطع علاقاتها بايران، لم تطرد قيادة حماس من أراضيها ولم تغلق مكاتب الفصائل الفلسطينية المغضوب عليها، بل نجحت في لعب دور فاعل في رأب الصدع الفسطيني بفضل علاقاتها المميزة مع المعارضة والسلطة، وكذلك في الوفاق الداخلي في لبنان بفضل علاقتها المميزة مع قطر، بل اعترفت الصحافة الاسرائيلية أن سوريا أخذت مكان مصر الضعيفة والسعودية في التحرك العربي الفاعل. وصورت صحيفة "هآرتس" النجاح الدبلوماسي أمام الإخفاق الاسرائيلي في رسم كاريكاتوري، ظهر الأسبوع الماضي يمثل برج ايفل في باريس، وقد نصب على رأسه العلم السوري، ويقف الرئيس السوري، بشار الأسد في وسطه ملوحا لرئيس الحكومة الاسرائيلية، أولمرت وهو يغادر باريس في أسفل البرج عائدا إلى تل أبيب يجر أذيال الخيبة والهزيمة، من قمة دول المتوسط. إن الرموز التي وضعها باحكام وذكاء رسام الكاريكاتير تختزل كل التعليقات الصحفية والاذاعية، وكل المشاهد والصور التي نشرتها وأبرزتها وسائل الإعلام، وخاصة تجاهل الأسد لأولمرت وعدم الالتفات إليه لمصافحته كما فعل زميله مبارك على سبيل المثال. لقد عبر هذا الكاريكاتير عن الحالة السياسية التي يعيشها كل من الزعيمين. أولمرت في نزول مستمر داخليا وخارجيا، والأسد في صعود مطرد وخاصة على صعيد الخارج، وهذا الزعيم الذي سخر منه الكثيرون واستهانوا بقدراته الدبلوماسية أثبت أنه معلم وثعلب سياسي يذكرنا بما قام به والده المرحوم، حافظ الأسد. فبعدما خيل للبعض أنه إلى زوال، ها هو ينتعش ويعود لمركز الأحداث والتحركات السياسية دون أن يتنازل كغيره عن مواقفه الثابتة، ودون أن يتراجع عن سياسته الراسخة. إن استعادة سوريا ورئيسها الأسد لمكانتهما، وما حققه القائد حسن نصرالله هذا الأسبوع، يثبت أمرا واحدا أن طريق التنازلات وتقبيل الأيادي لا تأتي بنتيجة، وأن سياسة الثبات والصمود في المواقف المبدئية هي طريق النصر وإن طالت هذه الطريق. وهذه هي الطريق التي خطها وأكدها من قبلهما المعلم الخالد، جمال عبد الناصر الذي لم يتنازل للاستعمار والامبريالية والصهيونية، وخاض ضدها الحروب، ولم يخش المواجهات معها، وهو الذي دعا الانسان العربي لأن يرفع رأسه عزة وكرامة وأن لا يتنازل عن حقوقه الثابتة، لأن عهد الاستعباد ولى. (شفاعمرو/ الجليل) |
رد: ابحاث ثورة يوليو
سبعينية تشكو أمام ضريح ناصر هوان العرب,24/07/2008 القاهرة غريب الدماطي: احتشد سياسيون ودبلوماسيون مصريون وعرب أمام ضريح الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، أمس، احتفالا بالذكرى السادسة والخمسين لثورة 23 يوليو/تموز، فيما وضع العشرات من ممثلي السفارات العربية والأحزاب الناصرية أكاليل الزهور على “مرقد” عبدالناصر. ونظم العشرات من نشطاء القوى والأحزاب الناصرية المصرية والعربية مظاهرة رددوا خلالها الهتافات المعادية للعدو الصهيوني والسياسة الأمريكية في المنطقة العربية. وكان لافتا وجود العشرات من المواطنين المصريين أمام الضريح وجذبت سيدة عجوز تجاوزت ال75 عاما من عمرها الأنظار ببكائها ونحيبها وحديثها الموجه للزعيم عبدالناصر حيث قالت إنها تشكو له هوان العرب من بعده وزيادة أطماع أعدائهم فيهم وضياع حقوق الفقراء. وقال عبدالحكيم نجل الرئيس الراحل ل”الخليج” إن ثورة يوليو غيرت ملامح المجتمع العربي وقضت على الفساد السياسي في مصر، وقادت حركات التحرر الوطني في العالم الثالث.. وأبدى نجل عبدالناصر دهشته مما سماه بالردة على منجزات الثورة، وقال إن هذه الردة أعادت الأمة العربية ومصر إلى نقطة ما قبل البداية. ومن جانبه قال وزير الإعلام الأسبق محمد فائق إن الأمة العربية أحاطها بعد رحيل قائد الثورة العديد من المخاطر ومظاهر الضياع والانهيار مطالبا القوى القومية والناصرية في العالم العربي بالتمسك بمبادئ الثورة والتصدي لمحاولات التشرذم والتفتت العربي. وأعلن الأمين العام للحزب الطليعي الاشتراكي الناصري في العراق د. عبدالستار الجميلي: أنه في الذكرى السادسة والخمسين للثورة لابد من التأكيد على القيم الأساسية لها وأفكار زعيمها ازاء الوطن العربي الكبير لتعزيز استمراريتها والتواصل معها عبر التجديد في الخطاب والوسائل والدماء، لأن الناصرية بطبيعتها ثورة مستمرة ومشروع للحاضر والمستقبل. وأكد د. عمر الشاهد القيادي بالتنظيم الناصري في تونس أن ذكرى قيام الثورة تشكل استحضارا للماضي واستشرافا للمستقبل، لافتا إلى أن ثورة يوليو لم تخفت وأن مبادئها مازالت حية وإحياء ذكراها لا يعني الوقوف على الأطلال، بل هو في حقيقة الأمر دعوة لبناء مستقبل أفضل لهذه الأمة. وقال د. صلاح الدسوقي الأمين العام للمؤتمر الناصري العام إن التواصل واللقاء عند ضريح عبدالناصر في أكثر من مناسبة هو دليل قاطع على أن وحدة التيار الناصري واستعادته لدوره الطليعي في قيادة الجماهير العربية ليست أمرا مستحيلا. وحيا بيان صادر عن المؤتمر الناصري العام المقاومة في جميع أرجاء الوطن العربي، وقال إن المؤتمر الناصري يوجه تحيات العز والفخر إلى أبطال المقاومة. وأثنى على المقاومة اللبنانية معربا عن فرحته بالنصر الذي حققه حزب الله وأشاد بقائد عملية جمال عبدالناصر المناضل سمير القنطار ورفاقه الذين صمدوا في الأسر. وأكد البيان على أن تحرير الأسرى واستعادة جثامين الشهداء هو تتويج لانتصار حرب يوليو/تموز 2006 ولهزيمة قوى العدوان، مشيداً بتماسك المقاومة وسموها فوق كل الروابط العشائرية والطائفية والحزبية الضيقة. |
رد: ابحاث ثورة يوليو
اليوم و في الذكري السادسة و الخمسين لثورة يوليو تجمع المئات أمام و داخل مسجد القائد جمال عبد الناصر ووسط عشرات من باقات الزهور قرأ الجميع الفاتحة أمام قبر أبو خالد و تقدم الحضور نجل القائد الأخ عبد الحكيم عبد الناصر و ممثلي الأحزاب و الحركات الناصرية علي أمتداد العالم العربي و من موريتانيا غربا الي العراق شرقا مرورا بسوريا و لبنان و اليمن و العراق و تقدم شياب المندرة من الناصريين المشهد و معهم زهور الثورة العربية من الأطفال المشهد بتنظيم وقفة أمام المسجد و رغم الحشد الأمني الهائل تمكن الشباب من النزول الي الشارع و تحرش الأمن بالمناضل محمد الأشقر وهتف الشباب تحية لثورة يوليو أم الثورات في العالم الثالث و هتفوا ضد رجعة و خيانة أنظمة الأستعمار العربي الجديد من حكام النهب و الفساد و التوريث و حيا المتظاهرون المقاومة اللبنانية و العراقية رافعين صور قائد الثورة الزعيم جمال عبد الناصر و في داخل الضريح ألقيت قصيدة واناصراه دع ألف شبـلٍِِ يحمـلون شموعـاً و ادعُ المـواكب كي تكون دروعا واكتب على صدر الزمان مبادئـاً مِـنْ وحي نـاصرَ فجّرت ينبوعا إنّ الـذي احتـل البلاد بقـوةٍ لا غير سيف الثأر عنه رجـوعـا الحـقُ لن يعلـو بـذلِّ مُفاوضٍ لا صلـح لا استسلام لا تـطبيعـا بـالله يـا من نحو ناصر يمّموا اتلوا السلام عـلى الضريح خشوعا فـالـقـلب يخفق والبيارق زينت ذاك الضريـحَ و عمَّدتـه دموعا قـولا لـه أنّ العـروبـة بعـدهُ ركعت أمـام الطامعين خضوعـا و غـدا الجزائرُ في صراعٍ أهله و غـدا العـراق مشرداً مفزوعـا "بوشٌ"بسيف قريشِ يرقص ساخراً؟ و نـخيـل بغدادٍ بـه مقطـوعـا و القدس ثكلى لا هجـوع ببرّهـا و مليك عمـانٍ ينـام هجـوعـا؟ و حصار غـزة يبتنيه مبارك ؟؟ و الكـل مـن حكامنـا مجزوعـا صدعـوا بأصوات الخيانة جهرةً فـإذا الفداء بحكمهـم مصدوعـا جذعـوا أنـوفَ الثائـرين بذُلهم فترى الإبـاء بسيفهم مجـذوعـا يـا نـاصرٌ قـلب العروبة نازفٌ أصمـاه سهمٌ في الجـوى مزروعا يـا نـاصرٌ كل السيوف تكسّرت مـن يُرجع الأحرار و المشروعا؟ قمْ فالعـرين يصيحُ نـاصرَ باكياً و عـلى ضفاف النيل صاح هلوعا هـذي جمـوع الثائرين تفرقت بعـد الفـراق و جمعهم مفجوعا هـذي جمـوع الجائعين تساءلت مَن بعد ناصر سوف يرمي الجوعا يـا مـن نفحت بقلب يعرب غزةً كيف الرحيـل وقد دعوتَ جموعا؟ يـا ثـورةً زرعـت بذور فدائها و بناصرٍ صـار الفـداء فروعـا يـا كـوكباً ضاء السماء بنوره و تـرى النجوم تعانقته سطوعـا قـد كنت شمساً نهتدي بطلوعهـا و اليوم ننشد في الظلام طلـوعا طعنـوك بعـد الموت ظنـاً أنهم قـد يخلدون و صوتهم مسموعـا فـإذا بهم جسـدٌ تساقط هـاويـاً قلباً يمـوت و لا يـريـد ضلوعا هـل يـوم تأميم القناةِ بعـائـدٍ حتى يكـون خطابـه مصدوعـا يـا أيهـا السّد العلي بـرفعَـةٍ تعلـو عـلى أهرامهـا مرفوعـا قـل أنّ نـاصر قـد بنتك يمينه و بكفه اليسرى أضاء شمـوعـا أضحـت لـدرب الثائرين معالماً للـوحدة الكبرى غدت مشروعـا يـا أمّـة الأعـراب ناصرُ وحدةً و هـو الأمين لأحمـدٍ و يسوعـا شـدّي إليكِ بنهجـه و بسيفـه و ستصنعين مـن الخـريف ربيعا الحـقُ لا يعلـو بـذلّ مفـاوض لا صلـح لا استسلام لا تطبيعـا شـدّي إليكِ بنهجـه و بسيفـه و ستصنعين مـن الخـريف ربيعا شعر: خالد حجار فلسطين |
الساعة الآن 05:46 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by